3- إشكالية التواصل العاطفي في المجال اللغوي: من الواضح أن الأطفال في سن الطفولة المبكرة تختلف لغتهم عن لغة الراشدين ، إذ أنها تتميز بلغات مختلفة، وتدل معايير النمو على أن الطفل العادي يستطيع أن يتخلص تماما من العيوب اللغوية فيما بين الرابعة والسادسة، وإذا لم يتخلص منها في هذه السن كان مضطربا في كلامه، و الجانب اللغوي هو من أبرز الجوانب التي يظهر فيها الخلل على مستوى التواصل ،حيث تعتبر اللغة وسيلة هامة للتوافق الاجتماعي، وطلاقة اللسان من مستلزمات الشخصية الناضجة ولكن قد تمنع هذه الطلاقة ذلك الاضطراب الذي يصيب اللغة والكلام من حيث النطق أو الكلام أو الصوت، فنصبح نتحدث عن عجز او مشكل في التواصل اللغوي، ويعرف الكلام "بأنه الاتصال اللفظي أو هو التداخل العصبي العضلي لإصدار الوحدات اللفظية، ويعرف اضطراب الكلام بأن الكلام يكون غير سوي عندما ينحرف كثيراً عن كلام الآخرين بدرجة تستلفت الانتباه ويعوق الاتصال أو يسبب حالة من الضيق للمتحدث أو المستمع"1، ويضطرب الكلام عندما يكون غير نحوي أي غير متناسق مع القواعد النحوية من حيث استخدام الضمائر والأفعال والتمييز الجنسي للكلمات أو غير مفهوم، أو سريع أو غير مرضي لما يحتاج إليه الشخص2، ويقصد باضطراب اللغة: صعوبة في إنتاج أو استقبال الوحدات اللغوية بغض النظر عن البيئة التي قد تتراوح في مداها من الغياب الكلي للكلام إلى الوجود المتباين في انتاج النحو واللغة المفيدة، ولكن بمحتوى قليل ومفردات قليلة وتكوين لفظي محدد وحذف الأدوات، وأحرف الجر وإشارات الجمع والظروف3، ويعرف أيضاً بأنه أي خلل أو اضطراب داخلي في أي مكون من مكونات اللغة (المحتوى، الشكل، الاستخدام) أو في التفاعل بين هذه المكونات4، كما يعرف اضطراب اللغة بأنه الاخفاق في فهم أو قول رموز اللغة في المجتمع في السن الطبيعي5. ويصنف أنسي محمد اضطراب اللغة إلى أربعة أشكال6: - اضطرابات لغوية دماغية ويحدث النقص في إنتاج أو فهم اللغة مثل حالات الأفازيا (Aphasia) - الاضطرابات اللغوية اللفظية مع سلامة القدرات العقلية كما في التلعثم (Stuttering) - حالات فقدان الصوت الناتجة عن أمراض الحنجرة أو أعصابها مما يؤدي إلى صعوبة الصوت (Voice problems) - اضطرابات كلامية تحدث في الأمراض التي تصيب تكامل الوظائف العليا مثل حالات العته. وقد ذكر الثعالبي أهم المشاكل المرتبطة بهذا الاضطراب اللغوي7: الرنة : حبسة في اللسان ، وعجلة في الكلام. اللكنة، الحكلة : عقدة في اللسان وعجمة في الكلام. الهتهتة، والهثهثة : حكاية صوت الغبي والألكن النافاة : أن يتردد في الناء التمتمة : أن يتردد في التاء اللفف : أن يكون في اللسان ثقل وانعقاد الليغ : أن لايبين الكلام اللجلجة : أن يكون فيه عي وإدخال بعض الكلام في بعضه، "فهي احتباس في الكلام يعقبه انفجار للكلمة بين شفتي الطفل مضطربة بعد معاناة تتمثل في حركات ارتعاشية ، وتعتبر طبيعية من عمر 2 إلى 5 سنوات بعد ذلك يحتاج لبرنامج علاجي نفسي وكلامي، وأشكال هذا الاضطراب أن يكرر الحرف عدة مرات مثال (محمد) م م م م م محمد ، أو التوقف المفاجئ والطويل قبل نطق الحرف أو الكلمة ثم نطقها دفعة واحدة ، أو إطالة النطق بالحرف قبل نطق الذي يليه، وتعود أسبابه في الغالب لمرحلة الطفولة المبكرة حيث يتأثر الطفل سلبا من الرعاية الزائدة أو الحرمان العاطفي وتضارب أساليب التربية والشقاء العائلي وكثرة المخاوف والسخرية التي تعرض لها الطفل. الحذف : يحذف الطفل صوتا من الأصوات التي تتضمنها الكلمة ثم ينطق جزء فقط ، وقد يشمل الحذف أصواتا متعددة وبشكل ثابت فيصبح كلام الطفل في هذه الحالة غير مفهوم على الإطلاق"8. الإبدال أو اللثغة : حيث يتم إصدار صوت غير مناسب بدلا من الصوت المرغوب فيه كاستبدال (س) بحرف (ش) أو (ث)، وهو أكثر شيوعا في كلام الأطفال صغار السن وبين عيوب النطق النمائية، ومرد ذلك عامل التقليد أو وجود تشوهات في الفم والأسنان بسبب عوامل نفسية أو اجتماعية . التحريف : يصدر الصوت بطريقة خاطئة ، إلا أن الصوت الجديد يظل قريبا من الصوت المرغوب فيه. الإضافة : ينطق الطفل الكلمة مع زيادة صوت ما إلى النطق الصحيح وهي أقل العيوب انتشارا. التأتأة : وهي عدم الطلاقة في سيولة الكلام بشكل يلفت النظر، مما يعيق التحدث مع الآخرين والمتأتأ يكرر حرفا أو مقطعا بشكل لا إرادي ، مصحوبا باضطراب في التنفس وحركات غريبة في اللسان مما يسبب له الخجل والارتباك والعزلة، وهي لدى الذكور أكثر من الإناث. السرعة الزائدة في الكلام : يكون الكلام مضغوطا يتعذر على المستمع فهم ما يقال لعدم وجود تناسق بين الناحية العقلية والناحية اللفظية ، ويكون العلاج بتنظيم عملية التفكير لدى المريض بعرض صورة أمامه وعليه أن يراعي الترتيب المنطقي أثناء عرضه للحوادث الواردة فيها. تأخر الكلام : يدخل عامل الوراثة والقدرة العقلية والسمعية وطبيعة العائلة وعامل الجنس دورا في تأخر الكلام، فالبنات أكثر تقدما في عملية الكلام بسبب وفرة الوقت الذي تقضيه البنت بجانب أمها من الذكور الذين ينصرفون للعب. الحبسة : تتأثر بعض مراكز الدماغ نتيجة التعرض للحوادث أو انسداد شرايين الدماغ مما يؤدي إلى ما يعرف بالحبسة، وتتجلى بفقد القدرة على التعبير بالكلام أو الكتابة أو عدم القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوق بها أو عدم القدرة على إيجاد الأسماء ومراعاة القواعد النحوية ، ومن أنواعها: الحبسة اللفظية والحسية والنسيانية والكلية. عسر الكلام : عدم التحكم بإنتاج الكلام بشكل إرادي نتيجة عدم القدرة على التنسيق بين الجهاز العصبي والعضلي، مثل حالات الشلل الدماغي حيث يجب تدريب مستمر لأعضاء النطق التي يصعب تحريكها بالاستعانة بأخصائي التنفس والعلاج الطبيعي، وفي بعض الحالات يصعب الوصول إلى نتيجة مرضية فنلجأ إلى وسائل التواصل البديلة كالإشارات. الخمخمة : وهو خروج الكلام من الأنف بصورة مشوهة غير مألوفة، فينطق حرف (الميم) باء أو دال ، بسبب وجود فجوة في سقف الحلق أو سد فتحات الأنف9. ويمكن تقسيم اضطراب الكلام إلى قسمين حسب الأسباب: عيوب ترجع العلة إلى أسباب عضوية إما في الجهاز الكلامي أو الجهاز السمعي، كالتلف أو التشوه أو سوء التركيب في أي عضو من أعضاء أحد الجهازين، أو النقص في القدرة الفطرية العامة (الذكاء)، وعيوب ترجع العلة إلى أسباب وظيفية وفيها لا يشكو المريض من نقص عضوي ولكنه لا يستطيع التعبير أو أن قدرته على التعبير ضعيفة10. ويعتقد أصحاب مدرسة التحليل النفسي أن عيوب الكلام ذات أساس نفسي ويمكن تلخيص هذا الأساس بما يلي:التوتر الانفعالي والعصبية، حدة مشاعر الطفل وزيادة قلقه، رغبته في جلب انتباه أفراد العائلة، شعوره بالخيبة والحرمان، معاملة الوالدين للطفل بقسوة، كثرة التأنيب والعقاب أثناء محاولته الحديث عما يجول في خاطره، توقع العقاب نتيجة الخوف والقلق ممن حوله، الخلافات العائلية بين الاب والام على وجه الخصوص، عدم إفساح المجال للطفل للمشاركة في الحديث ومقاطعته بأسلوب عنيف11. ومن الضروري أن يبدأ في علاج كل هذه الاضطرابات في النطق والكلام لدى الطفل قبل أن يصل المدرسة لأن اكتساب اللغة عادة يتم على مدار الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل ومن بين الطرق المستخدمة في العلاج: العلاج الجسمي: التأكد من أن المريض لا يعاني من أسباب عضوية خصوصا النواحي التكوينية والجسمية في الجهاز العصبي وأجهزة السمع لأن السمع هو أول خطوات اكتساب اللغة . العلاج النفسي: ويكون بتقليل التوتر النفسي للطفل وتنمية شخصيته ووضع حد لخجله، ومعرفة الصعوبات التي يعاني منها والعمل على معالجتها. العلاج الكلامي: وهو علاج مكمل للعلاج النفسي ويجب أن يلازمه، وهو أسلوب للتدريب على النطق الصحيح عبر جلسات متعددة عن طريق أخصائي علاج النطق ويتم التدريب عن طريق: تقليد الكلمات، الاسترخاء الكلامي، تمرينات الكلام الإيقاعي ، تدريب جهاز النطق والسمع ... العلاج البيئي: إدماج الطفل في نشاطات اجتماعية ورياضية وفنية وجعله يلعب مع أطفال آخرين حتى يتدرب على الأخذ والعطاء ويتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمية الشخصية12. 1 - اللغة والتواصل لدى الطفل، أنسي محمد أحمد قاسم: مركز الإسكندرية للكتاب، 2005، ص 25 2 - William H.Perkins: Human perspectives in speech and language disorders, The C.V. Mosby Company. 1978 3 - اضطرابات الكلام واللغة.، إبراهيم عبدالله الزريقات، الطبعة الأولى، دار الفكر عمانالأردن، 2005، ص38 4 - سلسلة تشخيص الاضطرابات النفسية مجلد 1 بشير الرشيدي وآخرون،الطبعة الاولى الكويت، 2000، ص78 5 - William H.Perkins: Human perspectives in speech and language disordersمرجع سابق، 6 - اللغة والتواصل لدى الطفل، أنسي محمد أحمد قاسم: المرجع السابق27. 7 - الأسس النفسية للنمو ، المرجع السابق، ص: 179 8 - اضطرابات اللغة وسبل علاجها، نزهة أمير الحاج محمد، من كتاب اللغة والتواصل التربوي والثقافي: مقاربة نفسية وتربوية، ط1، 2008، ص 27-29 9 -اضطرابات اللغة وسبل علاجها، المرجع السابق، ص 27-29 10 - أمراض الكلام، مصطفى فهمي، القاهرة. مكتبة مصر، 1975، ص 58 11 - تطور لغة الطفل، عبد الكريم الخلايلة وعفاف اللبابيدي، دار الفكر للنشر والتوزيع، 1977، ص 49. 12- اضطرابات اللغة وسبل علاجها، نزهة أمير الحاج محمد ، مرجع سابق ، ص 29-31 * رئيس المنتدى الأوربي للوسطية وعضو مؤسس لتنسيقية مدارس اللغة العربية ببلجيكا [email protected]