مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى العقلاء من المسلمين والمسيحيين
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2011

انطلاقاً من أهمية الحوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات والتي كانت المملكة المغربية على مرالعصورواعية بأهميته؛ بحيث كان المرحوم الملك الحسن الثاني (9 يوليو 1929 - 23 يوليو 1999) لايؤمن بنظرية صراع الحضارات والأديان ، مدافعا رحمه الله في المحافل الدولية وفي عدة كتبه عن واجب التعايش والحواربين أبناء وأتباع الديانات السماوية ؛مما جعل الأسقف الأرجنتيني "كارلوس مالفا" -رئيس اللجنة المسكونية والحوار بين الديانات- يصرح في الذكرى ال 25 لزايارة البابا جون بول الثاني للمغرب سنة1985 ، والتي نظمت من طرف المركزالإسلامي الأرجنتيني بالعاصمة "بوينس آيريس" في الأشهرالماضية قائلا: (إن هذه الزيارة التاريخية طبعت مرحلة جديدة في علاقات الأخوة والصداقة الإسلامية المسيحية، وأن خطاب "البابا جون" أمام آلاف المسلمين المغاربة بالملعب الشرفي محمد الخامس بالدار البيضاء شكل مرحلة جديدة للحوار بين المسلمين والمسيحيين..) ، تبعه في هذا النهج إبنه الملك محمد السادس الذي رفع شعار"إسلام الأنوار" هذا الشعارالذي حمله كعنوان لمرحلة جديدة ، ولبداية صحوة إسلامية حقيقية دفعه إلى القيام بتجديد الحقل الديني بالمغرب ؛ لمواكبة تغيرات الزمان والمكان ومسايرة أقضية الناس ، ومستحدثات الأمورالتي لم تعرف في سالف الأزمان ، وهذا من صميم مقاصد الدين الإسلامي الحنيف الذي حمل بين جوانحه قيم ومقاصد وأهداف وقوانين عدة مهمة ، عملت على نشره في بلاد العالم أجمع شرقه وغربه ، ولعل من أشهرهذه القيم والقوانين ؛ قيم الحواروالتسامح واللين واللاعنف..وهناك العشرات من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة تزكي هذا السبيل منها قوله تعالى :" (خذ العفو وأمربالعرف وأعرض عن الجاهلين...) وقوله تعالى :(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هوأعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين..) وقوله :(ولاتسبواالذين يدعون من دون الله فيسب الله عدوا بغيرعلم) .
فرسالة الإسلام تدعوإلى التعايش الإيجابي بين الشعوب والبشرجميعا بصرف النظرعن ألوانهم ومعتقداتهم وأوطانهم، فالجميع ينحدرون من نفس واحدة ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب ، فالدين الإسلامي يعترف بوجود الاختلاف بين المجتمعات والأفراد والمعتقدات ، كمايقربشرعية ما للغيلرمن وجهة نظرذاتية قد تكون مخالفة للحق والصواب والمنطق والدين وذلك ماهوواضح في سورة الكافرون بقوله: (لكم دينكم ولي دين) ،فمجتمعاتنا البشرية اليوم بحاجة إلى أن تتحاور؛ لأن الحوارفي فلسفة الإسلام له أهمية فائقة ؛ بل هوأول وآخرشئ في الدعوة إلى طريق الخيروالفلاح والهداية ؛ سيما إذاكان الهدف منه هوإيصال الحق إلى القلوب وتفكيك جيوب الخلاف والصراع والتقاتل والتنافر..؛ لذلك يبقى الحوارهوالسلاح الوحيد الذي يمكن من خلاله أن نصل إلى شاطئ الأمان والسلام والاستقرار، ومن يدعي غيرذلك فهوكذاب أشر.
إن المتمعن في خريطة العالم المعاصراليوم ، وماتعرفه الساحة الدولية من تصدعات وصراعات ظاهرة وباطنهة ؛من جراء أحداث 11سبتمبرالأليمة والتي ندينها بشدة وندين غيرها في العراق وفي مصروفي كل مكان ، وسواء غلفت بغلاف دينيي أوسياسي أوثقافي ..فالإرهاب لادين ولاملة له ..! ورغم محاولات الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" و"صامويل هنتغتون" و"فرنسيس فوكوياما" إلساق التهم بدين الإسلام ؛ معتبرين إياه في كتاباتهم دين الإرهاب والبربرية والوحشية والظلام والفاشية، تبعهم في هذا المنوال كل من القس الأمريكي "فرانكلين جريهام" رئيس عام جمعية جريهام التبشيرية ، والقسيس "جيري فالويل" والقسيس "بات روبرتسون" مؤسس شبكة الإذاعات المسحية بالولايات المتحدة الأمريكية ، ونائب رئيس موقع "مراقبة الإرهاب" الأستاذ "هيوفيتزجيرالد" الذي قال في إحدى التصريحات (عندما أرى الآلاف من المسلمين في المسجد لاأرى في ذلك تجمعا عاديا مثل الذي يحدث في الكنيسة ؛ بل يذكرني بتجمع الحزب النازي..!!)
هؤلاء للأسف بنظرتهم السلبية تجاه الإسلام يكونون قد وقعوا للمجموعات الإرهابية من أبناء جلدتنا وللولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص شيكا على بياض، استعمله كل طرف للقضاء على الآخر واستعملته أمريكا على الخصوص كرصيد استراتيجي للقضاء على المعاندين والمعارضين لسياساتها ؛ ومن معالمها السيطرة على العالم أجمع وطبط إيقاعاته ونغماته وأنفاسه ، مع فرض نمط الحياة الغربية عليه ؛ وبالتالي تكريس التبعية الثقافية والحضارية والاقتصادية للمستضعفين في أرض الله الواسعة.. وهو ما ينذر بالدخول في دوامة من الصراعات والحروب؛ ربما تمتد لأزمنة بعيدة وقد تشرع الأبواب أمام مسلسل إرهابي طويل المدى قد لاينتهي بتقسيم العالم إلى طائفتين متقاتلتين؛ ولكنه قد ينتهي بتدمير هذا العالم على رؤوس أطرافه المتصارعة؛ وهذا يقودنا إلى التساؤل عن طبيعة الصورة التي رسخت في أذهان الغربيين عن الحضارة الإسلامية والعربية إبان حادث 11سبتمر، والجواب بسيط تجده في "الإسلاموفوبيا "التي تنتشرفي البلاد الغربية بوتيرة متصاعدة المتمثلة في اليمين المتطرف الذي اصبح يضيق صدره لرؤية محجبة تمرمرورالكرام عبرالشوارع والأزقة..؟!! أورؤية فقيرمسلم ملتحي ربما لم يجد ثمن شراء شفرة لحلاقة شعروجهه ..؟
وفي هذه الأجواء المكفرة القاتمة بغيوم الكره والبغض والتقاتل والتناحريأتي الحوارالإسلامي المسيحي ليس كشأنا لاهوتيا أوسجالافكريا أوترفا معرفيا ونظريا بل هوضرورة وحاجة وواجب شرعي في عالم اليوم ، يحتم على العقلاء من المسلمين والمسيحيين التفكيرجديا في بلورة مشروع إنساني وتاريخي مشترك يعيش تحت كنفه جميع أبناء الله تعالى ومخلوقاته، بغض النظرعن معتقداتهم وألوانهم وجنسياتهم ؛ لأنه لم يعد مقبولاأبدا في خضم هذه الصراعات الاكتفاء بشكليات وبروتوكولات بين الدول والزعماء ، أوبعلاقات الفاتيكان بمنظمة المؤتمرالإسلامي ؛ بل يجب ان يرقى هذا الحوارإلى مستوى أفضل بكثير؛ لما للمسلمين والمسيحيين من تاريخ طويل وعريق امتد منذ أربعة عشرقرنا ونيف ،التقوا مرارا في ساحات التاريخ ومفترقاته ، لكنهم وللأسف لم يتعارفوا إلاقليلا ولم يتصافوا إلانادرا وظلوا إخوة غرباء في بيت أبيهم آدم وجدهم إبراهيم عليه السلام ، وكان اللقاء الأول والجميل عندما اشتدت الفتنة والبلاء على محمد (ص) وصحابته الكرام ، فلم يجد مانعا في أن يأمرصحابته بالهجرة إلى الحبشة ، فوجدوا لدى النجاشي المسيحي موئلا وموطنا وحماية ، ثم خمدت الفتنة وعادوا إلى مكة ، وهذا الجميل لم ينسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمجرد ماوصل نبأ وفاة النجاشي إلى مسامعه قام (ص) بصلاة الغائب عليه في البقيع معلنا الحداد الإسلامي الأول على نصراني أدركته المنية.
ولقد لقي محمد (ص) من المسيحيين في مكة ثم في المدينة في بدء هجرته إخلاصا في الولاء وارتباطا بالعهد ، فأحبهم حبا لاغش فيه وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشهد بهذا، ومات رسول الله(ص) وانتشرت دعوة الإسلام جهة الشمال ضاربة في البلدان السريانية المسيحية الخاضعة آنذاك لفارس وبيزنطة وكانت القبائل المسيحية تدخل في دين الإسلام أفواجا ، نظرا لظلم قيصرالروم وكسرى فارس ، فأصبح المسيحيون في طليعة الجيوش الإسلامية إلى بلاد العراق والشام..وهكذا ساءت أحوالهم مرة وتحسنت مرات ..إلى أن جاءت الحروب الصليبية فمزقت خيوط التفاهم والمحبة التي كانت تجمع المسلمين بالمسيحين في الشرق ؛ مخلفة وراءها أطنانا من التباغض والتنافروالتباعد مازالت آثاره تسري حتى يومنا هذا..فمعضلة البشرية اليوم كما يزعم بعضهم معضلة اقتصادية أوسياسية..وإنما هي في الحقيقة معضلة أخلاقية ناتجة عن ضعف الإيمان بالله والبعد عن المعبود الحق ؛ لهذا قد حان للمؤمنين بالله وبأنبيائه ورسله الكرام أن يتحاوروا ويلتقوا ويتعاونوا للحد من ضغيان الشرومن فتنة لاتبقي ولاتذر، واليوم ربما قد أدرك الجميع خطورة الدين إذا لم يستخدم في بناء الأوطان وسعادة الإنسان ، يمكن ان يصرف في تخريب البلدان ودمارالإنسان ؛ لهذا تنبه المجتمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) مبكرا لخطورة الأمرفناقش ولأول مرة مشكلة العلاقة بين الكنيسة والديانات غير المسيحية؛ حيث خصص لهذه المسألة المهمة تصريحاَ خاصاَ حول: «علاقة الكنيسة مع الديانات غير المسيحية» والذي نوقشت بعض جوانبه بصورة أو بأخرى في عدد من الوثائق الصادرة عن المجمع في الدستور العقائدي في الكنيسة، وفي الدستور الرعوي في الكنيسة وفي القراءات المجمعية وفي مهمة الاساقفة الرعوية في الكنيسة ،وفي نشاط الكنيسة الإرسالي وفي البيانات والإعلانات الصادرة عن المجمع في الحرية الدينية وفي التربية المسيحية، كما أولى هذا المجمع اهتماما خاصاَ للإسلام.. فللمرة الأولى منذ أربعة عشر قرنا من وجود المسيحية والإسلام يتحدث مجمع مسكوني كاثوليكي بصورة إيجابية عن المسلمين معترفا بوضعهم الديني المتميز؛ حيث جاء في النص النهائي للتصريح حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية ما نصه: (أن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار أيضا إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء خالق السماء والأرض ومكلم البشر الذين (أي المسلمين) يجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية، كما خضع له إبراهيم الذي يسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي وأنهم يجلون يسوع كنبي وإن لم يعترفوا به كإله ويكرمون أمه مريم العذراء ..) لقد أصبح اليوم من الضروري والواجب إدراج الحوارالإسلامي المسيحي في المناهج التعليمية والتربوية ، وعبرجميع مراحل التعليم من الإبتدائي حتى الثانوي مرورا بالتعليم الجامعي وتحويله إلى مادة علمية لها موقعها المميزفي مشاريع الدول والمنظمات والأحزاب ، وبدل وضع نظرية(صدام الحضارات) كان من المفروض وخاصة من المؤمنين والمخلصين والعقلاء إلى وضع دراسة علمية تؤسس من خلالها نظرية (حواروتعايش الحضارات ) ، وفي هذا السياق وتماشيا مع تعاليم القرآن الكريم الذي أعلن في آيات تتلى إلى قيام الساعة أن أصل العلاقات بين الأمم والشعوب والحضارات التعايش لاالتصادم في قوله تعالى : (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقواكم) وقوله تعالى : (وتعاونوا على البروالتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان) جاءت مبادرة (كلمة سواء بيننا وبينكم) للحواربين الأديان السماوية في العامين الماضيين بمشاركة ومباركة عدد هائل من علماء الإسلام في مختلف ارجاء المعمور ، واستجاب لهذه المبادرة مايزيد عن 300 عالم دين مسيحي من مذاهب مختلفة بصياغة خطاب طويل تحت عنوان : (حب الله والآخر) ؛ لكن الظاهرهذا الورقة البحثية لعلماء المسيح أقلقت زميلهم في الميدان وهوعالم اللاهوت الأمريكي "ألبرت موللر" رئيس المعهدالجنوبي للاهوت التعميدي معترضا عن هذا الحوارالإسلامي المسيحي في حديث إذاعي ألقاه الصيف الماضي مبينا سبب اعتراضه من منطلق أن هناك خلطا بين المفهومين الإسلامي والمسيحي عن الله، لم يتنبه إليه الطرف المسيحي
إذ بحسبه فإن المبادرة الإسلامية قد أشارت إلى الإيمان بإله واحد مشترك بين الديانتين كأساس للحوار، وهو مايعارضه "موللر" مبينا أن المسلمين يؤمنون بعيسى كنبي ولايؤمنون به كإله ؛ وهذا مالم ينتبه إليه الطرف المسيحي، معاتبا إياهم عن عدم توضيحهم للفهم المسيحي للرب وفقا لعقيدة التثليث المسيحية المبنية على (الأب والإبن والروح القدس).كما هاجم زملاءه من رجال الدين المسيحي لاعتذارهم للمسلمين عن الحروب الصليبية والعنف الممارس ضدهم خلال الحرب على الإرهاب موضحا بقوله إنه خلال الحروب الصليبية قد ارتكب الطرفان أخطاء على نفس الدرجة من الفداحة.. وأنه لولا تلك الحروب الصليبية لكانت أوروبا الآن قارة مسلمة ولألقيت عليكم هذا الخطاب بالعربية. أما الحرب على الإرهاب فيعتبرها ليست حربا دينية وإنما أمريكا هي االمسؤولة عليها ولاينبغي للمسيحيين أن يعتذروا للمسلمين بسببها ..!!. هذه التصريحات المتشنجة التي ادلى بها "ألبرت مللر" أستقبلت بالرفض من طرف الكثيرمن علماء الدين المسيحي وفي مقدمتهم عالم اللاهوت الأمريكي البروتستانتي "بول نيتر" في ورقة بحثية قام بعرضها بمؤتمر الإسلام والغرب الذي عقد بالقاهرة قبل سنتين؛ بحيث يعتبر" نيتر" أن اللاهوت يمكن أن يكون مدخلا مباشرا لحوار الأديان، فيقول: (إنني أريد أن أستكشف كيف أن اللاهوت ، والذي كان دائما سببا للتوتر بين الأديان، يمكن أن يكون سببا أعظم للوفاق ومصدرا أرحب للتصالح بينها.. إننا إذا ماواتتنا الشجاعة للتعرف على الكيفية التي صار بها اللاهوت والمعتقدات سببا للإشكال، فسوف تواتينا القدرة على التأكيد مجددا على إمكانية أن تكون هي الحل) ومن أجل تحقيق ذلك يتبع "نيتر" منهجية ومقاربة يحاول أن يثبت من خلالها أن الإسلام والمسيحية هما دياناتان شقيقتان تاريخيا ولاهوتيا، مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد) ولهذا يصل "نيتر" إلى أن الإسلام والمسيحية لهما مصدرواحد كما ينتهيان لأب واحد هو إبراهيم عليه السلام ، ويعتبرأن اليهودية هي الأب الروحي للإسلام والمسيحية والذي تجسدت فيه نظرية " شعب الله المختار" التي يعتقد اليهود بموجبها أن الله قد اختارهم وفضلهم على العالمين - كما هومبين في القرآن- للنهوض برسالة محددة، ولما انحسر الدور التاريخي لليهودية كديانة وانكمشت على ذاتها فقد آل إرث "شعب الله المختار" إلى الأخين الشقيقين: الإسلام والمسيحية وأصبح التنافس بينهما سجالا يدور حول من سيؤول إليه إرث اليهودية، أي من سيصبح شعب الله المختار؟ ، هنا في رأي "نيتر" تكمن المشكله ؛ بحيث كلتا الديانتين لا يعتقدون أن الله قد أناط معتنقي كل ديانة برسالة مختلفة عن تلك التي أسندها إلى أصحاب الديانة الأخرى، أما عقيدة التثليث عنده لاتتنافى مع عقيدة التوحيد الإسلامية ؛حيث إنها لاتعني وجود ثلاثة آلهة ولكن تجلي الله في صور ثلاثة، على عكس ماتمسك به "موللر". وهو يرى أن ذلك يقترب من تعدد صفات الله في الإسلام؛ حيث لله تسعة وتسعون اسما وكلها تشير إلى إله واحد.
وهكذا فإن الوحدانية لاتنفي التنوع في كلتا الديانتين. ويرى "نيتر" حسب رأيه الخاص أن الخطاب القرآني أكثر وضوحا في هذا الصدد من العهد الجديد حيث يشير القرآن بوضوح إلى اعتبار التنوع سنة من سنن الله وذلك في مواضع عدة يذكر منها: (.. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولوشاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ..) وخلاصة القول فالحوارالإسلامي المسيحي يحتاج إلى المزيد من الجهد والاجتهاد لإقناع بعضنا بعضا بأهميته وفوائده وضرورته الدنيوية والدينية على حد سواء، دون التغضي عن دورالغرب المسيحي في تسهيل مهمة هذا الحوارودفع عجلته إلى شاطئ الأمان، نظرا لما ترزخ به النزعة التبشيرية الغربية من عدائية وتعال تجاه كل ماهوإسلامي ؛ أدى من وراء هذا غزو معظم البلاد الإسلامية والعربية في العصرالحديث..! فالأمرجد خطيرفإذا لم نتحاور ونتعايش ونتعاون فيما بيننا على الخيروالصلاح في إعمارأرض الله الواسعة، بما ينفع خلقه وعياله ، فقل للدنيا مع السلامة ياحبيبتي..!!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.