بوريطة يستقبل وزير الشؤون الخارجية القمري حاملا رسالة من الرئيس أزالي أسوماني إلى الملك محمد السادس    دعاية هزيلة.. بعد انكشاف مقتل ضباط جزائريين في طهران.. نظام العسكر يُروج وثيقة مزورة تزعم مقتل مغاربة في إسرائيل    الملك محمد السادس يهنئ دوقي لوكسمبورغ الكبرى بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    توقيع اتفاقية شراكة إطار بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات لتعزيز الإدماج السوسيو اقتصادي للشباب    قطر تُدين بشدة الهجوم الذي استهدف قاعدة العديد الجوية من قبل الحرس الثوري الإيراني    قطر تعلن عن إيقاف حركة الملاحة الجوية مؤقتا بسبب تطورات الأوضاع بالمنطقة    الرئيس السوري: لن يفلت مرتكبو تفجير كنيسة مار إلياس من العقاب    حموشي: المديرية العامة للأمن الوطني تولي أهمية خاصة لدعم مساعي مجابهة الجرائم الماسة بالثروة الغابوية    شرطي يستعمل سلاحه الوظيفي بالقنيطرة لتوقيف شقيقين عرضا سلامة عناصر الشرطة والمواطنين لتهديد جدي    انطلاق أولى جلسات محاكمة المتهم في "حادثة الطفلة غيثة".. وهذه هي التهم الموجهة إليه    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    بوتين: لا مبررات قانونية أو أعذار للعدوان ضد إيران    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    عبد النباوي: قيادة القاضيات أولوية        بنعلي: لن نتوفر على دينامية في البحث العلمي في الطاقات المتجددة بدون تمويل مستدام    كأس العالم للأندية.. "الفيفا" يحتفل بمشجعة مغربية باعتبارها المتفرج رقم مليون    19 جريحا في حادثة انقلاب سيارة لنقل العمال الزراعيين باشتوكة    إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي    بسمة بوسيل تُطلق ألبوم "الحلم": بداية جديدة بعد 12 سنة من الغياب    صديق المغرب رئيس سيراليون على رأس المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا ( CEDEAO)    خيي كاتبا جهويا ل "مصباح الشمال" ومريمة وبلقات يحجزان معقدا عن تطوان    الشعباني: "نهائي كأس العرش ضد أولمبيك آسفي سيكون ممتعا.. وهدفنا التتويج باللقب"    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    نقابيو "سامير" يعودون للاحتجاج على الموقف السلبي للحكومة وضياع الحقوق    ترقب إغلاق مضيق هرمز يثير مخاوف ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    العدالة والتنمية يدين الهجوم الأمريكي على إيران    بنك المغرب.. الأصول الاحتياطية ترتفع إلى 400,8 مليار درهم    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    إسبانيا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى "التحلي بالشجاعة" لمعاقبة إسرائيل    المغرب ‬يعيد ‬رسم ‬خريطة ‬الأمن ‬الغذائي ‬في ‬أوروبا ‬بمنتجاته ‬الفلاحية ‬    الناخب الوطني النسوي يعقد ندوة صحفية بعد غد الثلاثاء بسلا        أمطار رعدية مرتقبة بالريف وحرارة قد تصل إلى 38 درجة    ألونسو: من الأفضل أن تستقبل هدفًا على أن تخوض المباراة بلاعب أقل    معنى ‬أن ‬تصبح ‬العيون ‬نقطة ‬وصل ‬بين ‬شمال ‬أفريقيا ‬وعمقها ‬الجنوبي    الكركرات.. توقيف شاحنة محملة بالكوكايين القادم من الجنوب    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    كيوسك الإثنين | تسجيل 111 حريقا غابويا أتى على 130 هكتارا من يناير إلى يونيو    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    طنجة.. تتويج فريق District Terrien B بلقب الدوري الدولي "طنجة الكبرى للميني باسكيط"    منحرفون يفرضون إتاوات على بائعي السمك برحبة الجديدة وسط استياء المهنيين    الأستاذ عبد الرحيم الساوي يغادر المسؤولية من الباب الكبير.. نموذج في الاستقامة والانتصار لروح القانون    إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي
نشر في العرائش أنفو يوم 23 - 06 - 2025


تقديم عام:
يعتبر مفهوم القراءة من المفاهيم الأكثر تداولا في الخطاب العربي المعاصر عامة، وفي الخطاب النقدي خاصة، حيث يشكل هذا المفهوم رافدا من روافد الحداثة وأحد وجوهه البارزة، وبهذا المعنى لا يمكن فصل القراءة عن التراث والتأويل الحداثي، بسبب مركزية هذا التراث الذي ليس سوى نوع من التأويل المضاعف الذي يباشر تبادلا انطلاقا من مركزه، إذ إن مسايرته لمقتضيات القراءة يفترض أن عملية التحليل التي ينجزها الباحث قد ينقلنا من مركزية النص إلى مركزية الكتابة الجديدة واللغة الجديدة، وفي ظل هذه المسافة المعرفية بين زمن التراث وزمن القراءة فإن دور القراءة لا يصبح هامشيا كما في الكتابات التقليدوية، بل يفترض منا أن نحتكم إلى المنطق الإيديولوجي للتراث والأدوات المنهجية التي تقربنا من هذه الإشكالية العامة.
إذ كيف نقرأ التراث؟ فهذا السؤال ليس إدانة أخلاقية ولا فكرية، بل هو مبلغ القيام الجديد بدل الترديد، لأن طموح التحديث بدل التقديس هو الذي يجعلنا ندرك هذا المسلك الجديد في التفكير والنظر المنهجي، كل هذا من أجل رسم طريق مغاير في البحث والسؤال، على نحو يراعي مقتضيات تجدد القراءة والمعرفية المنهجية، ويتوافق هذا الطرح مع منطق الحداثة التي نحياها، بما هي زمن لها خصائصها الثقافية والتنويرية وانشغالاتها المعرفية.
وعلى هذا الأساس فإن النهوض بمسؤولية قراءة التراث من منظور حداثي أضحى أمرا لا خيار فيه بالنسبة لنا وبالنسبة لكل من يمارس مهمة الحفر والتأويل ويخوض غمار البحث في اركيولوجية المقدس والمدنس، فالخروج من هذه القراءة الخطية نرى أغلب الباحثين يعيدون هذه القراءة إلى الوصف والتأريخ والسرد دون تحريك أركان الحراك الحوار الفاعل بين من يقرأ وبين من يقلد وبين من يؤول وبين من يغلق النصوص كحقائق ناجزة وتصورات أحادية، إذن تطمح هذه الدراسة إثارة إشكالية القراءة في بعدها التراثي، في العلاقة التي يؤسسها هذا الفعل مع التراث (الشفهي والمدون) ويمكن اختزال هذه الأسئلة التي عملنا على طرحها في سؤالين:
– ما هو المنهج القادر على استيعاب هذا التراث؟
– ما الخلفية التي تتحكم في نظر الباحث؟
لعل صيغة هذه الأسئلة تختصر الامتدادات المعرفية والاجتماعية التي يفصح عنها النص الكبير، لأنه يوحي بأننا أمام نصوص تأريخية أو وصفية أو سردية وشعرية… فخصوصية هذا التراث من هذه الزاوية هو عبارة عن نشاط أنساني ونمط إبداعي يجعل منه خطابا مفتوحا قابلا أن يستوعب شروط المعرفة الموضوعية، وترى الدكتورة بن المداني ليلة في إحدى مقالاتها بأن هناك منطق للتراث يفترض أن نربطه جدليا بين الفكر والواقع، وأن نمحو كل قراءة لا تتناسب مع التجربة النقدية الموضوعية.
إذا كان من المسلم به في إطار الطرح المعرفي أن نفهم التراث والاشتغال فيه والتفاعل معه لا يتم إلا من مقولة الإنسان هو الأساس بمعنى أن معالجة التراث وتأويله يعكس تماما بنية العالم، ولا يعود هذا التباين إلى الوقائع الفيزيائية وحدها وإنما إلى تنوع نظرات الباحثين إليه، قد زرعوا الاختلاف في الائتلاف، وكرسوا مجهوداتهم لتحديثه، إلا أن هذا الهدف كان مدعوما برؤية قد يكون في عطائها ضعف وتخبط كما يرى الجابري في كتابه (نحن والتراث)، فالجابري يوضح لنا مدى حاجة التراث إلى الحداثة، لأنه يمثل جوهرا ومكونا من مكوناتنا البيانية واللغوية، والتقليدية، وبهذا المعنى الرمزي يبقى التراث مركزا في أي مشروع حداثي ويقول الجابري في كتابه (التراث وتحديات العصر): يبلغ الصراع بين القديم والجديد في مجتمع ما درجة ما من التطور تعمد القوى الممثلة للجديد، المناضلة من أجله، إلى البحث في الماضي البعيد عن أصول، وتعيد قراءتها بالشكل الذي يجعل مضامينها تبدو وكأنها تؤسس الجديد الذي تناضل من أجله، ويجعل الحاضر وما يحمله من قيم وأساليب في العمل والتفكير يبدو وكأنه انحراف عن الأصول وخروج عنها، فيغدو مدانا ليس باسم المستقبل وحده، بل باسم الماضي كذلك ص36، وانطلاقا من هذا الطرح يمكن أن نستنتج أن الجابري في تعامله مع التراث لم يكن تعاملا برانيا، بل تعاملا ابستمولوجيا متأصلا ومنبثقا من القراءات المتعددة ومن الممارسة السياسية التي كانت تحكم تصوره الحزبوي، كل هذا أمده برؤية نقدية ليتجاوز كل ازدواجية التي تحكم تصور هذا التراث العربي لذا رأى أن هذه القراءة هي تغييرية وليس انفصالية تنبع من المجتمع واللغة والإنسان، ويقول أدونيس مجلة اليوم السابع العدد 150 سنة 1987، هكذا أصبح التراث لدينا أمرا غير طبيعي حيث يتطلب منا الحفر كما قلنا لإضفاء الطابع الهوياتي لبناء به وفيه الكوني، ويقول أدونيس في هذا المقام لسنا من الماضي هذا هو الخيط الأول في نسيج الظل اللاماضي هو سرنا، الإنسان عندنا ملجوم بالماضي نعلمه أن يكسر اللجام ويجمع، نعلمه أنه ليس حزمة من الأفكار والمصنفات والأوقات يسمونها تراثا، ويكون نفسه أن يعيشه ويستنفذه ويجعل منه قرارا مصيريا وموقفا، والقرار والموقف شخصيان لا تراثيان شعر صيف 1960 ص92، فالتراث دواخل للإنسان وخارجه، فهو المبدأ الأساس للتنظيم الاجتماعي، حيث يعتمد على وضع موارد وقوانين واستراتيجية لكي يصبح خاضعا لهذا الإنسان، ولفهم هذه الظاهرة يجب التعرف على المنطق الكامل وراء تأثيرات المواقف، لهذا السبب يقربنا بيير بورديو من هذا الطرح معتبرا أن المجتمع ليس ما أو سلما بل يبدو كقضاء للاختلافات، علم الاجتماع ترجمة إياس حسن ص208، إذن سيكون من السذاجة أن تتصور التراث كعلم خاص غير مفصول عن المجتمع، فهو يحمل معه طقوس وتقاليد وبناءات طقسية فكرية تعكس تيمات متنوعة التي تجعل ظاهرة التفكير لا تخضع لأحكامنا المسبقة ولا مصالحنا الكامنة وراء أفكارنا، بل لأننا نتوفر على وسائل تصور تعقيد المشكلة، يتعلق الأمر بتجنب المطابقة القبلية التي تفرق بين التراث وبين الحداثة، إذ يتمثل الهدف من هذه المقاربة هو تفسير هذا التراث بصيغة موضوعية تتجاوز كل مخلفات المنظومات التي تشوه المعرفة وتمسخ الواقع كما يرى ادكار موران في كتابه الفكر والمستقبل ص15، فهذه المقاربات حاولت تطويع الذهنيات من أجل قبول بحقيقة الاختلاف، واحترام التنوع ولكن بعض الجماعات لا تريد الاستقرار ولا بناء الغبط الاجتماعي، بل تعتمد التمجيد الروحي والهويتي وذلك عبر التوقف عند سكونة الماضي، والحفر في طبيعته لإخراج الهوية – الأناقة – والعاطفة، ولكن هذا التصور لا يتلاءم مع فصول الذكاء العاطفي بكل آلياته الناظمة لخطاب اللغة، والفكر، لذا فحضور المركز حول هذا البعد العاطفي جعل العديد من الدراسين يرجعونه إلى الاتجاه الرومانسي مستحضرين الأسباب التاريخية التي تفسر تواصل بين تمثل التراث وحضوره كمفهوم فطري غير مكتسب لذا عمل الجابري باستحضار الانتربولوجيا كمفهوم إجرائي يقوم بدراسة الإنساني وأشكاله السلوكية المتطورة عنها، لذا لقد عمل ابن خلدون في كتابه المقدمة بدراسة النسق السياسي (الملك) ونظام القرابة والنسب والنسق لاقتصادي والثقافي وكان هدفه هو تحديد القوانين التي تتحكم في تسيير العمران البشري، أما دوركايم فقد درس الحياة البدائية وخاصة قبيلة أرنتا بأستراليا لكي يفهم العلاقة العضوية في هذا المجتمع، فرغم هذا التطور الذي عرفته من خلال تناول ومقاربة خاصة أو مستقلة عن المقاربات الأخرى في العلوم الإنسانية، فإن الجابري جعل العقلانية كتشخيص نقائص العقل المتماهي المقلد من أجل إبراز مركزية العقل النقدي وضرورة تفعيله، حيث انطلق من منطلقات الحداثة الغربية لتبيان ضرورة صياغة الجواب التراثي الحداثي مع الدعوة إلى التعاطي مع هذه المسألة بوعي تأويلي باعتباره بديلا ملائما بأهم الخلاصات المتوصل إليها في كتبه: بنية العقل العربي – نحن والتراث – تكوين العقل العربي وغيرها من المئون، لذا عرض لنا المشاكل الموصولة التي تعرقل حركة العقل وتدميره بدعوى أن ما في الكتاب المنزل (القرآن) ونصوص السنة النبوية ما يغني عن العقل الإنساني ويسد مسد النقد من حيث هو تمظهر للقراءة المنتجة المؤسسة على آليات علمية للتحليل ومناهج دقيقة للوصول إلى المعرفة واستنطاق النصوص العياشي ادراوي (سؤال التجديد بين الفلسفة واللغة – افريقيا الشرق ط2013 ص16)، فالجابري حدد المنهج تحديد واضحا أساسه هو البحث الممتع الذي يستعمل المناهج الأكثر دقة وعقلانية كما يرى رائد الفلسفة البرغمانية بيرس Peirce. CS، فالرؤية النقدية وفق هذا المنظور تقر أن تكوون مبنية على معرفة الإنسان ومجال العقلاني، الأمر الذي يبرز الانفتاح لهذا التيار النقدي العقلاني وواقعيته الإبستمولوجية سواء على المستوى النظري أو على مستوى فهم العقلية الإدراكية واللغوية والاجتماعية، فهذا الفيلسوف والسياسي والسوسيولوجي حاول أن يؤسس لنا معرفة عربية تضاهي المعرفة الغربية، من حيث المنطق والبرهان والتجريب حتى يمكن التحقق من صدق قضاياها بالمشاهدة والعودة إلى الواقع المادي وشروطه تر فاتنة حمادي – دار الحكمة – لندن 2008 ص58، فالتيار العقلاني لدى هذا الباحث كما تقول د بن المداني ليلة هو الذي جعله يقربنا إلى العالم الخارجي لفهم – القبيلة والغنيمة – واليقينية دون تمييز بين ما هو انطباعي وبين ما هو عبارة عن أفكار كما يرى دفييد هيومDavid Hume بشير خلفي (الفلسفة وقضايا اللغة) ص64، فالجابري في طروحاته يهدف إلى الانسجام والاتساق دون إلغاء البعد التواصلي التذاوتي للغة التراثية، كل هذا من أجل الانعطاف اللغوي التداولي لفهم طبقات هذه الصور التي من شأنها تعكس الواقع كما هو على نحو نزيه، لذا فالتراث هو الكشف والبيان والعرفان التي تجعله قضية ذات معنى، وبهذا المنظور يصير التراث وحجة اللغة الخصوصية من حيث حجة التأويل والتأويل، وبهذا المنظور يصير التراث أمرا تحدده الإنجازات التواصلية الاجتماعية والسياسية ويغدو واستعمال الرموز مقرونا بالاستجابة لتوقعات السلوك الاجتماعي، الذي يحكم إرادة الإنسان العربي، لذا اعتمد الجابري رؤية جديدة تنضاف إلى الرؤى الأخريات، من هنا ندرك أن القراءة لهذا التراث ليس بالسهل، بل تتطلب الدربة والمعرفة والممارسة، لذا حاول أن يكون عقلانيا أكثر من أن يكون تراثيا لذا يطالب أن لا يملكنا هذا التراث، بل أن تملكه لكي نصوغ منه عالما جديدا غير العالم الذي نعيشه.
– ماذا يعني التراث؟
التراث هو كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة، فهو إذن قضية موروث وفي نفس الوقت قضية معطى حاضر على عديد من المستويات وليست القضية هي "تجديد التراث" أو "التراث والتجديد" لأن البداية هي "التراث" وليس "التجديد" من أجل المحافظة على الاستمرار في الثقافة الوطنية، وتأصيل الحاضر، ودفعه نحو التقدم، والمشاركة في قضايا التغيير الاجتماعي، التراث هو نقطة البداية كمسؤولية ثقافية وقومية، والتجديد هو إعادة تفسير التراث طبقا لحاجات العصر، فالقديم يسبق الجديد، والأصالة أساس المعاصرة، والوسيلة تؤدي إلى الغاية التراث هو الوسيلة والتجديد هو الغاية وهي المساهمة في تطوير الواقع وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته، وفتح مغاليقه التي تمنع أي محاولة لتطويره، والتراث ليس قيمة في ذاته إلا بقدر ما يعطي من نظرية علمية في تفسير الواقع والعمل على تطويره، فهو ليس متحفا للأفكار نفخر بها وننظر إليها بإعجاب، ونقف أمامها في انبهار وندعو العالم معنا للمشاهدة والساحة الفكرية بل هو نظرية العمل، وموجه للسلوك، وذخيرة قومية يمكن اكتشافها واستغلالها واستثمارها من أجل إعادة بنا، الإنسان وعلاقته بالأرض وهما حجرا العثرة اللتان تتحطم عليهما كل جهود البلاد النامية في التطور والتنمية.
أ‌. مستويات التراث:
يوجد التراث على عدة مستويات ، فهو أو لا تراث موجود في المكتبات والمخازن والمساجد والدور الخاصة يعمل على نشره، فهو تراث مكتوب، مخطوط أو مطبوع، له وجود مادي على مستوى أولي، مستوى الأشياء، وتعقد المؤتمرات وتعام المعاهد، وتنشر الفهارس، وتعد الإحصائيات عن الموجود منه في مكتبات العالم، ما نشر منه زما لم ينشر بعد، ما بقي منه وما ضاع. وهي قضية منارة في عصرنا على هذا المستوى المادي عندما يكثر الحديث عن إحياء التراث، وبعث التراث، وتحقيق التراث، وترسل البعثات إلى شتى مكتبات العالم لجمعه وتصويره وتخزينه، وتصدر السلاسل التي قد تستمر وقد تتوقف، وترصد الأموال، ويوظف الباحثون، وتكثر الدعايات حول نشر التراث وكأن البعث والإحياء والنشر يعني إعادة طبع القديم طبعات عدة، واختيار ما وافق هوى العصر دون متطلباته، فإذا لجأ العصر إلى التصوف تعويضا عن روح الهزيمة أو طلبا للنصر، فإنه يعاد نشر المؤلفات الصوفية، وإذا تشوف العصر إلى المدينة الفاضلة وتطلع إلى المجتمع الجديد تعويضا عن الفساد الخلقي والانحراف السياسي نشرت المؤلفات عن فضائل الصحابة، وعن العشرة المبشرين بالجنة، وإذا شاعت الخرافة في الناس، وساد الانفعال عن العقل، واشتدت الحاجة، وزاد الضنك، نشرت المؤلفات عن المعاد وعن عالم العدل القادم الذي تملأ فيه الأرض عدلا كما ملأت حورا، وانعكب أهل السنة إلى شيعة بأحد ما يكون التشخيص، وإذا قيل أن السبب في الهزيمة هو البعد عن الكتاب والسنة أعيد نشر الكتاب والسنة في طبعات مذهبة، منمقة مزركشة، لزيادة ثروات التجار، وليترك بها الناس وهم في بيوتهم، تقيهم الشر، وتمنعهم الحسد، وتجلب لهم الخير، ويتبادلها رؤساء الدول هدايا فيما بينهم، وترسلها المؤتمرات والجمعيات الإسلامية إلى الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية لنشر الوعي الإسلامي، وتكون جميعا كالحمار يحمل أسفارا.
فالتراث والتجديد يؤسسان علما جديدا وهو وصف للحاضر وكأنه ماض متحرك، ووصف الماضي على أنه حاضر معاش، خاصة في بيئة كتلك التي نعيشها حيث الحضارة فيها ما زالت قديمة، وحيث الموروث ما زال مقبولا، فالحديث عن القديم يمكن رؤية العصر فيه، وكلما أوغل الباحث في القديم وفك رموزه، وحل طلاسمه، أمكن رؤية العصر، والقضاء على المعوقات في القديم إلى الأبد، وإبراز مواطن القوة والأصالة لتأسيس نهضتنا المعاصرة، ولما كان التراث يشير إلى الماضي والتجديد يشير إلى الحاضر، فإن قضية التراث والتجديد هي قضية التجانس في الزمان ، وربط الماضي بالحاضر وإيجاد وحدة التاريخ.
– قضية التراث والتجديد هي إذن الكفيلة بإظهار البعد التاريخي في وجداننا المعاصر، واكتشاف جذورنا في القديم حتى يمكننا الإجابة عبى سؤال:
في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟ وحتى نعود إلى تطورنا الحضاري الطبيعي، فتحل مشكلة الجمود والتوقف من ناحية وتحل مسألة التقليد للآخرين والتبعية لهم من ناحية أخرى.
– التراث والتجديد يمثلان عميلة حضارية هي اكتشاف التاريخ، وهو حاجة ملحة ومطلب ثوري في وجداننا المعاصر، كما يكتشفان عن قضية "البحث عن الهوية" عن طريق الغوص في الحاضر إجابة على سؤال: من نحن؟ واكتشاف أن الحاضر ما هو إلا تراكمات للماضي بالإضافة إلى واقع جديد هو نفسه نتيجة لضياع الجهاد القديم.
ب‌. إعادة الاختيار بين البدائل:
قضية "التراث والتجديد" هي أيضا قضية إعادة كل الاحتمالات في المسائل المطروحة، وإعادة الاختيار طبقا لحاجات العصر، فلم يعد الدفاع عن التوحيد بالطريقة القديمة مفيدا ولا مطلوبا، فكلنا موحدون منزهون، ولكن الدفاع عن التوحيد يأتي عن طريق ربطه بالأرض، وهي، أزمتنا المعاصرة.
"التراث والتجديد" إذن هي إعادة كل الاحتمالات بل ووضع احتمالات جديدة، واختيار أنسبها لحاجات العصر، إذ لا يوجد مقياس صواب وخطأ نظري للحكم عليها بل لا يوجد إلا مقياس عملي، فالاختيار المنتج الفعال المجيب لمطالب العصر هو الاختيار المطلوب، و يعني ذلك أن باقي الاختيارات خاطئة بل يعني أنها تظل تفسيرات محتملة لظروف أخرى، وعصور أخرى ولت أو مازالت قادمة.
ت‌. التراث قضية وطنية:
تراثنا القديم ليس قضية دينية لانطباعه بصبغة دينية، ولأنه قام ابتداء من الدين، ولكنه قضية وطنية تمس حياة المواطنين وتتدخل في شقائهم أو سعادتهم، والدافع على التجديد ليس عاطفة التقديس والاحترام والتبجيل الواجبة لكل موروث ديني بل انتساب الإنسان المجدد إلى أرض وانتماؤه إلى شعب، قضية "التراث والتجديد" قضية وطنية لأنها جزء من واقعنا، نحن مسؤولون عن الآثار القديمة والمأثورات الشعبية، لذلك أثرنا لفظ "التراث" وليس "الدين" فالدين جزء من التراث، وليس التراث جزءا من الدين، ويمكن التعامل مع التراث كما نتعامل مع المأثورات الشعبية، بتطويرها، وصياغتها، وإبرازها تعبيرا عن روح الشعب وتاريخه، القضية إذن ليست قضية دينية بل قضية اجتماعية أو سياسية أو فنية أو تاريخية، تجديد التراث إذن ليس غاية في ذاته بل وسيلة للبحث عن روح الشعب وتطويرها كوسيلة لتطوير الواقع ذاته ولحل مشاكله، تجديد التراث هو دراسة للبعد الاجتماعي، فهو أدخل في علم الاجتماع الديني أو علم الاجتماع الحضاري، ومن تم كان أحد مشاكل العلوم الإنسانية، الحديث عن التراث إذن ليس حديثا عن الدين، فالتراث حضارة، والحضارة ناشئة بفعل الزمان والمكان.
والتراث أيضا قضية شخصية لأننا نتعامل مع موروث شخصي يربطنا به، وهو موصوف بنفس الصفة، فهو "إسلامي" ونحن "مسلمون"، وبالنسبة تشير إلى الحضارة أكثر مما تشير إلى الدين، وتعني أننا والتراث من منطقة حضارية معينة كما يعيش الغربي في تراث مسيحي، ولا يكون هو مسيحيا أو كما يعيش الهندي في تراث هندي ولا يكون هندوسيا أو بوذيا.
– تجديد التراث هو حياة المجدد نفسه، وجزء من التحليل النفسي لشخصيته الوطنية من أجل التعرف على مكوناته النفسية، فتراث المجدد في نفس الوقت ذات وموضوع لأن البحث هو ذاته أي وجوده التاريخي في اللحظة الحاضرة بين الماضي والمستقبل، لا ينظر الباحث إلى التراث إذن نظرة سائح إلى عالم غريب، لأن التراث جزء من ثقافة الباحث الوطنية، والباحث مسؤول عنه مسؤولية قومية.
نوافق الأستاذ الجابري موافقة تامة عندما يقرر بأن القارئ العربي المعاصر "مؤطر بتراثه ومثقل بحاضره" ص21، نحن إذن نريد أن نحاور الكتاب في أمر كل من الأنا الجماعي (نحن) والتراث، كما تفسرها لنا المقالات المكونة للكتاب، وكما تقترح علينا طبيعة العلاقة الممكن إقامتها بينها، سنحاول إذن من خلال بعض الملاحظات العامة أن نصوغ طبيعة كل من الحيرة والدهشة اللتين نحن بصدد الحديث عنهما.
منذ مقدمة الكتاب وعبر كل المقالات الخمس المكونة له يكشف لنا الأستاذ الجابري عن كل أوراقه، (كما يقول المثل الفرنسي) يكشف لنا عن تلك الأوراق بصدق وإخلاص، بل بصراحة تتطلب قدرا هائلا من الشجاعة والوضوح في الرأي والقول، وهو يكشف لنا عنها من خلال تحديده لسؤالين أساسيين يعرضان لكل مفكر عربي معاصر يتصدى للقيام بمحاولة مماثلة، أولا: لماذا نقرأ التراث؟ وثانيا: كيف نقرأ التراث؟ السؤالان مرتبطان عند الجابري ببعضهما البعض ارتباطا مصدره وعي قومي عربي حاد بالتناقض الموجود بين الماضي "المشرق والمزدهر"، والحاضر "الذي ليس حاضرنا" ولكنه "حاضر" الغرب الأوروبي الذي يفرض نفسه ك"ذات" للعصر كله، للإنسانية جمعاء" ص9، ووعي بضرورة تحقيق ثورة شاملة حيث أن "هوة تفصل بيننا وبين مزدهر ماضينا وعقبات كأداء تحول دوننا ودون مواكبة عصرنا، فكيف نقتحم هذه ونردم تلك؟ ص70، هناك إذن تقابل بين الماضي المزدهر والحاضر المتخلف، وارتباط بين تحقيق الثورة وإعادة بناء التراث، ينبغي إذن أن نقرأ التراث بكيفية تمكننا من تحقيق التراث في جوانبه المشرقة، أو كما يقول الجابري نفسه عن الخلدونية "يجيب أن نتجاوز بالتحليل والنقد الخلدونية كواقع حضاري ما زال يكبل مجتمعنا، لنحصل على الخلدونية كنظرية مستقبلية تخطط لنهضتنا" ص404، وليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب متى فهمنا أن المقصود بالتراث "ليس التراث كما عاشه أجدادنا وكما تحتفظ لنا به الكتب، بل ما تبقى" ص58، وما تبقى حينا آخر، وفي كل الأحوال "المضمون الإيديولوجي" الذي يستطيع أن يبقى في مقابل "المحتوى المعرفي" الذي يعرض له التبدل المستمر بطبيعته ص87 – 88.
2-حول المضمون الإيديولوجي والمحتوى المعرفي:
يقترح الأستاذ الجابري توظيف ثلاث عمليات من أجل تحليل التراث بصورة يكون فيها التوظيف موحدا ومنسجما، أول تلك العمليات هو المعالجة البنيوية التي يتعلق فيها الأمر "بمحورة فكر صاحب النص حول إشكالية واضحة، قادرة على استيعاب جميع التحولات التي يتحرك بها ومن خلالها فكر صاحب النص"، وثاني تلك العمليات هو التحليل التاريخي بكل أبعاده الثقافية والإيديولوجية والسياسية والاجتماعية"، أما ثالث تلك العمليات فهو "الطرح الإيديولوجي أي الكشف عن الوظيفة الإيديولوجية (الاجتماعية – السياسية) التي أداها الفكر المعني، أو كان يطمح أو يراد منه أن يؤديها، داخل الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه" ص23 – 24، ثم يوضح الأستاذ الجابري بعد ذلك أن هذا المجال التاريخي ذاته يتحدد بشيئين اثنين الحقل المعرفي الذي يتحرك فيه هذا الفكر والذي يتكون من نوع واحد ومنسجم من "المادة المعرفية" والمضمون الإيديولوجي الذي يحمله ذلك الفكر، أي الوظيفة الإيديولوجية (السياسية الاجتماعية) التي يعطيها صاحب أو أصحاب ذلك الفكر لتلك المادة المعرفية" ص31 – 32، الإشكالية وإلى نفس الحثل المعرفي لا يعني بالضرورة الانخراط في نفس الإيديولوجيا، ولا توظيف المادة المعرفية التي يقدمها ذلك الحقل المعرفي في أغراض إيديولوجية واحدة، بل إن ما يحصل في كثير من الأحيان ص90، هو أن تحمل المنظومة المعرفية الواحدة، بل الفكرة الواحدة، مضامين أيديولوجية مختلفة"، ولعل أفضل مثال معرفي يوضح هذه المسألة عند الجابري هو نظرية الفيض باعتبارها منظومة معرفية واحدة عند كل من الفارابي وابن سينا رغم الاختلافات الجزئية المتعلقة بشرح مسألة الفيض أو الصدور، وأيضا باعتبار وظيفتها الإيديولوجية، تختلف بين الفيلسوفين الإسلاميين ص90 – 91.
إن واجب النزاهة العلمية ليفرض علينا أن نسجل بكل صدق بأن الأستاذ الجابري لم يكتف في دراساته هذه بالحديث عن المنهج، بل إنه قد غامرنا بمحاولة الدخول في معركة تطبيق ذلك المنهج… تطبي المنهج كما يعتقد أنه الأنسب أو الأكثر مناسبة، الجابري مجتهد إذن، والاجتهاد هنا بالمعنى الفقهي للكلمة، وملاحظاتنا السريعة التالية رصد لما نعتقد بدورنا أن المجتهد قد أخطأ فيه، لدينا ملاحظات وتحفظات حول كل من مقالته حول "ابن سينا" وعرضه حول "فلسفة ابن رشد"، ولكننا نفضل الوقوف عند نموذج مقالتها الرائعة حول "مشروع قراءة جديدة لفلسفة الفارابي السياسية والدينية"، يسعى الأستاذ في عرضه حول الفارابي إلى الربط بين آراء الفارابي السياسية وبين نظريته في الفيض والصدور لكي يبرز وحدة التفكير الفارابي – كما يسعى بالمقابل إلى إقامة نوع من التوازي والتقابل بين المنظومة الفيضية – السياسية من جهة، وبين الوجود الاجتماعي السياسي للمشرق العربي في القرن الهجري الرابع، تواز وتقابل بين المسيرة العامة للمجتمع، وبين التوجيه العام للفكر في مرحلة محددة، ذاك ما يدعوه لوسيان غولدمان بالتقابل البنيوي بين بنية الفكر وبنية المجتمع، يعني أن الأستاذ الجابري يظل وفيا لما يدعو إليه من تطبيق المنهج البنيوي التكويني، ولكن الذي يحدث في مقال الأستاذ الجابري هو إرغام المسيرة العامة على الاستجابة للخطاطة العامة التي يقوم برسمها ويطمئن غليها تمام الاطمئنان دون أن يقلقه أمرها فيخضعها للفحص المستمر، والنتيجة المنطقية لتلك الممارسة تأتي في صورة إصدار أحكام جازمة شديدة التعميم حتى وإن لم تكن الوقائع التاريخية تسير دائما في خط تأكيدها – والأستاذ الجابري عليم تمام العلم بالتعقد المزعج لتاريخي الإسلام في الشرق العربي، وعلى وجه أخص في مرحلة القرنين الرابع والخامس للهجرة، أي المرحلة التي بلغ فيها الإنتاج النظري حدا هائلا من الخصوبة في بلاد الإسلام ص91.
خاتمة:
يقول الأستاذ الجابري "إن القراءة استنطاق … وما يهمنا هو النصوص التي تقبل الاستنطاق لأنها تمتنع عن "النطق" (الكتاب ص118)، نعم إن القراءة استنطاق بالمعنى الذي يكون فيه الاستنطاق ملتحما بالتأويل، أو بالمعنى الذي نعتبر فيه التأويل استنطاقا، الاستنطاق إرغام على النطق، والتأويل توجيه لما نريد نحن كقارئين للنص أن ينطق به، هناك مواجهة صعبة حرجة بين القارئ وبين النص، عندما نقرأ فنحن لا نكتفي في الواقع بالبحث عما سكت عنه النص، عما هو غائب في النص، ولكن بحثنا يزدوج بتأويل أسباب الصمت، نحن إذن نبتدئ أولا بافتراض ما هو غائب، وكما هو الشأن في كل افتراض فإن عمليات عديدة تظل في انتظار بغية ثقل الافتراض إلى مستوى التأكد واليقين، وهنا مكمن الخطر في كل قراءة يكون عمادها وموجهها هو البحث عن الخفي الإيديولوجي، الخطر يتجلى في الإسراف عن التأويل بغية تحويل الافتراض إلى يقين.
– تصنيف "عبد الله العروي" شبيه بالتصنيف الثلاثي لقراءات التراث العربي، ولا يختلف عنه إلا في ثالث الاتجاهات، فيرى صاحب "الإيديولوجية العربية" أنه: "يمكن أن نميز في الإيديولوجية العربية المعاصرة ثلاث كيفيات رئيسية لفهم القضية الأساسية للمجتمع العربي: إحداهما تضعه في الإيمان الديني، والثانية في التنظيم السياسي وأخيرا الثالثة في النشاط العلمي والتقني" (الإيديولوجية العربية المعاصرة – عبد الله العروي – ترجمة محمد عيتاني – دار الحقيقة للطباعة والنشر – بيروت – ص1 – 1970 – ص25) ورمز كل كيفية أو اتجاه على التوالي:
1. الشيخ.
2. رجل السياسة.
3. داعية التقنية.
إنجاز: د الغزيوي أبو علي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.