بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    تعزيز التعاون القضائي محور مباحثات السيد الداكي مع نائب وزير العدل الصيني    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    يعالج حموضة المعدة ويقي من الاصابة بالسرطان.. تعرف على فوائد زيت الزيتون    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    شركة تنفي استعمال الغاز والتسبب في اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن التعريب واللغات الأخرى
نشر في هسبريس يوم 14 - 01 - 2016

من المؤكد أن موضوع اللغات، وخاصة لغة أو لغات تدريس العلوم والمهن يعد موضوعا شائكا، ليس في المغرب وحده، بل في بلدان أخرى عديدة. ولا شك أن الخوض فيه يحتاج إلى وقت وجهد ومال وتخصص وتفرغ، ويحتاج إلى عمل جماعي، و إلى تسلح معرفي قوي لبناء الأطروحة والدفاع عنها ودحض المغالطات وتصحيح بعض الأخطاء واستشراف المستقبل بخطى أكثر توازنا. ونحن في هذا المقال، نود فقط التذكير ببعض الصعوبات التي تعتري المشهد اللغوي المغربي، خاصة في مجال تدريس العلوم؛ الإشكال الذي لم يحل لحد الآن فحسب، بل لا شيء في الأفق ينم عن التوجه لإيجاد حل له في المستقبل القريب.
و أمر هذا التقصي والبحث في مشكل اللغة لم يعوز المفكرين المغاربة يوما. فمن علال الفاسي إلى المهدي بنبركة ومحمد عابد الجابري ومحمد بلبشير الحسني وعبد العزيز بنعبد الله وأحمد الاخضر غزال والشيخ عبد السلام ياسين والمهدي المنجرة وعلي الكتاني ومحمد بن شريفة وعبد القادر الفاسي الفهري وفؤاد أبوعلي، واللائحة طويلة، كلهم استشعروا (مع رواد الحركة الوطنية) أهمية الحفاظ على اللغة العربية والعمل على تنميتها في كل مجالات الحياة العامة والخاصة. كما استشعروا خطورة الارتباط بالثقافة الفرنسية الأحادية الجانب، وواجب استيعاب الحضارات العالمية عن طريق اللغات الحية الأخرى. غير أن شأن التنظير شيء، وشأن واقع الممارسة بقي شيئا آخر من حيث كونه يحتاج إلى تضحية الباحثين في اللغة و الترجمة من جهة، وإلى المجهود الفعلي والتشجيع المادي للدولة من جهة أخرى.
وفي غياب ذلك الشرطين الأساسين، ظل مشكل التعريب الشامل متراوحا بين الأخذ والرد طيلة عقود، منذ الاستقلال إلى اليوم (بل منذ ما قبل الاستقلال)، إذ لم يكتب لمشروع التعريب أي نجاح رغم النداءات والتوصيات المتعددة. فبالنظر إلى أهمية التدريس باللغة الوطنية (والتي ينص عليها الدستور)، نادت بالتعريب كل من اللجنة العليا لإصلاح التعليم سنة 1957، ولجنة الدراسات والبحوث حول التعريب سنة 1960، ومكتب تنسيق التعريب 1961، والمناظرة الوطنية حول التعليم بالمعمورة سنة 1964، وبيان عن علماء ومثقفي المغرب الذي وقعته 493 شخصية سنة 1970، وتأكيد وزير التعليم عز الدين العراقي على خطورة الازدواجية اللغوية ودعوته إلى التعريب سنة 1977، ثم اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم التي أنشئت سنة 1994.
وعن اللجنة الوطنية المذكورة، والتي تكونت من برلمانيين وممثلي الإدارات التعليمية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والنقابية، قدمت إثر انتهاء أشغالها تقريرا مفصلا في يونيو 1995 أوصت فيه بترسيخ القيم الروحية للإسلام وتعميم التعليم وإقرار إلزاميته للفئة العمرية من ست إلى ستة عشر سنة، وإقرار المجانية، واعتبار اللغة العربية محورا أساسيا للتعليم، وضرورة محو الأمية، وتوحيد التعليم وتعريب المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. لكن في غشت من نفس السنة، تم رفض نتائج اللجنة ولم يعرها الحسن الثاني أي اهتمام، وبالتالي تم إقبار المشروع.
وبعد هذا تأسست سنة 1999 لجنة مكونة من 34 عضوا برئاسة المستشار الملكي عبد العزيز مزيان بلفقيه وانتهت بإصدار "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" الذي لقيت مواده استحسانا من قبل كل الهيئات. ودعا هذا الميثاق إلى "تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها وإتقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية". كما نص على أنه "يستلزم الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية..." ونص أيضا على إحداث أكاديمية للغة العربية. الشيء الذي أدى إلى الإعلان عن إحداث "أكاديمية محمد السادس للغة العربية" بموجب مرسوم ملكي صادر في 30/08/ 2002، وتناقلته وسائل الإعلام. لكن المرسوم ظل غير مفعل لحد الآن رغم مرور أزيد من عقد من الزمن عن صدوره. كما أن شعب تدريس العلوم بالعربية في الجامعات المغربية لم تر النور.
وعلى مستوى العالم العربي، نادت بالتعريب كل الندوات ومجمعات اللغة العربية والمؤتمرات العلمية التي عقدت في عدة عواصم: الرباط، الجزائر، طرابلس، الخرطوم، عمان، دمشق... منذ ستينات القرن الماضي إلى اليوم. وكلها انتهت إلى أن مشكلة تعريب العلوم والبحث العلمي في الوطن العربي تعاني من غياب القرار السياسي لدى الحكومات المعنية. وبقيت سوريا البلد الوحيد الذي يوفر تدريس العلوم في جامعاتها باللغة العربية. لكن هناك من حَكم على تلك التجربة بنوع من الفشل نظرا لتسارع وثيرة المستجدات العلمية في الدول المتقدمة وبطء حركة الترجمة والمواكبة، و يبدو أمر هذا الفشل طبيعيا مادامت دول عربية أخرى ذات كثافة سكانية أكبر لم تنخرط في التجربة لدعمها وتحقيق التراكم العلمي المنشود.
غير أن ما يدعو للأسف المذهل، هو حين تقرأ في بعض المقالات أو تسمع لبعض التعليقات لمن ينتقد التعريب معتبرا إياه "عملية مقصودة لمحاربة الطبقات الشعبية في التمكن من العلوم". ينتقدون التعريب ولو في غياب تفعيله ونجاحه. وحين يفهم بعض الأمازيغ مسألة التعريب على أنها محاولة طمس الهوية الشعبية المغربية من طرف القوميين "العروبيين"، بل منهم من ذهب إلى قراءة كل الوثائق المطالبة بالتعريب ضد الهيمنة الفرنسية على أنها وثائق هدفها استعداء الأمازيغية وتهميشها، وتلك في نظرنا هي أبشع القراءات إما الساذجة أو المغرضة. إذ كيف يعقل اتهام مفكرين من كل الشرائح الاجتماعية ومن كل الأطياف المغربية بمحاولة طمس هويتهم هم بأنفسهم ؟ فحتى إن لم يأخذوا بعض المعطيات بالحسبان فمن العدل أن نذكرهم بها، لا أن نتهجم عليهم ونجرمهم.
صحيح أن الأمازيغية تعرضت لإقصاء عنيف طيلة أجيال وقرون، وحدثت أحيانا تجاوزات مشينة من قبيل تغيير أسماء الأماكن والمدن وغيرها، لكن هذا كان يتم حتى من طرف الأمازيغ أنفسهم، ما دمنا نعرف أن 80% من المغاربة أمازيغ. فالأمازيغية ظلت تعوزها حروف الكتابة من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن لدى الأمازيغ أي حرج في تقبل الانتماء إلى الحضارة العربية التي انصهرت فيها قوميات مختلفة كالأكراد والترك والأرمن والشام والفرس ومصر واليمن والأفارقة ... فالعربي ليس بالضرورة هو من ينتمي إلى إحدى القبائل القادمة من الجزيرة العربية، وجل التعارف تؤكد على أن ما يجمع بين العرب هو اللغة والدين والثقافة وليس العرق. وكلنا نعلم أنه قبل الاستعمار كان المغاربة يتعلمون في الكُتّاب ما يتعلمونه على قلته وبساطته بالعربية، أكانوا في الأطلس أم سوس أم الريف. والأجدر القول إن الأمازيغ تعرضوا للتنكيل والتخريب المادي فيما بينهم (الصراعات القبلية)، وفيما بينهم والسلطات الحاكمة عبر عصور، أكثر من تعرضهم للطمس اللغوي والرمزي.
وحين يعتبر آخرون أن العربية غير صالحة للعلوم وأنها لغة "ميتة"، أو يعتبرها آخرون منتجة للتطرف، وفريق يرى بأنها لغة مقدسة يجب تركها كما هي ومن ثم الابتعاد عن استعمالها اليومي ، وآخرون يرون بضرورة الابتعاد عن كل ما أتى من "المشرق" مستحضرين "خصوصياتنا كمغاربة"... ناسين أن من بين الأهداف التي سطرتها جامعة الدول العربية (التي تأسست سنة 1945) هو تحرير البلاد العربية غير المستقلة والتي من ضمنها شمال أفريقيا، و ناسين أن أول مكتب لتحرير شمال أفريقيا تأسس بمصر سنة 1947...
إذن، من الواجب الوعي بأن كل من يدعو إلى إعادة النظر في السياسة اللغوية المتبعة بالمغرب، لا ينطلق في ذلك لا من شوفينية (غلو في الوطنية) ولا من عنصرية أو كراهية، بل يفعله بدافع الغيرة على الوطن والأجيال. فمن ناحية الأمازيغية، كلنا أمازيغ ( بفعل الميلاد والموطن). ومن ناحية الفرنسية، كلنا مفرنسين ( بفعل المدرسة). ولا ننسى أن جل رواد الحركة الوطنية كانوا فرنسيي التكوين، وأن كل المطالبين بإعادة النظر في التخطيط اللغوي كانت دائما بينهم شخصيات ذات تكوين فرنكفوني عالي كمفتشين وأساتذة جامعيين في الآداب الفرنسية. فمن بين الموقعين مثلا على بيان 23 ماي 1970 نجد محمد برادة مدير جريدة لوبنيون الفرنكفونية، ومفتشون في التعليم وجامعيون وأطباء ومهندسون وغيرهم. فهذا المطلب ليس من ورائه ابتغاء أي امتياز أو منفعة شخصية آنية.
ومن منتقدي التعريب ، نجد أيضا من يرى نوعا من "التناقض" و التحايل على أبناء الشعب في كون أن البعض ظل ينادي بالتعريب بينما استمر في تدريس أبنائه في مدارس البعثة الفرنسية أو خارج المغرب كي يحصلوا على تعليم جيد ويحرزوا على مناصب راقية داخل أجهزة الدولة أو في القطاع الخاص. بينما نرى أن الأمر في الواقع ليس فيه أي تناقض بالضرورة. إذ يبدو من الطبيعي جدا أن يبحث المنادون بالتعريب عن مصالح لهم طالما لم يجدوا من الجهات الرسمية من يعمل على تحقيق مطالبهم. فالقاعدة إما أن ندرس جميعا بالعربية وإما أن تشرع الأبواب لحرية التدافع. أما ذلك "التناقض" المزعوم فهو ناجم بالأساس عن سوء الفهم. حيث أن خطاب التعريب كان دائما ولا يزال موجها إلى الدولة، فهي المعنية بتأسيس أكاديميات لغوية، وتخصيص ميزانيات كافية للترجمة والبحث العلمي. وهي المعنية بإصدار قرار سياسي والعمل على احترامه وتنفيذه. بينما المطلعون عن تلك الخطابات راحوا يتهمون كل مدافع عن التعريب – الذين هم ليسوا في مراكز القرار ولا سلطة لهم - بالتحايل عليهم لما رأوا أن المطلب لم يتحقق...
إن كان هذا فيما يخص أهمية التعريب واللغة العربية باعتبارها لغة دستورية ولغة كل المغاربة ونشترك فيها مع بلدان الشرق الأوسط، إلى جانب الأمازيغية التي نشترك فيها مع جيراننا في شمال أفريقيا، فماذا عن اللغات الأجنبية ؟
بخصوص اللغات الأجنبية، نجد أن كل الباحثين متفقين على ضرورة تعلمها وأنه لا تفريط في وجوب إتقانها. فبدونها لن تكون هناك أية ترجمة أو أية نهضة حضارية أصلا، باعتبار أن أوربا والدول المتقدمة الأخرى قد تجاوزتنا بكثير، فلن نقوم بأية خطوة إلى الأمام ما لم نطلع على علومهم في لغاتهم الأصلية أو لم نعمل على ترجمتها إلى لغاتنا المحلية. لكن الغير المتفق عليه، هو توريط المغاربة قاطبة في لغة أجنبية واحدة وأحادية وهي الفرنسية، أي الذوبان في الثقافة الفرنكفونية والعمل على هيمنتها دون تعليل ودون وجه حق. ومن المغاربة من يضن أنه بصدد الظفر بصيد ثمين عندما يتعلم الفرنسية، بينما هي في الواقع لغة لا ترقى عن الإيطالية والألمانية والإسبانية والروسية والبرتغالية وغيرها، وكلها لغات أضحت اليوم متجاوزة بكثير من طرف الأنجليزية في مجال المعرفة والبحث العلمي. فلو ظفرنا بالأنجليزية لكان الأمر أفضل يالنظر إلى الزخم المعرفي والعلمي الذي يتم تبادله عبرها في كل دول العالم. وهذا بشهادة كل الباحثين الميدانيين، والمتتبعين المتخصصين.
إن الإبقاء على التشبث بالفرنسية في المغرب اليوم، يعد من سمات التخلف والبلادة. فكل الدول متفقة على التدريس باللغة الوطنية، والتواصل اليومي والإعلام باللغة أو اللغات الوطنية، أما البحث العلمي والتبادل العلمي والمعرفي فيتمان باللغة الأنجليزية. وهذا الأمر أصبح اليوم مسلما به حتى أنه لم يعد يحتاج لأي استدلال أونقاش.
وكما قال الصحافي عبد الله الدامون في إحدى مقالاته بجريدة "المساء" : "المغرب بلد سيء الحظ حتى في سوء حظه، لذلك عوض الخضوع للاستعمار الفرنسي، كان الأقل سوءا هو الخضوع للاستعمار الألماني أو البريطاني، لأنه اليوم، وبعد كل هذه السنوات على خروج الاستعمار المباشر، لا يزال المغرب غارقا في التبعية اللغوية والفكرية لفرنسا، هذه البلاد التي لم نأخذ منها شيئا، لا تكنلوجيا ولا علوما ولا منهجا، بل أخذنا منها لغة تحتضر، ونحن نكافح، أكثر من الفرنسيين أنفسهم، حتى نمنع لغتهم من الموت، ونفعل المستحيل لكي ندفع بلغتنا الرسمية نحو الانتحار.. شنقا." أو كما قال المهدي المنجرة : "أنا لست ضد الفرنسية، ولكن عندما تصبح اللغة تباع وتشترى، وعندما تصبح مؤتمرات الفرنكفونية وصية على عمليات من هذا النوع، فالأمر يستدعي وقفة تأمل...". ومن الملاحظ أن أغلب اللقاءات "الثقافية" أو حتى التي تسمى "علمية" بين الفرنسيين والأفارقة، هي لقاءات تتم بالأساس من أجل هدف واحد : بيع المنتوج اللغوي الفرنكفوني، والعمل على إبقاء جذوة الفرنسية متقدة، لا غير.
وبالنسبة للكاتب الجزائري كاتب ياسين فقد رأى بأن اللغة الفرنسية "غنيمة حرب بالنسبة للجزائريين"، وأنهم أبقوا عليها عن محض إرادتهم ولا تشكل أي تبعية للأجنبي، (والجزائر غير منتمية لمنظمة الدول الفرنكفونية). لكن نلاحظ أن هذه "الغنيمة" راحت تستقوي في شمال أفريقيا ولا يستقوى عليها، وبالتالي تحولت إلى لغم وإلى كابوس لا ينتهي، وبدون أي وجه حق.
صحيح أن أول لقاء للمغاربة بعلوم العصر يعود فيه الفضل إلى فرنسا وإلى اللغة الفرنسية وشيئا ما إلى اسبانيا. فكل مطلع على تاريخ المغرب يكتشف مدى الجهل والتخلف اللذان ظل يقبع تحتهما المغاربة حتى متم القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فكل العلوم المتداولة اليوم لم تكن موجودة البتة، باستثناء بعض العلوم الدينية التي ظلت القرويين تباشرها بطريقة أقل من تقليدية. وحتى على مستوى خط الكتابة، يتساءل المرء هل أولائك الفقهاء كانوا يكتبون لنفسهم أم لغيرهم لاستعصاء قراءة تلك الخربشة، مما جعل بعض المستشرقين (علي باي العباسي) يقول بأن بعض ما يكتبه الطالب المغربي لايستطيع إعادة قراءته حتى ذلك الطالب نفسه. وحتى البعثات الطلابية التي أرسلت إلى أوربا إبان حكم محمد الرابع والحسن الأول لم نجد لها أثر (يقدر المؤرخون عدد تلك البعثات مجتمعة ب 350 شخصا). وبقي المغاربة لا يحسنون أي شيء عدا الهجوم بعضهم على بعض، حيث القوي يأكل الضعيف وكأننا بإحدى السفانا المدارية.
إذن ، بالإضافة إلى نوع من الانفتاح العلمي، أتت الدولتان الاستعماريتان بالبنية التحتية الطرقية ووسائل المواصلات والسلم الاجتماعي والمهن الجديدة و التنظيم الإداري والتمهيد لدولة المؤسسات.... وتلك كلها أمور لا ينكرها أحد. لكن الاستعمار يبقى استعمارا طبعا. والآن قد مر عليه دهر من الزمن. وفتح المغاربة أعينهم على العالم من حولهم. وكان الأجدر للمغاربة التخلص من هذه اللغة الأجنبية التي لم تعد تجدي نفعا، رغم تورطهم فيها بالجملة.
يجد المغاربة (ومعهم دول شمال أفريقيا) صعوبة جمة في الإقلاع عن جائحة الفرنسية بحكم تغلغلها في جل الميادين الفنية والثقافية والاقتصادية ، لكن حين ترى أن الفرنسيين أنفسهم يتعلمون اللغة الأنجليزية بنسبة مائة في المائة كلغة أجنبية أولى في مدارسهم، وحين ترى علماءهم يقومون بأبحاثهم المتخصصة بالانجليزية، وأن حاصليهم على جوائز عالمية يُدرسون مواد تخصصهم أيضا بلغة شكسبير ك:سدريك فيلاني Cédric Villani الحاصل على ميدالية "فييلدس" للرياضيات، فإن ذلك يدعو حتما بالنسبة لنا إلى أكثر من تساؤل. الشيء الذي جعل وزير التعليم العالي لحسن الداودي يؤكد في أكثر من مناسبة بالإسراع في تبني الأنجليزية، إن أردنا فعلا أن نتموقع في عالم اليوم.
و في حوار مع اللسانية الفرنسية المرموقة كولط جرنفالد Colette Grinvald حول مستقبل اللغات، قالت: عند نهاية القرن الواحد والعشرين سيندثر نصف عدد اللغات المستعملة حاليا (حوالي 6000 لغة عبر العالم). إذ أن عولمة الاقتصاد يؤدي إلى الهجرة القروية للأهالي. يندمجون في المدن ولا يستطيعون مواصلة تقاليدهم ولغاتهم. ففي أمريكا مثلا، يعرف الآباء أن استعمال اللغات الأصلية للهنود الحمر يعتبر بمثابة عائق لإيجاد عمل. وأشارت إلى أن اللغات المهيمنة في المستقبل تأتي الأنجليزية في المرتبة الأولى والإسبانية والعربية ثم لغات آسيا مثل الصينية والهندية. وفي أفريقيا فإن السواحيلية والولوف تلتهمان اللغات الجهوية الأخرى. ولدى سؤال هل ستكون ثمة لغة عالمية، أجابت من المحتمل ستبقى الأنجليزية.
أبعد كل هذا ألا يمكن التأكيد بأن مستقبل العلم والتعليم في المغرب هو للعربية والانجليزية ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.