كثير من المفكرين الذين حاولوا تمرير رسائل سياسية وغيرها بالمجتمع الذي يعيشونه على لسان الحيوانات، إذ يجعلون منها أبطالا لرواياتهم، ويسردون عبرها قصصا ويبعثون رسائلهم المشفرة والواضحة أحيانا إلى من يعنيهم الأمر. حسن أوريد، الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، اختار أن يسير على هذا المنوال، وأن يسافر بقرائه ومتتبعيه إلى عوالم سياسية واقتصادية، ويصور من خلال روايته "الأجمة" المشهد الذي يبدو غير واضح لكثيرين، وهو يحاكي بذلك تجربة كتابة "كليلة ودمنة". حملت رواية الباحث المغربي العديد من الرسائل والدلالات، التي حاول تمريرها من خلال "الأجمة"، حيث جسّد الفاعلين السياسيين في شاكلة حيوانات، بين السباع والذئاب والبعبع والأكباش والحمام وغيرها، مخاطبا بذلك المشهد السياسي والحزبي على الصعيد الوطني والعربي برموز حيوانية. هذا العمل الروائي كتبه حسن أوريد سنة 1994 وظل حبيس الرفوف ولم يستطع إخراجه إلى حيز الوجود، بالنظر إلى ارتباطاته في أجهزة الدولة، ليظل الأمر متوقفا إلى غاية بروز ما يسمى بالربيع العربي.. حينها، كان الكاتب قد تخلى عن جميع الوظائف الرسمية ليقرر بعث هذا المولود الذي أثار جدلا كبيرا، خاصة أنه صادر من رجل يعرف "دار المخزن" وتربى وسطها. وبالرغم من كون حسن أوريد وضع مساحة مهمة في روايته "الأجمة" لمرحلة انتقال السلطة من الخلافة الراشدة إلى معاوية، فإن جزءا مهما فيها تطرق به إلى تاريخ المغرب من مرحلة بناء المخزن إلى عهد الحماية الفرنسية، قبل أن يتحدث عن الأنظمة العربية الثورية في ليبيا والجزائر ومصر. وحاول والي جهة مكناس تافيلالت سابقا أن يوظف الغابة والحيوانات على فترات مهمة من التاريخ العربي؛ فقد وصف في روايته "بوحمارة" ب"أوشن"، وعملية تأميم قناة السويس في مصر بتأميم المطحنة، وغيرها من الاستعارات التي وظفها الكاتب من قبيل تمرد الأكباش الذي يدل على ما عاشته الجارة الشرقية الجزائر من أحداث بعد توقف الانتخابات. رواية حسن أوريد كانت مليئة بالاستعارات وتحيل بشكل واضح إلى المشهد المغربي بشكل كبير، من خلال تجسيده لصراع "السباع" الذين يحيلون في روايته إلى المخزن، مع "الذئاب" الذين يمثلون المعارضة في شخص اليساريين، ثم الأكباش وهم الإسلاميون، إذ يحاول كل طرف من هؤلاء إثبات أحقيته بالاستفادة من ثروات الأجمة. حاول المفكر المغربي حسن أوريد، من خلال روايته، أن يجعل هذه الحيوانات تتكلم، عن طريق الاستعارة التي عمل على اختيارها وانتقائها بدقة، موجها بها رسائله وحتى مواقفه السياسية التي كان غير قادر عن الكشف عنها بسبب الصفات والمسؤوليات التي تقلدها في هرم "الأجمة". وإن ما أثار الانتباه من خلال رواية حسن أوريد هو أن المؤلف استعمل في "أجمته" مجموعة من الدلالات والأماكن الجغرافية باللغة الأمازيغية؛ وهو ما يفهم منه أن مؤرخ المملكة السابق قد يكون حاول تصحيح التاريخ والتأكيد على أن الأمازيغ هم ساكنة المغرب الأولون. وإذا كان الأستاذ الجامعي قد استقرأ التاريخ وحاول توظيفه أدبيا من خلال روايته "الأجمة"، فإن أوريد عمل على بعث شحنة أمل من خلال المثقفين الذين شبههم في مؤلفه بالحمام، إذ يمكنهم الترفع عن الواقع واستعمال الأجنحة لذلك. ويعتبر أوريد، من خلال العمل الأدبي، أن المثقفين هم الذين عملوا من أجل الاستقلال وناضلوا عليه، وبالرغم من كل ما عرفته الأجمة فإن الحمام حافظ على الأمل.