التونسي وهبي الخزري يعتزل كرة القدم    توقيف مواطن ألباني في أصيلة مبحوث عنه دوليا    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    كأس أمم إفريقيا 2025.. "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يؤكدان التزامهما بتوفير ظروف عمل عالمية المستوى للإعلاميين المعتمدين    نادي الأهلي السعودي يحتفي بالرجاء    الملك تشارلز يعلن تطورا لافتا في علاجه من السرطان    القنيطرة .. يوم تحسيسي تواصلي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة    جهة الدار البيضاء : مجلس الأكاديمية الجهوية يصادق على برنامج العمل وميزانية 2026    ضحايا "زلزال الحوز" ينددون بحملة التضييقات والأحكام في حقهم    تساقط الثلوج يقطع طرقات في تنغير    الطريق بين تطوان والمضيق تنقطع بسبب الأمطار الغزيرة    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    التنسيق النقابي بقطاع الصحة ينتقد مراسيم إحداث المجموعات الصحية الترابية ويعلن برنامجا احتجاجيا تصاعديا    حبس الرئيس البوليفي السابق لويس آرسي احتياطيا بتهم فساد    السغروشني تعلن تعبئة 1,3 مليار درهم لدعم المقاولات الناشئة    خطابي: فلسطين تحتاج "محامين أذكياء"    الركراكي يرفع سقف الطموح ويؤكد قدرة المغرب على التتويج بالكان    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    تشيوانتشو: إرث ابن بطوطة في صلب التبادلات الثقافية الصينية-المغربية    تفاقم عجز السيولة البنكية ب 5,93 في المائة ما بين 4 و11 دجنبر    الإقصاء من "الكان" يصدم عبقار    الإمارات إلى نصف نهائي كأس العرب لمواجهة المغرب الإثنين المقبل    اجتماع لفتيت والولاة ورؤساء الجهات يدفع ببرامج التنمية الترابية نحو مرحلة متقدمة    بنونة يطالب ب «فتح تحقيق فوري وحازم لكشف لغز تهجير الكتب والوثائق النفيسة من المكتبة العامة لتطوان»    عاصفة شتوية تصرع 16 شخصا بغزة    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانًا رعدية مرتقبة بطنجة هذه الليلة        يونيسكو.. انتخاب المغرب عضوا في الهيئة التقييمية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي    بتمويل أوروبي ب150 مليون أورو.. مشروع "سايس 3" يهدف لتأمين الري ل20 ألف هكتار وحماية المياه الجوفية    إيران تعتقل متوجة بجائزة نوبل للسلام    سمو الأميرة للا أسماء تترأس بالرباط افتتاح المؤتمر الإفريقي الأول لزراعة قوقعة الأذن للأطفال    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع        بريطانيا.. موجة إنفلونزا "غير مسبوقة" منذ جائحة (كوفيد-19)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مدينة الحسيمة تحتضن فعاليات الملتقى الجهوي السابع للتعاونيات الفلاحية النسائية    أخنوش من مراكش: المغرب ملتزم بتعزيز التبادل الحر والاندماج الاقتصادي المستدام في إفريقيا    ميناء العرائش .. انخفاض طفيف في حجم مفرغات الصيد البحري    نورس موكادور الكاتب حسن الرموتي في ذمة الله    صادرات الصناعة التقليدية تحقق نموا    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    تيميتار 2025.. عشرون سنة من الاحتفاء بالموسيقى الأمازيغية وروح الانفتاح    باللهجة المصرية.. محمد الرفاعي يصدر جديده "روقان"    حوادث النَّشْر في العلن والسِّرْ !    المنتخب المغربي ل"الفوتسال" يحافظ على مركزه السادس عالمياً والأول أفريقيا    مراسلون بلا حدود: سنة 2025 الأكثر دموية للصحافيين وقطاع غزة يتصدر قائمة الاستهداف    وثيقة سرية مسربة تفضح رغبة أمريكا استبعاد 4 دول عن الاتحاد الأوروبي    وليد الركراكي يوضح معايير اختيار لائحة "كان 2025"    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    تخفيف عقوبة طالب مغربي في تونس تفضح سوء استخدام قوانين الإرهاب    إفريقيا توحّد موقفها التجاري قبل مؤتمر منظمة التجارة العالمية القادم    فيضانات تجتاح الولايات المتحدة وكندا وإجلاء آلاف السكان    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما السلفية؟
نشر في هسبريس يوم 07 - 09 - 2009

"وَالسَّابقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" .{التوبة : 100} ""
"وَمَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَولَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ و ساءَتْ مَصِيراً " . {النّساء : 115}
قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" - متفق عليه -
تتباين قراءات الباحثين للسلفية و تختلف رؤى الناس لمن يتبناها،بين من يرى في السلفي شخص منطوي على نفسه،متقوقع على ذاته، فض غليظ يرتدي لباسا يقال أنه أفغاني، و يرخي لحيته و يطلقها بدعوى تطبيق السنة،و آخرون يرون في السلفية ماضوية و رجعية و منهجا لا يصمد مع تحديات العولمة و لا يستجيب لمستجدات العصر و متطلبات الحداثة،و صنف آخر لا يرى في السلفي إلا ذلك المتعصب المتسرع في إطلاق أحكام من قبيل "مشرك قبوري" و "مبتدع ضال"،كما أن السلفية غالبا ما تقرن بالوهابية،إذ هما سيان عند البعض.
إن هذه الأحكام الموزعة مجانا و المبنية على الأخذ بالمظاهر و السطحيات دون النظر في أصول السلفية و منهجها تبقى أحكاما غير معتبرة و لا هي بذات موضوع،و لا يمكن أن تكون صحيحة بحال من الأحوال،فلدراسة فكر معين لا بد من الرجوع إلى المراجع المعتمدة عند أصحابه،إذ البحث المنصف يملي عليك أن تبذل الجهد لسبر فكر خصمك و التعرف عليه عن كثب،بغية رسم صورة واضحة صحيحة في ذهنك عن هذا الفكر مستمدة من منبعه الحقيقي.
فما السلفية؟و ما هو المنهج السلفي؟ و هل السلفية مذهب حتى نقرنه بالمذهب المالكي و غيره من المذاهب الفقهية؟
بادئ ذي بدء لا بد أن نميز بين السلفية التي تحمل مشروعا مختزلا في إحياء الماضي بمقوماته و معالمه و بين السلفية التي تخلص لمنهج السلف،و وفاؤها إنما هو لموقد البؤرة لا لرمادها،مع الإيمان بحركية التاريخ و تموّجاته،فالصنف الأول يعيش في الوهم و يقتات على الأوهام،و هذا الوهم الذي يؤطره و يثقله هو الماضي بكل أمجاده و آهاته و آلامه،ناهيك عن "دنكشوتيته" التي نلمسها عند بعض علماء السلفية،فاتخاذهم لخصوم من سراب لا حقيقة لهم مما يندى له الجبين،فهم إلى حد الآن لا يزالون يصبون جام غضبهم على خصوم "السلف الصالح" كالمعتزلة و الجهمية و القدرية و المرجئة،فتراهم يستعيدون الصراع الأيديولوجي الذي كان في الماضي و ينخرطون فيه مكافحين منافحين،و لا وجود حقيقي لهذه الفرق إلا في مزبلة التاريخ،أما الخصم الحقيقي فكأنما يسالمونه و يشعلون له الضوء الأخضر ليمضي قدما و يفرشون له الأرض وردا،و يمكن أن نلخص مشكلة هؤلاء و نختزل "برادوكسيتهم" في قراءتهم الغير الواعية للتاريخ ،حيث أنهم لا يستعيدون الماضي مع ذواتهم من أجل فهم الحاضر و الحكم على المستقبل،بل ليعيشونه بوجدانهم و جوارحهم و يسقطونه كما هو على واقعنا المعاصر،فكانت النتيجة إلغاء الزمان و التطور فالحاضر يقاس على الماضي،و كأن الماضي و الحاضر و المستقبل عبارة عن بساط ممتد لا يتحرك و لا يتموج.
مفهوم السلفية
قد يكون من اللازم أن ننبه أننا لا نروم من مقالنا هذا تأجيج نار الخلافات المذهبية أو إحداث قلاقل طائفية بين المسلمين،و إنما غايتنا إنصاف هذه الطائفة التي طالها الإجحاف،سواء من طرف الإعلام أو حتى من طرف مؤسسات الدولة التي قامت السنة الماضية بإغلاق عشرات دور القرآن بمختلف مدن المغرب،بدعوى وجود علاقة بينها و بين صاحب فتوى زواج الصغيرة الدكتور المغراوي،كما نود بيان معالم المنهج السلفي الذي قد يجهله الكثيرون.
و لاشك أنه لا يمكن لنا أن نتناول مفهوم السلفية دون الإحاطة بمعنى "السلف"،فقد يظن البعض أن "السلف" يطلق على شخص واحد هو أحمد ابن حنبل أو ابن تيمية أو محمد ابن عبد الوهاب،وهذا الخلط و التخبط يظهر جليا عندما نسمع بتداول الألسن لتيار سموه "وهابية" صار عندهم مرادفا للسلفية،خاصة من طرف المتصوفة و الرافضة و المتعلمنة،إنه خطأ فاحش يقع فيه شريحة كبيرة من الباحثين فضلا عن العوام المرددين لكلام الإعلام الذي لا يتحرى الصدق و الأمانة العلمية.
فلننظر الآن في المعنى اللغوي للسلف : قال ابن فارس في" معجم مقاييس اللغة": (سلف، السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون.)
وقال ابن منظور في " لسان العرب " :( والسلف من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السبق والفضل ، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين: السلف الصالح).
ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة رضي الله عنها :"فإنه نعم السلف أنا لك" رواه مسلم.
أما في الاصطلاح فهم الرعيل الأول من الصحابة و التابعين،الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه و سلم بالخيرية كما في حديث صحيح مرفوع بلغ حد التواتر : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"،و قال تعالى { وَالسَّابقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ،و يعضد هذا الذي ذهبنا إليه قول الإمام البخاري :"كان السلف يستحبون الفحولة" علق على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله "أي الصحابة و من بعدهم" فتح الباري (666/).
و تعريف "السلف" بالصحابة و التابعين لا نجده عند أهل الحديث فقط،بل كان الاصطلاح متداولا و واردا عند أهل الكلام،قال أبو حامد الغزالي في "إلجام العوام عن علم الكلام" (ص62) معرفا السلف : "أعني مذهب الصحابة و التابعين" .
إذن فالسلفية علم على أصحاب الإقتداء بالسلف الصالح من الصحابة و التابعين من القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيرية،و من حيث المضمون فتعني السلفية في الإسلام كما يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه "السلفية بين العقيدة الإسلامية و الفلسفة الغربية"(ص 5) " التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة،و قمته الحضارية،كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الثلاثة الأولى المفضلة و فيها تحقق الشكل العلمي و التنفيذ الفعلي،و منه استمدت حضارة المسلمين أصولها و مقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعا للتوحيد،و بيانا لدور الإنسان في هذه الحياة،و تنفيذا لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة،في الاجتماع و السياسة و الاقتصاد و روابط الأسرة و فضائل الأخلاق".
و هي من جهة أخرى اقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم و سائر الأنبياء عليهم السلام،و هذا يتضح من خلال التدرج في الدعوة و البدء بالأهم و مراعاة ما يسمى ب "فقه الأولويات"،فالدعوة السلفية إصلاحية تعمل على النهوض بالفرد قبل المجتمع أو بتعبير آخر تسعى لتربية النفس قبل الدعوة إلى إصلاح الأنظمة،و من هنا سر اهتمام السلفية بالتوحيد و دعوتهم لإخلاص العبادة لله و نبذ الشرك بكل مظاهره و الإنكار على أصحاب الطرقات و الغالين في الأولياء ،و هذا سيرا على نهج الأنبياء في البدء بالدعوة إلى التوحيد،قال تعالى مبينا ذلك {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} و قال تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ.} و قال كذلك { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} و الآيات التي تبين أهمية الدعوة إلى التوحيد و نبذ الشرك كثيرة في الوحيين،بل هي لب الرسالات السماوية و جوهرها و غايتها الأولى.
عكس بعض الحركات الإسلامية التي تعمل على تعبئة الجمهور بتبنيها لإيديولوجيا إسلامية ، لكنها أبعد ما تكون عن الإقتداء بمنهج الرسول صلى الله عليه و سلم،بل قد لا نبالغ إن قلنا أن هذا الدين يستغل في أحيان عدة من طرف أصحاب الأيديولوجية الإسلامية لأغراض دنيوية دنيئة،فهو مجرد مطية و جسر لقضاء الحوائج عن طريق استمالة أصحاب العواطف الجياشة المتحمسة للدفاع عن الدين،لذلك فلا تستغرب إن وجدت شابا منتميا لجماعة إسلامية(العدل و الإحسان مثلا) يحدثك عن مشروع سياسي بأدق تفاصيله و "يتزبب قبل أن يتعنب"،بينما يجيبك ب "اخسؤوا و لا تكلمون" إن سألته عن أبسط أمور العقيدة و التوحيد،بل و ما أكثر ما يقعون في المخالفات الشرعية لبعدهم عن طلب العلم الشرعي،فهذه نجلة عبد السلام ياسين لا ترى حرجا في الجلوس على مائدة يدور فيها خمر،و عبد السلام ياسين يزكي هذه "الفتوى" و يعتبرها "اجتهادا"،فضلا عن خرافة الخلافة التي صدقها الكثيرون مع ما فيها من ادعاء لعلم الغيب،ناهيك عن ظهور النبي صلى الله عليه و سلم ليوزع عليهم التمر،و لا تذهل كذلك إذا وجدت شابا رافضيا استماله حسن نصر الله بخطاباته البراقة ،يشرح بالتفاصيل المملة "ميثولوجيا الإمامة" بينما يجهل أن حب أصحاب رسول الله صلى الله عيه و سلم من الدين،و أن الانتقاص من شأنهم فضلا عن سبهم و تكفيرهم نفاق و زندقة.
لسنا هنا بصدد كشف عواري أحد،و لكننا نريد فقط أن ننبه من خلال هذه الأمثلة خطأ من ينقم على السلفية اهتمامها بأمور العقيدة،وبيان أهمية التدرج في الدعوة و البدء بالأهم قبل المهم،كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمعاذ رضي الله عنه "إنكَ تأتى قوماً أهلُ كتاب، فليكُن أولَّ ما تدعوهم إليهِ شهادةُ ألا إله إلاَّ الله، و في روايةٍ إلى أن يوحدوا اللهَ، فإن هُم أطاعُوكَ لذلك فعلِّمهم أنَّ اللهَ قد افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم و الليلة...".
منهج السلفية لا مذهب السلفية :
يحلو للكثيرين اعتبار السلفية مذهبا كغيره من المذاهب الفقهية،و هذا يظهر بجلاء في استطلاع الرأي الذي قامت به جريدة هيسبريس،حيث قُرِن المذهب المالكي بالسلفية الوهابية،إن السلفية ليست من المذاهب الفقهية فكيف استساغ القارئ المقارنة بين شيئين من جنسين مختلفين؟و هل يمكن أن نطرح سؤالا مِن قبيل مَن الأفضل هل اللون الأبيض أم التفاح؟ هذا سؤال فاسد لا محالة،لذلك فإني تجنبت التصويت في هذا الاستطلاع.
إن المذهب في اللغة هو محل الذهاب كالطريق،بينما في الاصطلاح هو ما ذهب إليه إمام من الأئمة في الأحكام الاجتهادية،فمثلا المذهب المالكي هو ما اجتهد فيه الإمام مالك،و الاجتهاد كما هو معلوم عند الأصوليين بذل الجهد لاستنباط حكم ظني لا قطعي،و الأحكام الظنية هي التي يستساغ فيها الاختلاف لعدم صراحة النصوص.
قال ابن أبي الأصبغ الأندلسي :
والاجتهاد إنما يكون*** فيما دليله مظنون
أما الذي فيه الدليل القاطع***فهو كما جاء و لا منازع
فهل السلفية انتساب إلى إمام دون آخر؟
إن السلفية كانت و لازالت ثورة على التعصب المذهبي و الطائفية المقيتة،و هذا ما يظهر في فقه السلفيين الذي تقرأ فيه حرية الفكر و الدعوة لنبذ تقليد الأئمة،فهي بعيدة و بريئة من كل ما ينسب إليها من جمود فكري و ركود عقلي،و ما قفل أصحابها باب الاجتهاد قط،و شيخ الإسلام ابن تيمية حُبس و عُذب لفكره الحر و قلمه الذي لا يعرف الانقياد للخطوط الواهية التي يضعها أهل التعصب المذهبي كحدود للتفكير.
يقول الإمام السلفي محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله :
على ما جعلتم أيها الناس ديننا *** لأربعة لا شك في فضلهم عندي
هم علماء الأرض شرقا ومغربا *** ولكن تقليدهم في غد لا يجدي
ولا زعموا حاشاهمُ أن قولهم *** دليل فيستهدي به كل من يهدي
بل صرحوا أنّا نقابل قولهم ***إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
و هذا السبيل الذي يسلكه السلفية إنما رسم ملامحه و سطر خطوطه العريضة أئمة السلف،فتجدهم يدعون إلى النسبية المنضبطة و القبول بالاختلاف و نبذ الوصاية و تفنيد ادعاء العصمة لإمام غير النبي صلى الله عليه و سلم،و هذه أقوال الأئمة الأربعة الذين تنسب إليهم المذاهب الأربعة تنطق بذلك :
الإمام مالك بن أنس
قال رحمه الله : "إنما أنا بشر أخطئ و أصيب،فانظروا في رأيي،فكل ما ما وافق الكتاب و السنة فاتركوه" الجامع (2/32) لحافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله.
و قال في موضع آخر :" ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم إلا و يؤخذ من قوله و يترك إلا النبي صلى الله عليه و سلم" الجامع (2/91).
الإمام الشافعي
قال رحمه الله : "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم،فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم،و دعوا ما قلت" رواه الحاكم بسند متصل إلى الشافعي، إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (2/363).
و قال كذلك مبينا دعوته الصريحة لاتباع السنة و ترك التقليد "إذا صح الحديث فهو مذهبي" إعلام الموقعين (2/361).
الإمام أبو حنيفة
قال رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولي ما لم يعلم من أين أخذناه" إعلام الموقعين(2/309) وقد جزم ابن قيم بصحته عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة.
و قد قال مخاطبا تلميذه :" ويحك يا يعقوب! (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني،فإني قد أرى الرأي اليوم و أتركه غدا،و أرى الرأي غدا و أتركه بعد غد".
الإمام أحمد بن حنبل
وأقوال أحمد أدل على ذلك يقول رحمه الله كما في الإعلام (2/302) : "لا تقلدني و لا تقلد مالكا و لا الأوزاعي و لا الثوري و خذ من حيث أخذوا"
وقال "رأي الأوزاعي،و رأي مالك،و رأي أبي حنيفة كله رأي و هو عندي سواء،و إنما الحجة في الآثار" الجامع (3/149).
إذا عرفنا معنى السلفية فستكون نسبتها إلى محمد بن عبد الوهاب من الادعاءات الباطلة،فالسلفية انتساب إلى العصمة،ذلك أن الأمة لن تجتمع على ضلالة كما قال رسول اله صلى الله عليه و سلم،و أتباع السلف الصالح لا يتقيدون بإمام دون آخر،بل في كل مسألة ينظرون إلى ما وصل إليهم من التراث الإسلامي،فلا بد و أن أحدهم قد أصاب،لذا فمن كان معه الحجة و البرهان قبلوا قوله و أخذوا به،و من زل لم يؤاخذوه على زلته،بل ترحموا عليه و استغفروا له كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا}.
المنهج السلفي
إن ما يميز العلماء و المفكرين السلفيين اتفاقهم على مبادئ تشكل في جملتها معالم المنهج السلفي على الرغم من تباعد عصورهم و اختلاف أمصارهم ،فمنهج أحمد ابن حنبل هو نفسه منهج مالك و ابن تيمية و محمد ابن عبد الوهاب،و هو المنهج نفسه الذي سلكه مجددو القرن الماضي كالإمام المحدث ناصر الدين الألباني و العلامة الدكتور محمد بن تقي الدين الهلالي المغربي،فعلى الرغم من عدم تصريحهم بذلك المنهج إلا أن كتاباتهم تنطق به،و لو قمنا بقراءة عميقة لمؤلفاتهم لوجدنا أن منهجهم واحد، و هذا المنهج الذي هو "روح" السلفية يتسم بالبعد عن تعقيدات المتكلمين و طلاسم الفلاسفة،ذلك لكون الإسلام جاء للناس كافة،و قد علم بالضرورة اختلاف عقول الناس و تفاضلها،لذلك كان من الواجب على السلف اختيار منهج سهل يسير يتماشى مع يسر الإسلام،منهج قادر على اختراق كل العقول ومخاطبة الناس جميعا مع تفاوت إدراكهم و أفهامهم،لذلك كان الخطاب السلفي خطابا إسلاميا أصيلا يعتمد العبارة الخطابية دون إغفال الذب عن معتقداتهم بالأسلوب الجدالي مع الجداليين و العبارة البرهانية مع البرهانيين.
و قد تناول د.مصطفى حلمي من المعاصرين منهج السلفية في كتابه "قواعد المنهج السلفي" فأفاد و أجاد،و يمكن إجمالها فيما يلي :
* الاستدلال بالكتاب و السنة : و ذلك لكون كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم يحويان ما يكفي من النصوص التي تعالج كل القضايا من عقيدة و فقه السياسة الشرعية و كليات في الاقتصاد،قال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
* تقديم النقل على العقل مع درء التعارض بينهما،و يقصد بالنقل كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم،و العقل إنما محصور دوره في الحقل الديني على فهم النصوص و هو لا يتعارض مع النص بحال من الأحوال كما قال تعالى {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فقرن بين السمع و العقل ما يعني توافقهما ضمنيا،فصريح المعقول لا يتعارض مع صحيح المنقول،أما ادعاء بعض المتكلمين لتعارض النصوص مع العقل فليس صحيحا،و عند التحقيق ينتفي وهم التعارض،و إذا ورد فإن ذلك لن يخرج عن أحد هذه الأمور :
-أن يكون النقل صحيحا ثبوتا و عقلا و الوهم إنما هو صادر عن فساد العقل الذي توهم التعارض،أو إعماله في مجال لا يطيق إدراكه كالأمور الغيبية، مثلها الآيات و الأحاديث الواردة في الأسماء و الصفات كالاستواء والنزول و إثبات اليد و الوجه ،و نحن أهل السنة و الجماعة دستورنا في هذه المسألة الغيبية قوله تعالى "ليس كمثله شئ و هو السميع البصير"،فقوله "ليس كمثله شئ" نفي الشبه بين الخالق و المخلوق رغم الاشتراك في المسميات،و قوله "وهو السميع البصير" رد على المعطلة، فكانت قاعدتنا في الأسماء و الصفات "إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف و لا تكييف و لا تشبيه و لا تعطيل"،و نفوّض المعنى و الكيف لله تعالى كما قال الإمام الشافعي "آمنت بالله و بما جاء به الله على مراد الله، و آمنت برسول الله و بما جاء به رسول الله على مراد رسول الله"،و قال ابن قدامة المقدسي في "لمعة الاعتقاد " (ص3) :" قال الإمام أبو عبد الله احمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا . و إن الله يرى في القيامة .... و ما أشبه هذه الأحاديث : نؤمن بها ، و نصدق بها ، لا كيف و لا معنى...." و هذا عين العقل،ذلك أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره،إذ لا يمكن إعمال العقل في أمور هو غير قادر على تصورها،فالعقل يقر بوجود خالق أول و واجب الوجود غير حادث، لكن أن نثبت بالعقل صفات الله فذلك ممتنع عليه،و لا طريق إلى ذلك إلا من باب الرسالات و النبوات.
- أن لا يكون النقل صحيحا،فهذا لا يصلح للمعارضة و لا أن يحتج به،و كثيرة هي الأحاديث التي وضعها الزنادقة من أجل إفساد الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.