بعد رد إيران... سعر النفط يرتفع إلى 74.23 دولار للبرميل    رويترز: القادة الإيرانييون الذين استهدفهم الهجوم الإسرائيلي فاق عددهم ال20    "العدالة والتنمية" يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويدعو إلى لجم الكيان الصهيوني    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري    حملة واسعة لتحرير الملك العمومي بساحة الحنصالي بالجديدة تحت إشراف السلطات المحلية    حملة ميدانية واسعة لمحاربة احتلال الملك العمومي بسوق للازهرة بالجديدة    نهضة بركان يطمع في ثلاثية تاريخية والجيش الملكي يبحث عن التعويض    الطالبي العلمي يتباحث مع وفد من أعضاء مكتب المنتدى البرلماني لرؤساء لجان الخارجية والدفاع بالبرلمانات الإفريقية    تراجع ملحوظ في كميات وقيمة الأسماك بميناء الناظور خلال الأشهر الأخيرة    حموشي يمنح ترقية استثنائية لشرطي دهسه تاجر مخدرات    البواري: لجان محلية تشرف على إيصال دعم القطيع الوطني للماشية إلى المربين    اجتماع عمل لبحث إجراءات إعادة تكوين قطيع الماشية على مستوى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    سوق السيارات المستعملة.. تسجيل رقم قياسي تاريخي بلغ 775 ألف و121 عملية تحويل ملكية خلال سنة 2024    السنغال تؤكد دعمها لسيادة المغرب على الصحراء أمام الأمم المتحدة    "بيجيدي" يُدين هجوم إسرائيل على إيران    " التحول " معرض فردي للفنانة حياة قادري حسني برواق باب الرواح بالرباط    نج وكي بلاك يجمعان صوتهما لأول مرة في عمل غنائي مشترك    إطلاق برنامج تأهيلي لفائدة شباب خلف القضبان        اسرائيل تعلن عن إغلاق سفاراتها في أنحاء العالم وتحث مواطنيها على اليقظة جراء هجومها على إيران    السفير الصيني في المغرب، لي تشانغلين، يكتب: إلغاء الرسوم الجمركية سيتيح فرصًا أكبر لإفريقيا        نتائج الباكالوريا 2025 تعلن غدا بعد استكمال المداولات النهائية    78 قتيلا في هجمات إسرائيلية بإيران وطهران تتوعد بالرد    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة سرقة رجل مسن في الشارع العام    عجز السيولة البنكية يتفاقم إلى 127 مليار درهم خلال أسبوع    ترامب محذرا إيران: إبرام الاتفاق أو الفناء    حرارة مرتفعة مع زخات رعدية محتملة    اللائحة الرسمية لفريق الوداد الرياضي في كأس العالم للأندية لكرة القدم    إسرائيل تستغل الذكاء الاصطناعي في اغتيال كبار العلماء النوويين الإيرانيين    طيران الإمارات تعلن إلغاء رحلاتها من وإلى العراق والأردن ولبنان وإيران    السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مرحبا2025.. هذه هي المنتجات الممنوع على الجالية إدخالها إلى المغرب    نسبة الإنجاز في الشطر الثالث من مشروع الطريق السيار جرسيف-الناظور تصل إلى 50%    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    رمزية بدون شرعية: تجاوز الرمز وخيانة المعنى في مبادرات الشباب المغاربة بإسرائيل    بطولة ايطاليا.. البلجيكي دي بروين ينتقل الى نابولي    الصادرات المغربية إلى الصين تسجّل نموًا لافتًا.. وآفاق واعدة بفضل الإعفاء الجمركي الشامل    مغرب الحضارة : إفريقيا اليوم لم تعد تنفع معها خطط الإرشاء والتحريف … ولم يعد يليق بها جلباب الاستعمار … !!!    الأخوان عبد الله وزكريا الوزان يلتحقان بنادي ريال مدريد    غوارديولا: "آسف ولكن لن أقول إن يامال مثل ميسي"    يونايتد يكمل إجراءات انتقال ماتيوس    حسنية أكادير يتعاقد رسميا مع أمير عبدو مدربا جديدا للفريق    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    حركة تعيينات جديدة تعيد رسم خارطة المسؤوليات القضائية    هل تم إضعاف مكافحة الفساد؟    شهادات مرضى وأسرهم..    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    









بين جمالية اللغة وداعشيتها
نشر في هسبريس يوم 19 - 02 - 2015

إن كانت الذكرى تنفع المؤمنين، فأول ما أذكر به أن الوطن يسع الجميع، وبقبول التعدد والاختلاف نكون قد قطعنا شوطا في مسار التنمية والتقدم، أما الاستمرار في المناكفات المنغلقة، مثل الشنآن المتعلق بأفضلية العربية عن الأمازيغية، أو عن أي لغة أخرى، فهذا هو التهافت الفكري، الذي يولد العقم، والكراهية، والإقصاء. فالمغرب باعتباره قبلة الحضارات الوافدة، التي استقرت أو ذهبت، ينأى بنفسه عن مثل هذه النقاشات التي لا تمت لطبيعته وحقيقته بصلة، فهو مضرب الأمثال في جمالياته اللامتناهية، التي انبثقت عن التعدد والتنوع.
إلا أن المؤسف في الأمر، وإن كنا في لحظة انفتاح فكري، ورقي حضاري إنساني، ما زلنا نطالع بين الفينة والأخرى، مقالات تنال من هذه اللغة أو تلك، وتتجاسر عليها، بل تنعت هذا بالعروبي، والآخر بالأمازيغي، بل وصل بها الأمر إلى الحديث عن داعشية اللغة، في فتح فكري لم نعهد له مثيل، فمتى كان الفكر يتوسل بالمصطلحات الإرهابية والدموية للتعبير عن رؤاه واقتناعاته، في سياق النقاش الحر، والدفاع بالحجة الدامغة، لا الجارحة ولا الحمالة لأوجه الإقصاء، ومتى كانت اللغة العربية متطرفة أو مستبدة، وهي لغة مثل نظيراتها الأخرى، على الأقل إن لم تحترم، فلتترك لشأنها، وللتذكير فشأنها شأن.
وأشير هنا إلى أن المثقف المحترم، هو الذي يصدر عنه الاحترام لجميع اللغات، ويمكن أن نقول هذا بكل لغات العالم، فالمثقف أكثر من غيره، يعرف منزلة اللغة، سواء كانت قديمة أم حديثة، ميتة أم حية، لأنها ذات أبعاد لا متناهية، إذ ليست مجرد آلية للتحاور والتواصل والتفاخر، بل هي وسيلة لنقل النفائس الحضارية للأمم عبر التاريخ، فهي المشترك لا المقتصر، إذ للغة علاقة وطيدة بالتراث، والمحافظة عليه والمساهمة في إحيائه من أهم شروط التطور الإنساني، سيما وأن كل تطور مستقبلي يجب أن ينبع من أسس حضارية تضمن له التقدم والاستمرار الإيجابي، لذلك تضطلع اللغة بدور كبير في صون التراث والمحافظة عليه من عوامل الزمن.
وهنا بالضبط نُذَكر بتخوم الحرية الفكرية الإنسانية، التي تلغي سلط المرجعيات المنغلقة العقيمة، لتطلق نداءاتها الخالدة، حينما تم الاحتفاء بالتراث اليوناني، وسمي أفلاطون بالمعلم الأول، وهذا مثال على قيمة الانفتاح الإنساني، ونتيجته على الإنسان نفسه، هذا الانفتاح يصون التراث ويطور اللغة ويقدم فرصا للاستفادة من تراكماتها وإنتاجاتها، ولا بأس أن نذكر مرة أخرى، بما أننا بصدد التذكير، بإسهامات ابن رشد، وابن خلدون، وغيرهم كثير، أَلا إن زمن الرشدية والخلدونية ليس ببعيد. لذا بدل أن نسدد سهامنا للنيل من لغة ما، – إن كانت لنا نية الاجتماع على مائدة الفكر الإنساني والمساهمة في تشكيلها وإغنائها-، علينا أن نعيد التفكير في سبل رقيها، واستحداث طرائق جديدة لسد ثغراتها، هذا إن ادعينا أن لها ثغرات، ويكون ذلك على مستوى الرؤية المستقبلية، والتعامل المنهجي، والاقتناع الفكري.
إن الخصوصيات الثقافية واللغوية، التي تتيحها لنا أي ثقافة أو لغة، تتيح لنا من الإمكانيات والموارد، التي تبين أهميتها، وقابليتها للاستمرار، والتطور، والمسايرة، ومواجهة التحديات، وفي نظري هذا هو الأصح والأسلم والأصدق، عوض أن نشير لأنفسنا بالبنان ونموقع ذواتنا في خانات مغلقة، عروبية، أو عربية، أو أمازيغية، أو فرنسية، أو عرنسية...، فإن كان هناك في المغرب من يدعي، أنه عربي قح، أو أمازيغي خلص، كيف نتعامل مع الحالات المزدوجة وهي كثيرة، مثل العربي من جهة الأب، والأمازيغي من جهة الأم، والعكس صحيح، علما أن المزاوجة والمصاهرة ظاهرة في المغرب، ضاربة جذورها في القدم بين أكثر من جنس أو شعب، وإن تم ذلك بين جَد (أي أصل) بعيد. فنحن بافتخار ننتمي إلى وطن متنوع ممتد، يبلور التعدد والاختلاف إلى وجهة الازدهار، فالمغرب كان وسيظل أنموذجا يحتذى، باعتباره مركزا لاندماج الحضارات وتماوجها، في تشكيل متناغم، يظهر أن الإنسان بحق يتعاون، ويتكامل، ويتطور، ويتقدم، كما يسمو ويحتوي، هذه القيم التي تدل على إنسانية الإنسان.
وإن سمحتم لي، في الأخير، أن أقول كلمة عن اللغة العربية، كي أكون منسجما مع اقتناعاتي وتصوراتي، فلن أجد أحسن مما قيل عنها، كما ورد في الأثر، فيما معناه، من أحب الله أحب كلامه، ومن أحب كلامه أحب رسوله، ومن أحب رسوله أحب لغته، كما أن شاعر النيل حافظ إبراهيم قال عنها وأوجز، وبلغ المراد حينما قال على لسانها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
علما أنه ليس كل من لبس ثياب الغوص، مؤهل أن يصبح غواصا، يستطيع التقاط درر البحر، وتلمس جمال مرجانه، واستكناه حقيقة مكنوناته، وفهم ممراته ومداخله، لذا كل أطروحة تدعي قصر اللغة العربية وتخلفها، تفرض علينا مليا أن نقف عند خلفياتها ومنطلقاتها، فاللغة بطبيعتها تعتبر تجليا حضاريا، كلما كانت الحضارة قوية لها أسسها المتطورة، إلا وسادت لغتها وامتد نطاق تداوليتها، لذا إن تعثرت لغة ما فالعيب ليس فيها، بل فيما يقدم لها من خدمات، وأبناء اللغة هم خدامها.
فكما أن اللغة هي التي تعبر، فهي تصون وتحتوي، إنها ظاهرة إنسانية كونية تتداولها الأجيال، وكل جيل سيرى الإضافات التي قدمها الجيل الذي سبقه، فهلا كنا خير خلف لخير سلف، حتى نكون خير سلف لخير خلف.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.