البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    اختناق جماعي داخل وحدة صناعية.. نقل 145 عاملاً إلى المستشفى    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    "الاستقلال" يشكو أوزين إلى العلمي    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    نقل عاملات استنشقن غازا ساما إلى المستعجلات بالقنيطرة وحالة أربعة منهن خطيرة    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تصدر تحذيرا من برمجية خبيثة تستهدف أجهزة أندرويد    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    كوبونات الخصم: مزاياها وكيفية استخدامها عند التسوق اونلاين    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الغزيون في مواجهة سلاحي الجوع والعطش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    باريس.. الوجه الآخر    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    المغربي "الهيشو" يسقط في قبضة العدالة الإسبانية بعد 15 شهرا من التخفي    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيالات لانافيط: هموم مسافرات يومية بلا حقائب
نشر في هسبريس يوم 27 - 11 - 2010


حكايات نساء يعشن بين مدينتين
نجحت المرأة المغربية في تحقيق مكاسب مهمة، خاصة في السنوات القليلة الماضية، فولجت سوق الشغل، وتمكنت من المساهمة في العمل بنسبة تصل إلى 30 في المائة، حسب عمر الكتاني، أستاذ اقتصاد، فساعدت الرجل في تحمل أعباء العيش، بل وتكلفت بإعالة الأسرة بدلا عنه في بعض الحالات، من بينهن نساء اضطرتهن متطلبات الحياة، والبحث عن لقمة العيش، والرغبة في تحقيق الذات للتنقل اليومي، بعدما آنسن في الماضي الراحة، وكن لا يكترثن لعناء الكسب. مسافرات بلا حقائب، يحملن همومهن للانتقال من مدينة إلى أخرى، بحثا عن مورد رزق. ولبلوغ هدفهن، يتعرضن للكثير من الأحداث، فضلا عن معاناة يومية تنهك جيوبهن، وتهدد سلامتهن.
يكفي فقط التجول في الساعات الأولى من صباح كل يوم، لمشاهدة عشرات النساء يقفن في محطات القطار، الحافلات، وسيارات الأجرة للانتقال إلى مقرات عملهن، التي قد تبعد مئات الكيلومترات، فيجدن أنفسهن مجبرات على الانتقال من مدينة إلى أخرى من أجل لقمة عيش. هذا السفر اليومي أجبر المرأة على تغيير شخصيتها لمواجهة كافة الأخطار المحذقة بها وهي في طريقها من وإلى العمل، لا رفيق لها إلا كتاب، أو جريدة، أو تجادب أطراف حديث لا يرجى منه إلا كسر الملل، وقضاء الوقت. ويشكل الزمن عند هؤلاء، والتحملات النفسية القوية المتصلة بظروف التنقل، ضغطا يوميا يؤثرعلى أدائهن المهني واستقرارهن الاجتماعي.
القطار: قد يأتي أو لا يأتي
يعتبر السفر عبر القطار من وسائل النقل المفضلة لدى الكثير من نساء "لانافيط" (السفر اليومي)، باعتباره الأكثر أمانا وسلامة، بالنظر للأرقام الصادمة التي تخلفها حرب الطرق يوميا بالمغرب، والتي أصبحت ترعب الجميع بمن فيهن مستعملات الطريق، خاصة اللاتي يتنقلن بشكل يومي. ورغم ما يوفره القطار من أمان وراحة بالمقارنة بغيره من وسائل النقل، إلا أن السفر فيه لا يخلو من محن ومعاناة، تزداد حدتها في مواسم الأعياد، والعطل، حيث يكثر الازدحام، وقد تتضاعف لحظات الانتظار، التي قد تصل إلى الساعات، تقول بهيجة "أصبحت أكره سماع إعلانات المحطة، تصيبني حالة من الذعر خوفا أن يكون الإعلان خاصا بتأخير موعد انطلاق القطار، وقد شاركت في وقفات عدة آخرها حين انضممت لاحتجاج مسافرين في محطة تمارة، بسبب شدة الازدحام داخل عربات القطارات، ناهيك عن "انعدام المكيفات التي يعتبر وجودها من رابع المستحيلات، فتصبح المقصورات عبارة عن صناديق فولاذية ساخنة لا تطاق، وبالتالي يجد المسافر نفسه أمام خدمات متواضعة، لا تحترم حتى حاجته إلى السفر، في مقعد يضمن له الحد الأدنى من الراحة بالنظر لثمن تذكرته، الذي يزداد باستمرار"، في السياق نفسه، أشارت خديجة، موظفة بوزارة العدل، إلى أنها طيلة 7 سنوات من التنقل بين الدارالبيضاء والرباط، جربت السفر بكل الوسائل آخرها القطار، إلا آنها اكتشفت أن الأمر لا يختلف من وسيلة إلى أخرى، إذ عاشت المعاناة نفسها، رغم أن القطار أكثر أمنا.
الطاكسي: رحلة محفوفة بالمخاطر
"تشعر وأنت على متن سيارات الأجرة الكبيرة بالحنين إلى الماضي لشدة تقادمها، إذ أن معظمها تجاوز العشرين عاما، وكان من المفترض أن تنال تقاعدها منذ مدة، مع منحها أوسمة للشرف لصمودها أمام الحفر، والطرقات المتهالكة" تقول عائشة، عاملة بشركة بعين السبع وتسكن بابن سليمان. وتضيف قائلة "ليس لي اختيار آخر، استعمل الطاكسيات لأنني لا أجد غيرها لاتنقل من ابن سليمان إلى المحمدية، ومنها إلى عين السبع. جربت أن أسكن بالدارالبيضاء، لكنني لم أستطع العيش بعيدا عن أسرتي، رغم أن السفر بسيارات الأجرة محفوف بالمخاطر، إلا أنني لا أجد خيارا آخر غيره".
لم تخف عائشة، تسكن بالمحمدية وموظفة بشركة خاصة بالدارالبيضاء، امتعاضها من سائقي سيارات الأجرة، وقالت بأنها تنطق الشهادتين، وتقرأ ما تيسر من القرآن كلما همت بركوب الطاكسي الكبير، خوفا من حادث ما قد يؤدي بحياتها. وأضافت موضحة " بعض السائقين بمجرد أن يمسكوا مقود السيارة يتحولون إلى أشخاص شرسين، وبعضهم لا يفوت فرصة لسب الآخرين، أوالتسابق مع غيره من السائقين، ومنهم من يقود سيارته في اتجاه معاكس لتجاوز باقي السيارات، خاصة عند توقف السيارات في إشارات المرور، وأحيانا كثيرة نسلم من حوادث اصطدام بلطف الله، إلا أن السائق لا يسلم من شتم الراكبين".
وأجمعت الكثير من النساء على أن معاناتهن مع الطاكسي تبدأ في فجر كل يوم، حين يقفن لساعات في طابور طويل انتظارا لقدومه ، مما يسبب لهن مشاكل كثيرة في العمل بسبب التأخير، والوصول مرهقات، بالإضافة إلى ما يتعرضن له من تحرش ومضايقات، سواء من طرف "زبناء" الطاكسي، أو سائقه. تقول حليمة "منذ 5 سنوات وأنا استعمل سيارات الأجرة للانتقال من المحمدية إلى الدارالبيضاء، حتى أصبحت من أهم زبناء "الطاكسي الشيبي"، ورغم ذلك مازلت أتعرض للمضايقات، وكثيرا ما اضطر لتحمل تصرفات بعض الرجال، الذين يحاولون ملامسة جسمي بشتى الطرق".
الحافلة: صراع يومي للفوز بمقعد
تعتبر الحافلة وسيلة التنقل الأرخص بالمقارنة مع غيرها، والأكثر استعمالا. إلا أن أكثر زبوناتها يعملن في محور الدارالبيضاء، المحمدية، عين حرودة، وابن سليمان. وتستقطب نساء يشتغلن في الغالب في شركات خاصة، في حين تفضل الموظفات التنقل في القطار، أو سيارات الآجرة الكبيرة.
والتنقل بالحافلة لا يخلو، بدوره، من المخاطر والمتاعب، بدءا من الصراع اليومي، مع عشرات الركاب أمام باب الحافلة، للفوز بمقعد داخلها، دون التعرض للضرب، أو الدخول في مشاداة كلامية، أو التعرض للسرقة. تحكي بهيجة كيف تعرضت، في الأسبوع الأول من رمضان الماضي، لسرقة سلسلتها الذهبية من عنقها، دون أن تشعر، ولم تدرك الأمر إلا بعد جلوسها في الحافلة، حينها بدأت تصرخ، وهي تردد "سلسلتي مشات، داك البرهوش مول الكاسكيط داها"، أمسك أحدهم بالطفل صاحب القبعة، لكنه أنكر بشدة سرقة السلسلة. لم تتمكن بهيجة يومها من الالتحاق بمقر عملها، وبالإضافة إلى إضاعت حليها، خصم منها يوم من أجرتها، لأن رب عملها لم يتفهم الأمر، وطالبها بشهادة طبية أو الرضوخ للأمر.
طرق قتل الوقت
تختلف طرق قضاء الوقت في "لانافيط"، إذ تغط المتعبات في نوم متوتر، خصوصا من يستيقظن باكرا لتحضير وجبات الأكل، أو الاعتناء بالبيت والأولاد. أما "المثقفات" ، اللائي يفضلن استعمال القطار في تنقلاتهن، فينهمكن في قراءة الصحف، أو مراجعة بعض الملفات، أو يستعملن أجهزة الكومبيوترات المحمولة للغوص في عالم الإنترنيت، بعيدا عن ضوضاء المقصورات. أما المهمومات، أو الحالمات، فيسرح بصرهن عبر النوافذ، أكثرهن ربما يفكرن في مخرج من أزمة مالية، أو حل لمشكل أسري، خاصة بتزامن العطلة السنوية مع رمضان والدخول المدرسي، ثم عيد الأضحى، الذي يطرق الأبواب. تقول نصيرة، موظفة بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، "علي الاستعداد منذ الآن لجمع المال لشراء خروف عيد الأضحى"، وزادت ضاحكة، "فكما يقال تظهر قرون الكبش في آخر زلافة للحريرة".
أما البعض، فتجدهن يتبادلن أطراف الحديث طوال الرحلة في الهاتف النقال، ومنهن من يتخدن من وسائل النقل فضاء لتوسيع دائرة معارفهن، والتواصل مع الآخر، ولما لا العثور على عريس بالنسبة للعازبات، فكم من صداقات نشأت على الطريق، منها علاقات تطورت إلى زواج.
ولعل من الأمور اللافتة في القطار أن الصمت هو القاعدة والحديث استثناء، بعكس الحافلة، التي تتسم بالكثير من الضوضاء. وفي بعض الأحيان تتعالى أصوات بعض المتحدثين، أكثرهم نساء، كاشفة عن تفاصيل حياتهن، ومنهن من يستغل زمن الرحلة لإفراغ همومه، خاصة أن الشخص المتحدث معه رفيق طريق فقط، قد لا يجمع القدر بينهما بعد تلك اللحظة.
نجاة: لانفيط جعلت زوجي يخونني
بكت نجاة(القنيطرة، 45سنة) بحرقة شديدة وهي تحكي قصة طلاقها من زوجها عبد الكريم، بعد قصة حب ملتهبة و وزواج عمر حوالي عشر سنوات أثمر طفلين. تقول والدموع متحجرة في عينيها" لم أكن أشك في حبه لي، وظننت أن عملي البعيد، وسفري الدائم بين الرباط والقنيطرة لن يؤثر في علاقتنا، إلا أن الأيام أثبتت العكس، فبحكم عملي في مدينة أخرى، كنت أسافر بشكل يومي بين المدينتين، أركب القطار في تمام الساعة السابعة صباحا ولا أرجع إلا ليلا، في حدود الثامنة مساء، حينها يكون زوجي خارج المنزل، ولا يعود إلا في ساعات متأخرة، فيجدني نائمة. ومع مرور الأيام، ازدادت الهوة بيننا، وأصبح حوارنا جافا. وعندما كنا نلتقي خلال أيام العطل، كان يتذرع بكل الوسائل للخروج، أصبح يفضل الجلوس في المقاهي، وتبادل أطراف الحديث مع أصدقائه على البقاء في المنزل. وازداد الوضع سوءا مع انجاب طفلي الثاني، الذي كنت أتركه لآمي لرعايته طيلة الآسبوع، فزادت علاقتي بزوجي توترا، وأصبح سريع الغضب. وذات يوم، أحسست بعياء شديد، فغادرت عملي بالرباط باكرا وعدت إلى منزلي لأكتشف زوجي مع امرأة أخرى، لم تكن أصغر مني سنا، ولا حتى أجمل مني، لكنها كانت، حسب ما قاله لي، بجانبه كل الوقت. واعترف لي أنه يعاشرها منذ سنوات، لأنه ضجر من امرأة دائمة السفر.
فاطمة الزهراء: تدوسها أقدام الركاب بلامبالاة
تحكي فاطمة الزهراء(المحمدية،52سنة) كيف غادرت منزلها بالمحمدية كعادتها في السابعة صباحا. كان اليوم شديد الحرارة. استقلت سيارة أجرة صغيرة في اتجاه محطة الحافلة رقم 900، الرابطة بين المحمدية والدارالبيضاء، لتصطدم بازدحام شديد. بسبب ازدياد عدد الركاب من نساء، ورجال نتيجة تأخر الحافلة. وبعد حوالي نصف ساعة من الانتظار، ظهرت الحافلة، فبدأ عشرات الركاب يتزاحمون ويتدافعون للصعود. وجدت فاطمة الزهراء نفسها وسط الحشد الكبير، فحاولت بدورهاالتدافع من أجل الصعود، للفوز بمقعد طيلة زمن الرحلة المقدر في ساعة، إلا أنها تعثرت وسقطت أرضا. لم ينجدها أحد، بل داست أقدام الراكبين جسدها النحيل بلامبالاة. صرخت بأعلى صوتها، ولم تنجدها إلا يد إحدى رفيقاتها في رحلاتها اليومية. نفضت الغبار عن جلبابها الآزرق، لم تتمالك نفسها، فبدأت بالصراخ ساخطة على جميع الركاب، واصفتهم بعديمي الإنسانية. ومنذ تلك الحادثة قررت فاطمة الزهراء البحث عن عمل آخر بالمدينة نفسها، وإن كان أقل أجرا.
فوزية: "لانافيط طيحت صحتي"
تعاني فوزية( 49سنة، تسكن بالرباط وتعمل صحفية بالدارالبيضاء منذ 18 سنة)، من أمراض "ورثتها من سفرها اليومي"، حسب قولها. وأكدت أنها تشكو من ارتفاع الضغط الدموي، وداء السكري والقولون العصبي. قضت أحلى سنوات عمرها في القطار، حيث تمضي قرابة 12 ساعة أسبوعيا، آي ما معدله 48 ساعة شهريا. وأوضحت قائلة "حياتي، منذ سنوات، عبارة عن دائرة مفرغة يملأها الروتين، حيث تبدأ رحلتي اليومية صباحا بتحضير الفطور لابنتي وابني وزوجي، وتركه فوق طاولة الطعام، ثم انتظار الحافلة، التي تقلني إلى محطة الرباط المدينة، وبعد الوصول إلى الدارالبيضاء استقل سيارة أجرة في اتجاه العمل، ثم أعود مساء حوالي السابعة مساء، لتبدأ رحلة أخرى، وهذه المرة في مطبخ المنزل، حيث أجهز العشاء، وغذاء اليوم الموالي، وهكذا مضت 18 سنة، دون أن أشعر بشبابي الذي ضاع في ترحالي اليومي، ولا وضعيتي الصحية، التي تدهورت يوما بعد يوم. والآن أعيش بالأدوية، بالإضافة إلى ما أعانيه من توتر عصبي، يفقدني السيطرة على هدوئي، سواء في العمل أو المنزل. وفي الكثير من الأحيان أجد نفسي في حالة من الانهيار وأرغب فقط في الخلود إلى النوم طويلا".
ملحوظة : توفيت فوزية بعد إنجاز هذا التحقيق.
عمار حمداش، أستاذ باحث في علم الاجتماع
عمل المرأة خارج مدينة إقامتها غير مقبول اجتماعيا
كان السفر إلى عهد قريب مقرونا بحركة الذكور عبر المجال، ولا تكون النساء ضمنه إلا مرافقات، أما أن يتخذ سفرهن وتحركهن بعيداعن بيت الأهل طابعا يوميا، نظرا لكونهن يشتغلن خارج فضاء البيت ومتطلبات رعايته اليومية من جهة، وخارج مدينة الإقامة من جهة ثانية، فذلك ما لم يكن واقعا ضمن دائرة المقبول والمعقول اجتماعيا، وما يزال كذلك بالنسبة للكثيرين إلى اليوم.
مثل هذه الحركة المكوكية، الحاضرة يوميا في مشاهد أفواج ومواكب الموظفات والمستخدمات عبرالقطار، ومحطات سيارات الأجرة والحافلات، ترجع لعوامل عديدة، بعضها يعكس تطورات اجتماعية مهمة، مثل اتساع رقعة تأهيل النساء، كما يعكس بعضها الآخر اختلالات تستدعي المراجعة، وأساسا ما يتصل بتركز عدد من الأنشطة، الخدماتية والإدارية والاقتصادية، بالمدن الكبرى للبلاد. أما الانعكاسات والتداعيات فهي، دون شك، بحاجة إلى استقصاء وبحث، للتعرف على أهمها ومواقع تأثيرها، من بينها الانعكاسات المهنية المعروفة، حيث تظل المعنيات بالسفر اليومي مشدودات إلى لحظات الذهاب والإياب، ومواعيد وسائل التنقل، بما لا يتناسب وشروط الانكباب على أداء المهام المهنية.
من جانب آخر، قد تكون الاعتبارات الأسرية، قبل الزواج بالنسبة للبعض من هؤلاء المستخدمات أقل وطأة، بالمقارنة مع المتزوجات المتحملات لمسؤولية أسرهن، حيث يشكل الضغط الزمني عند هؤلاء، بالإضافة إلى الاستنزاف المالي الذي يفرضه السفر اليومي على جيوبهن، والتحملات النفسية القوية المتصلة بظروف التنقل... عوامل يجهل نوع الانعكاسات التي تحدثها على صعيد الأسرة، في غياب دراسات علمية حول الموضوع، إلا أنه يمكننا الاستئناس ببعض المؤشرات الدالة على مدى ثقلها، من ذلك مثلا تلك الأعداد المتزايدة المطالبة بالالتحاق بمقر إقامة أزواجهن، زد على ذلك المستفيدات من المغادرة الطوعية للعمل، أو اللواتي يقدمن طلبات الاستفادة من التقاعد المبكر، دون الحديث عن مؤشرات ذات صلة باضطراب أحوال الأسرة واتجاهها نحو التفكك .
تداعيات السفر اليومي
- الاستنزاف المالي.
- أداء مهني ضعيف.
-الإحساس المتواصل واليومي بالعياء، قبل استئناف العمل.
- الانشغال بالزمن، وهاجس التنقل والوصول إلى محل الإقامة، خاصة بالنسبة للمتزوجات.
- الضغط النفسي.
- تداعيات أزمة النقل، وانعكاساتها، خاصة خلال أيام الاضرابات.
- صعوبة التحاق الموظفات بمقرات عملهن، خاصة في أوقات الذروة.
- التعرض للمضايقات، التحرش الجنسي، والسرقة، خاصة في الحافلات، وسيارات الأجرة.
- مواجهة خطر حوادث السير.
تكاليف "لانافيط" الشهرية
أظهر بحث ميداني، أجرته "سيتادين"، أن السفر اليومي مابين محل إقامة المرأة ومكان عملها، يستنزف ميزانيتها الشهرية، ويكلفها مبالغ يصعب تحديدها، مع ما تفرضه الحياة اليومية من التزامات ومتغيرات. وأكدت معظمهن أن التنقل يستأثر بجانب كبير من ميزانيتهن حسب كل شهر، إذ يضطررن في بعض الأحيان، خاصة في المساء، إلى استعمال وسائل تنقل عديدة للوصول إلى بيوتهن، مما يجعل تكلفة التنقل تتضاعف، وقد تمتص نصف الدخل الشهري. وتختلف التكلفة حسب وسائل النقل المعتمدة، ويعتبر القطار أغلاها، تليه سيارات الآجرة الكبيرة، فحافلات النقل العمومية.
تكلفة النقل بالقطار(شهريا)
محور الدارالبيضاء - القنيطرة: 1152 درهم.
محور الدارالبيضاء - الرباط: 840 درهم.
محور الدارالبيضاء - المحمدية: 360 درهم.
تكلفة النقل بسيارات الأجرة(شهريا)
ما بين الدارالبيضاء والمحمدية: 336 درهم.
مابين الدارالبيضاء وابن سليمان: 406 درهم.
مابين المحمدية وابن سليمان: 70 درهم.
رشيد دهني مفتش شغل
المرأة تستفيد قانونيا من تعويضات عن تنقلها
أكد رشيد دهني، مفتش شغل، أن المرأة الأجيرة تستفيد من تعويضات عن تنقلها وأخرى خاصة بأكلها; في حالة عدم توفر المؤسسة على مطعم خاص بذلك. وتختلف التعويضات حسب الأجر والشركات، إذ تعتبر المؤسسات المتعددة الجنسية أكثر الشركات احتراما لأداء تعويضات تناسب مهمة الأجيرة، وراتبها الشهري.
ويتراوح تعويض الأكل، أو ما يصطلح عليه في سوق الشغل ب "بريم البانيي"، بين 300 و450 درهم في الشهر. في حين تستفيد الأجيرة من تعويضات عن تنقلها، في حالة تعدت المسافة 20 كلم عن مكان اشتغالها، ويتراوح مبلغ التعويض، الذي يحتسب ضمن الأجر الشهري، بين 400 و700 درهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.