الحكومة تحدث وكالة حماية الطفولة    الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    عبد النباوي: المغرب جعل مكافحة الجريمة المنظمة أولوية أمنية وقضائية    إصابة دركي بطلق ناري من بندقية صيد خلال إحباط عملية للهجرة السرية    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط    ‪حريق غابوي ضواحي تطوان يلتهم هكتارات.. و"كنادير" تواصل الطلعات    الرباط وبرايا ترسيان التعاون في العدل        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    بنيله شهادة البكالوريا من خلف أسوار السجن، نزيل يخطو أولى خطواته على سكة إعادة الاندماج (بورتريه)        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    "حزب الله" يدين التهديد بقتل خامنئي    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل انتهى عهد الفرويدية؟ .. التحليل النفسي ما بعد سيغموند فرويد

خصصت مجلة «لوبوان» الفرنسية عدد شهري شتنبر وأكتوبر 2013 لموضوع التحليل النفسي ما بعد فرويد، تضمّن، فضْلا عن دراسات نظريّة وتحليلات فاحصة، عددا من النصوص لكبار المحلّلين النفسانيين أمثال أوطو رانك، كارل غوستاف يونغ، ميلاني كلايْن، دونالدْ وينيكوتْ، جونْ بويْلبي، جاك لاكان، كارل روجرز الخ؟.
خصصت مجلة «لوبوان» الفرنسية عدد شهري شتنبر وأكتوبر 2013 لموضوع التحليل النفسي ما بعد فرويد، تضمّن، فضْلا عن دراسات نظريّة وتحليلات فاحصة، عددا من النصوص لكبار المحلّلين النفسانيين أمثال أوطو رانك، كارل غوستاف يونغ، ميلاني كلايْن، دونالدْ وينيكوتْ، جونْ بويْلبي، جاك لاكان، كارل روجرز الخ؟.
ويتّضح من خلال الأسماء المُساهمة في هذا العدد الخاصّ أنها تتوزّع إلى ثلاثة أقسام: قسْم يضمّ نصوص فرويد نفسه وتلامذته، قسم ثان مخصص للامتدادات المضيفة والمجددة للتحليل النفسي لمرحلة ما بعد فرويْد، وقسم ثالث تمّ إفراده لخصوم فرويد ولمعارضيه، لأولئك الذين رأوا الامتدادات الفرويدية الحقيقيّة هي السير في اتجاهات أخرى، تنطلق أحيانا من البعد الاجتماعيّ، وأحيانا أخرى من البعد التاريخي، أو من إيجاد مسارب أخرى لنفس المفاهيم .
تلامذة فرويد وخصومه
وفي جميع هذه الحالات، فإنّ العنصر الأهمّ في هذه الدراسات والنصوص هي نوعيّة الأسئلة والقضايا الجديدة التي تطرحها المساهمات، وهي كلها تتعلق بما تعرفه العلائق الاجتماعية والنفسية والعاطفية والذهنية من مستجدات مرتبطة بالتطور العام في مجتمعات اليوم. وكلّها تكشفُ حقيقة أنّ النظريات العلمية الحقيقية لا يمكن نعتها بالمغلوطة والخاطئة، بقدر ما ينبغي نعتها بالقابلة للدحض والتفنيد Réfutable. ومن ثم إذن يزخر العدد بأسئلة ملحّة يطرحها التحليل النفسي اليوم من قبيل:
- كيف يشتغل ذهننا وفكرنا؟
- هل عواطفنا وانفعالاتنا ذات جدوى بالقياس إلى أجسامنا ؟
- هل اللاشعور الذي حدده فرويدْ هو نفسه الّذي يتحدث عنها علماء الأعصاب وعلماء الأحياء؟
- هل ثمّة وجود حقيقيّ لعقدة أوديب؟
- هل يحتاج الطفل إلى أن يقال له «دودو»؟
- لماذا أصبح التأمل الفكري والروحي عن طريق الوعي الكلي هو العلاج الجديد اليوم؟
هذه الأسئلة وأخرى غيرها حاولت النّصوص الكبرى والأساسيّة التي نشرتْها مجلة «لوبوانْ» الفرنسيّة الإجابة عليها على لسان وَرَثة سيغْموند فرويد، بلْ وحتى على لسان خصومه.
لكن، ماذا يبيّن لنا هؤلاء جميعهم؟ يبيّنون أنّ اكتشاف العامل النفسي لم يتوقّف عند عالمنا الكبير فرويد، بلْ إنّ العكس هو الحاصل تماما: ذلك أنّ الأمْر يتعلّق في الحقيقة بورْش كبير ومتواصل ساهم فيه، كلّ بطريقته، كبار المنظّرين والمُمارسين في حقل التّحليل النفسي وعلم الأعصاب وعلماء الأحياء. مع هؤلاء، تمّت مراجعة أو تدقيق بل وحتى تفنيد مفاهيم ومصطلحات فرويدية مشهورة من قبيل: عقدة أوديب، الليبيدو، النرجسية الخ. وفي جميع الأحوال، فإن الممارسين، وهم يُنصتون إلى مرضاهم وإلى أنفسهم حاولوا فهْم الطريقة التي يعملُ بها الجهاز البشريّ بكلّ مكوّناته البيولوجية وأبعاده النفسية والذهنية، منذ الكشوفات الهائلة التي أنجزها سيغموند فرويد.
راهنية فرويد
لقد توفيّ فرويد (الذي ازداد سنة 1856 ) سنة 1939، وها نحن اليوم، كما تقول كاثرين غوليو في مقدمة هذا العدد، في الألفية الثالثة، في سنة 2013، وما يزال العظيم فرويد حيّا يرزق. لقد عاد فرويد، مؤسس علم النفس الحديث، وليس فقط في المجال النظري، بلْ من خلال امتداداته التطبيقية التي عملت في واقع الأمر على إضفاء الكثير من النسبية على بعض مفاهيمه ومصطلحاته وتحليلاته. كما يعود بقوة عبر المبادرات العالميّة التي تضمّ، في مختلف أرجاء العالم، علماء وأخصائيّين من علم الأعصاب والتحليل النفسي. وقد تشكّلت، من جانب آخر، الكثير من الاتحادات والشّبكات، وهي التي باتتْ تُعرف باسم «الجمعية الدولية للأعصاب والتحليل النفسي»، وتعقد هذه الجمعيّة مؤتمرا سنويّا، ولها نشراتها أيضا مثل نشرة «علم نفس الأعصاب التحليلي» . كما يشارك فيها الكثير من الباحثين والعلماء. يقول كاندلْ، في هذا السياق، بأن هؤلاء العلماء يؤسسون في الحقيقة «إطارا فكريا جديدا للطبّ النفسي». والمهم في هذا الإطار الفكري الجديد، هو أنّ نظريات فرويد تلعب فيه حول التنظيم الذهني والعقلي نفس الدّور الذي كانت قد لعبته أفكار داروين مثلا في نظرية التطوّر. وبعبارة أخرى، فإنّ نظريات فرويد وتحليلاته ستكون هي الإطار العام الذي تلتقي حوله التفاصيل في هذا التحالف العلمي الجديد الذي يؤكّد، خلافا لما كان قدْ قيل في مناسبات عدّة، بأن فرويد لا يمكن تجاوزه ولا يمكن التخلّص من حباله المفاهيمية الرائدة. وفي الوقت نفسه يقوم الاختصاصيّون في علوم الأعصاب بالكشف عن أدلّة لبعض نظريات فرويد والكشف عن الميكانيزمات الثاوية والمحرّكة وراء العمليات العقلية التي وصفها.
وبعبارة أخرى، تبقى الفرويدية مدرسة واتجاها سيكولوجيا متفرّدا من حيث المداخل لفهم الإنسان، وعلى مستوى فنيات هذه المدرسة في الممارسة الميدانية، وأيضا من حيث إثارتها للمتعة العقلية دوما .
لقد تعرّضت الفرويدية لاحقا على يديْ فرويد نفسه أوّلا، إلى التعديل، تعديل ببعض المفاهيم ذات الصّلة باللاشعور أو العقل الباطن وبالتحليل النفسي والعلاج النفسي، وأصبح هناك نوعان من الأفكار التي تُنسب إلى فرويد: أفكاره القديمة المبكرة وأفكاره المتأخرة عن اللاشعور. ولاحقا الانقسامات التي ظهرت على أيدي مجموعة من علماء التحليل النفسي، والذين خالفوه وعارضوا وجهات نظره في اللاّشعور وفي التحليل النفسي وفي حجم تأثير العوامل البيولوجية والدافع الجنسي في تشكيل سلوك الفرد، وكذلك اختلفوا معه في تفسير الكثير من القضايا ذات الطابع السيكو-فلسفي، كالدين والحضارة والعادات والتقاليد والثقافة وغيرها. ومن مجموع أفكار هؤلاء نشأ مايسمى « بمدرسة التحليل النفسي الجديدة « أو « اليسار الفرويدي» بتعبير كاثرين غوليو. وأبرز هؤلاء : ألفرد أدلر، وكارل يونع، وكرن هورني وإريك فروم وغيرهم.
يضاف إلى ذلك مبالغة فرويد أيضا في تقدير المُيُول الجنسية، والليبيدو، وإطالة الحديث عن تأثير هذه الميول في سلوك الأنسان وعن المراحل التي يمر بها نمو الغريزة الجنسية وما يرتبط بها من ميول, ونظرته الى هذه الميول على أنها قوى مسيطرة على الجانب الأكبر من اللاشعور.مع العلم أن فرويد تناول هذا الجانب بمعناه في التحليل النفسي والذي يقوم في الحقيقة على الجانب الوجداني في الغريزة الجنسية وليْس التناسلي فقط في تعليل المرَض وأهمّية الخبرات الطفلية. إلا أنّ الاتجاهات التي ظهرتْ لاحقا من داخل الفرويدية حاولت إعادة تفسير الخطاب الفرويدي بهذا الخصوص محاولة وضع الفرْد ضمن المنظومة الاجتماعية والتاريخية، وتعتبر محاولة الطبيب والمحلل النفسي الفرنسي جان لاكان (19811901) من المحاولات التي مهّدت السبيل لإيجاد الصلة بين الماركسية والتحليل النفسي، حيث اعتبر لاكان أن النفس البشرية، إلى حد كبير، نتاجا لمنظومة أو تركيبة اجتماعية وحضارية وتاريخية تمارس تأثيرها من خلال الأعراف التي تحملها اللغة إلى الطفل أثناء نموّه وتحدد شخصيته لاحقا. ولكن الكثير من هذه التقاليد والمعتقدات،حسب لاكان ينتقل إلى ذهن الشخص دون وعي. علما أن لاكان لم يكنْ ماركسيّا، بل كان مؤسس وإصلاحي مدرسة التحليل النفسي الفرنسية,وكان يقود حلقات تعليمية منذ عام 1951 وقد استمرت الى 29 عاما تحت عنوان « العوْدة إلى الفرويْدية»، إلا أنه وضع ثقْلا خاصا حول دوْر اللغة ورمزيّتها في عمليات التحليل النفسيّ.
تحيل فكرة التحليل النفسي بالطبع إلى مكتشف قارة اللاشعور سيغموند فرويد، ومن الطبيعي أنْ يرتبط جاك لاكان بفرويد ارتباطاً وثيقاً، فقد قاربت أطروحة لاكان لشهادة الدكتوراه «البارانويا» وأصابت حينها حظاً كبيراً من اهتمام المفكرين والمثقفين على حد سواء، ومثلما هو معلوم فإن فرويد تعامل مع البارانويا باهتمام كبير. كما أن لاكان سعى في إحدى أبرز إسهاماته العلمية المعنونة ب «مرحلة المرآة»، والتي ألقاها في المؤتمر السنوي للاتحاد العالمي للتحليل النفسي عام 1936 إلى الإجابة عن سؤال سبق لفرويد أن أثاره في بحثه الشهير عن النرجسية. وبالإمكان تبين قوة تلك الوشيجة التي جمعت ما بين الاثنين عند النظر إلى التطابق في مُيولهما الفلسفية، ذاك أن لاكان كما هو شأن فرويد أقبل على قراءة المؤلفات الفلسفية، بل إنه حرص على حضور دروس أستاذ الفلسفة كوجيفْ حول الفيلسوف الألماني هيجل والتي أثارت حينذاك اهتمام كثير من المثقفين.
ولئن أسهم فرويد في تحليل العقل وجعل من ذلك العامل الأساس في نشاطه، فإنّ لاكان حاول تبيان أن العقل إنما هو مكشوف على الاغتراب، والتثبيت، والذاتية المطلقة، إذ سيقوم لاحقاً في بحوثه بشرح الطريقة التي تكون فيها مصطلحات كالواقع، والعقلانية، والموضوعية مجرد تهويمات يتمثل عملها الأساس في كونها تبعث على الطمأنينة. وفي الحقيقة، فإن ذلك الإسهام الذي اجترحه لاكان قد جعله جزءاً أساسياً من التيار البنيوي. كان الخطاب الفلسفي الدارج تحليلاً للوعي، في حين أن خطاب لاكان كان يروم تحليل العقل الباطن، ولكن بما أن أي تحليل نظري لا بد وأن يتم القيام به في عالم الواقع فلا مندوحة من أن يغدو أي نقاش حول العقل الباطن شكلياً. واستطراداً، فإن خريطة لاكان للعقل الباطن بنيوية، فهي من شأنها أن توضح لنا الكيفية التي وفقاً لها تتشكل بنى العقل الباطن، والكيفية التي يعمل بها، وكذلك الطريقة التي تتمظهر فيها في المراحل الأربعة للحياة الواعية، بحسب لاكان، الرمزية، المتخيلة، الحقيقية، العرضية. وقد يثار اعتراض على أن التركيبة البنيوية التي يقترحها لاكان لا تحوي أي معنى ضمني إلا أن ذلك في الواقع ليس دقيقاً حينما يدرك المرء بأن البنى نفسها هي المعنى الضمني.
ورثة فرويد: يونغ، أدلر، كلايْن
وفضلا عن جاك لا كانْ، نقرأ في العدد نفسه لأسماء باتت مشهورة في حقل التحليل النفسي: منها كارل يونغ، وهو من أوائل طلبة فرويد، والذي أسّس مدرسة معروفة اليوم باسم «علم النفس التحليلي». وقد استخدم مصطلح اللبيدو ولم يقصد به فقط تلك الطاقة الجنسية، بل طاقة الدوافع الكلية النفسية. ومن ثمّ صار اللاشعور يتكوّن من قسميْن: اللاشعور الفرديّ نتيجة لخبرة الفرد الكلية والكبت، واللاشعور الجمعي، وهو مخزن لخبرة البشر العرقي. ففي اللاشعور الجمعي توجد صور بدائية شائعة والصور البدائية هي أنماط أوّلية للفكر تميل لتشخيص العمليات الطبيعية بلغة أسطورية ميتافزيقية المفاهيم كالخير والشر والأرواح الشريرة، والآباء مصدر للنموذج الأصلي. عندما تتجه الليبيدو واهتمامات الفرد العامة إلى الخارج نحو الناس وموضوعات العالم الخارجي يسمى انبساطيا وعندما يتمركز اللبيدو والاهتمام نحو الذات نسميه انطوائيا. والمهم هو أنّ يونغ رفض التمييز الذي قام به فرويد بين الأنا والأنا الأعلى وعرف الجزئان على أنهما في الشخصية مشابه للأنا للأعلى، وسماها القناع حيث يتألف القناع مما يظهر الشخص للآخرين على عكس حقيقة ما هي وهو دور الفرد الذي يختار والانطباع الذي يريد الفرد تأثيره في العالم.
عالم آخر هو ألفرد آدلر، وهو أيضا من طلبة فرويد، واختلف معه ومع يونغ بالتأكيد على أنّ القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص، والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف مع بيئتهم. ومن اللحظة التي ينشأ فيها الشعور بالنقص، يشرع الطفل في المقاومة للتغلب عليها، ولأنّ النقص لا يحتمل الآليات التعويضية، فإنه تنشأ من النفس وتؤدي لظهور اتجاهات عصابية أنانية وإفراط تعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله. لقد أبرز أدلر الضغط الخاص على الشعور بالنقص، ويظهر من اعتباره على ثلاث علاقات أساسية: القائمة بين الفرد والعمل الأصدقاء والمحبوبين، تفادي مشاعر النقص في هذه العلاقات تقود الفرد لتبني هدف الحياة غير الواقعي ويتكرر التعبير عنه بإرادة غير عاقلة للقوة والسيطرة، وتقود إلى كل نوع من السلوك الضد اجتماعي من الاستبداد والتفاخر إلى الطغيان السياسي، من ثم آمن أدلر بأن التحليل النفسي والشعور بالجماعة يرعى الإنسان السليم عقليا.
تلميذ آخر لفرويد هو أوطو رانك الذي قدم نظرية جديد في العُصاب،ونسب كل الاضطرابات العصابية إلى الصدمة الأساسية للميلاد في كتاباته الأخير وصف النموّ الفردي، كتقدم من التبعية الكاملة للام والعائلة إلى الاستقلال المادي مصاحب بالاستقلال الفكري من المجتمع وأخيرا التحير الكامل فكريا ونفسيا، رانك بين الأهمية الكبرى للإرادة وعرفها كمرشد ايجابي يمنع ويتحكم في الدوافع.
أسماء ومدارس تحليلية أخرى قدمت تعديلات تحليلية نفسية لا حقة جاءت من المحللين الأمريكيين إريك فروم وكارين هورني وهاري سوليفان. فنظريات فروم، تؤكد خصوصا على مفهوم المجتمع والفرد باعتبار أنهما غير منفصلين وأنهما قوى متعارضة، كما أن طبيعة المجتمع تتحدد من خلال الخلفية التاريخية، وحاجات ورغبات الأفراد كثيرا ما تتشكل من قبل المجتمع.
اسم آخر هو ميلاني كلاين المدرّسة التي عمل معها معظم أتباعها في بريطانيا. ولذلك عرفت بالمدرسة الإنجليزية. وقد امتد تأثيرها ليشمل أوروبا وجنوب أمريكا. نظرياتها الرئيسة اشتقت من ملاحظاتها المتعلقة بالتحليل النفسي للأطفال. وقد افترضت كلاين وجود أوهام لاشعورية معقدة في الأطفال ما قبل سنّ ستّة شهور، ومصدر القلق هو غريزة الموت ويظهر لذلك نوعان من الاتجاهات العقلية موقف اكتئابي وموقف شكّيّ أو جنون عظمة. وفي موقف جنون العظمة، هناك دفاعات الأنا تتألف من تخيّل وإسقاط موضوعات داخلية خطرة إلى بعض الأشياء الخارجية والتي تعالج كتهديدات حقيقية من العالم الخارجي. وفي الموقف الاكتئابي الموضوعات المهددة تغرس وتعالج في الأوهام كحاجز نفسي قوي الأعراض الاكتئابية والوسواسية كنتيجة. مع أن الشك معتبر موجود مثل عقدة لاشعورية وهمية تعمل في نفس الطفل.
ففي نهاية القرن التاسع عشر، استطاعتْ عبقرية فرويد أن تبيّن بأنّ الأحلام والأخطاء المتكررة باستمرار تنمّ على أنّ هناك مكانا، حالة تتجاوز «الشعور»، وهي التي أطلق عليها اسم «اللاشعور». وفوق هذه القارة الجديدة رفع فرويد علمه العلمي الجديد. والأهمّ اليوم هو أنّه، بعد كلّ هذه التحليلات، لا يمكن القوْل البتّة بأنّ سيغْموندْ فرويد تمّ تجاوزه أوْ لم يُتجاوز لأنّ الحقيقة هي أنّ الورْش الكبير الذي دشّنه، ذلك أنّ الطفل الذي أوْجده فرويد، قد عرف آخرون كيف يصاحبون خطواته ويطوّرونه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.