جلالة الملك يأمر مستشاريه بالاجتماع مع أمناء الأحزاب السياسية    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    الأقاليم الجنوبية تحقق إقلاعا اقتصاديا بفضل مشاريع كبرى (رئيس الحكومة)    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    مونديال الناشئين.. المنتخب المغربي يضمن رسميا تأهله إلى دور 32 بعد هزيمة المكسيك وكوت ديفوار    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    تعديلاتٌ للأغلبية تستهدف رفع رسوم استيراد غسّالات الملابس وزجاج السيارات    قضاء فرنسا يأمر بالإفراج عن ساركوزي    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    متجر "شي إن" بباريس يستقبل عددا قياسيا من الزبائن رغم فضيحة الدمى الجنسية    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الانتخابات اللاديموقراطية
نشر في هسبريس يوم 18 - 06 - 2009

ها قد حطت الانتخابات الجماعية المغربية أوزارها ، بنتائجها المتوقعة سلفا . لا بأس أن نتأمل هذه المسرحية قليلا ، وأن نقوم بتذكير الأصدقاء والأعداء بالحلقة الحلزونية المفرغة التي يعيشها الجسد السياسي المغربي ، ربما ينصتون إلى أفكارنا قليلا في الانتخابات التشريعية القادمة ، بدل أن تملأهم الأوهام والأحلام الوردية والزرقاء وشتى الألوان التي تظهر فجأة قبل الانتخابات بقليل وتنتهي بالتنديدات والتدمر ... ""
في ظل دستور مختل وغير صحي ، وقريب من توجهات نظام سياسي استبدادي يكرس الإنتهازية والمحسوبية والأعيان ضد دولة الحق والقانون ، فلا يمكن أن تكون النتيجة بطبيعة الحال إلا هذه الفوضى والعبث السياسي . لنذكر أولا فؤاد علي الهمة أن تأسيسه لحزب سياسي كان متوقعا منذ خروجه من الحكومة ، وأن الأمور كان مخططا لها بإحكام في إطار لعبة كبرى ... لنذكر الملك محمد السادس أنه رفض استقالة عبد الواحد الراضي من الحكومة بينما قبلها بدون تردد من طرف صديقه الذي سيؤسس حزبا سيكتسح الأخضر واليابس ، هذا إن لم نقل أنها سيناريو من طرف القصر الملكي . فليس من المنطقي بتاتا أن يطلب فؤاد علي الهمة الإستقالة بدون أن يطلع الملك على مخططاته بشكل تفصيلي ، بل إنه لا يمكن أن يفكر بشكل جدي في هذه المسألة دون مشاورات منذ البداية مع القصر . إذن ، فالتوجه الجديد كان بقرار ملكي بشكل مطلق ،دونما ملاحقة النظر عن المصدر الأول للفكرة في محيط القصر لأن ذلك بلا معنى . هنا ، تبدأ الأسئلة تتناسل حول هدف القصر من هذا التكتيك المفاجئ لإدراة الصراع السياسي . ثمة احتمالات كثيرة بعضها تكتسيه الهشاشة النظرية ، وبعضها يعتريه المنطق ... سوف نحاول هنا رسم ملاحظات ضرورية على هامش الانتخابات :
- إن سوء النية المبيتة في تعامل النظام السياسي مع الأرقام يؤكد بالملموس عدم رغبة الدولة في الديموقراطية والشفافية والإصلاح السياسي الحقيقي . لماذا لا تعطي الدولة الأرقام والنسب الصحيحة للمواطنين ؟ لماذا تسعى الأجهزة دائما للتدليس ، إذا كانت مقتنعة بانفتاح مسارها الديموقراطي ؟ إن نسبة %52 المعلن عنها هي غير صحيحة ، والدولة تعرف جيدا أنها تغالط مواطنيها وتعترف بلا خجل أن نسبة المشاركة معقولة ! في حين كان عليها أن تعترف بالنسبة الحقيقية للتصويت . ذلك ببساطة ، لأن الدولة لا يهمها أصلا المواطنين أو حقوقهم أو مصالحهم ، الأمر هو مجرد بروباغندا كما أن الانتخابات هي بروباغندا لا أقل ولا أكثر لتلميع صورة النظام . إن شهادة الدولة على نفسها في إحصاءها الرسمي الأخير يقول أن الكتلة الإنتخابية هي 20 مليون نسمة . أين اختفت 7 مليون نسمة أيها الوزير ؟ . التسجيل في اللوائح ليس معيارا ومحددا للكتلة الإنتخابية ، بمعنى لماذا سيتوجه الناخبون أصلا للتسجيل وهم متأكدون جدا من عدم ذهابهم ، بل بعضهم سيكون مجبرا لأداء ثمن 20 درهما لشهادة السكنى كي يتسجل في لوائح بنموسى ، وهو يعرف أنه لن يذهب . أليس من المنطقي أيها السيد الوزير أن يشتري المواطن المقاطع لمسرحيتك بهذه العشرين درهما علبة سيجارة يهدئ بها أعصابه وهو يشتم نظامكم السياسي في المقهى ، أو على الأقل يستعملها في أعباء الحياة الثقيلة التي يحملها وحده بسبب سياساتكم الفاشلة . ألن يكون الأمر أجدى وأنفع ؟ فلماذا يتجاهل السيد وزير الداخلية بشكل سافرالأشخاص الذين لم يتسجلوا أصلا في لوائحه وتحدث عن المقاطعة فقط باحتساب نسبة المشاركة من المسجلين . هؤلاء المقاطعون رفضوا انتخاباته جملة وتفصيلا . هل لو كان المغرب بلدا ديموقراطيا يعتمد بطاقة التعريف الوطنية من أجل الإنتخاب بدل بطاقة الناخب التي تكرس التزوير ، سيمحي السيد الوزير كل هؤلاء المغاربة ويقول أن المغاربة هم فقط المصوتون !!! إن أكاذيب السيد وزير الداخلية توضح للمغاربة بشكل قطعي أن خطابه لا يهمهم وليس موجها إليهم ، إنه يتحدث مع المنظمات العالمية والدول الغربية ، أما المواطن فهو آخر من يفكر فيه السيد بن موسى . إذن ، أيها السيد بنموسى النسبة الحقيقية للتصويت هي أقل من %35 ، وإن كنت أنت أيها الوزير وحكومتك ونظامك السياسي تراهنون على الأمية ، والكذب على الشعب ، فالحيلة لا تنطلي إلا عليك حيث تبدو كمن يريد تغطية الشمس بالغربال .. ، كما أن نسبة المصوتين لا تعني أنها نسبة الأصوات المعبر عنها ، بمعنى أنه هنالك أشخاص رموا أورقاهم في الصناديق فيها شتائم للمرشحين أو للإنتخابات أو وضعوا الورقة فارغة تنكيلا بانتخاباتك أيها الوزير .. وقد بلغ عدد الأوراق الملغاة أكثر من ربع مليون ورقة أي بنسبة تفوق %3.5 من عدد الأصوات المعبر عنها . ليس من الأخلاق أن يغالط ويحتال السيد بنموسى على الشعب المغربي ثم يطالب المقاطعين بالتوجه إلى صناديقه . إذن ، فتلثي الناخبين لا تمثلهم هذه المجالس ولا علاقة لهم بالانتخابات، وهذه المسرحية لا تعنيهم في شيء . وهذا مؤشر إيجابي للوعي السياسي الذي أصبح يستشري في شريحة كبيرة من المواطنين المغاربة من جهة ، ومن جهة أخرى هو ناقوس يتكلم عن آلام ويأس المواطنين من خطابات المرشحين المستهلكة ولو جاءت من طرف صديق الملك . إن ممارسة السياسة بهذه البهلوانية من طرف النظام وإفراغها من محتواها لا يمكنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى مقاطعة شاملة للإنتخابات كممارسة سياسية ناجعة تحد من العبث السياسي . وإذا أراد السيد بنموسى أن ينفخ في النسبة أكثر ، أنصحه أن يطلب من كل الناخبين تسجيل أسماءهم قبل الانتخابات المقبلة ، وليس الإعتماد على اللوائح السابقة ، ربما يمكنه أن يتعدى نسبة 99 % . كما أنصح الأحزاب التقدمية التي تحمل المقاطعين وزر فشلها ، أن تضع نظاراتها وتنظر جيدا لمرشحيها الذين لم تراعي الأخلاق السياسية التقدمية في ترشيحهم .
- في المغرب عموما ، لا يصوت الناس على الأحزاب ، بل على الأشخاص . إن التصويت في المغرب هو قبلي وعائلي حتى ولو امتزج بالمال . وهذا يجعل من حساب تغلغل الأحزاب في المشهد المغربي استينادا إلى الانتخابات مسألة مغلوطة وغير دقيقة . يمكننا القول ان نتائج أصوات الانتخابات لحزب ما تأتي من أصوات مناضليه " وهي نسبة ضئيلة " بالإضافة إلى الكتلة المهمة التي تصوت على الشخص دون اهتمام بالحزب . فيمكن لأي حزب أن يأخد نفس الأشخاص الذين يفوزون في الانتخابات وسيفوز بهم ، وذلك ما تعتمده الأحزاب السياسية وما لجأ إليه الهمة أيضا . إذن ، لا يمكن بشكل موضوعي الحديث عن قوة فكر وتوجهات الأحزاب أو ضعفها من خلال الانتخابات . والذي يستغرب كيف أن حزب الهمة حصل على نسبة هامة وهو حزب جديد ، فيبدو أنه لا يفهم مجريات الانتخابات في المغرب . فحتى لو جاء حزب لعائشة قنديشة ووضف نفس الأعيان الذين وضفهم الهمة لحصل على نفس النتائج ، طبعا يجب أن تبقى الدولة بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع المرشحين ، وأن يقبل الأعيان بالذهاب إلى حزبها كما هرولوا إلى حزب الملك .
- الأصالة والمعاصرة أو كما يسميه البعض حزب الملك ، تمكن من الفوز بالمرتبة الأولى بشكل مريح . وحصد ما يقارب %18 من الأصوات المعبر عنها . وإذا تذكرنا أنه لا زال حزبا مبتدئا ، وأنه لم يتجاوز بعض الأخطاء المرحلية الخفيفة ولم يتمكن من دهس كل الخصوم السياسيين والقضاء عليهم لأنه لم يتسنى له الوقت الكافي للقيام بذلك ، فالحزب لم يخرج لدعوته العلنية إلا قبل شهور ، وأن بعض من إلتحقوا به غادروه مرة ثانية . كما أنه لا يزال فقط في مرحلة التسخينات ولم يدخل بعد للملعب كلاعب رسمي . لكن ، هذه القوة التي دخل بها فؤاد علي الهمة والتي لا تفوقها إلا قدرات سيبيرمان ، تطرح أسئلة متشابكة وعديدة . لا تتناطح عنزتان في أن الحزب يعتمد يافطة الملك . لكن ، كما قلت سالفا لماذا هذا التكتيك لإدارة الصراع ؟ أكيد ، أن ثمة أشياء كثيرة يقوم النظام السياسي بالتمهيد لها . أما التبريرات التي تذهب أن الهمة هو ميكانيكي الآلة السياسية في المغرب ، فهذا تصور خاطئ وغير صحيح ، إن الهمة لم يختلف في شيء عن الأحزاب الأخرى من حيث طبيعة المرشحين الذين قدمهم ، بل إنه اعتمد وجوها انتخابية تؤكد أن دار لقمان باقية على حالها ، ولو كانت ثمة نية في تفعيل العمل السياسي وإضفاء دماء جديدة ، لكان من المفروض أن يغير تلك الوجوه الكاسدة ، بدل تلميع صورتها ومسح ما علق بها من غبار وإضفاء الشرعية عليها باسم الملك . ثم ، إن كانت فعلا إرادة إصلاح ديموقراطي من طرف الهمة ومحيط القصر ، ألم بكن حريا بالسيد الهمة أن يبقى في وزارة الداخلية ويعطي أوامره الصريحة الواضحة لموظفيه بمحاصرة توزيع المال في الإنتاخابات والتدخل بحزم ضد أباطرة الانتخابات الفاسدين ؟ بدل هذا الحياد السلبي للنظام ، حيث تساند الدولة من تحت الطاولة ذيوله وحلفاءه بالسماح لهم بفعل ما يحلو لهم من ترغيب وترهيب للمواطنين " المال والهراوات " ...
ولماذا تغيير الخارطة السياسية بعد عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس إذا كان الملك هو الممارس الوحيد والفعلي للسياسة في المغرب ؟ إن هذه الخلخلة التي يقوم بها الهمة داخل الأحزاب السياسية باستقطاب وجوهها وفعالياتها أو تلك التي يقوم بها في تغيير الخريطة السياسية تؤكد أن ثمة أمور أكبر من مسألة معاقبة الأحزاب أو جر آذانهم . إنها حركة تريد المستقبل وتتوجه إليه بأشياء غامضة ، غامضة على الأقل بالنسبة للأحزاب السياسية والمناضلين والمواطنين في الوقت الراهن ، بينما هي واضحة مدروسة من طرف النظام المغربي . إن الأحزاب السياسية تقف الآن على الحافة ولا تعرف مصيرها . لكنها تتلقى ضربات متتالية من طرف النظام ، ولا تفعل الآن سوى تفادي الضربة القاضية بالصمود لأطول فترة ممكنة حتى نهاية الجولة ، ربما يمكنها أخد القليل من الراحة بعد ذلك واسترجاع البعض من قواها . فحزب الملك ، سوف يفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة ، ومن الطبيعي أن تختفي الوزارات السيادية وتصبح وزارات حزبية يتقلدها وزراء حزب الملك ، ومن السهل على الهمة أن يكون الوزير الأول المقبل من حزبه الملكي سواء بعد الانتخابات التشريعية أو قبلها ، بل سيكون حضور حزب الملك ركنا أساسيا في التعديل الدستوري المستقبلي وفي كل القرارات الحاسمة ، بل يمكننا أن نقول أن حزب الملك يستعد لأن يلعب نفس الدور والمكانة الذي لعبها حزب الإستقلال لحوالي ستين سنة " طبعا ثمة تعديلات في الموديل الحزبي الجديد " .. وهذا خطأ يرتكبه النظام الملكي مرة أخرى ، إذ سيساهم في تأخير المسار الديموقراطي بشكل كارثي ، لأن إعادة هيكلة المشهد السياسي المملوء بالخراب ، لا يمكن تجاوزها بسيناريو الحزب الوحيد . بل إن في يد النظام الملكي بحكم صلاحياته الدستورية الحالية كل مفاتيح الأبواب الديموقراطية ، فلم استعمال حزب سياسي ؟ الانتخابات ليست سوى قطعة من الديموقراطية ، ولا يمكن أن يصبح المغرب ديموقراطيا لأن حزب الملك سيفوز في الانتخابات بدون منازع كما هو الحال في الدول العربية كمصر وتونس وسوريا ووو ... بل إنه سيساهم في إفشال المسار الديموقراطي وتعطيل حركيته . لقد دخل حزب الملك بنفس المنطق الإنتخابي لكل الأحزاب الأخرى ، وهذا يوضح طريقه . وإن كان قد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، فهذا لا يعني أن النظام سيستطيع فرضه على الشعب المغربي والمناضلين بتغيير قوانين اللعب ، إن تدجين الحياة السياسية والأحزاب من طرف الدولة منذ حكومة التناوب المشؤومة فشل فشلا ذريعا في احتواء الشعب والمناضلين ، لأن الوعي الجماهيري لا ثؤتر فيه بسهولة الخطابات الكاريكاتيرية والدغمائية للأحزاب السياسية التي تحالفت مع الفساد . إن حركة التاريخ تتوجه عموديا نحو الحرية والديموقراطية ولا يمكن أن يوقفها لا الهمة ولا عشرة من أحزاب الملك .
- إن فشل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية الأخيرة ، رغم محاولة بعض القياديين التخفيف من الصدمة بالتصريح باستهدافهم من طرف الدولة تارة ، أو بتباهيهم أنهم حققوا نتائج مهمة ومعقولة تارة أخرى. لكن الحقيقة ، أن حزب العدالة والتنمية تلقى ضربة في مقتل . ليس فقط بسبب الواقع السياسي المغربي ، بل من خلال البنية السوسيوثقافية للمغاربة أيضا . فالحزب الذي يقدم نفسه بالإسلامي لم يستطع إقناع المغاربة المقاطعين بالتوجه ، وهذا يعكس مكانة هذا الحزب الحقيقية في قلوب المغاربة ، كما يؤكد أنه أصبح مفضوحا ويتآكل باستمرار . لقد حصل الحزب على نسبة% 6.8 من عدد الأصوات المعبر عنها . بينما حصل على نسبة% 2.3 من الكتلة الناخبة . وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن العدالة والتنمية تحصل على أصوات لا بأس بها من طرف جماعة العدل والإحسان التي تتوجه لصناديق الإقتراع ، فيمكننا أن نتصور حجمها الحقيقي إذا قررت الجماعة السالفة الذكر الدخول للإنتخابات ، حيث ستفقد العدالة والتنمية أوتماتيكيا هذه الأصوات . مسألة ثانية لا بد من الإشارة إليها هنا ، وهي إعلان العدالة والتنمية للتنسيق المبدئي والتحالف مع الإتحاد الإشتراكي كقرار قيادي ينبغي الإستيناد إليه في المناطق ، وهذا صراحة موقف غريب من الطرفين !!! فالعدالة والتنمية أصبحت تعتبر الإتحاد الإشتراكي حليفا !!! وهذه سوريالية العمل السياسي في المغرب . فإذا كانت العدالة والتنمية تقول أن الإشتراكيين يحاربون الله ورسوله ، وأنهم مندسون ضد الإسلام ، إلى غير ذلك من الشعارات الكثيرة التي تقولها في تجمعاتها وفي حملات انتخاباتها ، فلا أعرف حقا كيف سيقبلون بالعمل يدا بيد مع حزب يعتمد المهدي عامل وماركس وغرامشي في حواراته ، بل وأصبح الحزبان حبيبين كالسمن مع العسل . إنها لعنة السياسة كما يقال دائما . فكل المواقف تتغير حسب المصالح الذاتية والمواقع . فأين انهار الخط الإسلامي العام لحزب العدالة والتنمية ؟؟؟ أم سيصبح اليازغي وعبد الواحد الراضي وفتح الله ولعلو وغيرهم مسلمين بارين عند السيد بنكيران !! إنها بدائع وغرائب السياسة في المغرب حيث يمكن أن يتحالف أقصى اليمين مع أقصى اليسار،فقط لمصالح معينة .ويستغربون بدون خجل لماذا لا يذهب المواطن للتصويت .
أما الإتحاد الإشتراكي ، فهو في وضعية حرجة ولا يمكن بأي حال من الأحوال الرجوع كحزب قوي في المغرب كما السابق ، بل هو يذهب نحو التلاشي ، وإن كانت بعض المحاولات لإيقاف هذا الإنهيار الذي بدأ منذ حكومة التناوب حاولت أن تأخده إلى غرفة الإنعاش بإقالة اليازغي ، لكن سرعان ما ستتدهور حالته بشكل أفظع مع انتخاب الراضي رئيسا وعدم قدرته على تحقيق وعده للمناضلين بالإستقالة من الحكومة ، فكيف سيثق فيه المواطنون وهم رأوه بأم أعينهم يكذب بصفاقة على مناضليه المقربين ! لذلك فهذا التحالف سوف يدمر موقف العدالة والتنمية ويفضحه أمام الشعب أكثر من الإتحاد الإشتراكي ، لأنه لم يبقى للإتحاد الإشتراكي مواقف يخسرها ، بل ربما سينتفع الإتحاد بهذا التحالف الديني لاستجداء بعض الأصوات من المساجد في الانتخابات المقبلة بحجة أنه حليف للعدالة والتنمية . وهذا التحالف بين حزب بنكيران وحزب الراضي هو عنوان عريض للود بين المصالح الضيقة على حساب التوجهات ، وهذا من مظاهر فشل العدالة والتنمية في تحقيق أهدافها ، أما الإتحاد الإشتراكي ففشل مند مدة طويلة ..
- ولا بد هنا أيضا من الحديث عن الحزب الوحيد الذي تخطى المليون صوت مع حزب الملك ، وهو حزب الإستقلال ، وهذا يثبت كما قلنا سابقا أنه لا اختلاف جوهري حدث بين الانتخابات التشريعية والجماعية . فقط ، دخول حزب الملك على الخط . واتضح أن الأصدقاء والأعداء الذين دعوا إلى التصويت كانت تقديراتهم حالمة كثيرا ... فحزب الإستقلال رغم شيخوخته فهو لا يزال الدراع الأيمن للنظام السياسي المغربي ، إذ ربما سيسير لعقود طويلة جنبا إلى جنب مع حزب الأصالة والمعاصرة خاصة مع وجود قيادات مستعدة لبعث دينامية جديدة في صفوفه كالفقيه حميد شباط ، الذي لن أستغرب إن سمعته يوما وزيرا أولا ، وأتمنى أن يستوعب المواطنون الدرس جيدا وأن يقاطعوا الانتخابات التشريعية المقبلة إلا إذا حدثت تغييرات تشبه المعجزة وهذا مستحيل مع المعطيات الراهنة . وهو ما يؤشر على أن التفاؤل المفرط بالعهد الديموقراطي الجديد كان فقط أضغات أحلام ، وأننا لا زلنا على مسافات بعيدة من الديموقراطية أو رغبة الدولة في الديموقراطية . عموما ، فحزب الإستقلال حافظ على موقعه إذا أخذنا بعين الإعتبار أن لا أحد بإمكانه مجاراة حزب الملك .
- ملاحظة أخرى ينبغي التطرق إليها ، وهي حصول النساء على 3406 من المقاعد مقابل 127 مقعد في الانتخابات الفارطة ، وهذا هو الجزء الوحيد الذي لا يمكن اعتباره سلبيا في كل هذه المسرحية ، رغم تحفظنا على طبيعة النساءالفائزات التي لا تختلف عن الرجال في شيء . فالفائزات هن أيضا متورطات بشكل عام في البنية السياسية الفاسدة ، ولذلك فنحن لا ننتظر منهن شيئا ، فهن خضعن لنفس شروط السياق السياسي . لكن عموما يمكن اعتبار هذا الإرتفاع نقطة إضافية في الثقافة السياسية التي نطمح إليها رغم أن هذا العدد هو غير كافي ، إذ ينبغي أن تصل نسبة الكوطا التمتيلية للمرأة لأكثر من% 33 . وهو ما نأمل أن يضعه النظام السياسي في حسبانه لرفع الحيف ضد المرأة . فنسبة% 12 التي حصلت عليها المرأة المغربية في الانتخابات الأخيرة تبقى غير كافية ...
- أما التزوير في إرادة الناخبين بالترهيب والترغيب ، وحياد النظام وتواطئه مع المفسدين عبر الحياد السلبي وتلك الممارسات اللاأخلاقية للنظام المعروفة منذ عقود ، فلا داعي للحديث عنها ، لأنها أصبحت مهضومة لتكرارها ، بل إنها أصبحت من التقاليد المغربية التي ينبغي على المختصين ]دراستها مع كناوة والدقة المراكشية وعبيدات الرمى ، لأن شطحات النظام لا تفوقها أي شطحة أخرى في مجالها ..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.