الاستخبارات المغربية... من جذور تاريخية عميقة إلى هندسة أمنية متطورة لمواجهة تهديدات العصر الرقمي        بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع        تنديد عربي واسع بعد تطرق نتانياهو إلى "رؤية إسرائيل الكبرى"    تحذير أممي لإسرائيل وروسيا من إدراج قواتهما في قائمة الجهات المشتبه بارتكابها جرائم جنسية    "سبيس إكس" تطلق 28 قمرا صناعيا إضافيا إلى الفضاء    مصرع 56 شخصا وفقدان العشرات جراء فيضانات مدمرة في كشمير الهندية    الكويت.. ارتفاع حالات التسمم والوفيات الناتجة عن مشروبات كحولية فاسدة            إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب        "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين        انتشار الصراصير في أحياء طنجة يثير استياء السكان ومطالب بتدخل عاجل    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    خبير إسباني: المغرب شريك أساسي في تأمين الطريق الأطلسية ضد تهريب المخدرات    نهاية نجم حاول ابتلاع ثقب أسود    بيانات أمريكية تخفض أسعار الذهب    الكونغو الديمقراطية تهزم أنغولا بالشان    الصحافة الفرنسية تبخس حق حكيمي    حريمات يشيد بذكاء "أسود البطولة"    تطويق حريق في دردارة بشفشاون    تهديدات ترامب ترفع أسعار النفط    غرامة تصل إلى 30 ألف درهم وحبس حتى سنة.. عقوبات صارمة ضد الدراجات غير المطابقة        باطمة تحيي لأول مرة بالجوهرة الزرقاء سهرة غنائية وتسدل الستار عن فعاليات "صيف شفشاون"    خلاف حول دراجة "سانية" ينتهي بجريمة قتل مروعة في حي السعادة بطنجة    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    عملية "قَدَر" 1979... عندما حسم المغرب مصير وادي الذهب في ساعات    اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية تحتفي بذكرى استرجاع وادي الذهب وتدعو للاصطياف تحت الراية المغربية    تسجيل 3 وفيات جراء الحرائق في إسبانيا    السكتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب الوطني المحلي أمام زامبيا    عروض التبوريدة النسوية تجذب أنظار عشاق الفروسية بموسم مولاي عبد الله                ظاهرة السخرية من الأديان، الأسباب والأبعاد    العطلة الصيفية…هكذا غيّر تراجع القدرة الشرائية عادات المغاربة في السفر وقضاء العطل    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس    سعر "بيتكوين" يبلغ 124 ألف دولار    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"        تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى رحيل أبو عمار : في ذكراهم نستحضر تاريخنا
نشر في السند يوم 10 - 11 - 2010

أن يترك الراحل ياسر عرفات فراغا بعد رحيله ليس بالأمر الغريب أو الخارج عن سياق ظاهرة سياسية نلاحظها عند كثير من المجتمعات وعبر التاريخ.القادة المؤسسون للدول أو لحركات التحرر الوطني أو الذين جاءوا في منعطفات تاريخية حاسمة في تاريخ شعوبهم يتركون فراغا بعد رحيلهم لا يستطيع من يتولى مقاليد الحكم بعدهم أن يملاه وسيكون من الإجحاف عمل مقارنة بين القائد المؤسس ومن يخلفه بالسلطة،ذلك أن عمل مقارنة انطلاقا من المواصفات الشخصية
بين الخلف والسلف لا يكفي للمفاضلة بينهما فدائما يكون للسلف أفضلية وخاصية لا يمكن أن يتمتع بها الخلف وهي ميزة التأسيس أو الانطلاقة الأولى،بالإضافة إلى أن السلف المؤَسِس وبسبب طول حكمه أو قيادته يشكل شخصية كاريزمية لا تتوفر غالبا للخلف.
أبراهام لينكولن في الولايات المتحدة ،لينين في الاتحاد السوفيتي ،عبد العزيز آل سعود في السعوفاتهم،طفى كمال أتاتورك في تركيا ،ماو تسي تونغ في الصين ،فيدل كاسترو في كوبا ،عبد الناصر في مصر ،شارل ديغول في فرنسا وأبو رقيبة في تونس والشيخ زايد في الإمارات والخميني في إيران الخ .هؤلاء شكلوا ظاهرة في مجتمعاتهم وارتبط مصير ومستقبل الوطن بشخصهم حيث استمر تأثيرهم حتى بعد وفاتهم ،والأمر لا يتعلق بإمكانيات وقدرات خارقة للعادة بل بتضافر شروط ومتغيرات محلية وخارجية منحتهم هذا الدور .
في الدول التي استطاعت الأخذ بالديمقراطية يمكن تجاوز الفراغ الناتج عن غياب الزعيم المؤسِس أو الملهم من خلال المؤسسات الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة أما حيث تغيب الديمقراطية فإن تأثير الزعيم المؤسس قد يستمر لحين من الوقت وقد يتحول الزعيم الراحل لشبح أو عبئ على القيادة الجديدة التي تفكر بنهج سياسي مختلف .
تعلُق الشعب بالزعيم يرجع لكون الزعيم جسد وطنية صاعدة متصادمة مع عدو خارجي وبالتالي كان أول ظاهرة سياسية وطنية في تاريخها ووجوده سابق على وجود المؤسسات الوطنية وخصوصا في المجتمعات الخاضعة للاستعمار أو حديثة العهد بالاستقلال أو غير الديمقراطية ،في هذه المجتمعات تحل شخصية الزعيم المؤسِس محل الدولة ومحل المؤسسات ويكون هذا أكثر بروزا في المجتمعات العربية حيث تسود ثقافة القبيلة والزعامة محل ثقافة المؤسسات والقانون.
في حياته كما في مماته شكل أبو عمار ظاهرة – العرفاتية – أثارت كثيرا من الجدل والنقاش ،فكان له من الأعداء بقدر ما كان له من الأصدقاء والحلفاء،حقق من الانجازات ما باتت معه فلسطين على وشك التحرير وقيام الدولة ،وشهد عصره من الأحداث ما جعل القضية على وشك الانهيار والتلاشي.
حتى علاقات الصداقة والعداوة لم تكن ثابتة فكثير ممن ناصبوه العداء في حياته احترموه بعد وفاته واكتشفوا أنهم كانوا مخطئين في الحكم عليه ،وكثير ممن كانوا من بطانته ويدعون إخلاصهم ووفاءهم له انكشفوا على حقيقتهم كانتهازيين ومراوغين حيث كان تقربهم منه رياء ونفاقا حتى يسيئوا إليه ،هؤلاء كانوا يمجدون الرئيس في حضوره وعلى العلن ويكيدون له في الخفاء ويشبعونه سبا وشتيمة وتشويها ،لقد كانوا متواطئين في حصار الرئيس ثم اغتياله .
لم يكن الرئيس أبو عمار ملاكا ولم يكن عهده مثالا للحكم الصالح ،فخلال المسيرة الطويلة للعرفاتية سواء وهي خارج الوطن أو بعد الدخول للوطن ظهرت سلبيات كثيرة في الجانب المالي والإداري وفي النهج السياسي ،ولكن ضخامة التحديات وقوة معسكر الأعداء وكون أبو عمار كان يقود ثورة المستحيل وهو خارج الوطن وسلطة المستحيل وهو داخل الوطن، لم يترك مجالا له للتفرغ لبناء البيت الداخلي – بيت حركة فتح وبيت منظمة التحرير ،هذا لا يعني تبرئته من المسؤولية ، لقد مركز الرئيس الراحل السلطة بيديه أكثر من اللازم ،وأحب فلسطين حتى تزوجها كما كان يقول إلا أن هذا الحب حجب عنه حقيقة أن هناك آخرون يحبون فلسطين وقد يكون لديهم ما يقدمونه لمحبوبتهم فلسطين مثل ما يقدم أو أكثر.
في ظل حالة الانقسام الراهنة ووصول القضية الوطنية لمنعطف مصيري يهددها بشكل جدي لا يسعنا إلا أن نستحضر منجزات القائد العظيم أبو عمار ونمجد ذكراه ونندد بكل من يحاول إلغاء تاريخنا الوطني ومنجزاتنا الوطنية التي يعود للراحل الفضل الرئيس فيها،وهي مكتسبات لم يأخذها الراحل معه بعد وفاته ولا تُحسب لحركة فتح أو لمنظمة التحرير بل مكتسبات لكل الشعب الفلسطيني.مع أبو عمار تم تحويل الشعب الفلسطيني من جموع لاجئين إلى شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال ،ومع أبو عمار تم إعلاء شأن الهوية والشخصية الوطنية ،ومع أبو عمار توحد الشعب الفلسطيني وكانت له إستراتيجية واحدة وهدف واحد مما أجبر العالم على الاعتراف بنا كشعب له حقوق سياسية وله الحق في دولة مستقلة.
ولأن الأموات لا يعودون في هذه الحياة فإن الوفاء لهم يكون من خلال الوفاء للرسالة التي ناضلوا من أجلها واستشهدوا دون التفريط بها .الوفاء لأبو عمار يكون من خلال الوفاء للقضية التي ناضل من أجلها،والتمسك بنهج المزاوجة ما بين الثورة بكل تجلياتها العسكرية والمدنية والثقافية والسياسية من جانب والعمل الدبلوماسي والسياسي المفتح على العالم والمستقل عن أية محاور أو حسابات أو أجندة خارجية من جانب آخر،مع التأكيد أن الوفاء لأبي عمار لا يكون باستنساخ كامل التجربة فالمتغيرات المتسارعة فلسطينيا وإقليميا ودوليا تفرض تفكير وأسلوب عمل مغاير ولكن بدون التفريط بالثوابت التي ينتجها التوافق الوطني الشامل.
‏10‏ تشرين الثاني‏ 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.