آلمني أن لا يمر على « قتلي » بتلك الطريقة البشعة، الا اسبوعين، فإذا بهم يعيدون فتح معبر « طارخال 2 ». لم ادرس في الجامعة ولم اتعلم اعتى النظريات، التي تقول ان البلد الفقير، ليس البلد الذي لا يوجد فيه الا الفقراء، وانما البلد الذي لا مكان فيه للغنى الفاحش. محنة حمالات سبتة لم أدرس ليس لأنني « بغلة »، كما يحلو لبعضكم وصفي بوقاحة استعمارية ونظرة استعلاء.. لم أدرس لأنني لم أجد من يعتني بي وبتدريسي، لأنني ابنة الهامش، ولأنه لم تكن لي نفس الحظوظ التي توفرت للنخبة ونخبة النخبة.. لم أدرس، لكنني تعلمت وأنا احمل الملاءات والألبسة على كتفي، وهي تقصم ظهري وتقطع أنفاسي، ورجل الأمن يعنفني بعينيه حينا وبيديه أحايين أخرى، والحارس الاسباني يحتقرني وقد صفعني لمرات، أنني الحلقة الأضعف.. تعلمت أنني « محكورة »، لأن ثمة « حكارين »، وشاهدت مظاهر الغنى والثراء الفاحش.. نعم، لم أتعلم ولم أتابع دراستي، لكنني لاحظت سيارات فوق العادة تجوب مدن المضيق والفنيدق وتطوان وطنجة..، فيما بعد فهمت أنها ماركات من نوع « الجاكوار » و« لومبركيني »، وعلمت من أفراد أسرتي في المهجر، أنه في أغنى البلدان، هذا النوع من السيارات لا يوجد بهذه الوفرة في بلد فقير، أعاد المندوب السامي للتخطيط احصاء فقرائه بمعايير الفقر المتعدد، وقد تعددت مظاهر الفقر والبؤس التي عشتها، وأقصاها ما كابدته وأنا أدفن حية في معبر « طارخال 2 »! لست « بغلة ».. أنا المكافحة المعذبة.. أسيرة لقمة العيش، التي فقدت الرغبة في الحياة. باب سبتة قبل أن استسلم للموت، وكان يمكنني في لحظة ما أن أقف. أن اصرخ في وجه المستعمر في هيئة حارس، أن أبتعد عن « الفيلة » والمقصود بها طابور طويل عريض، حيث زحمة الحمالة، أشبه بالصراط وأقرب إلى القيامة.. هل كان بامكاني أن أرفع رأسي بعيدا عن الدوس، أن لا أستسلم لجبل سيزيفي أضعه على كتفي، وأتلحف به؟ هل كان علي أن أصمد؟ لقد استسلمت للموت، لأنني سئمت القهر والغبن وعبارة « بغلة » التي تطاردني، ولأنه ما من سبب يدعوني للحياة. لست « بغلة »، لكن كرامتي أهينت عشرات المرات بمعبر العار، الذي نقف أمامه والعرق يبللنا، ضدا على المواثيق الدولية، تماما مثلما يحدث أمام الجدار العازل الصهيوني في فلسطين. لست « بغلة » لكنني غامرت بنفسي من أجل لقمة العيش، وسقطت في المعبر مثلما سقطت قبلي بضربة في الرأس أو بسبب الااختناق، من تسمونهن حيفا وزورا وبهثانا « بغلات ». آلمني هذا التغاضي عن المأسي ووصفنا ب »البغلات »، وانحدار القيم في المملكة المغربية إلى الدرك الأسفل، إحدى تمظهراتها، ظهور شابة من ذوي الاحتياجات وهي تغتصب تحت « فلاش » الهواتف الذكية في قلب العاصمة الاقتصادية.. مؤسف أن أٌنسى بسرعة، وأن لا تخلف وفاتي بتلك الطريقة، أي أثر أو تحرك أي تحقيق يوقف نزيف مغرب يبدو أن من يضع البهارات في طنجرته، فقد البوصلة، وقد أضاف الكثير من الفلفل على جرح اللاعدالة واللامساواة وهدر الكرامة.. باب سبتة لست « بغلة » لكنني اشبه ملايين الفقراء المغاربة الذين قال عنهم المندوب السامي للتخطيط ان عددهم في تراجع، أما أنا فشاهدة على زحف الفقر بتعدده، وقد اتسعت رقعته في محيطي بنفس القدر الذي اتسعت فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء.