في كتابه "أفول الغرب"، يقدم حسن أوريد قراءة نقدية لمسار الحضارة الغربية الذي انحرف عن القيم الأخلاقية والروحية. وفي قلب هذا التحليل، خصص للحرية الجنسية فصلا تحت عنوان "هل الحرية الجنسية حررت الإنسان؟". وهنا تبرز كلبية ديوجين الإغريقي (ت 323 ق.م) والتي تُقدم كفضيلة في حين هي انحراف عن فطرة الإنسان والمجتمع السليمة. فكانت محطة في مسار طويل من الانحراف والنفاق. ديوجين عاقب مجتمعه والده أو هو بنفسه بحسب بعض الروايات، بالنفي بتهمة تزوير العملة. فثار هو على الحكم بتصرفات صادمة من المشي عاريا في الفضاء العام والاستمناء علنا فيه إلى العيش في برميل عيشة الكلاب. فاشتهر ب "ديوجين الكلب"، وعرفت ثورته وبحق ب "الكلبية". إلا أنه كان بكلبيته منافقا، وكأنه يقول لمجتمعه: "نُخالف قواعد العيش المشترك بينكم كي نعيش مثل أغنيائكم، وإن عاقبتمونا فإن قوانينكم وأخلاقكم زائفة". ومع ذلك لا يزال فكر ديوجين يقدم في أقسام الفلسفة كفكر متحرر من قواعد العيش المشترك بحجة أنها من "الزائف الاجتماعي". ثم صار ذلك مطية للتمرد على القيود الجنسية التي تحفظ للأسرة كرامتها، ولا سيما كرامة النساء والأطفال فيها. تمرد لصالح الانحراف الجنسي الذكوري تحت يافطة "تحرير الجسد من تحرير العقل" ضد التقاليد الموروثة. فقال أوريد في حقها وبحق: "ليست الكلبية في أصولها إلا تحلّلاً جنسياً." وهذا النمط الكلبي من النفاق تكرس لاحقا في فلاسفة عصر الأنوار، ومن بينهم جان جاك روسو صاحب الخطاب التربوي الإنساني الراقي في كتابه "إميل"، والذي تخلى عن أبنائه الخمسة في ملجأ الأيتام متجاوزا المسؤولية الأبوية الأساسية التي تبناها. وتكرس ذلك النمط بتبجيل انحرافات الماركيز دو ساد وغيره من مجانين الانحراف الجنسي. وهكذا ظل المجون الذكوري يقدم كفضيلة تخفي انحرافات تنتهك حقوق الإنسان وكرامة الأسرة وحقوق الطفولة على حساب قواعد العيش المشترك الكريم التي تقدم في الفكر الكلبي كرذائل خرافية تكبح حرية الذكر الماجن. وفي القرن العشرين، يتجلى هذا النمط الكلبي نفسه في شخصيات فلسفية معروفة تحظى بمكانة شبه مقدسة، مثل ميشال أونفري صاحب كتاب " بيان المتعة" Manifeste hédoniste، الذي نشأ ضحية لتخلي والديه عنه وهو طفل في العاشرة في ملجأ كاثوليكي يبجل القيود الجنسية لحماية الأسرة والأم وأطفالها. لكنه تحول بسبب ثورته على ذلك إلى مبجّل للحرية الجنسية متجاهلا أن أمه كانت ضحية لها عندما تم التخلي عنها وهي رضيعة. في نظره فإن قبول الحياة مرتبط بقبول الملذات المرتبطة بها، دون الاستسلام للخوف أو الخرافات أو الشعور بالذنب الذي يمكن أن يعيق متعة العيش. إنها حرية بلا ضوابط على حساب القيم الإنسانية والفطرية الأساسية، حرية تحول الأطفال المتخلى عنهم إلى مجرد "جِراء" في نمط عيش كلبي تتقاذفهم الأقدار في ملاجئ وأسر معوزة تأويهم بالأعداد في البيت الواحد، فقط من أجل المال من دون حب أو عطف الوالدين. فكل هذه العواقب المأساوية على الغير يتجاهلها الفكر الكلبي حتى لا تشكل عوائق في ضمير الذكر الماجن تحرمه من الاستمتاع بحريته الجنسية المطلقة. زد على ذلك مصائب جنون الاغتصاب ليس للإناث فقط بل حتى للأطفال وقتلهم خوفا من الفضيحة. والاغتصاب هو بطبيعته أحادي الاتجاه لأنه ذكوري محض. علاوة على ما يعرف ب "الجرائم العاطفية" Crimes passionnels التي غالبا ما تكون ضحاياها من النساء. ناهيك عن مصائب وجرائم الليلي الحمراء التي تغص بتبعاتها المستشفيات ومخافر الشرطة والمحاكم والسجون علاوة على المقابر. وهذا غيض من فيض معروف للجميع في الغرب لكن مسكوت عنه كأحد تبعات نفاق التحرر الجنسي. فالثورة الجنسية، كما وصفها أوريد في كتابه أفول الغرب، لم تحرر الإنسان من صغره إلى كبره، ذكرا كان أو أنثى. بل هي مجرد ثورة كلبية أفضت إلى التحرر الذكوري بالخصوص من القيود المجتمعية الخاصة بالممارسة الجنسية التي تحمي الأسرة وتحفظ للمرأة وأطفالها العيش الكريم. "التحرر" في الغرب ليس بحثا عن فضيلة ما مزعومة، بل تحول إلى عبادة للذة الفردية على حساب الأسرة والمجتمع. التحرر الذي يقصد به تحرير الروح والجسد تحول إلى تحلل جنسي وانحراف أخلاقي، مع آثار مأساوية على الأطفال والأمهات كضحايا لهذا المسار المجنون. الكلبية وديوجين في فلاسفة الأنوار وفي تفلسف من تبعها ليسوا رموزا للفضيلة، بل نماذج للانحراف والنفاق، حيث يقدم السقوط الأخلاقي على أنه تحرر والعدمية Nihilisme على أنها تقدم. والنقد الذي يقدمه أوريد يكشف أن الحضارة الغربية، في بحثها عن "حرية مطلقة"، انتهت بإضعاف المسؤولية الاجتماعية والأسرة والفضيلة الإنسانية، مسلِّمة شعوبها لضغوط ومصالح نخبها النافذة ولمنظومة قيم تتناقض مع فطرة الإنسان. في حين هي نفس الشعوب الغربية التي بفطرتها السليمة التي لا تموت، تفاعلت بقوة وباستمرار وبإلحاح وفي مسيرات جموع غفيرة ضد الإبادة الجماعية في غزة، ففاجأت نخبها النافذة وأحرجتها، بضغطها في الاتجاه المعاكس للفكر الكلبي المسيطر بينها.