شراكة بثقل إستراتيجي: لهذا يظل الخليج سنداً ثابتاً لمغربية الصحراء؟    انتعاش في إنتاج الصناعات التحويلية والبناء بالمغرب خلال الربع الثالث من 2025    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    من الكروج إلى داحا.. أربعة عمال تعاقبوا ومحطة الطرقية الجديدة ما تزال مغلقة    أخنوش: التكامل المغربي الإسباني يحوّل مونديال 2030 إلى رافعة اقتصادية وفرصة استثمارية غير مسبوقة    أخنوش يستعرض بمدريد رؤية طموحة للربط بين إفريقيا وأوروبا عبر بوابة المغرب وإسبانيا    طنجة تكبر في الصور... وتتراجع في الواقع: عمدة يطارد الأضواء ومدينة تبحث عمّن يدبّرها    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    أخنوش يثمن متانة العلاقات مع إسبانيا    ريال مدريد يمطر شباك بلباو في الدوري الإسباني    أمن مراكش يعتقل شخصين تورطا في سرقة سائحة أجنبية    لقجع يعرض مستجدات تحضيرات "كان 2025" أمام السفراء الأفارقة بالرباط    فرنسا تطالب الجزائر بالإفراج عن صحافي    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797    صراع الأندية والمنتخبات يعود.. بنعطية يوضح موقف مارسيليا من "كان 2025"        العراق يفتتح مشواره في كأس العرب بفوز مهم على البحرين    كأس العرب .. أسود الأطلس يستعرضون قوتهم بثلاثية في شباك جزر القمر    أوجار: الوزراء يواجهون بيروقراطية الدولة العميقة الموروثة عن البصري والمنتخبون تحت رحمة الداخلية    محكمة الجديدة تدين المتورطين في اغتصاب طفل بموسم مولاي عبد الله    ذوو الإعاقة يطالبون بحقوق دستورية    تعزيز التعاون السياحي محور مباحثات بين عمّور والسفيرة الصينية بالمغرب    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    كأس العالم 2026… أبرز تفاصيل نظام القرعة        "الكونفدرالية" تنتقد غياب الإرادة السياسية الحقيقية للدولة للبناء الديمقراطي ومباشرة الإصلاحات الكبرى    سجن العرجات: محمد زيان يشتري مواد غذائية بانتظام ولا يعاني أي تدهور صحي    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    مراكش : العرض العالمي الأول لفيلم الست لمروان حامد    انحراف قطار بضائع بين طنجة والدالية يتسبب في اضطراب مؤقت لحركة السير السككي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الدمناتي تدعو من منتدى دولي بمصر لتنسيق أعمق بين المؤسسات التشريعية لتقوية مسارات التعاون المتوسطي    الادعاء العام الأوروبي يوجه تهم الاحتيال والفساد لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة    "تبّان كقناع".. ظهور غريب لعمر لطفي في مراكش يثير جدلا واسعا    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول    إسرائيل تعلن أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" لخروج سكان غزة إلى مصر        أسعار اللحوم الحمراء تواصل الارتفاع ومهنيون يوضحون..    يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    مسؤولون يدعون إلى تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة تجديد الوحدات السياحية في سوس ماسة    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوليات عن براعةِ السردِ في "القواعد الأربعون للعشق"
نشر في هسبريس يوم 16 - 05 - 2014

لما طفقتُ أقرأ رواية "القواعد الأربعون للعشق" (أو"أربعون قاعدة للحب" حسب ترجمة دار الآداب)، أدركت، منذ الصفحات الأولى، أننا إزاء تحد إبداعي استثنائي بمقاييس شتى؛ ففضلا عن كون الرواية تتناول ب "التسريد" حياة روحية باذخة لأحد أعلام التصوف الإسلامي ذي منحى كوني يجلله احتفاء خاص لا تخطئه العين؛ أعني "مولانا جلال الدين الرومي"، فإن الرواية كُتبت بنفسٍ إبداعيّ يجمع بين الفلسفة والعرفان والعشق، وبين التقاط لمع من ملابسات الحياة المعاصرة وتناقضاتها. وهذه القدرةُ الخاصة التي امتلكتها إليف شافاك على المزج في الكتابة بين سحر الحكي وعمق التأمل وحيرة السؤال، ومن ثم القدرة على المزج في أساليبها بين الحوار والحكمة والمناجاة وتوالج الحكايات والسفر الروحي بين القرن الثالث عشر الميلادي، حيث تجربة مولانا جلال الدين الرومي في التحول الأنطولوجي والاختبار العشقي على يد الدرويش شمس الدين التبريزي، وبين أواخر الألفية الأولى من القرن الحادي والعشرين حيث شخصية إيلا مع زوجها وأبنائها وحياتها الروتينية واهتمامها بأبنائها وأطباقها والأفق الرتيب ليومياتها والذي ستحدث فيه رواية عزيز عن مولانا جلال الدين الرومي فعلا تحويليا، بعد أن كان اطلاع إيلا على هذه الرواية واجبا مهنيا فقط غايته تقديم تقرير عنها لدار النشر التي اقتُرحت عليها هذه الرواية للنشر؛ هذه القدرة شكلت مُنجَزا إبداعيا له الاستثناء عنوانا وعلامة، وهو ما اقتضى جملةَ براعاتِ كانت، حسب اقتراب أولي من النص، بعضَ أسباب النجاحِ الاستثنائي لهذه الرواية الباذخة.
لقد استطاعت "قواعد العشق الأربعون" أن تحقق ببراعة لقارئها متعةَ السفر عبر تنوع مسار السرد بين حكاية مؤطِّرة هي حكاية إيلا مع زوجها وأبنائها وحياتها ذات الأيام المتشابهة والخالية من الحب، وبين الحكاية المُؤطَّرة، وهي رواية عزيز أو "الكفر الحلو" عن مولانا جلال الدين الرومِي، والتي أُسندت لشخصية "إيلاّ" مهمة قراءتها وإعداد تقرير عنها لفائدة دار نشر، بعد أن سعت إيلا إلى الاستفادة من تكوينها الأدبي في البحث عن عمل يخفف عنها رتابة اليومي. براعةُ السرد في الرواية لا تكمن فقط في توالج الحكايتين، وفي جعل القارئ يسافر في الصفحات والفصول بين زمن مولانا جلال الدين الرومي، الزمن الحسي والعشقي والروحي، وبين زمن إيلا، زمن الرتابة والتشابه والشعور الأليم بالعزلة وسط أفراد العائلة الخمس، بل تكمن تلك البراعة في جعلنا نسافر مع شخصية إيلا في اكتشاف رواية عزيز، وخلق نوع من التماهي في عدة لحظات سردية بين القارئ و إيلا في مواكبة مسارات سرد "رواية" "الكفر الحلو" الحكاية المُؤَطَّرة. لقد كنا نقرأ هذه "الرواية" بعيون إيلا، ثم نقرأ حكاية إيلا في علاقتها ب "رواية" الرومي وكيف انتقل تفاعلها الأدبي مع نص الرومي إلى تفاعل عشقي مع شخصية "المؤلف" أي عزيز.
البراعةُ السردية الثالثة التي ميزت رواية "قواعد العشق الأربعون" تتمثل في تعدد أصوات الشخوص، بحيث كنا نصغي إلى تحولات الأحداث ومساراتها من وجهات نظر مختلفة: الرومي، والتبريزي، وأبناء الرومي سلطان ولد وعلاء الدين، وزوجته كيرا والمومس..إلخ؛ لقد كانت كل شخصية من هذه الشخصيات تتولى السرد بما يتيح لها الإفضاء عما يعتمل في دخيلتها من عواطف ومشاعر، ويفسح لها إمكان بيان رؤيتها لمسار الأحداث كما تعيشه وكما تتفاعل معه، وهو ما كان يجعلنا إزاء "سرد تزامني"، تُجمَّد فيه اللحظة المحكية لتُقتنَص رؤيتها من زوايا مختلفة؛ أي من وجهات نظر شخوص متعددين عاشوا نفس اللحظة، كل بشعوره وموقفه وموقعه. كما كنا نقف مع إيلا أو عزيز أيضا لنصغي إلى صوتيهما السردي، وذلك في نسق تفاعلي ينتقل فيه عزيز من شخصية ساردة من وراء حجاب ل"رواية" "الكفر الحلو" في الحكاية المُؤطَّرة، أي حكاية الرومي مع شمس التبريزي، إلى شخصية متفاعلة مع إيلا في الحكاية المؤطِّرة تشجهما علاقة إعادة إنتاجِ العشق المروي في "الكفر الحلو"، ألم يقل عزيز إنه يمثل الدرويش شمس فيما إيلا هي الرومي.
البراعة الرابعة ماثلةٌ في الحوار الإبداعي الذي نسجته شافاك مع التاريخ من وجهة نظر إبداعية تخييلية، إذ معلوم أن من أصعب أنماط الكتابة الروائية تلك التي تسعى إلى التفاعل مع التاريخ؛لأن رهانها يقوم على إعادة كتابة التاريخ بما لا يكذِّب حقائقََه التاريخية من جهة، وبما يتيح إمكانية تخييل البياضات والفراغات التي تركتها الكتابة التاريخية من جهة ثانية، ثم إنها، من ناحية ثالثة، قراءة استرجاعية للأحداث؛ بمعنى أنها قراءة تحاول أن تقرأ الأحداث الماضية من خلال ما أفضت إليه مآلاتُها على مستوى المسار التاريخي و على مستوى الآثار الدلالية والآفاق الروحية التي فتحتها تلك الأحداث والنصوصُ المتناسلة فيها أو منها أو ضمن سياقها.
البراعة الخامسة، في ما أرى، تنبجسُ في العمق الروحي الذي تفيض به الرواية وما تطرحه من آراء وأفكار على لسان شمس الدين التبريزي، باعتباره درويشا جوالا، حول الدين والإله والعلاقة بمظاهر التدين وبالعبادات والعلاقات بين الأديان...بحيث تحفل الرواية بحوارات ذات نفس نقدي حيال أشكال الطقوسية والتشدد الدينيين، و تفسحُ إمكانات رحبة للتأمل في أفق روحي كوني تعكسه تلك الدرر الحِكَمية التي انتشرت في أربعين قاعدة تخللت المسار السردي للرواية، قواعدُ تقطرُ روحانيةً تجد ملابساتِها "الواقعية" في علاقة الرومي بالتبريزي وما قام به هذا الأخير من قلب و تثوير لحياة الرومي ونقله من عالِم شهير مبجَّلٍ مبرز في علم الظاهر إلى عاشق رباني وشاعر صوفي يلتمس في الجمال، شعرا وموسيقى ورقصا، طريقا لمعرفة الله ومحبته. إنها أيضا القواعدُ التي تركت آثارَها العميقة على شخصية إيلا؛ فأخرجتها عبر العشقِ من الجمود والرتابة نحو كينونة جديدة، وإن كانت مطوقة بإحباطات "الواقع المعاصرِ" و إكراهاته. وهي ذات القواعد التي تلقي بسحرها على القارئ لكي تُشعرهُ أنه، وعلى غرار إيلا، يصيرُ ويتحول بين فصل وآخرَ من حال لأخرى؛ وهذا دليل على الكيمياء الإبداعية الكامنة في السر السردي الذي تكتب وتنحت به الروائيةُ شافاك عمَلها.
وأخيرا لا آخرا، ما الذي يجعلَ هذه الرواية، تستحقُّ كل هذا الاهتمام، وتتَرجَم إلى عدةِ لغاتٍ عالمية، ويُحتفى بها هذا الاحتفاء الاستثنائي؟؟ ألا تُصادف هذه الرواية احتياجا كونيا معاصرا للمعنى، هذا المعنى المهدور في القيم التي ما تفتأ تعصف بها الحياةُ المعاصرة عبر الاستهلاكية وتأليه الربح وتشجيع الفردانية وتنميط الحياة وغياب السند الروحي المواكب والمحايث لكآبةِ الحياة المعاصرة ورتابتها..؟؟ أليس في نجاحِ مثلِ هذه الأعمال ترجمةً للحاجة إلى نوع آخر من الحرية، عطشٍ أنطولوجي للمعنى؛ ذاك المعنى الذي عصفت به تشدداتُ التطرفاتِ الدينية وأفلستْ تطرفاتُ الحداثةُ و ما بعدها في شغلِ فراغِه وتجديد إشراقه؟؟؟ هذا ما يميلُ إليهِ صمتي وهو يسترجعُ لذة قراءةِ روايةٍ ِوشاحُها البهاءُ في زحمةِ الهُراء؛ روايةٍ تمجدُ العشقَ بحثا عن روح هذا المعنى الذي تزيفه كل التقسيمات: "تقول القاعدة الأربعون: لا قيمة للحياة من دون عشق، لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أو مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي ...... فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات، ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف، إنه كما هو، نقي وبسيط.
"العشق ماء الحياة، والعشيق هو روح من النار!
" يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء". طاب صباحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.