ألاحظ دائما أن الطفل المغربي حين يصف لي الجو العائلي متحدثا عن علاقته مع أبيه، أو عن العلاقة بين أبيه وأمه، يستعمل أسلوبا ومفردات أكبر من سنه؛ إنه يستعمل أسلوب الراشد وبالضبط أسلوب الأم..أعرف جيدا أسلوب الأم المغربية عندما تشتكي من عنف زوجها. بالفعل الأم المغربية ضحية لسلوكات وتصرفات مؤذية، يقوم بها الزوج المغربي، ولكن الخطير في الأمر أنها عندما تشتكي لأطفالها مما تعانيه في علاقتها مع زوجها يتأثرون كثيرا وينحازون إليها، وهذا عامل أساسي في سوء العلاقة العاطفية بين الأبناء والأب. فما هي الأخطار التي يتعرض لها الطفل المغربي الذي يعيش هذا "السيناريو الكلاسيكي" الذي بتنا نراه في كل البيوت؟: "تقوم النزاعات بين الزوجين أمام أعين الأطفال، وبعد تبادل الألفاظ النابية يغلق الأب وراءه باب المنزل بقوة ويخرج ساخطا على الوضع بأسلوب مثل "هادْ الدّارْ ما فيها راحة" أو "ديما مْحَرّْرَّة ليَ العيشة هادْ المْراة" أو "الله يْلعْنْ بوهْ زواجْ هادا"... بعد ذلك تعود الأم لتبكي وتشتكي متجهة إلى أبنائها – واضعة إياهم في موقف الشهود- فتسترسل: "شْفْتو عْلاشْ أنا صابْرا وْ مْضْحّْية بْحْياتي عْليكم؟" أو "وْالله ما كْنْتو نْتوما لا بْقيتْ نْهارْ واحْدْ معاهْ" أو "ماعْمْرو وْلا يْقولْ كْلمة حْلوّة...". 1- انعدام الثقة في النفس: الأبوان من يملآن الطفل ثقة في نفسه؛ ولكن في هذا السيناريو سيشعر الطفل بانعدام الأمان والثقة، بفعل انعدام المحبة بينهما، وسيظن أنه ثمرة الكراهية لأنه وُلد من طرف أبوين متناحرين. فكيف لهذا الطفل أن يشعر بالأمان والثقة في النفس ووالداه على وشك الفراق؟. 2- صورة مشوهة عن مؤسسة الزواج: ترسخ هذه الصورة في ذهن الطفل، ويعيد إنتاجها بتفاصيلها الدقيقة في كبره، كما عاش أطوارها بين أبويه. 3- تشويه صورة الأب: يرى الطفل أن الأب عنيف ولا يحب أمه، وبالتالي لا يحب أبناءه، فتنطبع في ذهنه صورة مزعجة ومغلوطة عنه تنعكس سلبيا على توازنه النفسي مستقبلا. 4- علاقة نزاع مع الرجل: أول لقاء للفتاة مع "الرجل" يكون مع أبيها. لكن من خلال هذا السيناريو تصنع الطفلة صورة عن الرجل يسودها العنف وغياب العاطفة والاحترام، وعبر مراحل سنها تستعد لمواجهة زوجها بالتصور الذي صنعته عن أبيها في صغرها، فتسعى في كل سلوكها إلى البحث عن ذلك "الأب العنيف" في شخص زوجها، كما تبحث عن كيفية التحول هي الأخرى إلى ضحية مثل ما فعلت أمها. 5- علاقة نزاع مع الزوجة: يصنع الطفل الذكر صورة ملونة بالعنف والقسوة عن أبيه؛ فيسعى إلى التحلي بسلوك معاكس لسلوك الأب..ولكن سرعان ما تنتج الزوجة أسلوب الضحية وتذكره بأمه وبما عانته مع الأب، فينتقم منها لأنها سبب في إعادة هذه الذكريات المؤلمة وينتج بدوره العنف الأبوي الذي رفضه في السابق. 6- نزاع عاطفي مع الأبناء: - بالنسبة للذكر: يتأثر الطفل من هذا السيناريو ويحكم على الأب بالقاسي والعنيف، إلى درجة أن بعض الأطفال يتمنون موت الأب، وهذا يخلق لديهم الإحساس بالذنب فيصنعون حاجزا أمام العاطفة الأبوية وتصبح العلاقة فيها تنازع عاطفي. وبالتالي لا يتعلم الطفل التعبير العاطفي الأبوي، ويجهل طبيعة العلاقة العاطفية السليمة بين الأب والأبناء..بفعل ذلك يتحول الطفل بعد كبره إلى أب ينتج نفس النزاع العاطفي مع أبنائه. - بالنسبة للأنثى: تتأثر الطفلة من سلوك الأم "الضحية" التي تبتزها عاطفيا إلى أن تزرع فيها الإحساس بالذنب لأنها سبب تلك "التضحية"، فتتأثر سلبيا. فالأنثى مثل الذكر لا ينشآن في ظل علاقة عاطفية سليمة مع الأم. وحين تصبح الفتاة أماً تنتج نفس السلوك مع أبنائها وتحتجزهم وتبتزهم عاطفيا.."أنا ضْحّيتْ عْليكم حْياتي وْ شْبابي وْ قْرايْتي". 7- اضطراب في الشخصية: تتكون شخصية الطفل المغربي مضطربة بفعل هذا السيناريو الذي يكرس شعوره بالخوف والقلق الدائمين في غياب الأمان وانعدام التعبير الحقيقي عن الحب بين أبويه. الحب والأمان والاستقرار والفرح والسعادة بين الوالدين عوامل أساسية لتكوين سليم ومتوازن لشخصية الطفل. 8- اضطراب مدرسي: كيف للطفل الذي يشعر بالخوف المزمن وعدم الأمان العائلي أن ينام براحة ويتفرغ للدراسة والتحصيل؟. لست بصدد إعطاء حلول. ولكنني أناشد كل عاقل وراشد أن يبحث ويجتهد ويفكر ويتشاور مع الآباء ليجد حلولا كي لا يعيد إنتاج سلوك والديه، المؤدي إلى هذه الأخطار، في حياته الزوجية وفي علاقته العاطفية مع أبنائه. وأظن أنه من الحكمة وحمايةً للأطفال أن يترك الأزواج أبناءهم خارج نزاعاتهم وألا يستغلوهم عاطفيا كرهائن في مشاكلهم، لأن هذا النموذج لا يترك فرصة للناشئة في العيش تحت ظل عاطفة حقيقية تتيح الفرصة لبناء شخصية مغربية متزنة ومجتمع خال من العقد. *خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي