تشهد مناطق واسعة من أوروبا الغربية بداية مبكرة لموسم موجات الحرّ، وسط جفاف حاد يذكّر بعام 1976 الذي سُجل كأحد أكثر الأعوام جفافًا في تاريخ القارة. فقد سجّلت فرنسا أول موجة حرّ رسمية لهذا الصيف خلال عطلة نهاية الأسبوع، تزامنًا مع بداية فصل الصيف، حيث تجاوزت درجات الحرارة في بعض المناطق 39 درجة مئوية، ما دفع السلطات إلى إصدار تحذيرات من المستوى البرتقالي في 16 إقليماً. ووفقًا لهيئة الأرصاد الجوية الفرنسية "ميتيو فرانس"، جاءت هذه الموجة الحارة عقب ربيع جاف بشكل استثنائي، إذ كانت شهر مايو الماضي الأجف منذ نحو خمسة عقود في شمال غرب أوروبا. هذا الوضع أدى إلى تدهور حالة الغطاء النباتي وازدياد ما يُعرف ب"ضغط الماء" على النباتات، وهي ظاهرة بدأت هذا العام بشكل مبكر مقارنة بالسنوات الماضية. السلطات الفرنسية أشارت إلى أن موجات الحرّ باتت أكثر تكرارًا، وبدأت تمتد على فترات زمنية أطول، مع تسجيل موجات في يونيو 2022 وأخرى متأخرة حتى سبتمبر 2023، ما يعكس تحوّلاً مناخيًا واضحًا في القارة. وتختلف تعريفات "موجة الحر" من بلد إلى آخر. ففي فرنسا، يتم الأخذ بعين الاعتبار تجاوز درجات الحرارة القصوى والمتدنية لمتوسطاتها على مدار ثلاثة أيام متتالية. أما في بلدان أخرى مثل هولندا وبلجيكا، فتُحسب بناءً على تجاوزات محددة لدرجات حرارة النهار، بينما تعتمد إسبانيا على مقارنة البيانات مع المعدلات التاريخية لكل منطقة. ورغم تراجع طفيف في درجات الحرارة في فرنسا مطلع هذا الأسبوع، إلا أن الأرصاد الجوية تتوقع عودة الحرّ الشديد في جنوب البلاد خلال الأيام المقبلة، بالتوازي مع استمرار الجفاف في شمال فرنسا. أما في هولندا، فرغم الأجواء الحارة خلال الأيام الماضية، لم تُسجَّل موجة حر رسميًا بعد، لكن الجفاف بلغ مستويات قياسية، حيث لامس منحنى النقص في التساقطات مستويات عام 1976. الوضع نفسه يسود في إسبانيا، حيث شهدت البلاد أول موجة حرّ هذا الشهر، مع تسجيل أكثر من سبع أيام بدرجات حرارة فاقت 40 درجة، وهو أمر غير معتاد لشهر يونيو. ويبدو أن موسم الصيف في أوروبا الغربية ينذر بمزيد من التطرف المناخي، في ظل تصاعد الحرارة وتراجع المياه، ما يعزز المخاوف بشأن الأمن المائي والزراعي في المنطقة.