رغم وجود أكثر من 187 ألف جمعية نشطة في المغرب، لا تتجاوز نسبة الجمعيات البيئية منها 4.2 بالمائة، بحسب ما كشفه تقرير حديث للمعهد المغربي لتحليل السياسات، حيث رسم خريطة ل 100 منظمة بيئية، تعمل في مختلف جهات المملكة، وتغطي قضايا استراتيجية أبرزها الأمن المائي، السيادة الغذائية، والانتقال الطاقي، وذلك ضمن مشروع "جسر التحول الأخضر العادل" الذي يهدف إلى تعزيز المشاركة المجتمعية في السياسات المناخية الوطنية. وأظهر التقرير، الذي يحمل عنوان "المجتمع المدني كمحفز للانتقال البيئي العادل في المغرب"، أن 49 بالمائة من المنظمات المئة التي شملها الرصد تعمل في قضايا بيئية عامة، بينما يتوزع الباقي على مجالات أكثر تحديدا، من بينها 12 منظمة تشتغل على التنمية والبيئة، و7 منظمات تركز على قضايا المياه، و5 على الطاقات المتجددة، و3 فقط على التغير المناخي. كما أن 10 منظمات تنشط في مجال المناصرة، و4 تسعى إلى تعزيز الثقافة العلمية البيئية، بينما ارتبطت 6 من المنظمات بمجال التنمية والثقافة، في دلالة على تقاطع البعد البيئي مع أبعاد أخرى اجتماعية وثقافية.
على مستوى الفئات المستفيدة، استهدفت 67 بالمائة من المنظمات جميع فئات المجتمع، بينما وجهت 23 منظمة أنشطتها لفئة الشباب، و10 منظمات ركزت على النساء. ويعكس هذا التوزيع وعيا متناميا بأهمية إشراك الفئات الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية في عمليات التوعية والتعبئة والتمكين، لاسيما في المناطق القروية والهشة. وبحسب البيانات الرسمية لعام 2019، فقد بلغ عدد الجمعيات في المغرب 187,834 جمعية، بمعدل 528 جمعية لكل 100 ألف نسمة. وتتصدر جهة الدارالبيضاء-سطات التوزيع الجهوي بعدد 24,801 جمعية، تليها جهة مراكش-آسفي ب 24,656، ثم فاس-مكناس ب 24,016، والرباط-سلا-القنيطرة ب 23,347 جمعية. غير أن التقرير يشير إلى أن نسبة الجمعيات العاملة في المجال البيئي لا تتجاوز 4.2 بالمائة من مجموع الأنشطة، ما يكشف فجوة واضحة بين حجم التحديات البيئية وتفاعل البنية الجمعوية معها. ورصد التقرير معطيات دقيقة حول مجالات اهتمام المنظمات التي استجابت لنداء المشاركة. فقد أبدت 28 منظمة من أصل 51 التي أعلنت مجالات اهتمامها تركيزا على إشكالية الولوج إلى الماء والعدالة المائية، فيما اهتمت 17 منظمة بموضوع الانتقال الطاقي، و6 فقط بالسيادة الغذائية، ما يبرز أن ندرة المياه أصبحت تشكل أولوية قصوى لدى الفاعلين الجمعويين بالنظر إلى تفاقم أزمة الشح المائي في عدد من المناطق، وانعكاساته على الفلاحة والتوازن البيئي. على المستوى المنهجي، اعتمد التقرير على آلية دعوة وطنية أُطلقت في مارس 2023 استهدفت المنظمات المحلية العاملة في المجال البيئي. وقد اشترطت الدعوة أن تكون المنظمة ذات مشروع بيئي أو تنموي بيئي، أو أن يكون مجال تدخلها مرتبطا بأحد المحاور الثلاثة للمشروع: المياه، الغذاء، أو الطاقة. كما نظمت مشاورات ميدانية في ثلاث مدن رئيسية، هي أكادير، وجدة، وطنجة، وشارك فيها 75 فاعلا مدنيا، لم تتجاوز نسبة النساء بينهم 23 بالمائة. خلال هذه المشاورات، عبر الفاعلون الجمعويون عن جملة من التحديات. ففي محور الطاقة، شملت الإشكالات ضعف الإطار التشريعي، ونقص الكفاءات، وغياب التنسيق، واعتماد المغرب على استيراد 80 بالمائة من احتياجاته من الطاقة الأحفورية. وأوصى المشاركون بسن حوافز ضريبية، وتعزيز التربية البيئية، وتفعيل الاتفاقيات الدولية، مع إشراك فعلي للمجتمع المدني في رسم السياسات الطاقية. أما في محور السيادة الغذائية، فقد تم تسجيل مشاكل ترتبط بالاعتماد على البذور المستوردة، والتوسع في الزراعات التصديرية، وتقلص الأراضي الزراعية، واستعمال المخصبات الكيميائية. وقدم المشاركون توصيات من بينها دعم الزراعة التقليدية، وتنظيم الأسواق المجتمعية، والرقابة على المبيدات، وتحفيز الفلاحين الصغار. وفي مجال المياه، ركز المشاركون على محدودية البنيات التحتية، وغياب تدبير مستدام للموارد المائية، وضعف مراقبة جودة المياه الجوفية، مؤكدين أهمية تفعيل قانون الماء 36.15، وربط الأحواض المائية ببعضها، والاستثمار في تحلية المياه وإعادة التدوير، مع تطوير الزراعة المقاومة للجفاف. وأشار التقرير أيضا إلى أن الإطار القانوني المنظم للجمعيات، المتمثل في ظهير 1958، لا يواكب المستجدات الدستورية التي جاء بها دستور 2011، خصوصا المادة 12 التي تعترف بدور الجمعيات في المشاركة في صنع وتتبع السياسات العمومية. ومن ثم، أوصى التقرير بضرورة ملاءمة القوانين المنظمة للجمعيات مع النص الدستوري، وتعزيز الشفافية، وتسهيل الولوج إلى التمويلات، خاصة الدولية منها. واعتبر التقرير أن مشروع "جسر التحول الأخضر العادل"، الذي ينفذ بشراكة بين مؤسسات بحثية في المغرب ولبنان ومصر، وبتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي والوكالة السويدية للتعاون الدولي، يشكل منصة إقليمية للتنسيق والترافع من أجل ضمان مشاركة حقيقية للمجتمع المدني في القضايا البيئية، وتعزيز التحول العادل على أسس اجتماعية منصفة. ويخلص التقرير إلى أن المغرب، رغم ما راكمه من سياسات واستراتيجيات بيئية، لا يمكنه المضي في مواجهة التغيرات المناخية دون تعزيز دور الفاعلين المحليين، والاستماع إلى أصوات المجتمعات المتأثرة، والاستفادة من خبرات المجتمع المدني، الذي أثبت قدرته على التأطير والتوعية واقتراح البدائل، لكنه لا يزال في حاجة إلى دعم مؤسساتي وتمويلي وتشريعي أكبر، ليكون شريكا كاملا في التنمية البيئية المستدامة.