المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    رسوم ترامب الجمركية تُربك الاقتصاد العالمي وتُسقط البورصات وسط مخاوف دولية واسعة    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    "فوج السلطان أحمد المنصور الذهبي".. سليل الناظور أسامة بلهادي يؤدي القسم أمام جلالة الملك    تفوق مغربي لافت.. 24 تلميذا يجتازون بنجاح مباراة ولوج المدرسة متعددة التقنيات بباريس    تجربة السفر تختلف بين معبر مليلية وميناء بني انصار.. والأخير يحظى بالإشادة    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    الحدود المغربية الجزائرية في الخطاب الملكي    ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين ردا على تصريحات روسية "استفزازية"    غزة.. ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 162 فلسطينيا بينهم 92 طفلا        أمين حارث يُقنع دي زيربي ويعزز حظوظه في البقاء مع مارسيليا    المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    سعر الدولار يتراجع بعد بيانات ضعيفة    مديرية الأرصاد الجوية تحذر من موجة حر من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    تقدير فلسطيني للمساعدة الإنسانية والطبية العاجلة للشعب الفلسطيني، وخاصة ساكنة قطاع غزة    الجمارك المغربية تحبط محاولة تهريب أزيد من 54 ألف قرص مهلوس بباب سبتة    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة    وزير العدل : لا قانون يلزم الموظفين بشهادة مغادرة البلاد        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    "مكتب الفوسفاط" يخطط لزيادة إنتاج أسمدة "تي.إس.بي" إلى 7 ملايين طن نهاية 2025    المبعوث الأميركي ويتكوف يزور غزة وسط كارثة إنسانية    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    بطولة العالم للألعاب المائية (سنغافورة 2025) .. الصيني تشين يحرز ذهبية ثانية في منافسات السباحة على الصدر    مصدر رسمي: نسب ملء مؤسسات الإيواء تؤكد الدينامية السياحية بالمغرب    وثائق مزورة وأموال "النوار" .. فضائح ضريبية تنكشف في سوق العقار    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    الطعن في قرارات "فيفا" ممكن خارج سويسرا    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إسبانيا تُزيل علمها بهدوء من جزيرتين قبالة سواحل الحسيمة    مجدلاني يشيد بالمساندة المغربية لغزة    أسامة العزوزي ينضم رسميا إلى نادي أوكسير الفرنسي    أربعة قتلى حصيلة سلسلة الغارات الإسرائيلية الخميس على لبنان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    "غلوفو" توقع اتفاقا مع مجلس المنافسة وتعلن عن خطة دعم لعمال التوصيل    تحكيم المغرب خارج مونديال الفتيات    أوسيمهن ينضم لغلطة سراي بصفة نهائية مقابل 75 مليون أورو    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما سرُّ استقرار المغرب؟
نشر في هسبريس يوم 11 - 04 - 2009


دراسة أميركية تجيب عن السؤال
رفع سن الزواج من 15 الى 18 سنة، منح المرأة حق الطلاق بالتراضي، الحد من حق الرجل في طلب الطلاق بشكل انفرادي، وضع قيود على تعدد الزوجات، فرض المسؤولية المشتركة عوضا عن الطاعة على الزوجة، خطوات إصلاحية حققها المغرب في السنوات الأخيرة. لكن الممارسة السياسية مقيدة بالإرادة الملكية وحرية التعبير محكومة بهذه الإرادة وكذلك التعددية السياسية. ""
والسؤال: هل يمكن الافتراض ان الإصلاحات الليبرالية التي حققها المغرب نموذج يقتدى به، وهل يقترب المغرب الملكي من لبنان الجمهوري في الممارسة الديمقراطية؟
السؤال بشقيه أجابت عنه مؤسسة كارنيغي، في دراسة لم تنشر اشرف عليها أحمد عباس، وقامت مجلة الكفاح العربي الصادر من بيروت بنشر أهم ما جاء فيه.
هل تصبح تجربة الإصلاحات في المملكة المغربية نموذجاً يحتذى به في المنطقة العربية، على الأقل في شطريها التعددي والاجتماعي؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال. قبل ذلك، وقفة تاريخية أولاً مع هذه التجربة.
تميّز المغرب خلال العقود الثلاثة التي تلت حصوله على الاستقلال في العام 1956 باستقرار يميل إلى الركود. لكن في فترة التسعينيات من القرن الماضي، سلك هذا البلد ذو النظام الملكي طريق الإصلاح الهرمي من القمة إلى القاعدة.
وقد اتخذ الملك الحسن الثاني الخطوات الأولى على هذا الطريق في السنوات الأخيرة من حكمه الطويل، واستكمل ابنه محمد السادس المسار بعد اعتلائه العرش في العام 1999.
وقد أحدث مسلسل الإصلاح بعض التغييرات الايجابية في المغرب، بحيث تحسنت أوضاع حقوق الإنسان، وتم على الأقل الاعتراف جزئيا بانتهاكات الماضي، وتم سن مدونة جديدة للأسرة أكثر تقدمية من سابقتها، وهي المدونة التي تنظم الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وغيرها من الأمور المتعلقة بالأسرة. ولم يعد انتقاد الفساد الإداري والرشوة من المواضيع المحرمة كما تم القيام بنوع من الإصلاحات الاقتصادية.
ويبدو حتى الآن أن الملك محمد السادس يسير على نهج الملوك المنفتحين والإصلاحيين والحداثيين، رغم انه يتمتع بسلطة تعيين الوزير الأول والحكومة من دون أخذ نتائج الانتخابات في الحسبان، وحل الحكومة والبرلمان وممارسة السلطة التشريعية في غياب البرلمان.
والسؤال الذي يفرض نفسه إذا ليس هو هل سيكمل المغرب تحوّله الديمقراطي، بل في معرفة هل الإصلاحات التي تم القيام بها إلى الآن ستقود حتما إلى مزيد من التغيير، وهل توازن القوى السياسية المتوفرة سيؤدي إلى تحول ديمقراطي في المستقبل المنظور؟
قام الملك محمد الخامس بوضع النظام السياسي المغربي الحديث، مع نهاية فترة الحماية في العام 1956، ولم يشهد ذلك النظام في الواقع أي تغيير الى حدود بداية التسعينيات من القرن العشرين. لقد كان نظاما يسمح نظريا بالتعددية لكن يقيدها في التطبيق. ففي وقت كانت أغلبية الدول العربية ودول العالم الثالث تحظر الأحزاب السياسية أو تتبنى نظام الحزب الوحيد، ظل المغرب يشكل الاستثناء بحيث رخص بإنشاء الأحزاب، وان كان يحد من هامش حريتها.
لدى عودته من المنفى كبطل أعاد للمغرب سيادته، تمكن محمد الخامس من أن يهمش الأحزاب التي كان في إمكانها أن تنافسه على السلطة. وكانت تضم كلا من حزب الاستقلال، الذي تزعم معركة الاستقلال، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب اليساري الذي انشق عن حزب الاستقلال وفاز بأول انتخابات جرت بعد الاستقلال. أقصى محمد الخامس حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وشكل حكومته الخاصة وترأسها بنفسه، كما كرس نفوذه باستقطاب أعيان البوادي وجهاز الأمن، وعمل على استثمار جاذبية شخصيته وشعبية الأسرة المالكة والشبكات النافذة التي أسسها. وبالتالي، اتسم النظام الذي ورثه ابنه الملك الحسن الثاني في العام 1961 بالسيطرة المباشرة الموالية.
وجاء دستور 1962 ليؤكد نسق هيمنة الملك بمنحه سلطة تعيين الوزير الأول والحكومة وعزلهما متى رأى ذلك ضروريا من دون الرجوع الى نتائج الانتخابات، وحل البرلمان ومنح نفسه سلطات غير محدودة في حال الطوارئ. ولم تدخل مراجعة الدستور في الأعوام 1970 و1980 و1992 و1996 أي تغيير يذكر ، رغم أن آخر تعديلين على الدستور أجريا بعد الشروع في عملية الاصلاح. وبعد اعتلائه العرش في العام 1999، حاول الملك محمد السادس أن يضفي على النظام هالة من الحداثة وجعله محترما لديمقراطيته عن طريق تعريفه «كملكية تنفيذية دستورية». وقد استمدت سلطة الملك الدستورية قوتها من عوامل أخرى، يتمثل أحدها في الدين. فالملك المغربي يعتبر سليلا للنبي محمد، وأسمى سلطة دينية في البلد بصفته أميرا للمؤمنين. بالإضافة الى ذلك، كان بإمكان الحسن الثاني الاعتماد على الشبكة التقليدية للمؤسسات الملكية، المعروفة باسم «المخزن». وهو مصطلح غير دقيق كان يعني في الأصل نخبة من خدام القصر وحكام الجهات والأقاليم والضباط العسكريين، ليشمل بعد ذلك كل الأشخاص الذين يخدمون الملكية ويرتبطون بها عبر الشبكات القوية.
تم السماح بإنشاء الأحزاب السياسية، وتم خلال التسعينيات من القرن الماضي تشكيل حزب إسلامي. وقد اتسمت الستينيات والسبعينيات على الخصوص بالعنف الشديد، حيث كانت فترة واجه فيها الملك تحديات جساما، بما في ذلك محاولات انقلابية فاشلة. فخلال "سنوات الرصاص"هذه، اختطف المئات من معارضي القصر و"اختفوا"، وسجن الآلاف وأحيانا عذبوا. وما من شخص اعتبر خطرا على النظام الا وكان ضحية للقمع، وتشكلت أغلبية الضحايا من اليساريين، لكن حتى الإسلاميون ومناصرو استقلال الصحراء الغربية والجنود المتورطون في الانقلابات الفاشلة المتعددة لم يسلموا من القمع.
انفتاح بطيء
ظل الوضع السياسي في المغرب في حال ركود الى بداية التسعينيات حينما غير الملك الحسن الثاني منهجيته ودشن انفتاحا سياسيا بطيئا. مع نهاية الحرب الباردة حل مناخ دولي جديد يدعم الديمقراطية، فازداد الضغط الخارجي من أجل التكيف مع التيار الجديد، خصوصا بعد أن رفض البرلمان الأوروبي منح مساعدة الى المغرب بحجة سجله في مجال حقوق الانسان. زيادة على ذلك، كان مثال الجارة الجزائر، التي تخبطت في حرب دموية بين قوى الأمن والاسلاميين الذين لجأوا الى العنف بعد أن تم حرمانهم من فوزهم في الانتخابات، تحذيرا صارما بالخطر الجديد الذي يتهدد الأنظمة السياسية المستبدة. وفي الداخل، أجبرت سنوات الجفاف المتعاقبة كثيرين من سكان البوادي على الهجرة الى المدن، ما أدى الى مستويات من البطالة والسخط الاجتماعي لم يسبق لها مثيل. وقد أدى ذلك السخط الى ازدياد دعم الجماعات الإسلامية، التي جلبت الى الداخل الخطر الذي تواجهه الملكية عند تجاهل الاستياء الاجتماعي.
استهدفت الإصلاحات التي سنّها الحسن الثاني أربعة مجالات: الاحترام المتزايد لحقوق الإنسان، والتوسيع المحدود لسلطة البرلمان، وتعزيز فرص مشاركة الأحزاب والمجتمع المدني في الحياة السياسية، ومحاولة الحد من الفساد. وكانت أغلبية المبادرات التي قام بها الملك الحسن الثاني تهدف الى تحسين سجل المغرب في مجال حقوق الانسان. وشملت احداث المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ثم الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، والإفراج عن بعض السجناء السياسيين، تعديل القوانين الخاصة بالاعتقال الاحتياطي والتظاهرات العمومية، والمصادقة على أهم المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، وتشكيل لجنة خاصة لتقصي حالات الاختفاء القسري.
ويمكن أن نجد نسق الإصلاح الجزئي في ميادين أخرى كذلك. لقد حولت التعديلات الدستورية لسنتي 1992 و1996 البرلمان الى جهاز ذي غرفتين، غرفة سفلى تنتخب كليا بالاقتراع المباشر بينما كان فقط ثلثا البرلمان السابق الأحادي الغرفة ينتخبان بالاقتراع المباشر، ووسعت مجالات اختصاص البرلمان لتشمل المصادقة على الميزانية ومساءلة الوزراء. لكن الانتقال الى نظام الغرفتين كرس في الواقع سلطة الملك على البرلمان، بما أن الغرفة العليا تنتخب بشكل غير مباشر من طرف الهيئات المهنية والمجالس المحلية المقربة الى الملك. كما أن دستور 1996 نص على أن الملك لا يمكنه فقط رفض القوانين التي يصادق عليها البرلمان، بل يمكنه تعديلها كذلك متى شاء من دون إرجاعها للبرلمان، ويمكنه إصدار القوانين من دون الرجوع الى البرلمان.
وكان قرار الملك الحسن الثاني القاضي بمد يد القصر الى الأحزاب السياسية وباستقطاب المنظمات المعادية سابقا للنظام الى الحكومة ذا أهمية سياسية بالغة. فقد عمل على اشراك كل الأحزاب بشكل أكبر في مناقشة قانون انتخابي جديد، وفي قرارات أخرى تهم سير الانتخابات. كما رخص لهيئة اسلامية، هي حركة الاصلاح والتجديد، التي ستصبح في ما بعد حزب العدالة والتنمية، بالمشاركة في انتخابات 1997، ولو تحت لواء حزب ضعيف.
ولقد أنشأ الحوار والتقدم الحاصل في ادارة الانتخابات علاقات أفضل بين القصر وأغلبية الأحزاب السياسية، الشيء الذي مكن الملك الحسن الثاني من تحقيق أبرز انجاز سياسي في تلك الفترة الاصلاحية ألا وهو نظام التناوب. بعد الانتخابات البرلمانية في العام 1997، لم يلجأ الملك الى أحزاب القصر لتشكيل الحكومة الجديدة، كما كان يفعل دائما في الماضي، بل طلب من عبد الرحمن اليوسفي، زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وريث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اليساري تشكيل الحكومة. ظل اليوسفي معارضا للنظام لمدة طويلة، وأمضى 15 سنة في المنفى بعد أن تم سجنه مرتين. ولم يأت قرار ادماج أحزاب المعارضة السابقة في الحكومة بشكل مفاجئ. فقد حاول الملك الحسن الثاني لسنوات كثيرة استقطاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، لكنهم كانوا يرفضون على أساس أن المشاركة في الحكومة تبقى غير ذات جدوى ما لم يتم تعديل الدستور بشكل يحد من سلطة الملك ويعطي اختصاصات أوسع للحكومة والبرلمان. لكن بعد انتخابات 1997، اضطرت الأحزاب غير الدينية المعارضة الموجودة الى تجاوز اعتراضاتها وتحالفت مع القصر لمواجهة صعود الاسلام السياسي.
ضمت حكومة اليوسفي وزراء كثر من الكتلة، وهي تكتل من الأحزاب التي كانت في المعارضة وتضم الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وعدد من الأحزاب اليسارية الصغرى. كما ضمت وزراء عينهم الملك مباشرة على رأس وزارات «السيادة» في مقابل الوزارات التقنية، وهي وزارات الداخلية والخارجية والعدل.
كان التناوب خطوة مبهمة، اذ ان اشراك أحزاب المعارضة في الحكومة كان مؤشرا على قبول القصر بالعملية الديمقراطية، لأن الملك ربط اختياره للوزير الأول بنتائج الانتخابات ­ فقد فازت الكتلة بالأغلبية. لكن التغيير لم يحد بأي شكل من الأشكال من سلطة الملك أو يغير موازين القوة بين القصر والمنتخبين. بل على العكس من ذلك، كان التناوب من ابداع الملك، الذي رأى أنه من المفيد اتخاذ خطوة كتلك، ولم يفرض عليه اثر فوز كاسح للكتلة في الانتخابات، التي حازت فقط على 102 مقعدا برلمانيا من أصل 325. وبالتالي، كانت لحكومة اليوسفي سلطات محدودة تاركة للملك مرة أخرى الكلمة الأولى والأخيرة في المشهد السياسي المغربي. لقد كانت الأغلبية الحكومية البرلمانية في الغرفة السفلى ضئيلة، بينما كانت الغرفة العليا التي تنتخب بالاقتراع غير المباشر بين أيدي المحافظين.
كما منح الملك الحسن الثاني منظمات المجتمع المدني حرية أكبر في التعبير، خصوصا حول مسألة الفساد.
وقام في السنة الأخيرة من حكمه، بعد تقرير للبنك الدولي الذي حدد الفساد والرشوة كأكبر معيق للاستثمار الخارجي والنمو الاقتصادي، بالسماح بتشكيل شبكة من الجمعيات الهادفة الى محاربة الفساد، وقدم تقريرا إلى البرلمان حول الاختلاسات الكبرى التي طاولت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأعلن عن "ميثاق حسن التدبير" لإصلاح الوظيفة العمومية. وكان أثر هذه المبادرات على محاربة الفساد محدودا للغاية، لكنها مكنت من رفع الحظر الذي كان مضروبا على موضوع الفساد.
زيادة على ذلك، كان التطور الذي شهدته منظمات المجتمع المدني بمثابة بداية مسار مستدام يتجاوز محاربة الفساد، ليمس بشكل أهم مجالات حقوق الانسان وحقوق المرأة والجمعيات المدنية. وقامت منظمات حقوق الانسان بدور رئيس في جعل الانتهاكات التي ارتكبتها الدولة محط نقاش عمومي، كما أثرت هيئات حقوق المرأة في الدفاع عن تعديل المدونة والتفاوض بشأن بنودها.
واكب اعتلاء الملك محمد السادس العرش في العام 1999 توقعات أولية كبرى بأن يعرف المغرب في عهده موجة جديدة من الاصلاحات تكون أوسع نطاقا. منذ البداية، حاول الملك الشاب أن يعطي للعموم صورة مغايرة عن صورة أبيه. لقد كان الملك الحسن الثاني شخصية متحفظة وتبنى القيم الاجتماعية المحافظة، بينما قدم الملك محمد السادس نفسه كعاهل حداثي يحرص على ملاقاة رعاياه ­ بحيث لقب ب"ملك الفقراء"عوض ملك النخبة. وكان قد ألمح في البداية أنه يؤيد الديمقراطية، ما ولد تكهنات بأنه سينتقل بالمغرب نحو ملكية دستورية.
أعطى الملك الشاب اهتماما خاصا للنهوض بحقوق الانسان، وفاق بكثير ما حققه والده في هذا المجال. فقد أفرج عن عدد كبير آخر من المعتقلين السياسيين، ومن جملتهم عبد السلام ياسين، زعيم أكبر حركة اسلامية في المغرب، العدل والاحسان، الذي رفعت عنه الاقامة الاجبارية على الرغم من انتقاداته العلنية اللاذعة للملك محمد السادس ووالده. وعمل الملك الجديد على تقوية دور المجلس الاستشاري لحقوق الانسان نوعا ما على الرغم من أن المنظمات الدولية لحقوق الانسان ما تزال تعتبر تقاريره السنوية جد مقيدة. وقام بمزيد من التدابير لملاءمة القوانين المغربية مع المعاهدات الدولية، كتغيير القانون الجنائي لتجريم التعذيب.
الأهم من ذلك كله أن الملك محمد السادس اعترف بمسؤولية الدولة عن حالات الاختفاء القسري وغيرها من انتهاكات حقوق الانسان. وفي أقل من شهر بعد خلافة أبيه في الملك، أقر بأن الدولة مسؤولة عن حالات الاختطاف وأعلن عن تشكيل هيئة التحكيم المستقلة، التي ستدرس كل حالة على حدة وتعوض الضحايا. وفي العام 2003، تم حل الهيئة بعد أداء التعويض لأربعة آلاف ضحية فقط. لكن بعد أشهر، أنشأ الملك هيئة الانصاف والمصالحة لتسليط الضوء على الانتهاكات المرتكبة بين 1956 و1999، ومساعدة المغرب على فتح صفحة جديدة. ويبقى الجدل دائرا حول مدى نجاعة الهيئتين في وضع حد نهائي لانتهاكات حقوق الانسان التي تمت في الماضي. فهيئة التحكيم المستقلة، بشكل خاص، حددت أجلا جد وجيز لوضع الطلبات، مقصية بذلك الآلاف من الأشخاص، وأدت تعويضات مالية للضحايا أو لذويهم من دون أدنى اهتمام بالمصالحة. كما أن مبالغ التعويضات كانت متفاوتة بشكل ملفت وحددت على أسس غير واضحة. ومثلت هيئة الانصاف والمصالحة تقدما ملموسا على مستوى التنظيم والمهام، الهدف منها الوصول الى الحقيقة والمصالحة وليس فقط التعويض المالي. لكنها بدورها كانت لها نواقصها، تتمثل أحداها في كونها لم تستطع اجبار المسؤولين الأمنيين عن تقديم شهاداتهم. وثمة عيب آخر يتجلى في كون مهمتها انحصرت في حدود العام 1999، مستبعدة بذلك التقصي في الادعاءات التي تفيد بأن انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ارتكبت مجددا في اطار «الحرب على الارهاب» في الوقت الذي ركزت فيه هيئة الانصاف والمصالحة اهتمامها على الماضي. وأخيرا، يعاب على الهيئة أنها نسجت علاقات متوترة مع أهم منظمات حقوق الانسان المستقلة وأضاعت فرصا حقيقية للتعاون.
لكن رغم هذه الانتقادات والتساؤل الفلسفي العريض حول ما اذا كانت لجان الحقيقة والمصالحة تشكل بالفعل أفضل الطرق لمعالجة انتهاكات الماضي، كانت هيئة الانصاف والمصالحة مبادرة غير مسبوقة في العالم العربي. فقد استجوبت آلاف الضحايا، وأجرت بحوثا ميدانية عبر المغرب، ونظمت جلسات استماع عمومية تم بث كثير منها على شاشات التلفزيون وأمواج الاذاعة ومواقع خاصة على الانترنت، ووضعت قاعدة بيانات تضم أكثر من 22 ألف شهادة شخصية. وفوق ذلك كله، تجرأت على التعبير علنا عن مسؤولية الدولة عن انتهاكات حقوق الانسان، الشيء الذي أثار كثيرا من الانتباه لأن النظام المتهم هنا ليس نظاماً مستبداً أطيح به، بل نظام أب الملك.
وتميز عهد الملك محمد السادس بإصلاحات أخرى جديرة بالذكر. فانسجاما مع صورته كملك حداثي، عمل محمد السادس على اتمام مشروع تعديل المدونة الذي كان قد دشنه والده قبل أشهر من وفاته. لقي قانون الأسرة الجديد معارضة شديدة من لدن الجماعات الاسلامية التي نظمت مظاهرة ضخمة ضده في الدار البيضاء، ولم يكن جاهزا الا في شباط فبراير2004. رفع القانون الجديد سن الزواج من 15 الى 18 سنة، وخول للمرأة حق الطلاق بالتراضي، وحد من حق الرجال في طلب الطلاق بشكل انفرادي، ووضع قيودا على تعدد الزوجات، وعوض واجب الطاعة على الزوجة بمفهوم المسؤولية المشتركة. ورغم المشاكل المرتبطة بالتنفيذ ­ كضعف تكوين القضاة وقلة وعي المرأة بحقوقها ­ يبقى هذا الاصلاح ذا أثر بالغ ويجعل المغرب أفضل بكثير من دول أخرى في المنطقة في مجال حقوق المرأة.
في السياق نفسه، سار الملك محمد السادس على خطى والده في ما يخص مسألة الرشوة، بل قام بخطوات اضافية، اذ أذن بإقامة فرع لمنظمة الشفافية الدولية في المغرب، وسمح للصحافة بالتحدث في الموضوع، ليعلن في تشرين الأول 2005 عن انشاء هيئة مستقلة لمحاربة الرشوة.
وبالنظر الى ما تحقق، لا يمكن القول اطلاقا ان الاصلاحات التي دشنها الملك الحسن الثاني واستكملها ابنه محمد السادس كانت مجرد عمليات تجميلية. فالتغيير الذي شهده المغرب أمر واقع، اذ صار البلد أكثر انفتاحا. فالمواضيع التي كانت محرمة في السابق أصبحت محط نقاش على صفحات صحافة مستقلة جديدة سمح لها بالتطور الى جانب مثيلتها الرسمية، وتتمتع المرأة اليوم بحقوق أكثر من السابق، علاوة على أنه تم الاعتراف بانتهاكات الماضي ومناقشتها. غير أن تنفيذ السياسات الجديدة في مجالات كثيرة لم يواكب هذا التطور، اذ أن هناك فرقا كبيرا بين الاقرار بحق المرأة في طلب الطلاق وتمكينها من تحقيق ذلك على أرض الواقع، أو بين التنديد بالرشوة ومحاربتها فعليا. لكن هذا لا يمنع من القول بأن المغرب حقق تقدما ملموسا على درب الانفتاح بسن قوانين تتناغم أكثر مع تلك التي تنظم الحياة في المجتمعات الديمقراطية. بالإضافة الى ذلك، من شأن التدابير الاصلاحية التي تم اتخاذها الى الآن أن تولد اصلاحات أخرى وتدفع باتجاه التغيير. وعلى الرغم من أن هيئة الانصاف والمصالحة حصرت عملها في الفترة الممتدة من 1956 الى 1999، من الصعب أن نتخيل مثلا أن انتهاكات مماثلة لحقوق الانسان قد تتكرر لمدد طويلة في المستقبل من دون أن تثير احتجاجات قوية وفاعلة. أصبحت الآن مسألة حقوق الانسان محط اهتمام الجميع، كما هو الحال بالنسبة للقضايا الاجتماعية التي تعالجها المدونة.
نعود الآن الى سؤالنا الاولي: هل يمكن للمغرب ان يصبح نموذجاً عربياً للإصلاح؟
السياق العام في المغرب يشجع نسبيا على التغيير وان كان لا يشجع على تكريس الديمقراطية تكريسا فعليا. فمنذ أن قرر الحسن الثاني اشراك المعارضة في تسيير الشؤون العامة عوض اقصائها، ومنذ أن أقدم على تحسين وضعية حقوق الانسان في المغرب، أصبح المغرب دولة متفتحة. وقد ساهم في هذا الوضع مشاركة المعارضة في الحكومة واشراك حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر الحزب الاسلامي الأكثر اعتدالا في العالم العربي.
لكن الواقع المغربي ما يزال يعاني من بعض الاعتلالات. فهناك تيارات اسلامية تدعو الى استخدام العنف تمثلت بشكل مثير في الأعمال الارهابية التي نفذت في الدار البيضاء في 16 أيار مايو 2003 حيث خلفت هذه الأحداث الدموية لدى المغاربة صدمة لا تقل قوة عن تلك التي خلفتها أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 في نفوس المواطنين الأميركيين. وعلى هذه الخلفية الخطيرة وغير المسبوقة، أبدت الدولة استعداها لاستخدام الأساليب القمعية ضد الحركات الاسلامية بما فيها تلك التي تنبذ العنف. خير دليل على ذلك تلك الموجة من الاعتقالات التي طالت في منتصف 2003 بعض أعضاء العدل والاحسان خلال اجتماعات غير مصرح لها، الهدف منها استقطاب بعض الأعضاء الجدد الى الجماعة. ومن المؤكد أن غياب قوى سياسية تحقق التوازن معناه أن كل الاصلاحات ستظل هشة وخاضعة لإرادة القصر. لكن رغم كل ذلك، يظل المغرب ولبنان البلدين الأكثر انفتاحا في العالم العربي، علما أن المغرب أكثر استقراراً.
أنقر هنا للإطلاع على العدد الأخير لمجلة الكفاح العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.