هي واحدة من رموز صحافة التحقيق بالعالم، نذرت حياتها للدفاع عن حقوق الإنسان وعارضت بقوة سياسات رئيس بلدها فلاديمير بوتين، كما عارضت بقوة التدخل الروسي في الشيشان، وكان الجميع يدرك أن هذه الصحافية ستتعرض لمضايقات كثيرة، إلا أن القلة القليلة من فكرت في أن هناك من سيغتالها يوماً. عادت قضية أنّا ستيبانوفنا بوليتكوفسكايا الصحافية بجريدة "نوفايا غازيتا" المستقلة إلى الواجهة هذا الأسبوع، بعد إصدار القضاء الروسي يوم الإثنين المتصرم، أحكاماً بالسجن من 12 سنة إلى المؤبد في حق خمسة أشخاص متورطين في مقتلها سنة 2006، منهم المنفذ، والمخطط، ورجل شرطة ساهم في الإعداد للجريمة. بقي مقتل بوليتكوفسكايا، لغزاً خيّم على سماء الصحافة الروسية لسنوات، بعد توجيه الاتهامات إلى الدولة الروسية وبعض المقاتلين من الشيشان، دوافع القتل تعددت، بين من رأى أن بوليتكوفسكايا كانت تمثل خطراً داهماً للسلطة الروسية بكشفها الدائم عن الفساد وانتقادها للسياسات الرسمية، وبين من أشار إلى أيادٍ شيشانية أزعجها كشف الصحافية الروسية للفظائع التي ترتكبها الميليشيات الموالية للكرملين في الشيشان، قبل أن تعمد مصالح الأمن إلى اعتقال مشتبهين فيهما من الشيشان، برأهما القضاء الروسي سنة 2009، إلا أن الحكم تم إلغاءه، وأعيدت المحاكمة من جديد، لتنتج عنها الأحكام الواردة أعلاه. تُعتبر بوليتكوفسكايا، من أيقونات الصحافة المستقلة في العالم، خاطرت بحياتها في سبيل نقل الحقيقة، وقامت بتغطية عدد من المناطق الملتهبة خاصة في الشيشان، كما كانت تنشط بشكل كبير في العمل الخيري بعدما جمعت أطناناً من التبرعات إلى الشيشانيين. من كتاباتها التي يتذكرها قراء الجريدة، تحقيق "اختفاء البشر" الذي يروي قصة الشيشاني موردالوف الذي اعتقله افراد القوات الخاصة والذي اختفى فيما بعد دون أن يخلف أثرا، وكذلك ذلك الذي يحمل عنوان "تواطؤ اجرامي" أشارت فيه إلى وحدات شيشانية تحارب الى جانب القوات الفيدرالية في الشيشان، فضلاً عن تحقيقات أخرى فضحت فيها الطرق البشعة للتعذيب في روسيا. كما نشرت بوليتكوفسكايا عدداً من الكتب التي جمّعت فيها ملاحظاتها عن الحرب في الشيشان والدور السلبي لروسيا فيها، من هذه الكتب: "الحرب القذرة"، "ركن صغير من جهنم" وصفت فيهما ما يقوم به الجنود الروس ضد المواطنين الشيشانيين من ابتزاز واغتصاب وقتل لم يُستثنَ منه حتى الأطفال الرضع، فضلاً عن كتابها "روسيا المؤلمة: يوميات امرأة غاضبة" انتقدت فيه ما آلت إليه الأوضاع بروسيا تحت قيادة بوتين. كتبت ذات مرة فيما ترجمته عدد من الصحف العربية:" إنني أعلم جيدا أن روسيا تشن عليّ حملة قوية وتعتبرني عدوة لها، وأجيبهم من هذا المنبر بالقول: نعم أنا عدوة... عدوّة لجيش لا أخلاقي ومنحط.. عدوّة للكذب والتضليل والخداع حول الشيشان..عدوّة للأساطير المفبركة.. فأنا لا أحب ذلك الرجل الجالس على العرش الذي قيل لي إنه غاضب من كتاباتي، لأنني أحب روسيا". حازت أنّا بوليتكوفسكايا، على عدة جوائز منها جائزة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لقاء تغطيتها لأحداث الشيشان، جائزة منظمة العفو الدولية العالمية لصحافة حقوق الإنسان، وجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة بعد وفاتها. قال صحافي بجريدة الجارديان البريطانية إنها استنفدت أرواحها التسعة، وذلك في إشارة صريحة منه للعديد من المرات التي حاولت فيها جهات روسية وشيشانية القضاء عليها، فقد حاول بعض الانفصاليين الشيشانيين تسميمها، وحبستها القوات الروسية في تحت الأرض، وتعرضت للإبعاد من روسيا أكثر من مرة، كما تلقت عشرات التهديدات بالقتل، إلى أن تم تنفيذ واحد منها. ارتاح جزء كبير من السلطة الروسية لمقتل آنا، وكذلك كان الحال لجزء كبير من المقاتلين الشيشان، فقد انتصرت آنا للإنسان وحده دون أي خلفيات، وكلّفها هذا الانتصار حياتها، بعدما تحوّلت إلى خصم للطرفين معا. كانت كتاباتها سلاحاً من نوع آخر يكشف زيف السياسيين ويفضح متاجرة السلطة بدماء الناس، وربما أن حتى آنا كانت مقتنعة أنها ستُغتال قريباً، فقد كتبت يوماً فيما نقلته جريدة الاتحاد الإماراتية:" ''ليست الثورة البرتقاليّة متوقّعة عندنا، ثورتنا نحن ستكون حمراء من لون الدم''.