العقد الفريد من أمهات كتب الأدبي العربي لابن عبد ربه المتوفي سنة 328 هجرية، ضم بين طياته شتيت الفوائد ومنثور المسائل في الأخبار والأنساب والأمثال والشعر والعروض، حتى الطب والموسيقى لم يهمله الكتاب، إلا أن أهم نقاط ضعف الكتاب هي كونه مخلوط صحيحه بواهيه محذوف الأسانيد والرواة! وهو ما يضعنا في صلب موضوعنا و الذي هو عن ضجة عقد الأميرة سلمى المهدى إلى الإرهابية تسيفي ليفني، حيث المؤسسة الصحافة الإسرائيلية استنادا إلى معلومات رسمية تؤكد الواقعة بينما الدبلوماسية الفاسية تنفي بعد مضي ثمانية أيام الواقعة!و تكتفي بتكذيب موجز في قمة الأدب، مما جعل رواية العقد الهدية تستحق بأن تسمى برواية العقد الفريد لكن هذه المرة لتسيفي ابنة إيتان ليفني الإسرائيلي عوض ابن عبد ربه الأندلسي! بين الصرامة الإسرائيلية و الدبلوماسية على التراخي رغم أن إسرائيل دولة استيطانية مغتصبة قامت على جماجم الفلسطينيين إلا أنها من ناحية الصرامة الداخلية و محاربة الفساد المؤسساتي، تعد من أشرس الدول و أقلها تسامحا مع المتورطين و إن علا منصبهم، وهو ما يفسر لنا حجم التقارير الدورية و المتابعات في حق مسؤوليها بمن فيهم الذين ما يزالون على رأس السلطة كما حدث مع رئيس الوزراء السابق أيهود أولمرت على خلفية متابعته بتهمة تلقي أموال من المليونير اليهودي الأمريكي موشيه تالانسكي، أو ما حصل مع الرئيس السابق عيزرا وايزمن الذي اضطر للاستقالة بسبب تهربه من الضرائب. لذا الصرامة المحاسباتية الإسرائيلية الداخلية منقطعة النظير، ما يترجم حجم المتابعات و التقارير الصادرة من المكاتب الرقابية المتخصصة، و إلا لما أصبحت الدويلة السرطانية من أقوى الدول اقتصاديا و سياسيا على المستوى الإقليمي و العالمي، و هي ليست مثل التقارير الكارطونية لعدد من الدول المتخلفة التي تكتفي مجالس الحسابات فيها بإنجاز تقارير وصفية أو تقارير "مَصْ المَلْح " على الفساد و هدر المال العام!لدرجة أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو نشر على حائطه -يْطِيحْ عليه إن شاء الله- في الفايس بوك استجابة لمطالب الشفافية التي أرسلها متصفحون، معلنا بأن راتبه قد بلغ 3266 يورو شهريا أي 15027 شيكل، في حين أن المتوسط الإجمالي للدخل في اسرائيل يبلغ 8357 شيكل. ما يعنى أن راتب أعلى هرم السلطة المنتخبة ديمقراطيا و شعبيا هو ضعف الراتب العادي في إسرائيل!و واضح بأنه أقل بكثير من رواتب السادة الوزراء المغاربة المحترمين بل و حتى النواب المتغيبين الذين بعضهم لا يكلف نفسه حضور جلسات يوم الأربعاء و لو من باب الحضور الرمزي و أخذ صور تذكارية و رد تحية الضحايا الذين انتخبوه! لذلك فأبناء العمومة لا "يقشبون" و لا يمزحون عندما يتعلق الأمر بالمال العام و لو حتى هدية تافهة تلقاها أدنى مسؤول في أبعد رقعة من الكرة الأرضية. أما المسألة الثانية فتتعلق بإيديولوجية الوشاية الإسرائيلية، فالدولة العبرية تتقن فن الوشاية السياسية بالأصدقاء إلى درجة التلذذ، لذلك يمكن القول بأنه لا يوجد شيء اسمه سري للغاية، أو توب سكوري، و البراهين على ذلك كثيرة و لنبدأ بالمغرب نفسه. ففي منتصف السبعينات من القرن المنصرم قام المغرب بدور عراب السلام بين مصر و إسرائيل حيث قام رئيس الوزراء حينئذ إسحاق رابين في أكتوبر 1976 بزيارة خاصة للمغرب على متن طائرة مغربية خاصة تكلفت بنقله من باريس إلى الرباط مكث يومها رابين ضيف المغرب السري الكبير يومين، زار فيهما الرباط و الدارالبيضاء و طنجة و فاس و منها قفل راجعا إلى باريس عبر مدريد، و طبعا الخبر سربته إسرائيل حيث نشرت مجلة جون أفريك خبر الزيارة واصفة الزيارة بأنها كانت مثمرة! و في 1981 كشف ضيف المغرب السري الكبير للتلفزيون الإسرائيلي بأنه تردد على المغرب ما بين 1974 و 1977 حين كان رئيسا للوزراء، و أجرى خلالها لقاءات و محادثات مع مسؤولين عرب على أعلى مستوى. أما موشي ديان وزير الدفاع الأسبق فهو الآخر كشف في مذكراته عن زياراته للمغرب خاصة تلك المتعلقة بالتمهيد لمعاهدة كامب ديفيد حين كان يلتقي مع حسن التهامي نائب الرئيس المصري أنور السادات، بينما رفض مناحيم بيغن سادس رئيس وزراء لإسرائيل 1977/1983زيارة المغرب لاشتراطه علنية الزيارة الرسمية عوض سريتها، مما يعني أنه وجهت له الدعوة و رفضها. و تبقى أهم زيارة هي تلك التي قام بها شمعون بيريز للمغرب 22-23 يوليوز 1986 المعروفة بقمة إفران و التي قام الجانب الإسرائيلي بتسريبها مما جعل الحسن الثاني يضطر مرغما للإعلان عنها. والغريب أن أبناء العمومة و إخوتنا في دستور المنوني من العبريين لم يراعوا للحسن الثاني صنيعه و مغامرته سيما و أن المغرب كان قبلة للقمم العربية، بما فيها القمم التاريخية التي تم فيها تمرير قرارات مصيرية مثل قمة الرباط 1974 و التي بموجبها أصبحت منظمة أبو عمار الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني و قمة فاس 1982 التي قدمت فيها مبادرة السلام السعودية، مما يبين أن الإخوة العبريين "ما يگر فيهم والو"! نفي متأخرررر و لكن في قمة الأدب أن تنتظر وزارة الخارجية المغربية ثمانية أيام بلياليها لكي تصدر بيانا مقتضبا في أقل من ثلاثة أسطر تنفي فيه خبر الهدية! فهذا دليل على أن المسألة معقدة و معقدة جدا و إلا لما انتظرت مضي ثمانية أيام، علما أنه في الأعراف الدبلوماسية خبر التكذيب خاصة إذا كانت له تبعات كبيرة لا بد أن يحصر بين 24 س 48س لا بعد فوات 200 ساعة و هو الذي حصل؟ و استنادا إلى البلاغ الموجز المهذب نجد أن الوزارة نفت خبر الهدية للإرهابية تسيفي ليفني من دون نفي خبر اللقاء مما يعني أنه قد تم لقاء بين الجانبين.أما صيغة البيان فكانت جد جد مؤدبة لدرجة أنها نعتت الإرهابية ليفني ابنة إيتان ليفني السفاح الرهيب، و وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة بالسيدة ليفني، و لم تستعمل حتى مصطلح تكذيب بل استعانت بمصطلح أظرف منه و هو نفي مع ما بين المصطلحين من اختلاف!كما أنها تجنبت ذكر صحيفة معاريف و ما أدراك ما معاريف إذ بني الخبر النافي إلى صيغة المجهول و التعويم حيث قالت "و تناقلته بعض الصحف "؟و الأكيد و أنه من باب أضعف الأيمان الدبلوماسي وأمام هذه "الإشاعة و الخبر الزائفين" كان ينبغي أن تحذو دبلوماسيتنا نفس حذوها أمام ما كان ينشر من أخبار زائفة كما حدث مع المنابر الإسبانية و وكالة الأنباء الفرنسية في واقعة مخيم أكديم إزيك، حيث كان الرد صارما و هجوميا،و لم تكتف بذلك حيث تعدته إلى مقاضاة القناة الإسبانية الخاصة التي بثت الصور المغلوطة، مع تجييش طاقم من المحامين و من أفراد العائلة ، و الذين قضوا أجمل عطلة في حياتهم في الفنادق الأوروبية الفخمة، في سياحة ضمن برنامج الدبلوماسية الموازية،و إن كان البعض يرى أن الاسم الحقيقي لهذه الدبلوماسية هو نعتها بالدبلوماسية "التبراعية" أو "المسارياتية" أو حتى الدبلوماسية الاستجمامية! فلماذا لم ترفع دعوى قضائية ضد صحيفة معاريف الإسرائيلية كما فعل مع غيرها؟و لماذا لم تعامل معاملة تليق بالحادث؟ و لماذا التأخير؟علما أن نشر هذا الخبر أو اختلاقه و في هذه الظرفية التي يعاني فيها المخزن من محنة الحراك الشعبي غير المسبوق و سقوط طابوهات المقدسات السلطانية من شأنه أن تكون له تداعيات غير محمودة، علاوة على اغتيال الحارس الشخصي للملك في حادث أقل ما يمكن وصفه بأنه غامض؟ كلها عوامل تدعو إلى تسرب القلق و علامات الاستفهام الكبرى؟ مسألة أخيرة و تفتل في قضية الدستور الجديد الذي يروج على أنه يفصل السلط، و الطريق السحري إلى الجنة الديمقراطية الموعودة، فلماذا لم تتكلف وزارة التشريفات و الأوسمة بالبيان طالما أن القضية لا علاقة لها بالحكومة فالزيارة زيارة حبية شخصية بين آل الفاسي عبر منتدى ميدايز للسياحة السياسية و الإرهابية ليفني التي انتهت لتوها من دكتوراه تطبيقية عنوانها محرقة غزة و جاءت إلى المغرب من أجل تلقينهم- هم الأحبة- مسألة حوار الحضارات و حقوق الإنسان و كيفية الرقي بها ! لذلك فلا دخل لوزارة الخارجية في القضية ! لأنها قضية من الأساس شخصية و ليست رسمية؟ اللهم إذا كان الوالد الطيب الفاسي يستغل منصبه على رأس وزارة الخارجية من أجل رفع الحرج عن ابنه إبراهيم باترون ميدايز، على اعتبار أنه مول الحَصْلَة و سبب الرْوِينَة و أش داه يعرض المنحوسة ليفني؟ والحال أننا أمام واقع إسرائيلي مؤسساتي هو تقرير لا أظنه مفبركا، لأن ما يعني الخزينة الإسرائيلية هو استرجاع الهدايا من دون السؤال عن أصلها و لا فصلها!فكل ما يهم الإخوة العبريين هو تطبيق قانون" حط و اجبذ و رجَّعْ اللي اعْطَاوْك".و كأنهم يطبقون الإسلام في أحكام الخدمة العامة مصداقا لقوله صلى الله عليه و سلم "هلا جلست في بيت أبيك،أو في بيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا". و صراحة لا أعرف لصالح من تقوم الدولة العبرية بصناعة هذا الخبر و الادعاء بأن الإرهابية أو السيدة ليفني- بتعبير الرواية الرسمية- قد أهديت لها عقد فريد؟و هي التي فقدت كم من رئيس عربي صديق و محب حليف تبيع لصيق .فالخبر إن كان مختلقا أقل ما يجوز وصفه بأنه ستكون له تبعات على النظام المغربي؟و حتى الذي يقرأ ترجمة الخبر، يلحظ أن الخبر يهدف إلى إحراج الإرهابية ليفني ضيفة منتدى ميدايز الكبيرة بالأساس، لأنه يبدو أنها أرادت أن "تضرب النَّح عن العقد و تَصْهَرْ عليه".و الحقيقة و حسب الوصف و الكلام الذي قيل عن العقد فهو يستحق أن تتحول من أجله ليفني من الإرهابية ليفني إلى السارقة ليفني!يعني فقط الانتقال من شعبة الإرهاب و التقتيل إلى شعبة السرقة و النصب و التشلهيب. والخلاصة أن هذه القضية ينطبق عليها المثل المغربي القائل" فيما ضربت لقرع يسيل دمو" و ما أكثر القُرَعْ في بلاد المخزن! لدرجة أن معظم أبناء دار المخزن قد سقط شعرهم و تحولوا إلى " قُرَعْ " بمن فيهم شلة حاملي شعار الدعوة إلى مقاطعة التطبيع و الذين "دَارُو عين مِيكَة على الموضوع" ؟ سيما و أن الرواية الرسمية ركيكة و الأهم من ذلك قديمة ومتأخررررة و "طايلة" !