احتجاجا على سياسات ترامب.. توقع خروج الملايين للتظاهر في عدة مدن أمريكية تلبية لدعوة حركة "لا ملوك"    "كاف" يحسم الجدل بتعيين الكونغولي أوليفييه سفاري كابيني رئيساً للجنة الحكام خلفاً لدوي نومانديز    توقيع اتفاقيات شراكة تستهدف هيكلة منظومة وطنية للهندسة الصناعية    الكاف: "تأهل المغرب إلى نهائي مونديال الشباب انتصار رمزي وتاريخي"    سالم الدوسري يُتوج بجائزة أفضل لاعب في آسيا لسنة 2025    الذهب يتجاوز 4300 دولار ويتجه لتحقيق أفضل مكاسب أسبوعية في 17 عاما    بورصة البيضاء تبدأ اليوم بصعود طفيف    الأمم المتحدة: 80 في المائة من فقراء العالم معرضون لمخاطر مناخية    رفض عربي وإفريقي قاطع لانضمام "جمهورية الوهم" إلى مؤتمر الشباب العربي والإفريقي بكامبالا    انفجار قنبلة أمام منزل أحد كبار الصحافيين الاستقصائيين في إيطاليا    مستشار ترامب: واشنطن تقترب من افتتاح قنصليتها في الصحراء المغربية... والملف يسير نحو نهايته    ألمانيا تجيز استخدام الشرطة للصواعق الكهربائية في جميع أنحاء البلاد    أستراليا تفرض أول حد أدنى لعمر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي    جلالة الملك يواسي الرئيس الكيني إثر وفاة الوزير الأول السابق لبلاده    الولايات المتحدة الأمريكية تجدد الالتزام بفتح قنصلية في الصحراء المغربية    المتصرفون التربويون: قرارات الوزارة "متناقضة ومتخبطة" والرؤية غائبة    اليوم في قمة افتتاح مونديال الفتيات.. المغرب يواجه البرازيل بالرباط    طنجة البالية: توقيف 3 قاصرين تورطوا في رشق الحجارة قرب مؤسسة تعليمية    أجواء حارة في توقعات طقس الجمعة بالمغرب    كيوسك الجمعة | الداخلية تسرع ورش رقمنة خدمات الماء والكهرباء    وهبي والمنصوري يتفقان على إعادة تأهيل سوق "جنان الجامع" بتارودانت بعد الحريق    وجدة: مركز الدراسات يحتضن حفل توقيع كتاب "صوت الشعب القوي في البرلمان" للأستاذ مولاي امحمد الخليفة    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    وفاة والدة الفنانة لطيفة رأفت بعد معاناة مع المرض    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته للنمو في آسيا رغم التوترات التجارية الصينية الأمريكية    الفلبين: زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب جنوب البلاد    شركات كبرى تحتكر سوق الدواجن بالمغرب والجمعية الوطنية لمربي الدجاج تحمّل الحكومة المسؤولية    إسرائيل ترجح إعادة فتح معبر رفح الأحد وحماس تؤكد "حرصها" على تسليم جثامين بقية الرهائن    أفاية يفصل في محددات المسؤولية وتحولات النقاش العمومي بالمغرب    الهلال يجدد عقد بونو حتى 2028    كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    مؤتمر الاتحاد الاشتراكي:من أجل تجديد السياسة واستعادة الثقة    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين تبرج مذموم موجود وتبرج محمود شبه مفقود
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2010

لم تختل الموازين، ولم تضطرب المفاهيم، تنوعا وتوسعا وحدة حتى التناقض التام،في أي زمان من قبل، كما هي عليه الآن، حتى أصبحت جل، إن لم يكن كل، القيم الإنسانية الايجابية، حسب الفطرة السليمة والشرائع السماوية، منتهى السوء والشر، وفي المقابل أضحت كل قيم الانحراف والشذوذ قمة الخير والتحضر والمدنية والحداثة، لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا / سنن أبي داود 3991).
هكذا أصبح المعروف منكرا، والتدين رجعية، والوسطية تطرفا، والالتزام تزمتا، والسنة تشددا، والحياء تزمتا، والعفة انغلاقا، والحجاب طائفية، واللحية وهابية، والتعدد جريمة وجنحا، والرجولة ذكورية منبوذة، والشجاعة تهورا، والصراحة وقاحة، والمقاومة إرهابا، والسياسة المتدينة إسلاموية، وكلمة الحق تحريضا، في حين أصبح الشذوذ الجنسي مثلية، والتعري تحضرا، والميوعة تحررا، والزنى حرية، والخليلات أمرا مباحا، والربا فوائدا، والقمار رهانا، والخمر مشروبا روحيا، والنفاق مجاملة، والخداع ذكاء، والخيانة شطارة، والعلمانية والإلحاد وسطية، والتبرج مالكية، وتغيير خلق الله زينة، والهذيان غناء، والعهر فنا، والتطبيع مع الفاحشة إبداعا سينمائيا، والكلام الساقط واقعية، والاستيطان حقا تاريخيا، و الصهيوني صديقا، وجرائمه دفاعا عن النفس، والاستعمار تحريرا، ويوم الغزو عيدا وطنيا، والعلماني محدثا، والملحد مفتيا، ربما في انتظار أن تصبح الحانة مسجدا، وأصوات كؤوسها آذانا، أليس السكارى هم من يقوم الليل نصفه أو يزيد عليه قليلا، ويشهدون الفجر والثلث الأخير من الليل !
قد يطول الحديث إن خضنا في هذه الاضطرابات والتناقضات بشكل تفصيلي، ولكن سنقف على واحدة مما اعتبرناه اضطرابا واضحا، وخروجا عن الفطرة السليمة، التي فطر الله الناس عليها (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه/ الروم 29)، لأنه ومع ما قد تبدو عليه من هامشية، إذا ما قورنت مع الانحرافات الأخرى، تبقى على قدر كبير من الأهمية، لأنها تشكل انزياحا واضحا عن الطريق القويم، الذي لو سلكته البشرية لما وقع الكثير من المآسي والفتن بل والجرائم، كما أنها تشكل سببا رئيسيا في وقوع الكثير من الانحرافات الأخرى.
خلق الله الخلائق كلها، ورسم لكل منها مهمتها ومنهجها، وميز بعضها عن بعض في الصورة والطبيعة والتكوين والقدرات، فكانت مهمة الإنسان إعمار الأرض، واستخلاف الله فيها (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة/ البقرة 29)، فأُعطي العقل والتمييز، كما لم يُعطى مخلوق سواه، ورُسم له الطريق السوي الذي يجب عليه أن يسلكه (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه/ الأنعام 154)، ولم يجعله الله حرا طليقا، يفعل ما تهوى نفسه (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه/ القصص 50)، وكان من هذا المسلك القويم، التنظيم الدقيق لعلاقة جِنسيْه: الذكر والأنثى، وحدود وضوابط كل واحد منهما في هذه العلاقة.
ومع أن الله سبحانه وتعالى هو من زرع في الإنسان الغريزة الجنسية، كشأن الحيوان تماما، مع تفاوتات بينهما، إذ في الوقت الذي لا تشتهي أنثى كل الحيوانات ذكرها إلا في أوقات محددة، والذكر لا يسعى لأنثاه إلا في تلك الأوقات، نجد أن الرجل يسعى للمرأة في كل وقت، وهي تشتهيه في معظم الأيام، ما عدا في أيام مخصوصة معدودة، لذا كان وجوبا، ليرتقي الإنسان عن الحيوانية، انسجاما مع رسالته في الأرض ومع تكريم الله له (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا/ الإسراء 70)، أن توضع لهذه الغريزة ضوابط تضبطها، وحدود تؤطرها، فكانت رابطة الزواج بين الجنسين، بأركانه وشروطه وموانعه المعروفة، كسبيل وحيد لتصريف هذه الغريزة، حتى يحفظ الجنس البشري ويستمر، من حكم كثيرة في ما سماه الله بالميثاق الغليظ (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا/ النساء 21)، وهي التسمية التي لم يسمي الله بها إلا علاقته بأنبيائه، علاقة بهذه القداسة والأهمية، كان ينبغي أن يبذل كل الجهد لإنشائها، وتبذل كل التضحيات لصيانتها، وتقاوم بلا هوادة عوامل تعطيلها أو إفسادها.
إن عزوف الشباب عن الزواج، وعنوسة الفتيات، وارتفاع نسب الطلاق، بشكل ملفت لا شك أنه نتيجة لأسباب متعددة، لعل من أبرزها: اضطراب تعامل الأنثى مع جسدها، وخروجها عن المنهج القويم في ذلك، فبتحويلها لجسدها العاري، والمنمق والمزين بكل الألوان والأشكال، لمجرد بضاعة معروضة على الطرقات، قتل الرغبة في الزواج لدى الذكر، ما دام ما يريده فيها ويشتهيه يحصل عليه بالمجان، وبلا مسؤولية أو تكاليف تذكر، وبتبرج المرأة في الخارج وإهمالها لحالها وشكلها بالبيت، جعلت الزوج يملها ويبحث عن الأجمل منها ولو في الحرام، مما يهز استقرار الأسرة، ويدفع لأبغض الحلال عند الله.
ففي الوقت الذي كان ينبغي على الشابة أن تتجمل بخلق الحياء والوقار، في انتظار زوج في الحلال، مادام أن التزين مجرد إيحاء جنسي محض، ليس لغير المتزوجة داعي له، فلا نعرف إطلاقا أن المساحيق، أو اللباس الفاضح، أو تسريحات الشعر تزيد في الذكاء أو في أي قيمة أخرى، وعلى المتزوجة أن تدخر جهد تبرجها، والإبداع في إظهار أنوثتها لبيتها ولزوجها، حتى يراها أجمل أنثى، فلا يفكر بالمرة في غيرها (الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْه / سنن أبي داود 1417) ، نجد العكس تماما هو المستشري، إذ تخرج النساء جميعهن، متزوجتهن وعازبتهن ومطلقتهن وأرملتهن، طبعا إلا من رحمها ربي، في أبهى زينتهن للشارع، حتى إذا ولجن بيوتهن سارعن بتغيير ملابسهن بالعادي منها، ونزعن حليهن، ومسحن مساحيقهن، فهل بعد هذا من اضطراب؟.
ماذا كان سيحدث لو اهتمت المرأة بشكلها ورائحتها داخل بيتها، وأبدلت وقت المرآة بما بعد الدخول، وليس ما قبل الخروج، والتزمت الفتيات بالستر والعفة، الأكيد أن العديد مما نعتبره مشاكل ومآسي اجتماعية، إن لم تندثر، فستتراجع.
طبعا سيأتي من يتهم المقال وكاتبه بالرجعية، والحقد على النساء، والماضوية من حقيبة تهم جاهزة، كتهم الأنظمة القمعية لمعارضيها بالإخلال بالنظام العام، ومحاولة قلب النظام بالقوة، لأن الاستبداد السياسي والحداثوي وجهين لعملة واحدة، ولكن الحمد لله أن الموت لم يتغير وبقي هو الموت، سيجمعنا جميعا ثم سنختصم يومئذ إلى ربنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.