كيف السبيل إلى معارضة الإسلاميين دون قتل الديمقراطية؟ وما هي أفضل طريقة لوقف «زحف» تيار الإسلام السياسي دون وقف مسلسل التحول الديمقراطي؟ وكيف يمكن لليساري والليبرالي والعلماني أن يكونوا ديمقراطيين يقبلون بقانون الأغلبية والأقلية، وفي الوقت نفسه، معارضين سياسيا وإيديولوجيا للإسلاميين؟ إنه السؤال الأصعب في صفوف «أعداء» الإسلاميين في العالم العربي اليوم، وفي المغرب كذلك. الإسلاميون قادمون اليوم إلى السلطة في جل الدول العربية، تحملهم الموجة العاتية حتى دون أن يبذلوا مجهودات كبيرة، والسبب لم يعد سرا ولا لغزا. هذه القوة موجودة في المجتمع منذ عقود طويلة، وهي متجذرة في قاع المجتمعات العربية أولا لأنها تخاطب الناس بما يفهمونه، وتتكلم معهم على قدر عقولهم، فالخطاب الديني له قدرة كبيرة على النفاذ إلى قلوب الناس قبل عقولهم، خاصة إذا كانت بطونهم جائعة وكرامتهم مهدورة. ثانيا: هذه القوى تشتغل بالقرب من البسطاء والطبقات الوسطى منذ سنوات طويلة، ففي الوقت الذي اتجهت فيه القوى الأخرى إلى قصف السلطة من فوق، توجه الإسلاميون إلى الحفر في التربة بحثا عن جذور السلطة في قاع الأرض. ثالث مصدر لقوة الإسلاميين اليوم أنهم يحصدون ثمار فشل الأنظمة الليبرالية والعلمانية والقومية في تحقيق ما وعدت به المواطنين، ويقدمون أنفسهم كبديل عن فساد واستبداد من سبقوهم، ويعدون الناس بحياة أفضل في الدنيا والآخرة. الإسلاميون ليسوا قنافذ لا أملس فيها، كما يحب خصومهم أن يصوروهم إمعانا في تشويه صورتهم، أو كسلا من عندهم في القراءة والمتابعة والرصد الدقيق لتحولات الحالة الإسلامية. الإسلاميون ملل ونحل فيهم المعتدلون والمتطرفون، المنفتحون والمنغلقون، السلميون والصداميون، وهم أبناء هذه الأرض، وإذا كانوا يستعملون الدين للوصول إلى السلطة، فإنهم ولدوا وترعرعوا في بيئة إما يوظف فيها الحاكم الدين، أو يعادي فيها الرئيس الإيمان، أو لا يسمح فيها الملك لخصومه بالمشاركة في السلطة، أكانوا علمانيين أو يساريين أو ليبراليين أو إسلاميين. لا ينتبه الكثيرون في عالمنا العربي والأمازيغي إلى أن المشكلة مقلوبة عندنا مقارنة بالغرب المسيحي، حيث كان الدين يحكم السياسة، وحيث الكنيسة كانت تحكم باسم الرب. الذي وقع في التاريخ العربي الإسلامي أن الدين كان ضحية حكم الأمراء والسلاطين والملوك الذين تلاعبوا بالدين من أجل شرعنة الاستبداد، وطوعوا فقه «الطاعة» و«الولاء» و«البيعة»، وحولوا أنفسهم إلى ظل لله على الأرض... فالدين بهذا المعنى كان ضحية للسياسة، وعوض أن يترك في عهدة المجتمع تعرض للخوصصة من قبل السلطة. ليس من مصلحة العالم العربي اليوم أن «يكتسح» الإسلاميون كل الرقعة السياسية. لقد رأينا الإحساس بالقوة والتفرد كيف دفع الرئيس المصري محمد مرسي إلى ارتكاب أخطاء كادت تكون قاتلة. في فترة التحولات الكبرى في الدول النامية التي تخرج من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الانفتاح، تحتاج العملية الديمقراطية فيها إلى نوع من توازن القوى، وإلى الاحتكام إلى توافقات واسعة بين كل الفرقاء حتى يتم إرساء القواعد الصلبة للعبة، وحتى يتم بناء بيت الديمقراطية الذي يتسع لكل الأطراف... هذه مقدمة للجواب عن السؤال أعلاه. إلى الغد.