عصبة الأبطال الافريقية (ذهاب الدور التمهيدي الثاني) .. نهضة بركان يتعادل مع مضيفه الأهلي طرابلس (1-1)    زعيم "التقدم والاشتراكية" يدعو إلى تسهيل تأسيس الشباب للأحزاب السياسية    اتفاق يهدىء التوتر بين أمريكا والصين    "تجمعيّو الصحة" يدعمون كفاءات الخارج    الريال يهزم برشلونة في "الكلاسيكو"    إجهاض محاولة تهريب أقراص مخدرة    العداء المغربي المحجوب الدازا يتوج بلقب النسخة ال16 من الماراطون الدولي للدار البيضاء    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من السلطات الفرنسية    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    أغنى رجل في إفريقيا سيجعل مصفاته في نيجيريا "الأكبر في العالم"    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    المؤتمر الوطني ال12، في الشكل والمضمون معا    نقل مصابين بتسمم جماعي الى المستشفى الإقليمي بأيت يوسف وعلي    المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي – قراءة مؤسساتية ودستورية (2025)    أشرف حكيمي يتألق بثنائية جديدة ويحصد أعلى تنقيط في فوز باريس سان جيرمان على بريست    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب جميع قواته من تركيا إلى شمال العراق    تقرير: طنجة تتحول إلى محور صناعي متوسطي بمشروع ضخم لإنتاج السيارات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    بورقادي: الملك يدعم تطوير كرة القدم    بعد تداول صور لأشغال قرب موقع أثري ضواحي گلميم.. المجلس الوطني يؤكد أن الموقع سليم ويدعو لحمايته    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    سفينتان نرويجيتان ترسوان بميناء آسفي لدعم أبحاث المحيطات وحماية الأنظمة الإيكولوجية    انهيار الثقة داخل الجيش الجزائري... أزمة عتاد وفضائح قيادات تهزّ المؤسسة العسكرية من الداخل    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    جيش فنزويلا يتعهد ب"مواجهة أمريكا"    المتمردون الحوثيون يفرجون عن عارضة أزياء    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما تبقى من صاحب أنشودة المطر..؟؟
نشر في هسبريس يوم 22 - 12 - 2016


بدر شاكر السياب.. ذكرى الميلاد والوفاة..
في أوج أعاصير وزوابع ومتغيرات مناخية كثيرة تهب على العالم العربي تحل ذكرى ميلاد ووفاة رجل أحب الحياة وكيف يُنعم بها، والحب وكيف يكون من نصيبه والموت وكيف ينجو منه موضوع حياته وشعره، كما ابّنه صديق مسيرته وسيرورته الشعرية يوسف الخال، شاعر ظل الأروع فيه هو ملاحقته لكل جديد وشغفه بالمدهش وانفتاحه على الأجمل حتى وهو مسجّى في معابر الموت.... فكان السياب نهرا دافقا متدفقا من مأساة القصيدة العربية وجرحها ونزفها على حد سواء.
شاعر ظل يسابق موته بحياته في القصائد يقول:
"لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الإعياء خوالج كل نفسي، ذكرياتي، كل أحلامي وأوهامي وأسفح نفسي الثكلى على الورق
ليقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وألى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا"
فكانت ثورة السياب على أسس ومرتكزات القصيدة الكلاسيكية الحديثة التي كان يمثلها وقتئذ إلياء أبو ماضي وأحمد زكي أبو شادي وإلياس أبو شيكة... من خلال ما قدمه من نماذج إبداعية رائعة جاءت مساوقة ومصاحبة لعوامل التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدها العالم العربي الذي كان معظمه تحت براثين ومخالب الاستعمار والهيمنة.
فكان التطور أيضا في أشكال القصيدة التي جاءت أولا تحت يافطة ما بات يعرف ب"الشعر الحر" من حيث اعتمادها –القصيدة- على التفعيلة وحدة وزنية لها لا البيت التقليدي المتعدد التفعيلات...
فكان السياب أول من كتب "الشعر الحر" في العراق وفي الوطن العربي.. وهذا دون إغفال نازك الملائكة ولويس عوض وغيرهم... وما صاحب هذه الثورة في الشكل من ثورة أيضا في المضمون وفي مفهوم الشعر في الثقافة العربية... من خلال ضخ النص الشعري بجرعات أقوى وزلزلة مدوية تداعت لها أركان الكلاسيكية الشعرية الحديثة في العراق وفي بقية البلاد العربية.. بحيث أصبحت حركة شعرية لها أنصارها ومريديها والمدافعين عن حياضها، ولها رموزها الشعرية التي توفرت لهم مواهب زاخرة بالإبداع والعطاء الخلاق، بالرغم من موجة الاستهجان والمقت الذي لقيته هذه الحركة خاصة من طرف حماة معبد الشعر من أمثال الأديب طه حسين الذي شن هجوما كاسحا ومدويا على "الشعر الحر" الذي كان يتبنى الواقعية في الإبداعية... أو العقاد الذي رفض بالمطلق هذا التحول الطارئ الذي اعترى بنية الشعر العربي، إلا أنه خضع في الأخير وانحنى أمام هول تياره الجارف.. وأكثر من ذلك خاض فيما يشبه "الشعر الحر" كتابة من خلال قصيدته "سلع الدكاكين يوم البطالة" المتضمنة في ديوانه "عابر سبيل" فبماذا نفسر هذا التناقض وهذا التحول؟؟
أكيد، الجواب يكمن فيما حفل به "الشعر الحر"، من مضامين جديدة أصّلت لمفاهيم الحرية والتحرر والوحدة والانعتاق وصخب الحياة الجديدة وتفاصيلها اليومية وتحولات العصر العربي وصدمات الحداثة وما بعدها مضامين انتصرت لفكرة تعتبر الشكل في الشعر تابع لتغير دوره من تم كان ضروريا إزاحة أشكال وألوان الابتذال تمجيدا للحياة وتمثلا واستشرافا لها. وتبديدا وعصفا بأضدادها ومتناقضاتها... فكان هذا "الشعر الحر" ما يعبر عن الواقعية الخلاقة المحفزة والشاحذة للهمم ولمجمل الثورات والحركات السياسية والاجتماعية التي تلت الجروح العربية بدءا من نكبة فلسطين وليس انتهاءا بالاستعمار بأشكاله وألوانه وأطيافه المتعددة مرورا بأوهام الوحدة وإرهاصات القومية العربية..
فكان للسياب بما ملك من حس رائد وعبقرية فذة أثره البالغ على النضج الذي حققته الشعرية العربية في مجملها بحيث لم تكن مجرد إصلاح عروضي كما أكد –السياب- من خلال مقدمة مجموعته "أساطير" بل كانت من خلال مجاميعه السبع المنشورة خلال عمره القصير ضاجة بالعمق والحياة فكان بذلك يحلو لصديقه الشاعر أنسي الحاج أن ينعت السياب بكونه "جاهلي بدوي فولكلوري خرافي انجلوساكسوني"... هجّاء رثاء مدّاح بكّاء يسيل به الشعر سيل قريحة فارطة ويسيل معه الشعر حتى الموت" مستلهما موهبته الفذة وعبقريته الخلاقة التي تنساب مثل نهر متدفق إلى ما لا نهاية لها من الإيحاء والقصد الأخاذ والإلمام بالوعي الكبير بالحياة والصراع بين الكون والصيرورة بين ما يريده الإنسان وبين ما أُريدَ له بين قوى الخير وقوى الشر وما يلي ذلك من متواليات ضدية (حب/ كره، خصب/جذب، حياة/موت....). وهذا ما ينعكس جليا على منجز السياب الشعري وبشكل لافت خلال مرحلة النضج والتي كان يصرّ أن يكون من خلالها الشاعر نبيا ذا رؤيا، يُلبس الأسطوري بالواقعي، والواقعي بالأسطوري ليصنع انتصارا للحياة من خلال القصيدة/الوعاء الحاملة لأكثر من وجع عربي وإنساني ووجودي متأثرا بما اقترفه إليوت في "الأرض الخراب" وجيمس فريزر في "الغصن الذهبي" وغيرهم.. وانعكاس كل ذلك على غزارة وفيض السياب الشعري... مما بوأه المكانة العالية لدى مجايليه من الشعراء العظام فهذا صلاح عبد الصبور يعتبر أن السياب كان أسبق أبناء جيله إلى مَلْء الشكل الجديد بالمضمون الجديد.. ومن هنا استمدت التجربة جدارتها بالحياة واستطاعت النفاذ إلى قلب التجربة الإنسانية من خلال تنوع التناول الشعري"من همس خافت إلى خطابية جهيرة ومن شاعرية غمامية إلى نثرية أليفة على حين ظل شعرنا العربي في الأعم الأغلب خطابي النبرة غنائي الشكل".
وأفتح قوسا هنا لأشير أنه إذا كانت الفلسفة الجمالية هي المتحكم في أي منجز إبداعي فالشعر الحر لدى رائده السياب شكل طفرة نوعيه في هذا الصدد وتجديدا واسع النطاق مشحونا بالرؤى الجمالية التي تمتح من القراءات المتأنية لأحدث المدارس والتيارات والنظريات الفنية والجمالية الحديثة....
وخلال المرحلة النهائية من حياة هذا الشاعر خاصة سنوات المرض الذي نخر قواه وهدّ جسده وثبط عزيمته وأربك طموحه... أصبح شعره يميل إلى ما يعتري فلسفة وجود الإنسان وصدمة الموت ومشكلات المرض والألم وما يسببانه من يأس وتجهم من الحياة. وقد أثمرت هذه المرحلة أروع القصائد والتي تعتبر حسب العديد من النقاد –هي من ذرر الشعر العربي بحيث استعرض من خلالها الشاعر فلسفته الطافحة بالسخرية السوداء من الحياة التي ما هي إلا سيرورة للعبث والقلق واللاجدوى جسدها من خلال قصيدة عنوانها "عكاز في الجحيم" وعلى ما يروي علي السبتي هي آخر ما جادت به قريحة بدر الموجوعة من قصائد، حيث جسدت أوج جرحه الوجودي يقول:
"وبقيت أدور حول الطحونة من ألمي
ثورا معصوبا، كالصخرة، هيهات تثور
والناس تسير إلى القمم
لكني أعجز عن سير –ويلاه- على قدمي
سريري سجني، تابوتي، منفاي إلى الألم
وإلى العدم"
وفي قمة لحظات الصفاء وترقب الآتي –الحتف- فاضت مشاعر السياب طافحة بحبه للعراق وجيكور ولزوجته إقبال التي فزع إليها بمشاعره الجارفة الذافقة منشدا
"إقبال مدي لي يديك من الدجى ومن الفلاه،
جسي جرحي وامسحيها بالمحبة والحنان
بك أفكر لا بنفسي: مات حبك في ضحاه
وطوى الزمان بساط عرسك والصبى في العنفوان"
لأضم حزني إلى حزن يوسف الخال مرة أخرى الذي فيما يشبه العتاب خلص أو بالأحرى لخص جرح فقد السياب قائلا: وكما تساءل أيوب وتحير وتذمر ولم يكفر.
كذلك فعل بدر ولئن كوفئ أيوب على صبره فهل يكفأ بدر؟ وبماذا يُكفأ؟ هل ترد إليه صحته وحياته وقد مات، وأملاكه ومقتنياته ولم يكن له منها ما يُرد.
بلى، ذكراه، فستبقى في الشعر العربي ما بقي هذا الشعر...
*شاعر مغربي عضو اتحاد كتاب المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.