النقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات.. برنامج 2025-2029 حكامة جديدة لتنقل مستدام    الناظور.. أحكام متفاوتة في حق موقوفين على خلفية احتجاجات العروي    واشنطن تحسم الموقف في مجلس الأمن: مبادرة الحكم الذاتي المغربية قاعدة وحيدة للحل في الصحراء    مشروع قانون يحدد لائحة الجرائم التي تمنع القيد في اللوائح الانتخابية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    الجولة السادسة من الدوري الاحترافي الأول.. الرجاء يستعد للديربي بلقاء الدشيرة والماص يرحل إلى طنجة دون جمهور    إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    "وسيط المملكة" يفتح باب المشاركة أمام شباب جواز الشباب لتقييم الخدمات الصحية عبر منصة "    تحويلات الدولة للمؤسسات العمومية ترتفع إلى 84,2 مليار درهم سنة 2025 مقابل موارد لا تتعدى 19,5 مليارا    توقيف ثلاثة قاصرين بسوق الأربعاء بعد اعتدائهم على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة    مهرجان عيطة الشاوية يطلق دورته الأولى ببنسليمان    حميد لحميداني، إنعام كجه، حميد سعيد، عبد الجليل التميمي: جائزة سلطان بن علي العويس تكرم الفائزين    انطلاق عملية صرف الدعم المباشر لفائدة مربي الماشية    إنريكي: "حكيمي هو أفضل ظهير أيمن في العالم بالنسبة لي"    مونديال كرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة (المغرب 2025 ) المنتخب الصيني يفوز على نظيره الاكوادوري ( 4-0) ويتأهل الى دور الثمن    مطارات المملكة استقبلت أزيد من 23,9 مليون مسافر خلال 8 أشهر    اتصالات المغرب تحقق أكثر من 5,5 مليار درهم أرباحًا في تسعة أشهر    الطاقة الكهربائية.. الإنتاج يرتفع بنسبة 5,3 في المائة عند متم غشت 2025    العرض الصحي الوطني يتعزز بدخول 49 مركزا صحيا جديدا حيز الخدمة على مستوى 9 جهات    "الجمعية" تعلن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في مقتل 3 أشخاص في أحداث القليعة    مباحثات مغربية-كينية حول سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات النقل البحري والجوي واللوجيستيك    قبل الكلاسيكو.. برشلونة يلجأ للمحكمة الإدارية الرياضية لإلغاء طرد فليك    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حاتم عمور يهدي "أشبال الأطلس" أغنية احتفاء بكأس العالم    خورخي فيلدا: تتويج أشبال الأطلس بكأس العالم مصدر فخر وتحفيز للبؤات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    المندوبية العامة لإدارة السجون تفند مزاعم تقرير أممي حول أحداث "اكديم إزيك"    الملك محمد السادس يبارك عيد زامبيا    ترامب يعفو عن مؤسس "بينانس" للعملات المشفرة    نزلة برد تؤجل جلسة "محاكمة مبديع"    دبوس ماسي لنابليون بونابرت يعرض للبيع في مزاد    حسن بوستة يحتفي بالمغرب وبلجيكا    نشطاء يطالبون بالأمازيغية على أقمصة المنتخبات وواجهات المنشآت الرياضية    "اتصالات المغرب" تتجاوز حاجز 81 مليون زبون    الكشف عن صور تظهر أوضاعا قاسية لأسرى فلسطينيين داخل سجن إسرائيلي    الصين تطلق أكبر سفينة شحن كهربائية بالكامل لتعزيز النقل البحري الأخضر    المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب يطلق مشروعا لنشر أطروحات الدكتوراه    الدوحة..انطلاق منافسات بطولة كأس الأمم للكارتينغ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة المغرب    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الإمدادات    "كاف" يعلن عن موعد إجراء قرعة دور مجموعات دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية    أردوغان: على أمريكا والدول الأخرى الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار    رسميا.. ليونيل ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    مزارعو الضفة الغربية يجمعون الزيتون وسط هجمات المستوطنين المعتادة بموسم الحصاد    لجنة نداء الكرامة بتاونات تصعد من احتجاجاتها وتدعو إلى مسيرة للمطالبة بالتنمية المجالية    بلدان الاتحاد الأوروبي توافق على الانتقال إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الموحدة ل"شنغن"    الصين: انتخاب المغربي ادريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    الذهب يرتفع قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا مكان للشعبوية في المالية والاقتصاد ومستقبل البلاد
نشر في الصويرة نيوز يوم 11 - 11 - 2012


مشروع قانون المالية أغضب الجميع
- اعتماد الحلول السهلة دلالة فشل التدبير المالي والاقتصادي
- الشعبوية أنتجت من حيث لم يدرون تفاؤل زائد ومريب
- اللجوء إلى الدين الخارجي يرهن أحلام الأجيال القادمة
- فئات الطبقة الوسطى قربان حكومة بنكيران
- صندوق التماسك الاجتماعي يكرس ظلما اجتماعيا مع سبق الإصرار والترصد
عصفت الرياح بسفينة أول مشروع قانون المالية لحكومة عبد الإله بن كيران في غياهب لم تكن تشتهيها مختلف مكوّناتها. سيما وأن أحزابها – “العدالة والتنمية” و”الاستقلال” و”الحركة الشعبية” و”التقدم والاشتراكية” – لم يعملوا على تناغم “غيتاراتهم” لعزف سيمفونية الدفاع عن المشروع دون نغمة نشاز. وعليهم الآن التباحث الجدي والمسئول بخصوص التعديلات التي من الضروري أن تطاله.
اعتمدت الحكومة على فرضيات متفائلة، وأحيانا مبالغ في تفاؤلها، في تصميمها لمشروع قانون المالية لسنة 2013 بحكم سقف الأهداف المحددة، وذلك رغم الإكراهات الظرفية الصعبة التي تجتازها بلادنا وغير خفية عن العام والخاص، وأيضا رغم وضوح هشاشة المالية العمومية والاختلال البنيوي والمزمن في مصادر التمويل وترهل التوازنات المالية منذ مدة طويلة.
يبدو أن ميزانية 2013 اعتمدت الحلول السهلة تحت طائلة خطورتها الأكيدة ودون أي اعتبار لانعكاساتها وتداعياتها التي قد تكون وخيمة إلى حد العصف بالحكومة من حيث لا تدري. والغريب في الأمر حقا، هو أن المعارضة والأغلبية – على حد سواء – أجمعتا على انتقاد هذا المشروع بقوّة.
فماذا يضمر هذا المولود في أحشائه وبين سطوره؟ وهل الفشل في التدبير المالي والاقتصادي والافتقار إلى رؤية واضحة المعالم ومحددة الأهداف والمرامي وغياب إستراتيجية اقتصادية منسجمة، هو الذي فرض اعتماد الحلول السهلة وتقمص الشعبوية المنتجة لتفاؤل زائد ومريب؟ وهل الحكومة ضحت بفئات الطبقة الوسطى لتكون قربانا يمنح حكومة بن كيران هامشا لتبرير عدم وفائها بوعود تصريحها؟ وكيف لصندوق مهمته إرساء التماسك الاجتماعي أن يكرس وراء الستار ظلما وحيفا اجتماعيين مع سبق الإصرار والترصد؟
هذه غيض من فيض الأسئلة الجوهرية التي أثارها أول مشروع قانون مالية تجود به حكومة بن كيران على المغاربة، وهو أول محك لها بعيدا عن السفسطة الشعبوية التي أطنب فيها وزراؤها منذ تقلد مهامهم؟
مالية شعبوية بامتياز
إن المتأمل في فحوى مشروع قانون المالية لسنة 2013 اعتمادا على المفردات الواردة فيه مقارنة مع مستوى وطبيعة وواقع حال منظومتنا الاقتصادية الفعلي، يخلص دون جهد كبير إلى أن تفاؤل الحكومة غريب جدا، علما أنه تمّ تغييب صعوبة الظرفية لغرض في نفس فريق بن كيران، وذلك رغم أنها شاخصة للعيان بشكل مفضوح بدليل الأرقام والمؤشرات.
لقد ذهب الكثيرون إلى القول ،إن هذا المشروع حكم على نفسه بالفشل مسبقا منذ الوهلة الأولى، لأنه كرّس ،بشكل غريب وساذج أحيانا، الطبيعة الشعبوية لخطاب الحكومة، وهذا أمر لا ينفع بتاتا في المعادلات المالية والاقتصادية التي تهيكل وتؤطر إعداد قانون لقانون مالية مجدي وفعّال. إن القضايا المالية والاقتصادية لا يمكن حلها بالتمني والنوايا الصادقة وما شابه.
يرى هؤلاء أن مشروع قانون المالية قذّم للمغاربة تفاؤلا زائدا لأنه تأسس على رؤية شعبوية للتصدي للمشاكل والمعضلات القائمة، وهي رؤية تعتمد خطابا يُطمئن أكثر مما يلتزم الواقعية العارية من أي ديماغوجية اعتبارا للظرفية الصعبة التي تعيشها منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية حاليا.
إن القدوم على الإقرار بتغريم ما يناهز 150 ألف من العاملين ( أصحاب دخل 300 ألف درهم سنويا فما فوق) ومشيدي المساكن ( 60 درهم للمتر المربع) كشف بجلاء الوجه الشعبوي لأول مشروع قانون المالية من صنع حكومة بن كيران. سيما وأن هذا تم تقديمه كسبيل من سبل تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو أمر تحتاج لمراجعة لا مندوحة عنها، اللهم إذا كانت الحكومة تعتبر الطبقة المتوسطة بالمغرب طبقة محظوظة تتمرغ في النعيم. فإذا كان همّ هو السعي الفعلي لإقرار عدالة اجتماعية لماذا لم تفكر في إقرار ضرائب على الضيعات الكبرى وإعادة النظر في الإعفاءات التي تحظى بها رغم الأرباح الطائلة التي يجنيها أربابها. علما أنهم ظلوا ينعمون بالإعفاء طيلة عقود سواء في الشدة أو الرخاء.
مثال آخر يدعو لأكثر من تساؤل، كيف يمكن الحديث عن تشجيع الساكن الاجتماعي مع فرض رسوم جديدة وإثقال الخرسانة المسلحة برسم أثقل. وفي نفس السياق، هناك 13 بالمائة من فلاحي المغرب يستغلون أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة، ورغم أنهم يشكلون مصدرا للمساهمة في مالية الدولة، ما زالوا يتمرغون في منظومة من الإعفاءات. وقد تساءل البعض: هل هذا نتاج عدم الدراية بالأمور أم عم عمى الشعبوية؟
اختلالات غير مفهومة
حسب الاقتصاديين تضمن مشروع قانون المالية 2013 اختلالات من الصعب استساغتها. وقد أرجعوا هذا إلى افتقار الفريق الحكومي لرؤية شاملة للتنمية الاقتصادية ممّا جعلهم يحصرون دور الدولة في مجرد محاسباتي ( المكلف بالحسابات) ليس إلا.
ومن الاختلالات الكبرى التي تضمنها المشروع، أنه افتقر كليا لأي إستراتيجية اقتصادية كفيلة بدعم النمو وحل المشاكل القائمة، وهذا المطلوب حاليا أكثر من أي وقت مضى. هذا علاوة على غياب كلي لأي إجراء خاص بمعالجة الأنشطة الاقتصادية غير النظامية وغير المقننة التي تعيش خارج المنظومة ويمكن أن تشكل أحد مصادر تمويل الخزينة.
وبخصوص الضرائب، اعتبر المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي، أن الحكومة اعتمدت بالأساس على “البريكولاج”، وهذا من شأنه تشجيع الاقتصاد غير النظامي وغير المقنن واتساع مداه. كما قد يشجع المقاولات ابتكار أساليب للتهرب من الأداء، مثلا اعتماد أداء جزء من أجر العاملين في الخفاء، ناهيك عن الاضطرار للجوء إلى اعتماد التهرب الضريبي.
لقد أجمع المحللون على أن مشروع قانون المالية يسبح ضد التيار بخصوص إشكالية الطبقة الوسطى. ففي الوقت الذي تأكدت فيه بجلاء ضرورة تقوية هذه الطبقة باعتبارها محرك التنمية، جاء المشروع ليلحق بها ضربة موجعة لا محالة أنها ستساهم في المزيد من إضعافها والنيل من قدراتها.
لقد أعدم مشروع قانون المالية وعود حكومة بن كيران المرتبطة بفئات هذه الطبقة، علما أنه أصلا تصل نسبة الثقل الضريبي إلى 22 بالمائة بخصوص الأجور القريبة من “سميك” و45 بالمائة بخصوص الأجور العالية، وهي نسبا مرتفعة، كما يضاف فعل التضخم الذي يساهم بدوره في تقليص القدرة الشرائية.
إن الاعتماد على الضرائب من الحلول السهلة. حاولت الحكومة البحث عن ملياري درهم عبر مساهمات جديدة تهم المقاولات والأشخاص الذاتيين لتمويل صندوق التماسك الاجتماعي. إنها اعتمدت على ضرائب استهدفت الدخل وأيضا ضريبة تتعلق ببناء المساكن (سيتحملها المواطن والتعاونيات السكنية)، وكذلك مراجعة نظام الضرائب – نحو الارتفاع- على السجائر المصنعة ووضع ضرائب إيكولوجية. لكن كل هذه الضرائب قد لا يكون مردودها مرتفعا ولن يصل إلى ملياري درهم المنتظرة.
فاللجوء إلى تغريم أصحاب الأجور العليا، قد يبدو معقولا من وجهة السعي إلى العدالة الاجتماعية، لكن في حالة واقعنا يفقد هذه الأهمية لأنه سيظل إجراء معزول كليا مادام المطلوب لإقرار العدالة الاجتماعية الفعلية هو إعادة نظر هيكلية في منظومة الأجور وآليات توزيع الثروة بالبلاد. وبالتالي سيظل انعكاس هذا الإجراء محدودا جدا، بل قد يولد عكس المتوخى منه وهذه طامة.
كما أن المشروع لم يهتم بإشكالية المتهربين من أداء الضرائب وإرجاع ما على ذمتهم من أموال لفائدة الدولة، وكذلك إرغام أصحاب الامتيازات على المساهمة في دعم المالية العمومية.
ومما لم ينتبه إليه مشروع قانون الميزانية، إشكالية تصاعد كلفة الإعفاء الضريبي – سيما بخصوص القطاع العقاري – والتي وصلت إلى 36 مليار و300 مليون درهم.
صندوق تماسك اجتماعي يكرس ظلما اجتماعيا
إن دعم وتثمين فكرة التضامن والتماسك الاجتماعي لا يتناطح حولها كبشان، لكن المشكل وكل المشكل يكمن في المنظور والتطبيق وترجمة كيفية المساهمة، وهذا ما لم ينتبه إليه واضعو البند 268 من المدونة العامة للضرائب المقترحة في قانون. إن آلية حساب المساهمة تكرّس – ربما من حيث لا يدري معدو المشروع – ظلما وجورا اجتماعيا، علما أن فكرة إحداث هذا الصندوق سعت بالأساس إلى التضامن بهدف تحقيق عدالة اجتماعية وليس العكس. وها هو الدليل:
حسب البند 268، إن الأجر المتراوح بين 300 و600 ألف درهم سنويا يساهم بنسبة 3 بالمائة. لنتصور أجر يقل عن 25 ألف درهم شهريا (300 ألف سنويا) مثلا 24500 درهم، ويمكن أن يكون أجر أحد ومعاوني أو تابع لصاحب أجر 25 ألف درهم. فالأول إذن معفي من المساهمة. أما الثاني عليه المساهمة بما قدره 750 درهم شهريا أو 9 آلاف درهم سنويا (3 بالمائة من الأجر). وبذلك سيحصل شهريا بعد الخصم على 24250 درهم ، في حين أن مرؤوسه سيظل أجره 24500 درهم. لكن تصوروا لو كان الفرق بين الأجرين أقل من 500 درهم، أليست هذه صورة من صور الظلم الاجتماعي. فما هو الحل إذن؟
إذا كان لابد من الاحتفاظ بهذه المساهمة، يمكن على الأقل الإقرار بتطبيق النسبة ليس على إجمالي الأجر وإنما على الجزء الذي يتجاوز حدا معينا بنص تلافيا لتكريس صورة من صور الظلم الاجتماعي. علما أن المساهمة في صندوق التماسك الاجتماعي مقررة لمدة 3 سنوات (من فاتح يناير 2013 إلى غاية 31 دجنبر 2015). وفي هذه السنة (قانون المالية 2012) تم تطبيق هذه المساهمة على الشركات دون الذاتيين لمدة سنة واحدة فقط، وسينتهي العمل بها بحلول 31 دجنبر 2012 .
حضور غير مسبوق وعدم الرضا وحد الجميع
مما أثار الانتباه حضور وزيري المالية معا – نزار بركة وإدريس الأزمي المكلف بالميزانية- في اللجنة المالية بالبرلمان، مفضلان التغيب عن اجتماع المجلس الحكومي رغم برمجة مناقشة قانون خاص بخلق هيأة مراقبة التأمينات، وكان الأولى أن يوزعا المهام بينهما. وقد تصرفا في اللجنة المالية كثنائي، كلما تدخل أحدهما تبعه الآخر.
كما لاحظ متتبعي نشاط وتحركات نواب الأمة، خلافا لما كان سائدا في السابق، اهتم البرلمانيون هذه السنة بشكل غير مسبوق بنقاش مشروع قانون المالية. تجاوز الحضور عدد النواب في اللجنة المالية ( قيل مائة) وهو رقم قياسي بالبرلمان المغربي. وعزى الكثيرون هذا الإقبال إلى تفاقم عدم الرضا على عمل الحكومة، لا سيما في المجالين المالي والاقتصادي.
هناك عدم رضا واضح المعالم، فالنقابات امتعضت بشدة بسبب تقليص الشغل وغياب أي زيادة مرتقبة في الأجور. كما أن الباطرونا غير راضية بتاتا بخصوص تحسين مناخ الأعمال. وهذا يعني أنه تم تغييب المشاركة والتشارك في إعداد هذا المشروع، والدليل هو الإجماع على عدم الرضا. وبذلك يكون أول مشروع قانون المالية جادت به قريحة فريق بن كيران قد أغضب الجميع.
فلن يتوانى حزب التجمع الوطني للأحرار عن استعراض عضلاته، سيما وأن صلاح الدين مزوار خبر عن قرب دواليب وزارة المالية ودروب ودهاليز إعداد الميزانية خلال سنوات ويطمح في أن تتبوأ “الحمامة” قيادة المعارضة. كما أن مناقشة المشروع مناسبة لرد الصاع صاعين اعتبارا لكون “المصباحيين” ألحقوا به ضربات موجعة عبر قضية المكافآت السخية التي كان يغترفها كوزير، فلن يفوّت فرصة مباراة الإياب، سيما وهناك مساندة “التراكتور” المستعد في أي لحظة وحين لإمطار بن كيران بأقسى الانتقادات بخصوص تدبيره.
أما حزب “الوردة”، يبدو أنه محتم عليه البروز في هذه المناسبة سعيا وراء استرجاع ولو بصيص من لريقه الذي فقده. في حين لن يدخر “الحصان” جهدا لإسقاط مشروع قانون المالية.
لكن، مهما يكن من أمر، إن الحكومة مرتاحة نسبيا بفعل قوّة العدد، ويمكنها تمرير مشروعها.
بعض معالم مشروع قانون المالية
أقرّ المشروع بنسبة نمو لا تقل عن 4،5 بالمائة، وتبدو عادية نسبيا، علما أنها داخلية إذ يتم تحديدها بالنشاط الاقتصادي وليس بالتمني. وكذلك الأمر بالنسبة لعجز الميزانية المحدد في نسبة 4،8 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وقد أجمع المحللون أن هذه النسبة متفائلة جدا – ربما أكثر من اللازم- لأن الظروف العامة إجمالا غير مواتية للرفع من المداخيل ولا للتقليل من النفقات نظرا للحاجيات الملحة المطروحة، واعتبارا لما وعدت به حكومة بن كيران ولو في حدوده الأدنى.
أكد مشروع قانون المالية أن غول العجز المالي مازال يهزم الحكومة، علما – حسب العديد من المحللين- أن النسب المعلنة بهذا الخصوص لم تصل بعد إلى عكس الحجم الحقيقي لهذا العجز. هذا في وقت تستوجب الظرفية الصعبة التي تجتازها منظومتنا الاقتصادية الوطنية ، أكبر درجة ممكنة من الشفافية والوضوح والصدقية، سيما فيما ارتبط بالمعضلات والمشاكل المستعصية.
لقد دأب الخبراء الاقتصاديون اعتبار الاعتماد على الديون الخارجية من الحلول التي يلجأ الفاشلون في التدبير المالي والاقتصادي. وفي هذا السياق، يقرّ الكثير منهم أن مشروع قانون المالية سار في هذا المنحى ولم يستوعب دروس وعبر ثمانينات القرن الماضي، عندما تم رهن القرار الاقتصادي بالخارج لما كان الاعتماد على الديون الخارجية.
وبخصوص عبء صندوق المقاصة خصص المشروع 40 مليار درهم و10 ملايير للصندوق الوطني للحبوب والقطاني، أي أن المقاصة ستلتهم 50 مليار درهم. ومن المعلوم أن هناك إصلاح صندوق المقاصة، لكنه إصلاح تدريجي اعتبارا لحساسيته ولصعوبة الظرف الاجتماعي الذي يفرض الحذر الشديد. علما أنه إلى حد الساعة لم تظهر معالم مسار إصلاح هذا الصندوق. وظل مشروع قانون المالية صامتا بهذا الخصوص.
أما بالنسبة للتصدي لاقتصاد الريع والمواربة، لم يأت المشروع بإجراءات ملموسة، وإنما اكتفى باعتماد الخطاب الشعبوي.
وما أقلق الكثير من المتتبعين، أن مشروع قانون المالية لم يتضمن إجراءات للتصدي للأزمة، كأنها غير قائمة. كما استغربوا من خلوه من إجراءات فعالة وذات جدوى لتقليص فاتورة الطاقة التي تعتبر من أهم بنود ميزان الأداءات. وتساءلوا أيضا حول سكوت المشروع عن صندوق الزكاة الذي احتل مكانة بارزة في التصريح الحكومي. كما أنه لا شيء يذكر عن الانتخابات الجماعية في مشروع قانون المالية رغم أنه تقرر إجراءها في غضون سنة 2013.
عود على بدء
إجمالا، اعتبر المحللون أن مشروع قانون المالية 2013 ارتكز على خلطة غير موفقة من الوصفات الليبرالية والاشتراكية وتقمّص وصفة تقنوقراطية لكن دون تناسق وفي ظل غياب رؤية إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد ودقيقة الأهداف.
إن أول مشروع قانون مالية من إعداد حكومة بن كيران جاء مُخيّبا للآمال التي كانت معقودة على الفريق بقيادة “المصباح”، إذ لم يرق إلى المستوى المأمول ولو في حده الأدنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.