محمد بوداري يسود مناخ من التعتيم الإعلامي على حركات الاحتجاج التي تعرفها الجزائر مؤخرا، وذلك بفعل الحصار الذي يفرضه النظام على الإعلام الأجنبي والمراقبة المشددة لوسائل الإعلام الجزائرية، في محاولة منه لمنع كل الإخبار والصور التي تتحدث عن الوضع المتفجر في بلاد المليون شهيد. وكانت حركة 17 شتنبر 2011 قد دعت إلى "خريف غضب" يوم السبت الماضي عبر موقعها الاجتماعي بالفيسبوك، إلا أن النظام الجزائري عمل على استنفار جميع قواته الأمنية والعسكرية والمخابراتية لمواجهة خريف الغضب الجزائري الذي بدأت رياحه تهب على الجزائر. وعلم من مصادر محلية أن السلطات المحلية بباب الوادي عقدت، نهاية الأسبوع الماضي اجتماعا مع 35 جمعية بالعاصمة سطرت خلاله برنامجا خاصا لمواجهة مظاهرة 17 سبتمبر التي رأوا أنها ضد الجزائر واستقرارها. وكشف رئيس الحركات الجمعوية للجزائر العاصمة، يحيى نصال، عن مخطط سطرته 35 جمعية، للوقوف ضد المسيرة التي أشيع بأنها تنظم يوم السبت 17 سبتمبر، والتي أطلق عليها "يوم الغضب"، حيث تم توزيع أعضاء الحركات الجمعوية ب57 بلدية بالعاصمة استعدادا للوقوف ضد المسيرة. وقال رئيس الحركات الجمعوية بالعاصمة إن "الجزائر ليست ليبيا ولا تونس ولا مصر، بل هي بلد خاض تجربة الديمقراطية سنة 1988 وخرج منها بسلام". يشار إلى أن النظام الجزائري أصبح يتحسس كثيرا منذ شهور لأي تحرك شعبي أو احتجاج مرتبط بمطالب اجتماعية خشية أن يتحول إلى مطالب سياسية وربطه بموجة الثورات التي تشهدها المنطقة، إذ يتحجج المسؤولون الجزائريون بأن ما يؤجج احتجاجات المواطنين ينحصر في أزمة السكن والبطالة وغلاء المعيشة، أو نقص الخدمات اليومية بشتى أشكالها، بالإضافة إلى المطالبة بالحقوق المهنية الاجتماعية، ولذلك فإن الدعوات الرامية إلى إسقاط النظام ترمي إلى خدمة أجندات خارجية تهدف إلى ضرب الاستقرار في الجزائر. وكانت الحكومة حذرت قبل أيام من وجود مخطط "صهيوني" يستهدف إثارة الفوضى في الجزائر عبر دفع الشباب إلى الشارع من خلال دعوات تم إطلاقها عبر الفيسبوك للخروج في 17 شتنبر الحالي. وتتحدث الأخبار عن نشوب مواجهات متفرقة بين المتظاهرين والقوات العمومية في مختلف جهات البلاد، أسفرت عن عدة إصابات وتتحدث بعض المصادر عن سقوط أول شهيد يوم السبت بمنطقة القبايل، إلا أن شحّ الأخبار وندرتها لا تسعف بتكوين نظرة موضوعية عن ما يقع في الجزائر. إلا أن تصريحات المسؤولين بهذا الشأن وخاصة ربطهم الأحداث والتطورات الأخيرة بالجزائر بمخططات صهيونية، وأن كل احتجاج ومطالبة بالحقوق من تدبير أيادي أجنبية، هو دليل على تأزم في الوضع وعلى النفق المظلم الذي وصل إليه نظام الجنرالات، وكلنا يتذكر ما قاله القذافي في الثوار الليبيين وما قاله حسني مبارك وزين العابدين بن علي من قبله في المواطنين الذين ضاقوا درعا من سياساتهم القمعية والاستبدادية. للإشارة فإن النظام الجزائري يعيش اليوم على أعصابه بعد العزلة الدولية التي أصبح يعاني منها، بسبب مواقفه الغير محسوبة من الثورة الليبية ودعمه للعقيد القذافي، تحت ذريعة الخطر الإرهابي الذي يتم اللجوء إليه من طرف الأنظمة الاستبدادية كفزّاعة لإجبار المنتظم الدولي على التضامن معها وغض الطرف على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي تقترفها هذه الأنظمة في حق "مواطنيها". إن نظرية المؤامرة التي لجأت إليها الأنظمة الديكتاتورية المنهارة لم تفد في شيء، وقد رأينا كيف سقط بن علي ومبارك وكيف يزداد الخناق على بشار الأسد يوما بعد يوم بالرغم من استغلاله البشع للقضية الفلسطينية وعزفه على وتر الصهيونية وسيمفونية الممانعة.. والأجدر بالنظام الجزائري أن ينأى بنفسه عن استغلال معزوفة المؤامرة الخارجية وينظر إلى الوضع في الجزائر بكل واقعية قبل أن تْزلزل الأرض من تحت أقدام الجنرالات ودميتهم "بوتيف".