ربَطتْ دراسة بيْن عودة النفَس الاحتجاجي إلى الساحة المجتمعية في المغرب، وبين الصعوبات الكبيرة التي تواجهها ملاءمة القوانين العادية للمبادئ الدستورية، والاستجابة للحدّ الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتطبيق القضائي للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة في الدستور، رغم أنه حقق تقدما ملحوظا، من الناحية المعيارية، من خلال تقوية هذه الحقوق. الدراسة الموسومة بعنوان "الدستور المغربي: المستجدات وحصيلة التفعيل"، التي أعدّها حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط، ونشرتها المنظمة العربية للقانون الدستوري، أشارت إلى أنَّ التجربة الدستورية الحالية تتميّز بتضخيم الحديث عن "التأويل؛ إذ لا يتمّ ذكْر دستور 2011 إلا مقرونا بالحاجة إلى التأويل الديمقراطي". وخُصّص الفصل الأول من الدراسة للشق المتعلق بالحماية الدستورية للحقوق الفردية، انطلاقا من مقاربتها من زاوية التقدم الدستوري وضُعف الملاءمة التشريعية والتنظيمية؛ حيث خلُصت الدراسة إلى أن الوثيقة الدستورية، وإن سجّلتْ تقدّما معياريا في مادة الحقوق الفردية، فإنّ المشرّع مُلزَم بإعادة النظر في تعديل نصوص القوانين العادية قصد تجويدها وملاءمتها مع فصول دستور 2011. الحاجة إلى ملاءمة نصوص القوانين العادية مع فصول الوثيقة الدستورية يستمدُّ ملحاحيّته، حسب ما جاء في الدراسة، من كون فصول دستور 2011 تتيح هامشا واسعا من الحريات والحقوق الفردية، إضافة إلى حاجة المنظومة القانونية والتنظيمية إلى نفَس ديمقراطي لمواكبة الاجتهادات القضائية والتوجّهات والاتفاقيات الدولية. وفيما تسير الحكومة نحو استكمال تفعيل نصوص القوانين التنظيمية التي نصَّ عليها الدستور، فإنَّ مسار الوضع الحقوقي في المغرب، في علاقة بما عُرق بحَراك الريف، قد أعاد بقوّة طرح سؤال محدودية الضمانات الدستورية والقانونية والقضائية اللازمة لاحترام حقوق الإنسان. وبخصوص دور المعارضة البرلمانية في الدستور الحالي، توقفت الدراسة عند محدودية حصيلتها التشريعية التي لم تتجاوز حوالي 7% من القوانين المصادق عليها بمبادرة برلمانية، مقابل 93% من القوانين المصادق عليها بمبادرة حكومية. وعلى المستوى الرقابي، قالت الدراسة إنّ المعارضة لم تستطع، في علاقتها مع السلطة التنفيذية، أن تفعّل أيّا من الآليات الرقابية الأساسية. وفي ما يتعلق بالقضاء الدستوري، قالت الدراسة إنَّ أسلوب الانتخاب والتعيين المعتمد في تشكيل المحكمة الدستورية (المجلس الدستوري سابقا)، والانفتاح على الدفوعات الدستورية المقدَّمة من طرف المواطنين، "يجعل القضاء الدستوري المغربي (يترنّح) بين الهيئة القضائية والهيئة السياسية". ووفق ما جاء في الوثيقة ذاتها، فإنَّه بالرغم من تطور القضاء الدستوري المغربي من حيث التركيبة والاختصاصات والتسمية، فإنّ عددا من قراراته تتسم بغلبة التفسير الرئاسي للقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية، وعدم قدرته على إصدار قرارات دستورية جرّيئة من شأنها أن تُزيل بياضات وفراغات الفصول الدستورية، من جهة. من جهة أخرى، قال حسن طارق، الذي أشرف على إنجاز الدراسة، إنَّ الدستور الحالي ينطوي على عدد من "التوتّرات"، و"الفخاخ"، مشيرا، في هذا الإطار، إلى مسألة الصلاحيات الاستراتيجية التي تمتلك فيها الحكومة صلاحيات الاقتراح والتداول، وتعودُ صلاحية البت النهائية فيها إلى الملك الذي يرأس المجلس الوزاري. وقال طارق في ندوة قُدمْت فيها الدراسة، أمس بكلية الحقوق السويسي، إنّ الدستور كان غامضا في ما يتعلق بالصلاحيات الاستراتيجية المشتركة بين الملك والحكومة، "وجاء القانون التنظيمي ليوسع من دائرة ما هو استراتيجي، ووسّعها بشكل كبير، بعدما كان مُصيغو الوثيقة الدستورية يفكّرون في مؤسسات استراتيجية محدودة العدد".