تشهد الأسواق المغربية، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشاراً واسعاً للعطور المقلّدة والمغشوشة التي تُباع بأسعار تغري المستهلكين، مما يجعلها في متناول الجميع، وتحديدا فئة الشباب والنساء الأكثر استهلاكاً لها، مما يطرح مخاوف من مخاطرها الصحية في حالة ما كانت مكوناتها مجهولة المصدر أو تم إنتاجها بعيدا عن أعين الرقابة. ومن هذا المنطلق، دعت أصوات من داخل جمعيات حماية المستهلك بالمغرب إلى تشديد الرقابة على الأسواق والمتاجر الإلكترونية التي تروّج لهذا النوع من المنتجات، التي يتجاوز ضررها الجانب الصحي ليشمل جوانب أخرى، مبرزة أن "حماية المستهلك على هذا المستوى تبدأ من وعيه بخطورة المنتجات المقلّدة والمغشوشة على صحته وسلامته". وكانت دراسة تقنية، شارك في إنجازها باحثون من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، نبهت إلى وجود اختلافات كيميائية واضحة بين العطور الأصلية والمقلدة المتداولة في الأسواق المغربية، مما يؤكد فرضية الغش الصناعي وكذا التجاري، ويبرز مخاطرَهما على صحة المستهلك، موصية ب"إدماج التقنيات الحديثة في مراقبة الجودة للحد من انتشار هذه المنتجات داخل الأسواق المحلية". وقال نور الدين حمانو، رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك والدفاع عن حقوقه، إن "هذا الموضوع أصبح يثير جدلاً واسعاً وقلقاً كبيراً داخل الأوساط الاستهلاكية في المغرب، حيث إن قضية العطور المقلدة تمثل اليوم أحد أبرز التحديات المرتبطة بسلامة وصحة المستهلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنتجات تُروَّج بأسعار زهيدة جداً مقارنة بالعلامات الأصلية المسجّلة، مما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مصدر وجودة المكونات التي تدخل في صناعة هذه العطور المقلدة". وأضاف حمانو، في تصريح لهسبريس، أن "هذه العطور لا تخضع عملياً لأي مراقبة صحية رسمية، ولا تتوفر على تراخيص من الجهات المختصة كوزارة التجارة ووزارة الصحة أو المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وتدخل في صنعها مكونات كيميائية ضارة قد تسبب التهابات جلدية أو مشاكل في الجهاز التنفسي، خاصة لدى فئة الأطفال والنساء الحوامل أو الأشخاص ذوي البشرة الحساسة". ودعا المستهلكين المغاربة إلى "عدم الانجرار وراء انخفاض سعر هذه العطور على حساب صحتهم وسلامتهم". كما طالب ب"تشديد الرقابة على نقاط البيع المنتشرة في الأسواق الشعبية والمواقع الإلكترونية، وتعزيز مراقبة مصادر استيراد وتوزيع هذه العطور المقلدة، إلى جانب تشديد العقوبات الزجرية في حق كل من تورط في تسويق وبيع مواد ضارة من هذا النوع". من جهته، أبرز بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن "الرقابة على مواد التجميل، بما فيها العطور، كانت من اختصاص مصالح زجر الغش التي تم حلّها، وتم تكليف وزارة الصحة بهذا الموضوع، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لدخول المنتجات المقلدة والمغشوشة إلى الأسواق المغربية، وصارت تُباع في المحلات وعلى أرصفة الشوارع على مرأى ومسمع من الجميع". وأكد الخراطي، في تصريح لهسبريس، أن "انتشار هذا النوع من العطور يشكل خطراً حقيقياً على صحة المستهلك بالنظر إلى المكونات المسرطنة التي تدخل في صنعها، مع العلم أن المختصين يوصون بعدم رشّ العطر، بما في ذلك الأصلي، على الجسم مباشرة بسبب الضرر الصحي الذي يمكن أن يسببه ذلك؛ فما بالك بالعطر المغشوش الذي لا يخضع لأي رقابة صحية، وهو ما يعرّض المستهلك لمخاطر صحية جمّة"، لافتا الانتباه إلى أن "إغراء السعر المنخفض قد يُكلف المستهلك غالياً لاحقاً". وسجّل رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن "مخاطر هذه العطور تتجاوز البعد الصحي لتشمل أيضاً البعد الاقتصادي، حيث يشجع انتشارها نشاط الاقتصاد غير المهيكل، مما يضر بالاقتصاد الوطني بشكل مباشر، ويُفقد السوق الرسمي حصته من المبيعات، ويضعف القدرة التنافسية للشركات المحلية والعالمية التي تستثمر في صناعة العطور". وتابع محذّراً "تقليد العطور يشكل أيضاً اعتداءً صارخاً على حقوق الملكية الفكرية للعلامات التجارية، التي تستثمر مبالغ ضخمة في البحث والتطوير والتسويق لحماية هويتها التجارية، ويُعاقَب عليه قانوناً"، داعيا عموم المستهلكين إلى "الشراء من المصادر الموثوقة فقط، وعدم الانجرار وراء الإعلانات المغرية التي تُعرض بأسعار منخفضة على حساب الجودة والسلامة".