في قلب مدينة مكناس تستمر بعد سنة ونصف السنة مأساة أزيد من 500 عاملة وعامل يقطنون خياما بلاستيكية تحت الأمطار، طلبا للإنصاف، احتجاجا على تصفية الشركة التي اشتغلوا فيها أزيد من أربعين سنة، دون أداء مستحقاتهم ولا أداء ضمانهم الصحي ولا تمكينهم من تعويض فقدان الشغل منذ ما يقارب خمس سنوات. وبالعاصمة الرباط يستمر طرح الملف طلبا لتطبيق القانون، في ندوة صحافية نظمتها اللجنة الوطنية المتضامنة مع العاملات والعمال، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وقال فيها عبد الإله بنعبد السلام، منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، إن "هذه السنوات كانت انعكاساتها خطيرة على المضربين والمعتصمين الذين بينهم من صار يعاني من أمراض مزمنة، فيما سجلت ست وفيات، فضلا عن أمراض خطيرة في مقدمتها السرطان وفقدان البصر والشلل النصفي وحالتا بتر للأعضاء، وتوقف أبناء معتصمين عن الدراسة". وقالت خديجة عيناني، المنسقة الوطنية للجنة الوطنية لدعم عاملات وعمال، إن العاملات والعمال معتصمون "في ظروف (اجتماعية) صعبة جدا، وظروف مناخية ماطرة، بسبب هذا الملف الذي عمّر طويلا، والذي على وزارة الشغل تحمل المسؤولية فيه، لأنها فرطت في القانون ففرطت في حقوق العمال". وقال معاذ الجحري، نائب منسقة اللجنة الوطنية المتضامنة مع عاملات وعمال سيكوميك، إن هذه الندوة الصحافية تليها وقفة أمام وزارة التشغيل، من أجل "حشد كل أشكال التضامن والدعم، لإيجاد حل منصف وعاجل لملف التسريح الجماعي والتعسفي ضد الحق والقانون، وإنهاء معاناة العاملات والعمال"؛ ومن بين المحطات مراسلة لرئيس الحكومة "من عدد هام من الهيئات؛ لأن الحل المأمول بيد الحكومة"، من أجل تحمل الدولة المسؤولية المالية للملف، "سيرا على خط ملفات مماثلة في عهد الحكومات السابقة". وقرأ الحقوقي عبد الإله بنعبد السلام نص الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة، طلبا ل"التدخل العاجل لإنصاف عمال وعاملات سيكوميك"، الذين تستمر مأساة 560 منهم منذ خمس سنوات من إعلان الشركة الإفلاس، في "تحايل ممنهج"، بعد "التوقف عن العمل بدعوى تراكم الديون، فاستفادت من الدعم العمومي والإعفاء من متأخرات صندوق الاجتماعي، والكراء الذي بدأ بعد تفويت أرضها لمالك من المجموعة نفسها (...) لكن استمر الجشع، ولم يستمر العمل، وألقت بالعمال في جحيم البطالة والتشريد". ونادت الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ب"تحمل الدولة العبء المالي لإنصاف العاملات والعمال، كما حدث في ملفات مشابهة في حكومات عبد الرحمن اليوسفي، وإدريس جطو، وعباس الفاسي"، ل"إنقاذ مواطنين من جشع الباطرونا، الذي كانت له تداعيات خطيرة على العمال وأسرهم". ومن بين الأحزاب التي ندّدت بهذا الوضع محليا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمكناس، الذي عبر بيان لمجلسه الإقليمي عن "تضامنه المطلق مع عاملات وعمال شركة سيكوميك الذين يخوضون اعتصاما مفتوحا منذ أكثر من سنة، في ظروف قاسية بالقرب من مقر الجماعة وعمالة مكناس"، مستنكرا "استمرار تجاهل الجهات المسؤولة مطالبهم المشروعة، وتوقف قنوات الحوار بشكل غير مبرر". كما تأسّست، منذ شهور، "لجنة الدعم والتضامن مع عاملات وعمال سيكوميك"، التي تضم ممثلين عن حزب التقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الموحد وحزب النهج الديمقراطي العمالي وشبكة تقاطع للحقوق الشغلية وفعاليات أخرى. تجدر الإشارة إلى أن ملف "سيكوميك" من أبرز الملفات الاجتماعية التي عمرت سنوات بمدينة مكناس، ويعود إلى عملية "تصفية" انطلقت بتاريخ 2012، وفق بيانات نقابية، وكان موضوع وقفات احتجاجية ومساءلات قانونية وحوارات اجتماعية برعاية وزارية منذ سنة 2017، ليتجدّد العمل خلال "جائحة كوفيد" قبل غلق أبواب الشركة في شهر نونبر 2021؛ ما جعل عمالا ذوي أقدمية تصل إلى أربعين سنة في حالة تشرّد، بعدما لم يتوقّف أداء أجورهم فقط، بل اكتشفوا عدم أداء مستحقاتهم الاجتماعية القانونية من قبيل الضمان الاجتماعي، رغم حصول الشركة المشغلة على دعم خاص من الجماعة الحضرية والمجلس الإقليمي لتحقيق التسوية، وتسهيلات مستحقات الصندوق والماء والكهرباء، ما حرم العمال من تعويض فقدان الشغل.