130 مليون طن حجم الرواج المينائي المغربي.. المسافنة تسيطر بنسبة 49.4%    "3 لاءات" نقابية تواجه خطط الإصلاح الحكومية لأنظمة التقاعد المغربية    الغذاء والدواء..مساعدات ملكية جديدة تعبر نحو غزة    بنغفير يجدد اقتحامه للمسجد الأقصى وسط حشد من المستوطنين المتطرفين ويؤدون طقوسا تلمودية    مبابي يشهد.. حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    المغرب يتفوق على أنغولا بثنائية في افتتاح مشوار "الشان"    كأس إفريقيا للمحليين.. هذا التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأنغولا    موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    الناظور..مالك كشك "شارع 80" يعلن نيته الطعن قضائياً بعد إغلاق محله    ما حقيقة مقاطعة أفراد الجالية السفر للمغرب؟.. الداخلية الإسبانية تنفي        طز المشرق وطز المغرب    الجديدة.. جريمة قتل مروعة تهز حي سيدي موسى بوسط المدينة .    السكيتيوي يكشف تشكيلة "الأسود" أمام أنغولا في افتتاح "الشان"    نازهي يسائل وزير الثقافة حول اختلالات مسرح محمد عفيفي بمدينة الجديدة    الستاتي والرحماني يُسدلان الستار على مهرجان العيطة المرساوية    وزير الداخلية يعقد بالرباط اجتماعين مع قادة الأحزاب السياسية في شأن التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    4 أحواض مائية لا تتجاوز 30 بالمائة.. وملء السدود يلامس "مستويات حرجة"    الرجاء البيضاوي ومرسى ماروك: شراكة غير مسبوقة تؤسس لعصر جديد    الشيبي وبنتايك الأفضل بدوري مصر    جمعية أنزا الهجرة والتنمية تنظم الدورة الرابعة لمهرجان المهاجر    استياء واسع بسبب ضعف صبيب الأنترنيت باقليم الحسيمة    بنكيران: مافهمته من خطاب سيدنا هو أنه "Il a désavoué" تجربة حكومة 2021    وزير خارجية غامبيا: المغرب، ركيزة للاستقرار في إفريقيا    الدبلوماسية البيئية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية للمغرب.. الوكالة الوطنية للمياه والغابات نموذجا    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش    أنفوغرافيك | جهة سوس ماسة.. تتصدر حالات إفلاس الشركات    تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالعرائش    كتاب طبطبة الأحزاب /3من5    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    شهادات جامعية مزورة تهز المشهد السياسي في إسبانيا    بوعياش ضمن قائمة نساء إفريقيات ملهمات لسنة 2025    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !            ثوران بركان في روسيا للمرة الأولى منذ أكثر من 450 عاما    الفوضى تعيق المساعدات في غزة    حملة دولية للمطالبة بالإفراج الإنساني عن ناصر الزفزافي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    مطالبًا بالحقيقة والعدالة.. شقيق مروان المقدم يشرع في إضراب مفتوح بالحسيمة    قلق داخل الجيش الإسرائيلي من ارتفاع معدلات انتحار الجنود بسبب المشاهد الصعبة في غزة    قافلة طبية تخفف معاناة مرضى القلب بجرسيف    تقرير: أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم .. 87 بالمائة منها بيد دولتين فقط    تهديدات جهادية تستنفر درك السنغال    جباري يعزز هجوم سينسيناتي الأمريكي    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأويلات دستور2011 : تانفس ام متاهات؟
نشر في لكم يوم 11 - 06 - 2013

اثار قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي باقتراح الانسحاب من الحكومة ، ولازال يثير قراءات متعددة ، لعل ابرزها ما يتعلق بالإحالة على الفصل 42 من دستور 2011 .
فهناك من اعتبر التأويلات التي تعرض لها الفصل 42 من الدستور في الايام القليلة الماضية ، لا يمكن وصفها سوى بالتأويلات المتعسفة التي تغض الطرف عن الاجابات الواضحة التي قدمها الدستور حول موضوع الاستقالة من الحكومة، باعتبار انه من باب التعسف في التأويل اقحام اشكالية الخلاف بين حزبين سياسيين حول قضايا التدبير العمومي ضمن مجال التحكيم الملكي,ويتصور بان الفصل 47 يشتمل ضمنيا على امكانية التحكيم باعتبار ان رئيس الحكومة ، اذا كان حريصا على اغلبيته البرلمانية ، سيحاول تدبير الخلاف مع طالبي الاستقالة للوصول الى حل يرضي الجميع.
بل ان الكثير من القراءات والتحاليل ربطت بين الاحالة للفصل 42 وبين الاستعمال السياسي للفصل 19 في التجارب الدستورية السابقة، باعتبار ان المقصود بالإشارة للفصل 42 في قرار الجهاز التقريري لحزب الاستقلال هو بالضبط طلب تحكيم ملكي .
الاكيد ان فكرة التأويل الدستوري جاءت في البداية لتجاوز غموض وقصر النص الدستوري ومنحه حياة طويلة بالاستجابة للمتطلبات الجديدة للحياة السياسية عبر تنافس التأويلات والقراءات المتجددة للأطراف الثلاث:الفاعلين السياسيين القضاء والفقه الدستوريين، تأسيسا على الفكرة التي تنطلق من كون النص الدستوري عقدا مفتوحا للخلق والتشكيل المستمر ونصا في طور البناء.
على هذا الاساس يمكن حصر تأويل الدستور في التأويل السياسي والتأويل القضائي,ولا مجال للحديث عن التأويل الديمقراطي او التأويل المتعسف ..فالتأويل السياسي يعتبر الدستور نتاجا لتوازن معين للقوى السياسية ويروم ادماج التغيرات غير المتوقعة لحظة وضعه ، وهو ينطلق من سلوك الفاعلين واختياراتهم العقلانية التي تحول الدستور الى مجرد تقنية لترجمة ارادات الاطراف التي تعطي معنى للنص وتؤسس لدستور حقيقي قادر على خلق قواعد لعبة اشتغاله.
على عكس ذلك فان التأويل القضائي عبر قرارات القضاء الدستوري يؤدي الى ارساء تبعية السياسي للقانوني عبر احتكار القضاء الدستوري منح الشرعية القانونية للقرارات السياسية ، لان العدالة الدستورية تجد اساسها في وجوب حماية القواعد الدستورية من اي خرق تطبيقا لمبدأ سمو الدستور الذي يعني وضع القواعد الدستورية في مكانة سامية تعلو على جميع السلطات وتخضعها لأحكامها كي يتحقق خضوع الدولة للقانون.
فإذا كان ا قرار دستور جديد يشكل لحظة اساسية في حياة الشعوب ، لكونه يجسد طموحاتها في قامة دولة الحق والقانون ,فانه في المغرب شكل اقرار دستور 2011 في استفتاء فاتح يوليوز مناسبة للتساؤل عن مدى قدرته على تاطير عملية التحول نحو الديمقراطية .
فبصرف النظر عن التحليل الذي يرى بان الغموض الذي يكتنف دستور 2011 له علاقة بالشكل والمضمون,حيث تخللت الدستور اساليب وتعابير تكاد تبتعد عن الصياغة المركزة والجامعة والمانعة ,وخاصة في اسمى وثيقة تشريعية,فان مقتضيات الدستور الجديد لم تخرج عن التوجه الذي هيمن على الدساتير المتعاقبة في المغرب ، المتمثل في الاعتراف بالمبدأ من طرف السلطة التأسيسية على اساس تنظيمه من طرف السلطة التشريعية ، عكس ما هو معمول به في جل الدول الانكلوساكسونية ، حيث ان الدستور لا يكتفي بقرار المبدأ، ولكنه ينص بكيفية واضحة وملموسة على الضمانات الاساسية ، وخاصة على مستوى المسطرة ، وهذا ما يعتبر تحديدا صريحا للمجال الذي يتدخل فيه المشرع .
من جهة اخرى ، فانه بالنظر لتوسع كثلة الوثيقة الدستورية بالقوانين التنظيمية، وحشر احكام التشريعات العادية ضمنها، لا يمكنه إلا ان يساهم في شرعنة التأويلات وتعدد القراءات.
فطبيعي ان تعرف الحياة السياسية تنافسا بين التأويلات المتباينة، لأنها تمنع النص الدستوري من ان يصبح ميتا لحظة إنتاجه وتجعله ينبعث بشكل افضل بفعل دينامية التأويلين السياسي والقضائي.
الاكيد ان مقتضيات دستور 2011 عرفت تأويلات متعددة منذ اقراراه، سواء من طرف الفاعل السياسي او القضاء الدستوري ، وبالتالي لا يمكن وصفها إلا بالتأويلات السياسية او القضائية حسب الجهة التي قامت بالتأويل، ولا مجال لإضفاء صفة الديمقراطية او التعسف عليها .
فانطلاقا من تشكيل حكومة الاستاذ عبد الالاه بنكيران نجد ان الاغلبية توافقت على تأويل سياسي للفصل 87 من الدستور قضى بان تتألف الحكومة من وزراء ووزير دولة بدون حقيبة وزارية ووزيرين منتدبين في الداخلية والخارجية رغم ان الفصل 87 ينص على ان "تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء ويمكن ان تضم كتابا للدولة ..."بل ان التأويل السياسي لهذا الفصل سمح للحكومة بان تمارس صلاحياتها ,بشكل طبيعي ، لمدة ازيد من سنة ، في غياب قانون تنظيمي محدد للقواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير اشغالها والوضع القانوني لأعضائها ..كما ينص على ذلك الدستور .
وإذا كانت الاغلبية الحكومية قد قامت بتأويل سياسي معين للفصل 49 من الدستور الذي يسند الى قانون تنظيمي تحديد لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية التي يتم تعيين المسؤولين عنها في المجلس الوزاري والفصل 92 الذي ينص على تتميم لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة وتحديد على وجه الخصوص ، مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف,فان المجلس الدستوري في قراره 854.12 بتاريخ 13 يونيو 2012 انتج تأويلا قضائيا ينطلق من كون" الدستور لا يتضمن تعريفا قانونيا للمؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية واعتبار ان "معايير تحديدها لا يمكن ان تكون مطلقة ولانهائية "، ومن كون "الدستور اسند الى المشرع صلاحية تقدير ما يندرج وما لا يندرج في مضمار المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية وهي صلاحية ليس للمجلس الدستوري التعقيب عليها طالما ان ممارستها لا يعتريها خطا بين في التقدير .."ليخلص ان لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية التي يتم تعيين المسؤولين بعد المداولة في المجلس الوزاري ولائحة المؤسسات والمقاولات العمومية التي يتم تعيين المسؤولين عنها في مجلس الحكومة المذكورتان ليس فيهما ما يخالف الدستور....فهل يمكن وصف التأويلات السابقة بالمتعسفة؟
الاكيد ان الوثيقة الدستورية لا تتوفر على محتوى قانوني واحد ولا على اولويات سياسية قارة بفعل تقلبات ميزان القوى وتدخلات القضاء الدستوري، لان المشرع الدستوري اناط بالفاعل السياسي والقاضي الدستوري دور اعطاء المعنى الواقعي للنص بالشكل الذي يجعل الزمن السياسي مدمجا في النص الدستوري ويحقق خضوع الدولة للقانون ، فتنافس التأويلات شيئ طبيعي ولكن بالقدر الذي لا يدخل الحياة السياسية والدستورية في متاهات تفرغ الوثيقة الدستورية من مضمونها وروحها المستمدة من السياق العام الذي انتجها.
بالعودة الى سياق هذا المقال وهو قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي باقتراح الانسحاب من الحكومة مع الاحالة على الفصل 42 من الدستور لابد من ابداء الملاحظات التالية :
- اعتقد ان انسحاب حزب من الاتلاف الحكومي اكبر وأعمق من مجرد استقالة فردية او جماعية من الحكومة التي يمكن ان ترتبط بتعديل وزاري من خلال تغيير بعض الوزراء بوزراء اخرين او تغيير هيكلة الحكومة في اطار نفس التحالف القائم ، لكن الانسحاب من الحكومة يقتضي بالضرورة مراجعة جميع التفاهمات التي انتجت التحالف الاول والتي همت جميع المؤسسات بما فيها مجلس النواب بالنظر لتغير اطراف الاغلبية والمعارضة و بالنتيجة سيؤدى الى تغيير تركيبة اعضاء مكتب مجلس النواب ، ومن الطبيعي ان يؤدي ذلك الى التأثير على حسن سير المؤسسات الدستورية .
-لابد من التذكير بان مذكرة طلب التحكيم الملكي بتاريخ 27ابريل 1992 التى تغيت بلورة مسطرة التراضي في مقابل المسطرة التشريعية المنصوص عليها في الدستور صبت في اتجاه تهميش الدستور اكثر منه استبطان للمضمون التأويلي للفصل 19 من الدستور السابق,ورغم ذلك فان خطاب التحكيم الملكي اكتسى حينها دلالة واضحة على مستوى الحياة السياسية والدستورية المغربية بالنظر الى ان الملك بالرغم من تأكيده للمعارضة البرلمانية بأنه "ليس هناك في الدستور اي فراغ يؤهلكم ويؤهلني كملك لان تحتكموا الي واقبل التحكيم..."كان قد اضاف "ولكن في الحقيقة فهمت وأدركت بان التحكيم هو قبل كل شيء تحكيم سياسي ,وهذا ما جعلني افكر فيه سريعا واقبله بكيفية بديهية ....."
- بعد انتخابات سنة 2002 وخروج الوزير الاول السابق الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي من الحكومة ,سيتولى شخصيا التصريح بما يفيد ان دستور 1996 لم يكن صالحا لتاطير زمن الانتقال الديمقراطي ويؤكد التحليل الذي يعتبر ان "انهيار الشرعية الدستورية بانشطارها بين الضمني والصريح ,بل وتغلب الدستور الضمني على الدستور الصريح ، واختزال الحياة الدستورية والسياسية بكاملها في فصل واحد هو الفصل 19 من دستور 1996، لا يمكنه إلا ان يقوض هذا الانتقال ويجعل منه متاهة من المتاهات"فهل يمكن اعتبار دستور 2011 الدستور القادر على "تامين "و"تاطير "الانتقال الديمقراطي الحقيقي؟هذا التساؤل طرحته سنة 2011 ، في اطار بحث انجزته ، واعتبرت حينها ان الممارسة السياسية لكافة الفاعلين هي الكفيلة بتحديد طبيعة المرحلة التي يقبل عليها المغرب والتي لا يمكن النظر اليها ، في ظل الشروط والمقدمات إلا بكونها "قفزة في المجهول".......اليوم تكرس هذا الاعتقاد وتعزز بفعل غياب ممارسة سياسية لدى كافة الفاعلين تصب في اتجاه خلق ضوابط للحياة السياسية وفي ظل محدودية جرأة القضاء الدستوري ....
باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.