في افتتاحيتها ليوم 25 دجنبر الجاري، أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن الأقليات المسيحية في المناطق الإسلامية، تعاني من الاضطهاد بشكل بدأ بشكل قوي منذ الغزو الأمريكي للعراق. ففي هذا الأخير، انخفضت أعدادهم إلى الثلث، واضطروا في سوريا إلى مناصرة نظام الأسد كي يحميهم من التنظيمات الجهادية، وعاشوا لحظات صعبة في مصر ما بعد الثورة. كما أبرزت الافتتاحية ضرورة بذل المسلمين لمزيد من الجهد في سبيل تدبر مستوى السلام الذي يحتويه دينهم، وذلك لبناء مجتمعات يحترم فيها الفرد بغض النظر عن معتقده، معتبرة أن "حقوق الله لا يجب أن تؤدي بنا إلى الدوس على حقوق الإنسان". في مناطق كثيرة من العالم، وخاصة داخل المجتمعات الإسلامية، نجد العديد المسيحيين المضطهدين، وفي رأينا يجب أن تحظى حقوق الإنسان بالأولوية قبل تأتي الحقوق المعلنة للإله. ويمكن في هذا الصدد، تصنيف غزو العراق في عام 2003 وقراءة تداعياته، على أنها أكبر كارثة حلت بالطوائف المسيحية القديمة في الشرق الأوسط منذ غزوات المغول، خاصة في بعض المناطق المحددة حيث كان الأمر سيئا للغاية. فقد كانت لغزوات المغول آثارا جانبية أدت إلى تأجيل انهيار الممالك الصليبية لنحو 50 عاما، أما غزو العراق، فلم يساهم في شيء سوى في اندثار وانعدام سلامة المجتمع المسيحي في كل مكان. التشنجات البشعة التي أعقبت الغزو كانت مروّعة بالنسبة للجميع في المنطقة، ولكن لا أحد عانى من الاضطهاد أكثر من المسيحيين في الدول السنية والشيعية على حد سواء. المناطق التي لم تكن في حالة حرب، كان المسيحيون فيها مظلومين، لكنهم فضلوا الصمت المطبق. أما في الخليج، فمعظم المسيحيين كانوا عبيدا، إذ كان من المفروض عليهم ممارسة طقوس دينهم في السر، وإلا سيكونون تحت التهديد بالقتل. وفي إيران، كان الشنق من وقت لآخر بدافع إعطاء العبرة للآخرين، ذلك تحت ذريعة زعزعة عقيدة المسلمين. كان عدد السكان المسيحيين في العراق أكثر من مليون في عام 2003، أما الآن فهو أقل من ثلث هذا الحجم، وربما نصف هذا العدد في كردستان. ورغم أن هذا الإقليم مستقل وظيفيا عن الحكومة الشيعية، إلا أن المسيحيين لم يكونوا قادرين على العودة إليه على أية حال، إذ لم يشعروا في كردستان، فالأكراد السنة كانوا قد نفذوا الكثير من جرائم القتل في تركيا في محاولة منهم في إبادة المسيحيين الأرمن قبل 100 سنة، والجانبان معاً يتذكران هذا. أما في سوريا، فالتمرد الطائفي الوحشي يدفع ببعض المسيحيين إلى دعم نظام رئيس لا يرحم. في مصر، الأقباط المسيحيون يتعرضون للخطر بالفعل، رغم أنهم عاشوا هناك لمدة 600 سنة قبل وصول المسلمين، وقبل أن يأتي "الربيع العربي" في ظل النظام الإسلامي للرئيس محمد مرسي. وبعد انقلاب مضاد على الثورة، تمت مواصلة الاضطهاد في حقهم، سواء داخل أو خارج نطاق القانون. حتى إسرائيل، التي تقدم نفسها على أنها منارة للحرية الدينية، فقد كانت دائما مكانا مروّعا للعيش بالنسبة للعرب المسيحيين، خاصة عندما تشتعل بين جيش الاحتلال في الضفة الغربية والإسلاميين في غزة. أما في باكستان، فقد فشلت الحكومة في تحدي التحيّز الراسخ ضد المسيحيين، وتركتهم عرضة للقتل القضائي بموجب قوانين التجذيف، فضلاً عن جرائم القتل والمذابح التي تحوّلها السلطات إلى موضوع يمكن تفهمه. في أماكن كثيرة من إفريقيا جنوب الصحراء ، وخصوصاً في نيجيريا وشمال كينيا وجمهورية افريقيا الوسطى، يتم تجييش الحروب بين الجماعات العرقية المسلمة والمسيحية. في بعض الحالات، كما في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، تحارب الجيوش المسيحية في إطار حروب أهلية لا هوادة فيها ضد كل الشعوب الأخرى بمدنييها. فالقصة بذلك ليست مجرد اضطهاد بسيط من قبل المسلمين ضد المسيحيين. في الصين وكوريا الشمالية، حيث الحكومات الملحدة، يُضطهد المسيحيون. وفي روسيا، حيث يسيطر نظام المسيحية الأرثوذكسية يعامل الكاثوليك والبروتستانت بوحشية. وفي الهند، تقوم حكومات الولايات باضطهاد المسيحيين بحجة سخيفة، متمثلة في القضاء على التبشير. ومع ذلك، فمشكلة الاضطهاد المسيحي في المجتمعات الإسلامية أضحت أكثر وضوحا، وخاصة في الأماكن التي تعج بثروات النفط حيث يتم تأجيج التعصب. لا ننكر أن وضع المسلمين في أوروبا أو أمريكا الشمالية صعب جدا في مواجهتهم للتعصب، لكن سيكون من السخف أن ينكروا أن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط هو أسوأ بكثير. المبدأ هو لا لتأجيج العداء ضد الإسلام بطريقة مطابقة. فهم أفضل له يمكن أن يساعدنا في تدبر مستوى السلام الذي يحتويه، وكذلك في إدانة الطريقة التي تحوّل بعض أفكاره إلى عدوان من قبل بعض أتباع هذا الدين، ولكن هذا لن يستقيم إلّا بتبني المسلمين أنفسهم لذلك، من خلال نقاش حضاري يشارك فيه كل أتباع الديانات الأخرى في بلدانهم. نفس القدر من الأهمية يجب أن يعطى للموقف الحازم لمبدأ الحرية الدينية في كل مكان، فالمعتقد الديني هو أمر أساسي لكثير من الهويات الإنسانية، يجب الدفاع عن الحرية بغض النظر عن ما إذا كانت الهجمات تأتي من الأنظمة الاستبدادية أو الملحدة أو الثيوقراطية. للمؤمنين نقول، ما تعتقدونه عن الله هو جزء غير منفصل عمّا تعتقدونه عن البشر. ولكن حقوق الله يجب ألا تؤدي بنا إلى أن ندوس على حقوق الإنسان.