إذا كان بان كيمون اليوم قد ارتكب خطأ العمر في ملف الصحراء عندما تفوه بكلمة الاحتلال التي تأسف عليها، فإننا لا يجب أن ننسى مواقف من سبقوه في هذا الملف الوطني الأول، حيث وصف المغرب في سنة 2008 ب"الشجاع" تصريح المبعوث الأممي فان بيتر فالسوم "أن خيار الاستقلال الذي تطالب به جبهة البوليساريو غير واقعي"، معتبرا أن "الواقع على الأرض مع المغرب". هذه هي الحقيقة الكبرى الوحيدة في هذه الصراع، والتي يجب أن تكون أرضية لأي حل ممكن لهذه القضية التي عمرت لأزيد من 4 عقود. إن خصوم الوحدة الترابية لن يقبلوا أبدا بمغربية الصحراء تاريخيا ولو جئناهم بكل حجج الدنيا. والحقيقة أن المغرب كان دائما في أرضه. فأول معارك السلاطين المغاربة ضد المستعمر الاسباني كانت في عام 1476 عندما نزل الإسبان على سواحل الصحراء لصيد السمك، وبعد سنوات تصدى لهم سلطان المغرب السعدي عام 1527. وقد استمر المغرب في الدفاع عن أقاليمه الجنوبية إلى غاية اليوم. ولا ننسى كيف أرسل السلطان المغربي مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول في سنة 1906 ابن عمه مولاي إدريس لتنظيم جهود المقاومة ضد المستعمرين الأوروبيين (فرنسا وإسبانيا)، في الصحراء، بما فيها موريتانيا. وأنه إثر توقيع معاهدة الحماية بفاس بين السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ والمستعمر الفرنسي، أعلن الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين الذي كان يقيم بين السمارة وتزنيت رفضه لهذه الاتفاقية ودخل مراكش في جيش كبير معلنا نفسه سلطانا على البلاد ! الحقيقة إذن، والتي عبر عنها بكل صراحة المبعوث الأممي السابق الهولندي فان بيتر فالسوم، هي أن المغرب كان دائما في صحرائه والصحراء دائما في مغربها. هذه هي الحقيقة التي لا يجب أن ننساها، أو نتساهل في القفز عليها أو نقبل المساومة عليها. هذه الحقيقة هي الأرضية القوية الوحيدة التي يمكن أن نبني عليها حلا يتجاوز به الزمن الطويل لقضية الصحراء النفق الذي دخلت إليه منذ أربعة عقود، تحت تآمر المستعمر من جهة والإخوة الأشقاء من جهة أخرى. هذا الحل هو الذي سيجعل أطروحة الانفصال متجاوزة ولاغية بقوة الواقع، وستموت مع الوقت لأن جذورها لم يكن لها يوما امتداد في عمق هذه الأرض. فزمن الصحراء بالنسبة للمغرب هو بالقرون، ومغربيتها ضاربة في عمق التاريخ. من هنا يجب الانتباه دائما إلى أن الوقت هو في صالحنا. فما دمنا في أرضنا ولا أحد يمنعنا من التصرف كما شئنا فيها، فلا عجلة ! ولا غيظ في أن تتقدم عربة الحل ألأممي أو تتوقف. هذه العربة عجلتها الأمامية يقودها المغرب، وإذا حاول الخصوم الدفع بها في اتجاه لا يسير في خدمة مصالحنا الإستراتيجية، فما علينا إلا الضغط على الفرامل في انتظار أن تعود الأمور إلى نصابها وأن تأخذ العربة طريقها الصحيحة من جديد. قضية الصحراء إذن أمام مسارين، مسار مستجد وزائل، يدور في أروقة الأممالمتحدة، وأخر يرتبط بالتراب وبواقع الأمر في الميدان، متجدر في عمق التاريخ وممتد في أفق المستقبل. هذا المسار الأصل هو وحده الذي سيتبلور من داخله الحل الوحيد الممكن لقضية الصحراء. هذا الحل هو الذي سيضمن انحلال المسار الأول، الطارئ، وسيجعله متجاوزا مهملا، من خلال السرعة التي يصنع بها الواقع على الأرض. هذا الحل الذي ينطلق من التراب، تراب الصحراء، دون أي عقدة، أو ريبة أو ارتباك، يجب بلورته إلى أبعد الحدود، بالعمل من خلال مقاربة جديدة تبني مواطنة الإنسان المغربي الصحراوي على أسس قوية، وتقطع حقيقة مع نظام التدبير القديم لقضية الصحراء، والذي لخصه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره لسنة 2013 في أمرين اثنين : اقتصاد الريع والمقاربة الأمنية. ما هي معالم هذا الحل إذن ؟ الجواب سهل ! لنستثمر ونعمل في الصحراء بنفس الجد ونفس النشاط الذي نعمل به اليوم في كل ربوع الوطن. يجب أن ننقب على كل الثروات التي يخزنها بطن الأرض هناك، ونزرع كل الأراضي الممكنة ونشيد الطرق ونفتح الأسواق والمولات والماركات الوطنية والدولية ونشجع السياحة الداخلية والخارجية، وندخل العيون والداخلة وطانطان وغيرها من المدن في ركب التنمية التي تعرفها باقي ربوع الوطن، وأن نجعل من ميناء العيون أحد أكبر الموانئ الأفريقية، وأن نفتح الجامعات والمصحات ... ونقوي المواصلات والمبادلات مع باقي ربوع الوطن. يجب أن نكسر الهوة النفسية والمجالية التي تفرق بين أقاليمنا الصحراوية وباقي ربوع الوطن. لازالت هناك قطيعة نفسية مع الصحراء، نتصورها بعيدة قاحلة ... والحقيقة أن الصحراء جميلة وأهلها مغاربة طيبون، وطنيون مجاهدون ... عندما نوفر إذن للمغربي الصحراوي فرص الشغل والسكن والصحة والتعليم والبيئة النظيفة والديمقراطية والحرية، ويعيش معاني الانتماء إلى وطن يفتح أمامه كل أفاق التطور المهني في أسلاك الدولة والقطاع الخاص، ويضمن له سبل العيش الكريم، ويعطيه الأمل في مستقبل طيب لأبنائه، داخل بلد يقتحم نادي الدول الصاعدة بكل قوة. عندما ننجح في تنزيل هذا الحل بكل أبعاده المجتمعية النهضوية، سنكون ربحنا معركة الانتماء والمواطنة، بتحقيق الاندماج الكامل لأقاليمنا الصحراوية، ديمقراطيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وديمغرافيا مع باقي أطراف هذا الوطن، كجزء لا يتجزأ منه، وسنكون قد وفينا لأجدادنا الصحراوين، الذين نافحوا عن المغرب كقطعة أرض واحدة، اسمها المغرب الكبير. *أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق