واشنطن تُسرّع خطوات فتح قنصليتها في الداخلة قبل تصويت مجلس الأمن    وزير النقل واللوجيستيك يترأس أشغال تقديم/تجريب نموذج السيارة الذكية    الملك يتمنى التوفيق لرئيس الكاميرون    النيابة العامة تؤكد ضمان المحاكمة العادلة في "جرائم التجمهرات" بالمغرب    الطالبي العلمي يستقبل رازا في الرباط    "حماس" تؤجل موعد تسليم جثة رهينة    "لبؤات U17" يغادرن مونديال الفتيات    صدمة في طنجة.. قاصر تُنهي حياة رضيعة داخل حضانة غير مرخصة    مسرح رياض السلطان يطلق برنامج نوفمبر 2025: شهر من التنوع الفني والثقافي بطنجة    اغتصاب وسرقة بالعنف يقودان إلى اعتقال أربعيني بسيدي البرنوصي    أحداث العنف والتخريب المصاحبة للمظاهرات غير المصرح بها .. الأحكام والقرارات صدرت في أجل معقول يراعي الوضعية الجنائية للمتهمين (قاضي برئاسة النيابة العامة)    هل نأكل الورق بدل القمح؟ التويزي يكشف اختلالات خطيرة في منظومة الدعم بالمغرب    بمشاركة مغربية.. "مجلة الإيسيسكو" تحتفي بالهوية والسرد والذكاء الاصطناعي في عددها الرابع    فرق المعارضة بمجلس النواب .. مشروع قانون المالية يفتقد إلى الجرأة ولا يستجيب لتطلعات المواطنين    الأمن الوطني يحصي 32 وفاة و3157 إصابة وغرامات ب8.9 مليون درهم خلال أسبوع    الحكومة البريطانية تجدد التأكيد على دعمها لمخطط الحكم الذاتي    شهيد يرد على الأحرار: "تُشيطنون" المعارضة وتجهلون التاريخ وحقوق الإنسان والممارسة السياسية (فيديو)    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    ندوة فكرية بمراكش حول "مجموعة اليواقيت العصرية"، للمؤرخ والعلامة محمد ابن الموقت المراكشي    الصحراء المغربية على أعتاب لحظة الحسم الأممية... معركة دبلوماسية أخيرة تُكرّس تفوق المغرب وعزلة الجزائر    الفريق الاستقلالي: المناطق الجبلية تعاني التهميش.. والمؤشر الاجتماعي يعرقل تنزيل الورش الملكي    "الديربي البيضاوي".. الإثارة والتنافس يلتقيان في مركب محمد الخامس    توقيع اتفاقية برنامج "تدرج" بالدار البيضاء    لقاء أدبي بالرباط يحتفي برواية «أثر الطير» لثريا ماجدولين    سعيد بوكرامي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ابن خلدون سنغور للترجمة    لقاء أدبي مع لطيفة لبصير بتطوان احتفاء ب«طيف سبيبة»    العصبة الاحترافية تعلن تغيير موعد مباراة الوداد واتحاد طنجة    "أمازون" تستغني عن خدمات 14 ألف موظف وتتجه إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    ريال مدريد يعلن خضوع كارفخال لعملية جراحية ناجحة    إغلاق نهائي لسجن عين برجة بسبب تدهور بنيانه وخطورته على النزلاء    11 قتيلا في تحطم طائرة صغيرة بكينيا    الاتحاد الإفريقي يدين "فظائع الفاشر"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    مايكروسوفت: المغرب ثالث أكثر الدول الإفريقية تعرضا للهجمات السيبرانية    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية:أضواء على صفحات منسية من تاريخ الحركة الأدبية بالمغرب، من خلال سيرة الشاعر أحمد الزعيمي وديوانه المحقق..    صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (8)    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    فضيحة تحكيمية تهز كرة القدم التركية    قيوح: نعمل على اقتناء 168 قطارا جديدا بينها 18 قطارًا فائق السرعة    بدوان تحمل العلم الوطني في المرحلة 11 "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    تعديل الكربون.. آلية أوروبية تضع الشراكة مع المغرب في اختبار صعب    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    صلاح وحكيمي ضمن ترشيحات "فيفبرو"    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    إقبال متزايد على برنامج دعم السكن..    المغرب يتوفر على إمكانات "مهمة" للنهوض بفلاحة مستدامة (ممثل الفاو)    طنجة وتطوان تدخلان عصر النقل الذكي بعد استقبال 56 حافلة عصرية ضمن المرحلة الأولى    تقرير أممي يتهم أكثر من 60 دولة بينها المغرب بالمشاركة أو التواطؤ في إبادة غزة    أمن طنجة يوقف سائق عربة لنقل العمال دهس سائق دراجة نارية ولاذ بالفرار    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير مغربي ينبش في تقرير المحامي العام لمحكمة العدل الأوروبية
نشر في هسبريس يوم 17 - 09 - 2016

عرف ملف الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي تطورا مهما، إذ قام المحامي العام لمحكمة العدل الأوروبية، السيد ميلكيور واتليت، يوم 13 شتنبر 2016، بتقديم استنتاجاته للمحكمة في سياق استئناف مجلس الاتحاد لقرارها السابق يوم 10 دجنبر 2015، القاضي بإبطال هذه الاتفاقية بدعوى استغلال ثروات الأقاليم الصحراوية.
لكن ما يثير الانتباه في تقرير واتليت أنه سلك من أجل طلب بطلان قرار الإلغاء منعرجات خطيرة، تحمل دلالات سياسية مغلفة برداء قانوني كاشف، بدل أن يقوم بعرض الحجج التي تفند تلك المزاعم، وفي مقدمتها الاستثمارات المغربية في المنطقة، التي تعادل أضعاف مواردها.
ومن أجل فهم المقاربة الشائكة التي اعتمدها المحامي العام واتليت، وكشف الغموض الذي يكتنفها، علينا في البداية أن نميز بين أمرين يقعان في صلب هذا الملف؛ الأول يتعلق بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، التي تعتبرها قضية وجودية تسمو على كل المصالح الاقتصادية، بغض النظر عن أهميتها، والأمر الثاني هو حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيز علاقاته الاقتصادية مع شريك مهم كالمغرب، لكن دون اتخاذ موقف سياسي يمكن أن يفهم على أنه تأييد لسيادة المغرب على الصحراء.
بصيغة أخرى، لدينا موضوع تتشابك وتتقاطع فيه أبعاد قانونية وسياسية واقتصادية، تجمع ثلاثة أطراف: المغرب، الاتحاد الأوروبي وجبهة البوليساريو التي تحركها الجزائر من خلف الستار. ومن خلال الموافق الرسمية، نعرف أن المغرب مستعد أن يضحي بمصالح اقتصادية إذا ما أضرت بالقضية الوطنية الأولى، وأن البوليساريو تخوض معركة إيديولوجية صرفة بدعم من الجزائر، وما البعد الاقتصادي إلا أداة مسخرة لخدمة أجندتها الانفصالية، فهي لا يهمها إبطال الاتفاقية بقدر ما يهمها الدلالات المرافقة لقرار المحكمة، حتى لو ألغت حكم البطلان السابق.
أما الاتحاد الأوروبي فيسعى إلى تحييد البعد السياسي في هذا الملف، ولو اقتضى الأمر التنازل عن بعض المكاسب الاقتصادية. لكن، ولأن الاتحاد الأوروبي براغماتي، ويملك مؤسسات تملك الخبرة القانونية في التعامل مع مواضيع في مثل هذا التعقيد، فقد رأى أن باستطاعته جعل البعدين الاقتصادي والسياسي على الدرجة نفسها من الأولوية، كي لا يضحي بأحدهما على حساب الآخر؛ أو كما يقال ضرب عصفورين بحجر واحد.
من خلال هذه الزاوية التحليلية، يمكننا أن نفك شفرة تقرير المحامي العام في المحكمة الأوروبية، وننبه إلى خطورة بعض الاستنتاجات التي جاءت فيه، والتي قد يوظفها خصوم المغرب في قضايا أخرى:
أولا، التقرير فصل بين الاتفاقية الفلاحية والرقعة الجغرافية لتنفيذها، ونزع الأقاليم الصحراوية من مجال تنفيذها، قصد الدعوة إلى عدم الحاجة إلى إلغائها، بدليل أن بنود الاتفاقية لا تتضمن إشارة صريحة في هذا الاتجاه، وأيضا بمبرر أن الاتحاد الأوروربي ودوله لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء.
عدم تضمين الاتفاقية الفلاحية لبند يتعلق بالأقاليم الصحراوية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تحميله إنكار السيادة. ويعلم الكل أن التعاقد مع المملكة المغربية في كل المجالات لا يتم بوضع خريطتين، لسبب بسيط هو عدم وجود دولة اسمها البوليساريو أو الصحراء الغربية.
ثانيا، المحامي العام طالب ببطلان حكم الإلغاء السابق، وبالطبع هذا ما يبتغيه المغرب والاتحاد الأوروبي، لكن الغريب أن المستشار واتليت أقام حجته على أساس عدم الاعتراف بمغربية الصحراء؛ أما المغرب فيعتبر أن إبطال الحكم السابق يجب أن يرتكز على عدم استثناء الأقاليم الصحراوية من الحيز الجغرافي للسيادة المغربية، وأيضا على أساس عدم أحقية البوليساريو بتمثيل ساكنة الصحراء، لا سياسيا ولا اقتصاديا.
أما عن مزاعم استغلال الثروات فهي بالتأكيد جرف واه لا يصمد أمام المعطيات والأرقام التي تعرفها المنظمات الدولية الحكومية.
ثالثا، في ما يتعلق بإشكالية التمثيلية التي توجد في صلب هذه القضية، عمد التقرير إلى التمييز بين التمثيلية السياسية والاقتصادية أو التجارية؛ أما التمثيلية السياسة فاعتبر واتليت أنها تؤول إلى البوليساريو، وهذه مغالطة كبرى لا يمكن المرور عليها مرور الكرام؛ لأن في هذا الطرح احتقار للإرادة الشعبية التي عبرت عنها ساكنة الصحراء في كل المحطات الانتخابية، وهو في الوقت نفسه إقصاء لشرعية المنتخبين الصحراويين؛ ثم التمثيلية الاقتصادية التي اعترف المحامي العام عدم امتلاك البوليساريو لها، وهو بذلك ينزع عنه حق التقاضي في الملفات ذات الطابع الاقتصادي.. ولكن أليس في ذلك إنكار ضمني لمشروعية التمثيلية السياسية؟.
خلاصة القول أن التعليل الذي قدمه المحامي العام لمحكمة العدل الأوروبية يعبر عن هاجس المصلحة الاقتصادية لدى مجلس الاتحاد الأوروبي للدفع نحو إلغاء قرار المحكمة السابق، بهدف تفادي أزمة في العلاقات مع المملكة المغربية.
في سبيل ذلك، لم يتوان واتليت في بناء تعليلات أكروباتية Acrobatique تتضمن حيثيات مغلوطة، أخطرها إنكار السيادة، الذي لا يسيء إلى القضية الوطنية فحسب، لكنه يتعارض مع المواقف الرسمية للدول الأوروبية. وكأن المحامي العام اعتقد أن بإمكان المغرب أن يغض الطرف عن التعليل المسيء؛ لأنه سيرضى بالهدف منه؟
في اعتقادي أنه من منظور إستراتيجي، متن التعليل الذي جاء في التقرير يسيء إلى وحدة وسيادة المغرب، التي هي بالطبع أهم من الإبقاء على الاتفاقية في حد ذاتها. وبناء على ذلك، فالتقاء مصالح المغرب والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال رؤية إستراتيجية متبصرة؛ لأن الغاية لا يمكن أبدا أن تبرر الوسيلة. وكما نعرف جميعا، السيادة هي أساس التعاقد الدولي وليس العكس.
* أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة ابن زهر بأكادير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.