الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    الوزير التهراوي يوضح: ما أوقفته هو "طلبات" مصحات خاصة كانت بصدد الحصول على الدعم            بالصور.. مناورات جوية مغربية- فرنسية بالمنطقة الشرقية للمغرب    جيل Z في مواجهة صمت إدريس لشكر: دروس من 20 فبراير    "جيل Z" يحتج لليوم العاشر بالرباط    تطوان تكرم رموز العطاء التربوي في اليوم العالمي للمدرس    أداء بورصة البيضاء يسجل الارتفاع    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    قناة RTL Info البلجيكية: الاتحاد الأوروبي يدمج رسمياً الصحراء المغربية في اتفاقاته التجارية مع المغرب    برلماني "البام" التويمي بنجلون يسحب استقالته من مجلس النواب بعد ضغط من حزبه    استقالة رئيس الحكومة الفرنسية بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه تعمّق الأزمة السياسية بفرنسا    التهراوي: إصلاح الصحة يبدأ من البنية التحتية... ومستشفيات جامعية جديدة في كل جهة        وزارة الصحة تحيل ملف وفيات بمستشفى أكادير على القضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        الكوكايين يُطيح بسيدة من طنجة في مطار أبوظبي بالإمارات        دار الشعر بمراكش تنظم الدورة السابعة لمهرجان الشعر المغربي            "الأشبال" أمام كوريا في ثمن "المونديال"    نادية صبري مديرة جديدة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الدوري الإسباني.. الزلزولي يقود بيتيس للفوز على إسبانيول    جدول أعمال مجلس الحكومة الخميس    98 منظمة حول العالم تطالب بالإفراج عن نشطاء أسطول الصمود.. ودعوات لتدخل رسمي من أجل حماية عزيز غالي    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    منتخب U17 يستعد للمونديال في السنغال    غالي وبنضراوي واعماجو: سفراء مغاربة للضمير الإنساني.. تحرك يا بوريطة    المغرب ضمن أكثر عشر دول استقطابا للاستثمارات الأجنبية في إفريقيا    في ختام تصفيات إفريقيا.. 7 منتخبات على أعتاب حسم التأهل إلى كأس العالم    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب    ‬"القوى التقدمية المغربية" تطلق مُشاورات موسعة قبل محطة "الجبهة الشعبية"        منح جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في مجال التحكم في الجهاز المناعي    ضحايا زلزال الحوز يخرجون مجددا للاحتجاج ويتهمون الحكومة بتجاهل معاناتهم منذ عامين    مصيبة.. جماعة الرباط تعتزم تفويت بقعة أرضية كانت مخصصة لبناء دار للشباب ودار للنساء لفائدة البنك الدولي    توقيع اتفاقية بين الجامعة الملكية المغربية والاتحاد الكوري للتايكواندو    12 عرضا مسرحيا من 10 دول في الدورة الثالثة لمهرجان "جسد" بالرباط    حين تنحسر حرية التعبير... يسهل قلب المفاهيم    الذهب يتجاوز 3900 دولار للأوقية    مدرب آيندهوفن: "أنس صلاح الدين لاعب ممتاز ويقدم أداءً رائعا"    من أصول مغربية.. نعيمة موتشو تتولى وزارة التحول والوظيفة العمومية في فرنسا    الصين تفعل استجابة طارئة بعد اجتياح الإعصار "ماتمو" لمقاطعتين جنوبيتين    التصعيد ‬يشتد ‬بين ‬الصيادلة.. ‬ الكونفدرالية ‬تهدد ‬الفيدرالية ‬باللجوء ‬للقضاء ‬        عملية إطلاق نار في سيدني تسفر عن سقوط 20 جريحاً            العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث مغربي: هذه ملاحظات حول تركيبة المجلس الأعلى للأمن
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2016

تقدم الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، الكثير من الأجوبة عن تحولات إنتاج السياسات العمومية الأمنية في المغرب، في محاولة بناء نموذج لهذه السياسات. فبالإضافة إلى إعادة صياغة النص الدستوري لمفهوم السلطة، من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتوسيع دائرة الرقابة البرلمانية على السياسات العمومية وجعل رئيس السلطة التنفيذية مسؤولا وفاعلا في الاختيارات العمومية الأمنية، نحى المشرع الدستوري في اتجاه مأسسة صناعة السياسات العمومية الأمنية، بموجب مقتضى الفصل 54 من الدستور، الذي يحدث "المجلس الأعلى للأمن" بصفته جهازا يرسم السياسات الأمنية ويراقب ويشرف على تنفيذها.
فكرة المجلس الأعلى الأمن، تحيل على تجربة مجلس الأمن الداخلي في النموذج الفرنسي، فالأخير استخدم مفهوم الأمن الداخلي، للتعبير عن سياسة عمومية ما، بخلاف مصطلح "الأمن" الذي يأخذ أبعادا أكثر شمولية ذو طبيعة عملياتية إجرائية. وبرز المفهوم لأول مرة في فرنسا سنة 1989 بإحداث معهد الدراسات العليا للأمن الداخلي، كمؤسسة تابعة لوزارة الداخلية مهمتها تكوين مسؤولين لفائدة المؤسسات الأمنية الفرنسية، وتطوير البحث العلمي والمهني في المجال الأمني.
وقد جاء إحداث "مجلس الأمن الداخلي" كجهاز يجمع بين مختلف المتدخلين الحكوميين في المجال الأمني. الفكرة سعت من ورائها الحكومة الفرنسية إلى "تكريس وظيفة الأمن، كمجال للسلطة الحكومية، تتقاسمه مع باقي المعنيين بالقطاع من داخل مؤسسات السلطة التنفيذية، ممثلين في وزارة العدل (قطاع السجون) ووزارة الداخلية (إدارة الأمن) والدفاع (الدرك) ووزارة المالية والاقتصاد (إدارة الجمارك)، حيث يجتمع المجلس تحت إشراف الوزير الأول.
في التجربة المغربية، تتقاطع في تجربة مأسسة السياسات الأمنية، في شكل مجلس أعلى للأمن، شروط وطنية وأخرى خارجية. فوضع هذه الهيأة العليا يستجيب لتوصيات متعلقة بإصلاحات قانونية ومؤسساتية عاجلة. ما يجعل الفكرة جوابا على تسويات متوازية لماضي الانتهاكات الجسيمة، انطلقت بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة التي أوصت بتطوير سياسات عمومية مبنية على إشراك الفاعلين والسياسيين والمدنيين والمؤسسات الوطنية والخبرة والبحث العلمي، مع التركيز على المسؤولية والشفافية وعلى التكامل والاستقرار الاجتماعي، وإدراج ترشيد الحكامة الأمنية ضمن مسار إصلاحي تدريجي.
عندما نراجع نص الفصل الرابع والخمسون المنظم لهيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للأمن، نجد أن المشرع يضع من خلال ترتيب فقراته معالم جهاز وصي على مأسسة السياسات العمومية الأمنية. ووفق المقتضى الدستوري "يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيأة للتشاور بشأن استراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.
ويضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسيير.
إن تفكيك تفكيك الفقرة الأولى من المادة 54 من دستور المملكة، نجد أنها تحدد سلطة المجلس الأعلى للأمن، في التشاور وتدبير حالات الأزمات ومأسسة ضوابط الحكامة الأمنية، ما يعني أن هذا المقتضى الدستوري جاء ليقدم أجوبة عن هواجس حاضرة، بشكل مسبق، في ذهن صناع القرار الأمني بالمغرب.
بالعودة إلى الفصل 54، يمكن أن نسجل ملاحظتين أساسيتين حول الفكرة المجلس الأعلى للأمن. الملاحظة الأولى تكمن في كون وجود سياسيين حزبيين، من خلال تمثيلية رئيسي مجلسي البرلمان، يثير مخاوف بشأن تأثر قرارات المجلس الأمني بالتمثلات السياسية لهؤلاء ومواقفهم الحزبية المسبقة التي تخضع لقراءات تتحكم فيها الهوية الإيديولوجية، لأن الحياد يشكل قاعدة لقطاع الأمن في التجربة المغربية، ولعل نجاعة السياسات الأمنية مردها بالأساس إلى استقلالية القرار الأمني في المغربي عن القرار السياسي، وبقائه على مسافة موضوعية مع كافة الفاعلين الحزبيين و"البوليميك" التي صاحب عادة خطابات هذه الفئات.
من جهة الفاعلين دائما، نلاحظ في تشكيلة المجلس الأعلى للأمن، الحضور المكثف للمؤسسة الأمنية، من إدارة الدفاع ووزارة الداخلية والإدارات الأمنية وضباط سامين، لكن بالمقابل، تغيب تمثيلية لوزارة المالية، عكس ما جاء في تجربة المجلس الأعلى للأمن في فرنسا.
وهنا جوهر الملاحظة الثانية، ذلك أن غياب تمثيلية لوزارة المالية والاقتصاد داخل تركيبة المجلس الأعلى للأمن، يطرح علامات استفهام بشأن اقتصار التشكيلة داخل هذه المؤسسة الدستورية، على قطاعات الأمن وكل شخصية يعتبر حضورها مفيدا للمجلس، فتغييب وزارة المالية والاقتصاد (قطاع الجمارك) قائم بنص الدستور رغم التكامل القائم بين الأمن الاقتصادي والأمن الداخلي، وهو تكامل يجد مبرراته في بعض التشريعات الأمنية، التي تجمع بين تجفيف منابع تمويل الإرهاب والحرب ضد هذه الجريمة، كما أن حضور وزارة المالية والاقتصاد في تشكيلة المجلس تفرضها معطيات موضوعية، فقطاع الجمارك كهيأة مكلفة بحماية الأمن الاقتصادي للمملكة، سيكون وجودها في تشكيلة المجلس مفيدا، ولعله الخلل الذي سيتداركه القانون التنظيمي المنظم للمجلس الأعلى للأمن.
إن النموذج الجديد للسياسات الأمنية، كما يعرض إليه دستور 2011، من شأنه أن يشكل مدخلا نحو اعتماد مقاربات أمنية وقائية أكثر منها زجرية، بالاستناد إلى سياسات عمومية تساهم في تقوية مسار ترشيد الممارسة الأمنية. غير أن هذا الإصلاح المؤسساتي للسياسات الأمنية، لا يمكن أن يتم في معزل عن سياسة جنائية قادرة على مواكبة الإصلاح الأمني وتحصينه بالضمانات القانونية.
لا شك أن تطور فكرة السياسات العمومية الأمنية، في التجارب المقارنة، أنتج تصورات مختلفة تشترك في تعزيز مأسسة الإنتاج المشترك للسياسات الأمنية، إلا أن محاولة تنزيل هذا النموذج في التربة المغربية، يصطدم بعدة إشكاليات تاريخية ومؤسساتية. ورغم الأجوبة التي تقدمها الوثيقة الدستورية الجديدة للدفع نحو مأسسة السياسات الأمنية، فإن تنازع المشروعية بين الإداري (قطاع الأمن) والسياسي (الفاعل الحزبي)، قد تؤثر في بلورة فكرة المأسسة.
* باحث في العلوم الأمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.