عمال التوصيل يحتجون أمام شركة "غلوفو" بالدار البيضاء للمطالبة بتحسين ظروف العمل واحترام السيادة الوطنية    العدالة والتنمية يطالب السلطات المغربية بالتحرك العاجل لإطلاق سراح الإعلامي محمد البقالي المعتقل من طرف إسرائيل    سلا: افتتاح مكتب الاتحاد الدولي لكرة القدم في إفريقيا بمركب محمد السادس لكرة القدم    طنجة : إجهاض عملية لتهريب كميات من المخدرات    وسط ضباب كثيف.. عشرات المهاجرين يعبرون إلى سبتة المحتلة والمدينة تدق ناقوس الخطر    بدء دخول قوافل مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح    خبراء يدعون إلى استراتيجية شمولية للاستفادة من 700 ألف كفاءة مغربية بالخارج    محكمة الحسيمة تدين شخصا نصب على حالمين بالهجرة بعقود عمل وهمية بأوروبا    تقرير: المغرب يواجه تحديات مناخية كبرى و96% من جمعياته لا تعنى بالبيئة        هل يغض مجلس المنافسة الطرف عن فاحشي أرباح المحروقات؟    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني المغربي النسوي لكرة القدم على المسيرة المتألقة في كأس أمم إفريقيا للسيدات نسخة 2024    منظمة إسبانية تحتفي بمئوية "إنزال الحسيمة" بندوة مثيرة للجدل في الجزيرة الخضراء        وزير خارجية فرنسا: دول أوروبية أخرى ستتعهد قريبا بالاعتراف بدولة فلسطين    اليماني: مجلس المنافسة تحاشى الحديث عن مدى استمرار شركات المحروقات في مخالفاتها    عيد العرش.. مشاريع تنموية مهيكلة تعيد رسم ملامح مدينة أكادير    هيئات تستنكر التعديلات غير الدستورية للحكومة على قانون المجلس الوطني للصحافة    فيلدا: اللقب ضاع منا بسبب تفاصيل صغيرة    بنك المغرب: أرباح المجموعات البنكية تتجاوز 21 مليار درهم في 2024    مؤسسة الفقيه التطواني تعلن عن تنظيم جائزة عبد الله كنون    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    فيلدا حزين بعد خسارة "لبؤات" الأطلس.. التراجع عن احتساب ضربة جزاء أثر على سير المباراة    نيجيريا تحسم نهائي كأس إفريقيا للسيدات ب3-2 أمام "لبؤات الأطلس"    الجزائر تسحب بطاقات امتياز دخول مطاراتها وموانئها من السفارة الفرنسية    جمالي: تحديات ثلاث أمام تحويل الدعم المباشر إلى رافعة للتمكين    الملك يهنئ المنتخب الوطني النسوي    بين ابن رشد وابن عربي .. المصباحي يحدد "أفق التأويل" في الفكر الإسلامي    من قلب +8: أسئلة مؤجلة من المستقبل عن الهوية والتنمية وروح المجتمع    موجة جفاف غير مسبوقة تضرب إيران    رقم 5 يُكرّس بقاء أكرد في "وست هام"    كينيدي يعيد هيكلة الصحة الأمريكية    "عدو هارفارد" يستهدف جامعات أمريكا    تهنئة من السيد محمد بولعيش، رئيس جماعة اكزناية، بمناسبة الذكرى ال26 لعيد العرش المجيد    مهمة استطلاعية حول دعم استيراد المواشي واللحوم تُواجه مأزقاً سياسياً بالبرلمان    مشروع "تكرير الليثيوم" ينوع شراكات المغرب في قطاع السيارات الكهربائية    "حماة المستهلك" يطالبون باليقظة أمام زحف العطور المقلدة في المغرب    نسبة ملء سدود المغرب تستقر عند 36% وتفاوت واسع بين الأحواض المائية    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين التحدث صوتيا مع المساعد الذكي "ميتا أي"    بيدرو باسكال .. من لاجئ مغمور إلى ممثل يعكس قلق العالم في هوليوود                    وفاة الموسيقار اللبناني زياد الرحباني        صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    عصيد: النخبة المثقفة تركت الساحة فارغة أمام "المؤثرين وصناع المحتوى"    سجلماسة: مدينة وسيطية بتافيلالت تكشف عن 10 قرون من التاريخ    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    ما المعروف بخصوص "إبهام الهاتف الجوال"؟        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غريزة القطيع لدى الجماهير
نشر في هسبريس يوم 04 - 09 - 2018

قراءة في كتابي «PSYCHOLOGIE COLLECTIVE ET ANALYSE DU MOI» لسيجموند فرويد .. و «PSYCHOLOGIE DES FOULES» لغوستاف لوبون (ج6)
*يسعى أفراد الجمهور للتأكد من حب الزعيم لهم، لأن الزعيم ليس في حاجة للحب ما دام محبوبا بقوة الأشياء، ونرجسيته موغلة ومطلقة.
*حاجات التغوط والتبول في أماكن عامة، في المؤسسات التعليمية مراكز التكوين ومخيمات التدريب، تفرض حياة مشتركة، عدا حالة الجماع.
*تزول عن الجمهور الشخصية الواعية وتغلب عليه العاطفة والاندفاع، وبالتالي فهو يعيش حياة نفسية لاواعية بدائية متسمة بالنكوص.
أعتقد أنه كلما ابتعد الفرد عن الجمهور النفسي، وغرد لوحده، إلا وبلغ درجة الإبداع، لأن عملية التفرد تتيح له مجالا أوسع للتفكير والموضوعية، بعيدا عن التقليد واتباع الجماعة، التي تشكل الجمهور في بدائيته، فيتحرر بذلك من تلك العقلية التي تحكمها غريزة القطيع.
الليبيدو والنرجسية بين جمهور حنبعل وجمهور اليهود،
القائد العسكري القرطاجي حنبعل، المتوفى سنة 182 ق م، قاد خلفه جيشا قرطاجيا ضخما، فاجتاز به جبال الألب، وصولا إلى حوض نهر البو بإيطاليا، فغزا الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها، وهزم جيشها شر هزيمة، وحاصرهم ما يناهز 15 عاما، حتى أضحى أسطورة تتداول إلى يومنا هذا، ليس بين العسكريين فقط، ولكن بين كل مهتم بالتاريخ القديم والبطولات، وهي الحرب التي عرفت بالحرب البونيقية الثانية، مات بعد ذلك بعد هزيمته، حيث تناول السم كي لا يقع في الأسر، والقصة معروفة ... إذ يمكن تناول قصة حنبعل من عدة جوابا، منها التكتيك العسكري، والجانب الأسطوري لشخصيته كبطل سعى لتحرير قرطاج من تسلط الرومان ...، لكن الذي يهمنا في هذا السياق، هو شخصية قائد الجمهور النفسي، الذي انساق خلفه في عملية يمكن وصفها بالانتحارية، انساق خلفه الآلاف من الجنود، لأن القائد وحده من يتكتك ويخطط ويبادر، فهو محور جميع العمليات، ومعلوم أن حرب حنبعل حكمها الذاتي أكثر من الموضوعي، وهو التشبع بروح الانتقام من الرومان وهيمنتهم، فاستطاع أن يكون ذلك القائد الذي له من الهبة والذكاء والقوة والكاريزما، ما يجعل جيشا بالآلاف ينصاع له، وفي حالة جيش حنبعل، هو جمهور منظم له قائد معروف، ولو أن الأمر انتهى به بعد 15 سنة إلى التهلكة والفناء، وتسببت الحرب البونيقية الثانية التي قادها في فناء الآلاف من البشر، معظمهم جمهور ينصاع للأوامر، جمهور اصطناعي، سواء من طرف حنبعل القرطاجي، أو من طرف القيادة الرومانية التي ضحت بآلاف من مواطنيها لتبقى روما قوية، كما قدم حنبعل نفس التضحية ليبقى اسمه أسطوريا خالدا، لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذه الأحوال، هل الزج بجمهور نفسي في حمامات دم، من خلال حروب للتقتيل والسطلة والمال والانتقام، هو مدعاة للفخر والبطولة؟؟ في حالة حنبعل، إن الجيش، باعتباره جمهورا نفسيا بدائيا، لم يكن له مجال للتفكير المتفرد، وإلا كان سيتمرد، بدليل أن عددا من جنود حنبعل لاذوا بالفرار، نعتقد أنهم فكروا بمعزل عن القطيع، وهي حالات لا يمكن الاعتداد بها في تحليلنا هذا، ولكن لابد من أخذها بعين الاعتبار، للبرهنة على أن الفرد بمجرد شروده عن الجمهور، سوف يفكر ويبدع ويقرر أيما كان القرار، لأن المهم هو اتخاذ القرار، ولو أتيحت الفرصة لأي جندي كي يفكر ويختار مصيره لما أقدم على الانخراط في فعل الحرب كيفما كانت أهدافها، فلحظة اتخاذ القرار لن تكون أبدا وسط الجمهور، بل كلما كان الفرد بمفرده، يمارس استقلاليته، وهذا حال جميع أنواع الجمهور، التي لها قائد أو تلك التي بدون قائد أو المنظمة أو غيرها، وهو حال الحروب التي خاضتها البشرية منذ بدء الخليقة، لو بحثنا في جوهرها سنجدها محكومة باليبيدو والتمركز حول ذات القائد ونرجسيته، والذي تحكمه عقد نفسية ونزوات ذاتية يسقطها على الجمهور فيوجهه وفقها، ولو أنه يبدو أن بعضا منها يسير وفق مصالح عامة، فنلاحظ تعارض وتصادم توجيهات الزعيم العسكري مع مصالح القائد السياسي، لأن هذا الأخير يسعى دوما للتحكم في مصير الجمهور بما فيه القائد. وهذا النوع من الجمهور هو الذي يسميه فرويد بالجمهور الاصطناعي، منه جمهور الجيش وجمهور الكنيسة، فكلاهما مخلص للقائد.
ثم نضرب مثلا باليهودي، حيث اليهود في جميع بقاع العالم يشكلون جمهورا نفسيا، تقودهم عقلية القطيع، فليس هناك قائد، أو ساحة تجمهم، لكن توهمهم الراسخ بوجود "هوية يهودية" و"شخصية يهودية"، و"أرض الميعاد"، جعل منهم جمهورا بدائية، تحكمه العاطفة والاندفاع وغريزة القطيع، وقد تفاقم مع وضعهم وتوالي حقب التاريخ، هذا الوهم لدرجة الاعتقاد والقناعة، تحكمه غريزة الليبيدو، فاحتلال أرض الغير أضحى بالنسبة إليهم سلوكا غريزيا طبيعيا، الشيء الذي يفسر كل ما يقدمون عليه لإثبات ما لا يمكن إثباته، إذ لا يمكن إثبات ما يسمى بالهوية والشخصية اليهوديتين، لأن اليهودية عقيدة وكفى، وبالتالي فلنلاحظ البعض من اليهود كيف يحلقون عاليا في سماء الإبداع والعلم والفكر والعطاء، والمساهمة في الإنتاج الحضاري الإنساني، ومنهم فرويد الذي نحن بصدد قراءة منتوجه في مجال علم النفس، والأمثلة غير قليلة في هذا السياق، وما الإعلان عن توجهات الصهيونية العالمية إلا إعلان عن حقيقة مزاعم "الهوية اليهودية" ..
استمرار صوت العشيرة، واستمرار وجود سيكولوجيا الأب والزعيم والقائد،
يشعر الفرد بالقوة المضاعفة وهو وسط الجمهور، ومنها تقوم روح التضامن والروح المشتركة، إذ من غير المقبول تميز الفرد عن الآخرين داخل الجمهور، فتنشأ العدالة الاجتماعية والمساواة، ويتشكل الوعي الاجتماعي، من منطلق الواجب والحق، هذا الحس الجماعي يحقق نوعا من "التماهي"، كما أوضحناه سابقا.
يبدو الجمهور البشري، بهذا المعنى، في صورة العشيرة البدائية، حيث يضطلع الفرد بقوة خارقة تجعل منه المحبوب والقائد المسيطرة على أفراد الجماعة، فتزول عن هذا الجمهور الشخصية الواعية وتغلب عليه العاطفة والاندفاع، وبالتالي فهو يعيش حياة نفسية لاواعية بدائية متسمة بالنكوص.
يفضي الحديث عن المجتمع البدائي للحديث عن الفرد والفردانية داخل العشيرة البدائية، حيث كانت إرادة الفرد ضعيفة بعيدا عن العشيرة، وبالتالي فهو يستمد قوة وجوده داخلها، بمعنى أنه لم يكن هناك دافع آخر غير دافع الجماعة، في ذلك الحين، بحيث كانت هناك قوة عاطفية تربط بين أفراد العشيرة، ويمكن ذكر غياب الملكية الفردية والمنافسة، وكل هذه الأشياء التي سيعرفها التطور الحضاري للبشرية، جميعها عوامل ساهمت في وجود نمط العشيرة في شكلها البدائي، فلم يكن هناك تصور لعالم أوسع، سوف يتم اكتشافه فيما بعد، أما أنها تتجلى بين الجمهور النفسي، فذلك لترجمة سلوك البدائية داخل الجماعة، من خلال تفاعلها وتعاطفها وتلاحمها واندفاعها، وانصهار الفرد داخلها، لدرجة لا يمكنه التفكير بشكل متفرد.
تعتبر السيكولوجيا الجماعية الأقدم بين البشر، بوجود سيكولوجيا الأب والزعيم والقائد، وهي مستمرة إلى يومنها هذا في شكل الارتباط بين الأفراد، فقط الزعيم الذي كان حرا في تفكيره وقراراته لا يخضع لأي تأثير خارجي، حيث اتسم بالقوة والاستقلالية، لم يكن في حاجة للآخرين، فأناه لم يكن مقيدا بالليبيدو، فكان يحب ذاته وما يستفيد من الآخرين حوله، وهو ما عرف ب"الإنسان الأعلى"، وهو ما يحصل الآن، حيث يسعى أفراد الجمهور للتأكد من حب الزعيم لهم، لأن الزعيم ليس في حاجة للحب ما دام محبوبا بقوة الأشياء، ونرجسيته موغلة ومطلقة. وبعدها تم تأليه أبا العشيرة، ويخلفه ابنه بعد مماته، وقد كان الأب البدائي يمنع أبناءه من إشباع رغباتهم الجنسية، فيميلون للإشباع العاطفي للتفريغ، فيحبون بعضهم بعضا، فيدخلون في سيكولوجيا الجماعة قهرا، بسبب تزمت الأب وغيرته الجنسية، الشيء الذي سيؤدي فيما بعد إلى قتل الأب من طرف الأبناء لينالوا حريتهم، ويتجاوزون مرحلة التماهي المتبادل، فتبدت السيكولوجيا الفردية أمام السيكولوجيا الجماعية، وتسليط شحنة الليبيدو على المرأة لإشباع الرغبة الجنسية والرفع من درجة النرجسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.