تتزايدُ حالات الانتحار المسجلة في المغرب، إذ أصبحت تُسجّل أرقاما متزايدة في صفوف المُسنين وكبار العمر، التي سبق لمنظمة الصحة العالمية أن كشفت عنها، إذ إن المسنين المغاربة من الفئات الأكثر التي تنتحر، بنسبة 14,4 في المائة. ارتفاع نسبة انتحار المغاربة المتقدمين في السن سجلته منظمة الصحة في أول تقرير لها، حول "الوقاية من الانتحار.. ضرورة عالمية"، نُشر في عام 2014، إذ أقرت بالانتحار كأحد قضايا الصحة العمومية التي تحظى بالأولوية، لجعل الوقاية منه أولوية قصوى على جدول أعمال الصحة العمومية العالمي. الانسحاب من الحياة بهدوء تتداخل الكثير من العوامل والأسباب الذاتية والموضوعية، إذ يُرجعُ علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، انتحار المسنين إلى الإحساس بكونهم لا يعيشون عصرهم، بالقول: "كل الأشياء والأمور تغيرت وتتغير من حولهم دون أن يقدروا على مواكبتها أو استيعابها". ويضيف الشعباني، في تصريح لجريدة هسبريس، أن أفراد عائلة المسن قد يبتعدون عن هذا الأخير، سواء بالموت أو المرض أو بالانتقال للعيش في مدن أو بلدان أخرى؛ وهو "ما يصيبه بالإحباط والشعور بالملل، وخاصة إذا افتقد للرعاية والعناية اللازمة والضرورية في هذه المرحلة العمرية، وبالأخص إذا كان يعاني من أمراض مزمنة". ويستطردُ أستاذ علم الاجتماع أن الجدوى من البقاء، التي لا يجد لها أغلب المسنين جوابا، هي ما يدفعهم إلى "الانسحاب من معاناة الشيخوخة والهرم بهدوء"، إذ إن الكثير من المسنين الذين يصابون بالاكتئاب والأمراض النفسية والعقلية تولد لديهم الرغبة في الانتحار. ويكمل المتحدث أن" الحياة لم يعد لها أي معنى بالنسبة إلى المسنين، ولم يتبق لهم غير بعض الذكريات البعيدة والتي قد لا تساعدهم ذاكرتهم التي أصابها الوهن بدورها على تذكر بعض التفاصيل". وحين يصابُ جسد المسنين، يقول الشعباني، بالوهن والتعب وتصير حواسهم مضطربة تراودهم فكرة الانتحار. إهمال ذوي القربى ومعاناة أمراض الشيخوخة وابتعاد أنماط الحياة التي ألفها المسنون بفعل التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة قد تدفع العديد من المسنين إلى الانتحار، أو على الأقل التفكير فيه أو محاولة تنفيذه، يوضح الشعباني؛ فظاهرة انتحار المسنين أصبحت تؤرق المجتمعات الغربية أكثر مما هو عليه الأمر في المجتمعات التي ما زالت تعيش على إيقاع قيم التضامن والتكافل الاجتماعي. الموتُ هو الحل الوحيد من جهته، يرى جواد مبروكي، الخبير في التحليل النفسي والمجتمعي والعربي، أن الانتحار عند المسن له خصوصيته ولا يمكن مقارنته مع انتحار المراهقين والشباب؛ فالمُسن لا ينتحر بشكل اندفاعي أو انفعالي، بل هو قرار بعد تفكير طويل، إذ يصل المسن إلى قناعة بأن الموت هو الحل الوحيد، ثم يفكر في الطريقة التي ينتحر بها. وعن الطريقة التي يسلكها المسنون للانتحار، يقول مبروكي، في تصريح لهسبريس، إنها تكون عنيفة جدا ودائما ناجحة؛ لأن المسن يأخذ الوقت الكافي لتحضير طريقة الانتحار، وفي غالب الأحيان يختار الانتحار بالحبل عند الذكور والغرق في البئر عند الأنثى، وتكون الطريقة الأخرى أكل مسممات ضد الفئران، بمعنى أن "المسن يخطط انتحاره لكي ينجح مائة في المائة، وهذا ما يحصل مع الأسف". ويكمل المتحدثُ أن "المسن لا يقوم بمحاولة انتحار لإنذار إثارة انتباه محيطه، بل ينتحر لأنه يرى أن الموت وحده سيخلصه من عذابه". وخصوصية الانتحار عند المسن، حسب الخبير النفسي، هي "أن هذا الأخير لا يُظهر أي أعراض تدلنا على نيته للانتحار، بل على عكس هذا، نراه يقوم بأنشطته اليومية، ولا شيء يثير انتباه المحيط أو ينبأ بنيته المميتة"، والمسن يكتئب لأنه يرى أن قواه تنهار بشكل فيزيولوجي، و"إذا كان يعاني من مرض أو أمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم والروماتيزم، فهذه الأمراض المزمنة هي الأخرى تتسبب في الاكتئاب عنده". ويوردُ المتحدث أنه "من الممكن أن يعاني من اكتئاب مزمن بدون علاج، بالإضافة إلى معنوياته المنحطة؛ لأنه خرج إلى التقاعد، ولم يعد له دور اجتماعي أو أن كل الأبناء ذهبوا بعيدا وينشئون حياتهم، أو أن شريك الحياة قد مات ويجد نفسه وحيدا". طلب رأي الطبيب النفساني بالنسبة إلى العلاج، يؤكد الخبير النفسي أن "هذا أمر سهل، لكن ما هو أصعب هو أن نتوصل متى نعرض المسن على طبيب نفساني مختص في أمراض الشيخوخة، وهذا أمر غير سهل؛ لكن هناك مناسبات يجب طلب رأي الطبيب النفساني، مثلا بعد عملية جراحية أو كسر في الورك، أو إذا كان ضحية نوبة قلبية أو جلطة بالدماغ أو فقدان شريك أو شريكة الحياة وعند كل المسنين المصابين بأمراض عضوية مزمنة". ويزيدُ المتحدث، علاقة بما يمكن ملاحظته عند المسن الذي يفكر في الانتحار، عندما "يلاحظُ المحيط التغيير الطفيف في عادات المسن مثل التقليل في الأكل، الانعزال، الانقطاع عن المسجد والتقليل من الخروج من البيت، أو يشتكي بأنه متعب أو نلاحظ أنه لم يعد يركز في الحديث معنا كالسابق، أو بعض الاضطرابات بالنسبة للذاكرة، أو يأخذه الصمت بعض الثواني قبل أن يكمل الحديث وكأنه يبحث عن الكلمات، أو إذا ضعف فجأة قدرته على السمع"، والطبيب النفساني قادر على التشخيص للاكتئاب وإخضاع المسن إلى برنامج علاجي، يقول مبروكي. جدير بالإشارة أن الانتحار من الأمراض التي تحظى بالأولوية في برنامج منظمة الصحة العالمية للعمل على رأب الفجوة في الصحة النفسية، والذي تم إطلاقه في عام 2008؛ فقد التزمت الدول الأعضاء في المنظمة، بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2013-2020، بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بنسبة 10% بحلول عام 2020. *صحافية متدربة