أثار إعلان وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن لوائح المؤسسات التعليمية الابتدائية والإعدادية التي حازت "شارة الريادة" للموسم الدراسي 2024/2025 منذ أيام موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط التربوية والإدارية، بعدما تبين أن عددا من المؤسسات المحتضنة للنموذج البيداغوجي لم تُدرج ضمن القائمة، في وقت نالتها مؤسسات أخرى رغم تشابه ظروف العمل أو تقارب مستويات الأداء. هذا الجدل أعاد إلى الواجهة أسئلة عميقة حول معايير الانتقاء، وشفافية منظومة التقييم، ومفهوم الريادة ذاته داخل مشروع إصلاح المنظومة التعليمية. "شارة" تُثير الأسئلة أكثر مما تُجيب منذ بداية تنزيل النموذج البيداغوجي لمؤسسات الريادة في السلكين الابتدائي والإعدادي، ظل تقييم الأداء مرتبطاً بمنظومة قياس دقيقة تشمل نسب اكتساب التعلمات الأساسية، ونتائج روائز TARL، ونتائج التعليم الصريح، ومستوى تفعيل الحياة المدرسية، وجاهزية الفضاءات التربوية، وتعبئة الفاعلين والشركاء، ومدى تنفيذ مشروع المؤسسة المندمج PEI، غير أن إصدار اللوائح الوطنية الأخيرة أظهر، وفق تصريحات فاعلين تربويين، تفاوتًا غير مفهوم بين مؤسسات استوفت جميع المعايير التقنية لكنها لم تُتوَّج، وأخرى حظيت بالشارة رغم وجود مؤشرات أداء أقل من المتوسط في بعض الأبعاد. وتشير مصادر من داخل عدد المديريات الإقليمية في إفادتها لموقع "لكم"، عضدتها بيانات نقابية مساندة، إلى أن عددا من المؤسسات "المنسية" سبق أن حققت نتائج متقدمة في قياس التعلمات، وسجّلت نسبا عالية في الارتقاء بالمستوى القرائي والتربوي، مما جعل حرمانها من الشارة يبدو وكأنه اختلال في منطق الاستحقاق. هل هناك معايير خفية؟ ممثلو الإدارة المركزية يؤكدون، وفق ما نقله مصدر موقع "لكم"، أن اختيار المؤسسات تمّ وفق شبكة وطنية موحَّدة، عُهِدَ للمرصد الوطني للتنمية البشرية بتنفيذها خلال الفترة المتراوحة ما بين شهري ماي والأسبوع الأول من يونيو 2025 في جولات ميدانية للمؤسسات الابتدائية والإعدادية على صعيد 12 أكاديمية جهوية للتربية والتكوين، تعتمد عددا من المؤشرات ذات الوزن النسبي المتباين، غير أن هذا التبرير لم يُقنع العديد من المتتبعين الذين اعتبروا أن غياب نشر تفاصيل هذه المؤشرات وترتيبها الوطني يجعل من العملية أقرب إلى "التقييم الغامض". ويذهب تربويون آخرون إلى أن المشكل لا يكمن في فكرة "الشارة" نفسها، بل في طريقة تنزيلها التي تحتاج إلى قدر أكبر من الشفافية، خصوصًا أن المشروع يقوم على منطق الحوافز التشجيعية عبر منح 10 آلاف درهم للأطر التربوية والإدارية التي تنال مؤسستها "شارة الريادة"، وأن حرمان مؤسسات ذات أداء جيد يبعث ب"إشارة معاكسة" إلى الفرق التربوية التي بذلت جهودا كبيرة طيلة الموسم الدراسي. تأثير الجدل على دينامية المشروع أفرز هذا الجدل عددا من الانعكاسات داخل الميدان، وفق ما نقلته مصادر من داخل القطاع، وعلى رأسها "إحباط لدى بعض الأطر التي اعتبرت أن مجهوداتها لم تُقدَّر بالشكل المطلوب، إلى جانب التشكيك في إنصافية منظومة التقييم، ما قد يؤثر على تعبئة المدرسين والمديرين مستقبلاً، علاوة على ضغوط تمارس على الأكاديميات والمديريات لإعادة شرح المعايير وتبرير النتائج أمام مجالسها الإدارية والرأي العام المحلي. كما أن مؤسسات الريادة ليست مجرد "شارة" تُعلّق على الواجهة، بل هي مشروع إصلاح بنيوي يطمح إلى تحويل المدرسة المغربية إلى فضاء للجودة والإنصاف والابتكار، وأي خلل في منطق التتويج يمسّ جوهر المشروع في شقه الرمزي والتحفيزي. الحاجة إلى وضوح مؤسساتي أكبر يرى مراقبون للشأن التربوي في إفادتهم لموقع "لكم"، أن ما وقع يبرز إخفاقا في التواصل المؤسساتي أكثر من كونه خطأً في التقييم التقني، فالمؤسسة التي تُمنح "شارة الريادة" في غياب تفسير دقيق لمعايير التفوق تتحول من نموذج يُحتذى به إلى مصدر سؤال، والمؤسسة التي تُحرم منها دون توضيح تصبح ضحية غموض لا مبرر له. وبحسب المصدر ذاته، من زاوية تدبير التغيير، فإن أي منظومة تحفيزية تحتاج إلى مؤشرات دقيقة منشورةٍ للعموم، وآلية تظلم وطني تسمح بالطعون، مع تقديم ملاحظات كتابية لكل مؤسسة حول نقاط قوتها وضعفها. كما أن ربط الشارة بمشروع تطويري يمتد لثلاث سنوات وليس بقرار سنوي منفرد. وهي إجراءات – إن أُعتمدَت – ستُعيد الثقة وتُحوِّل الشارة من وسم إداري إلى أداة حقيقية لتحسين جودة التعلمات، حتى لا تتحول الشارة إلى موضوع خلاف، بل يجب أن تتحول إلى أداة إنصاف، تُكرِّم المجهود الحقيقي وتدعم المؤسسات التي تبذل وتبتكر، بعيدا عن أي اختلالات أو تأويلات تزيد من تعقيد مشهد الإصلاح. ووفق ما أسره مصدر وزاري لموقع "لكم"، فقد اضطرت الوزارة إلى توجيه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التابعة لها لموافاتها بالمؤسسات التعليمية الابتدائية والإعدادية غير الحاصلة على "شارة الريادة" من أجل "إعادة التقصِّي" من جديد عبر لجن المرصد الوطني للتنمية البشرية لاستدراك ما يمكن أن يكون قد حصل من خلل أو خطأ من أجل الإنصاف ليس إلا، يُوضِّح المصدر ذاته.