تقع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين اليوم في منعطف خطير يهدد المنتوج الإنساني بخصوص التعايش بين أتباع الديانات وبينهم وبين من يتبع ديانات أرضية أو من لا دين لهم أصلا، وهو أصل في كل دين وأصل في الاجتماع البشري الخارج من الحالة الهمجية إذ "لا إكراه في الدين". لكن يبدو أن المتطرفين في كلا الجانبين، والتصرف ملة واحدة، نجحوا في تقويض أسس السلام الكوني المبنية على قبول الآخر واحترامه اختياراته الثقافية والدينية بشرط واحد هو احترام النواميس المؤطرة للوجود البشري في مكان محدد. ولا يختلف في ذلك المتطرفون من اليمين الراديكالي الغربي مع تنظيمات القاعدة العنقودية وخلايا السلفية الجهادية التي يقودها "الآباء" المستعدون للقتل والتدمير في أية لحظة. التطرف صناعة خبيثة يغيضها التعايش الإنساني، أما التسامح فهو خطأ مفهومي يفيد بعلو شأن جنس على آخر ومن فرط تسامحه يسمح له بالوجود. فمن شأن إقرار مشروع القانون الذي تقدم به اليمين المتطرف السويسري وصوت عليه الشعب بنسبة 59 في المائة في احترام تام للديمقراطية المباشرة أن يأتي على تاريخ كامل من النضال من أجل الوسطية الإسلامية، التي هي في أصلها حرب ضد الغلو والتطرف وقاطرة للتعايش بين المسلمين وغيرهم. لكن مما يثير الانتباه هو العمل الجبار الذي قام به اليسار السويسري لمواجهة مشروع القانون المذكور مع العلم أن الإسلاميين وعلماء المسلمين ظلوا يكنون عداء تاريخيا لليسار بل تحالفوا مع اليمين المسيحي الأمريكي من أجل القضاء على الأنظمة الشيوعية التي مهما يقال عنها فإنها كانت عنصر توازن في السياسة العالمية ويوم انهارت استفردت واشنطن بالعالم العربي والإسلامي. والغريب أيضا أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي، لم يقم بعمل يذكر في هذا الشأن ولم يضع خطة لتجاوز الأزمة باستثناء خطبة الجمعة الأخير التي صب فيها الزيت على النار بدل تهدئة الأوضاع والبحث عن مخرج والاتصال بالقوى التقدمية الرافضة لأية نزعة عنصرية تجاه أتباع الديانات والتي تعتبر الانتماء الديني جزءا من حقوق الإنسان، وخلط القرضاوي بين مواقف اليمين المتطرف ومواقف عقلاء المسيحيين والقوى اليسارية التقدمية. من جهة أخرى قال أكمل إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي "نموذجا جديدا يجسد مشاعر العداء المتنامي ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا من قبل جماعات اليمين المتطرف العنصرية والمعادية للمهاجرين وللأجانب، والتي تقف في وجه المواقف الحكيمة والمنطقية والقيم العالمية". في السياق ذاته قال بيان للمجلس العلمي الأعلى بالمغرب "ان المجلس لا يسعه إلا أن يستنكر هذا التوجه مهما كان مصدره ويرى فيه نوعا من أنواع التطرف والإقصاء " .