مستفيدا من دعم علمي وأبحاث متواصلة لكلية الزراعة وعلوم البيئة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بابن جرير يواصل "المثمر"، عبر منصاته التطبيقية المخصصة لزراعة الزيتون، مواكبةَ الفلاحين والمزارعين بعدد من جهات المملكة. وعاينت جريدة هسبريس الإلكترونية، خلال زيارة ميدانية أمس الخميس، إحدى عمليات جني محصول الزيتون بأحد حقول جماعة "الدْخيسة" التابعة لإقليم مكناس، بجهة فاس–مكناس التي تعد من أبرز الجهات المغربية إنتاجاً للزيتون، راصدةً "ارتفاعا في المردودية" بفضل منصات تطبيقية للمثمر تطلبت مواكبة تقنية دقيقة على مدار الموسم. حسب القائمين على منصات "المثمر" ففقد تمت، بالإقليم ذاته، "مواكبة أكثر من 1000 فلاح ومزارع منذ إطلاق المبادرة"، بينما تم "إنجاز أكثر من 6200 تحليل للتربة"، من خلال 14 منصة تطبيقية (PFD) للزيتون خلال الموسم الفلاحي 2024/2025، ولا سيما بمنطقة الدخيسة (صنف الزيتون 'Picholine marocaine'). نتائج تُرضي الفلاح أثمر المسار التقني المتَّبع من طرف "خبراء المثمر" زيادةً في المردودية الإنتاجية لأشجار الزيتون في المنصة التطبيقية بإحدى الضيعات الفلاحية في منطقة الدخيسة، حيث سجلت ارتفاعاً بأكثر من 33 في المائة، حسب معطيات أفاد بها مهنيون هسبريس. وعند "حصاد المنصة التطبيقية لأشجار الزيتون" بإقليم مكناس رصدت جريدة هسبريس الإلكترونية رضا الفلّاحين المستفيدين إثر النتائج الجيدة، مؤكدين أن محصول هذا الموسم جاء ب"نتائج جيدة جداً على مستوى النضج والمردودية". ويتمثل "المسار التقني المعتمد (ICP)" في سلسلة من العمليات، تبدأ مع عمليات "الجني المبكر خلال الموسم السابق"، قبل المرور إلى "تقليم الإثمار الملائم، ثم المعالجة الشتوية"، وكذا متابعة الفلاحين وأشجار الزيتون ب"سماد العُمق (تركيبة خاصة)"، وباعتماد "تقنيات التسميد الورقي" (عناصر صغرى: البورون والزنك)، فضلا عن "سماد التغطية". طيلة الموسم أيوب المعلم، منسق جهوي ل"المثمر" في جهة سايس، أكد لجريدة هسبريس الإلكترونية أن "المسار التقني المعتمد في هذه المنصات يتأسس علميًا بدءًا بعملية التقليم المبكر والمعالجة الشتوية ضد الأمراض الفطرية، مثل 'عين الطاووس'، مروراً بأهم خطوة، وهي التحاليل المخبرية للتربة لمعرفة مخزونها من العناصر المغذية"، وزاد: "بناءً على نتائج هذه التحاليل يتم تحديد برنامج تسميد معقلن يشمل التسميد العميق وتسميد التغطية بالكميات والنوعيات المناسبة، إضافة إلى الرش الورقي بالعناصر الصغرى، مع الحرص على المكافحة المستمرة للآفات ك'ذبابة الزيتون' لضمان سلامة المنتج". وأضاف المعلم شارحا أنه "مع وصول المحصول إلى مرحلة الجني يتم تأطير الفلاحين حول أهمية توقيت الحصاد الذي يجب أن يتزامن مع مرحلة 'تغيّر اللون' لضمان أعلى جودة للزيت ونسبة مرتفعة من 'البوليفينولات'"؛ كما أشار إلى تركيز المبادرة في هذه المرحلة على "استخدام أدوات جني متطورة، كالآلات الهزّازة والأمشاط اليدوية، واستعمال الصناديق البلاستيكية بدلاً من الأكياس للحفاظ على جودة الثمار، حيث يتم تمرير هذه الخبرات عبر 'المدارس الحقلية' التي تتيح للفلاحين معاينة النتائج الملموسة والتعرف على المسار التقني الناجح بشكل مباشر". وبحسب ما أفاد به المنسق الجهوي لمبادرة المثمر بالجهة "أثبتت هذه المنصة التطبيقية نجاحاً باهراً مقارنة بالحقول الشاهدة التي تعتمد الطرق التقليدية، بحيث سجلت المردودية ارتفاعاً ملحوظاً فاقَ أكثر من 33%، إذ انتقل الإنتاج من معدل 6 أطنان إلى 8 أطنان في الهكتار داخل المنصة". "مدارس مفتوحة" حسب ما استقته هسبريس عبّر الفلاحون عن "رضاهم الكبير عن هذه النتائج وعن جودة الزيت المحصل عليها"، مطالبين بتوسيع نطاق هذه المنصات التطبيقية لتصبح "مدارس مفتوحة للفلاحين، عبر تقاسُم النتائج مع المنظومة الفلاحية"؛ وبما يعزز أيضا "صمود شجرة الزيتون في مواجهة التقلبات المناخية". وفي هذا السياق شهد عبد العالي الشمارخي، فلاح صاحب تعاونية 'المنزه' وضيْعة زيتون بمنطقة الدخيسة، على "التطور الكبير الذي عرفته المنطقة منذ انخراطنا في البرنامج سنة 2018′′، وقال لهسبريس: "لقد كنا نجهل العديد من الأمور ونعتمد على طرق تقليدية موروثة، لكن بفضل التحاليل المخبرية التي شملت حوالي 400 فلاح هذا الموسم أصبحنا نعرف التركيبة الدقيقة للتربة وكيفية التعامل معها، بدءاً من التقليم ووصولاً إلى المعالجة بالأدوية المناسبة في أوقاتها المحددة". وأكد الفلاح عينه أن "الإنتاجية ارتفعت بفضل هذه المنصات بنسبة تتراوح بين 25% وأكثر من 30%، كما تحسّنت جودة الزيت بشكل ملحوظ"، مردفا: "نظراً لتوفر المنطقة على موارد مائية نطمح مستقبلاً إلى توسيع هذه المنصات لتشمل زراعات أخرى كالبطاطس والبصل، لتعميم الفائدة". تحسين المردودية أورد جواد أوربع، مهندس زراعي مُشرف على "منصة المثمر"، أن الأخيرة "استهدفت هذا الموسم ضيعة فلاحية مخصصة لزراعة الزيتون بجماعة الدخيسة بإقليم مكناس"، مضيفا: "قُمنا بإرساء هذه المنصة التطبيقية بهدف تمكين الفلاحين من الممارسات التقنية السليمة والحديثة التي تساعدهم على تحسين الإنتاجية". وزاد المهندس الزراعي ذاته: "المسار، بداية من تحاليل التربة التي مكّنتنا من معرفة مخزون الأرض وتحديد حاجياتها بدقة، لنقوم بناءً على ذلك بتقديم التسميد العميق المناسب، وتسميد التغطية بالكميات والنوعيات الملائمة، إضافة إلى العناصر الصغرى والمكافحة المستمرة للأمراض والآفات، يُتوّج بتأطير مرحلة الجني، التي تعد حاسمة في المسار التقني". وتابع المتحدث ذاته: "نُقدّم للفلاحين نصائح حول استخدام أدوات عصرية، كالآلات الهزازة والأمشاط اليدوية والصناديق البلاستيكية، للحفاظ على جودة الثمار. ويتم تمرير هذه المعرفة عبر المدارس الحقلية والدورات التكوينية ليصبح الفلاح المستفيد سفيراً ينقل المعلومة لباقي المزارعين". يشار إلى أن المنصات التطبيقية ل"المثمر" تتوخى "إقناع الفلاحين بأهمية المقاربة العلمية"، ونقل التكنولوجيا وتيسير خدمات الإرشاد الفلاحي؛ وساهمت بذلك في "استقرار الإنتاج" لسلسلة الزيتون، عبر الحد من تأثير التغيرات المناخية ومن بعض الظواهر المُضرّة التي كانت حادة في السنوات الأخيرة، ما أفضى إلى تحسين المردودية وتقليل التكاليف، وبالتالي "زيادة وتحسين مداخيل الفلاحين". وساهمت هذه المبادرة، التي انطلقت مع الفلاحين في المنطقة منذ سنة 2018، في تغيير العقليات من الاعتماد على الزراعة التقليدية الموروثة إلى تبني أساليب علمية دقيقة، حيث يشرف المهندسون والتقنيون على مواكبة الفلاح طيلة الموسم الزراعي، ما حوّل المزارعين إلى "سفراء" للمبادرة ينقلون المعلومة والتقنيات الحديثة إلى غيرهم من فلّاحي المنطقة.