بعدما أُغلقت جميع الأبواب في وجهه، لجأ محمد (اسم مستعار) إلى سيدة نافذة تقطن في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة الرباط، بُغية الحصول على قرض مالي بقيمة 10 آلاف درهم، على الرغم من أنه يعلم جيداً أن سعر فائدة هذا المبلغ يفوق بكثير معدلات الفائدة لدى المؤسسات البنكية المعتمدة؛ لكن عدم توفر الرجل على ضمانات قانونية تُخوله الاستفادة من المعاملات المالية القانونية جعله يسقط فريسة سهلة في يد شبكة تُتاجر بمعاناة فقراء هذا البلاد. يتعلق الأمر، وفقاً لتصريحات استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية من ضحايا هذا النوع من "الكريدي"، بظاهرة منتشرة كثيراً بين ساكنة الرباط خصوصا وسط الطبقات الفقيرة يُطلق عليها اسم "الطالوع"؛ حيث يلجأ عدد من المواطنين إلى توسل قروض مالية من قبل أشخاص نافذين بهذه الأحياء تمنح "كريديات" بفوائد خارج النظم القانونية وتقبل بشيكات على سبيل الضمان. يقول محمد، وهو تاجر بسيط بالرباط، إنه أخذ قرضا بقيمة 10 آلاف درهم من سيدة تمنح قروضاً بالفوائد لسكان الحي الذي يقطنه، فتحولت حياته إلى جحيم؛ لأنه مطالب بسداد ألف درهم كل أسبوع إلى حين توفره على مبلغ القرض وإرجاعه كاملاً إلى السيدة المذكورة بدون احتساب المبلغ الأسبوعي الذي يقدمه؛ أي أن نسبة الفائدة في الأسبوع تصل إلى 10 في المائة وفي الشهر إلى 40 في المائة. ويُضيف المتحدث: "في حالة عدم أداء مبلغ الفائدة المحدد في وقته قد تتعرض للترهيب النفسي من طرف صاحبة الأموال"، قبل أن يستدرك متحسرا: "عمرني ما باقي نطوف بهاد شي من نهار دخلت ليه وأنا محن معهم ولمخلصتيش كيجيو يشوهوك قدام باب محلك". ضحية أخرى تحدثت إلى هسبريس عن تجربتها مع "الطالوع"، الذي ما زالت تعاني منه إلى حدود اليوم، وقالت: "وليت عايشة فدوامة ديال الكريديات.. كريدي كنخلص به كريدي، والرباح ديال التجارة ديالي مكيقدنيشي نخلص الفوائد". وتستطرد المتحدثة: "إذا مخلصتشي في الوقت للسيد اللي عطاني الفلوس، يدفعلي الشيك ديالي اللي حطاه ضمانة عندو، وفي كل مرة كيهددني به"، وفق تعبيرها. مخاطر وخسائر معطيات حصلت عليها هسبريس تشير إلى انتشار "الطالوع" في السنوات الأخيرة في جل المدن المغربية، وتؤكد المصادر ذاتها أن هناك أناسا معروفين باتوا يمتهنون هذا النوع من الاستثمار غير القانوني الذي يضيع على خزينة الدولة أموالاً طائلة، ويؤثر أيضا على الشركات والمؤسسات المالية المهيكلة. يُشير عبد العالي الهاشمي، إطار بنكي، إلى أن ظاهرة ما تسمى ب"الطالوع" يُمكن إدراجها في الاقتصاد الوطني غير المهيكل، و"يشمل هذا المجال كل الأنشطة التي تفلت من سيطرة الدولة بسبب طريقتها التلقائية أو طابعها الذاتي الذي يتم تجاهله من قبل الحسابات كما هو الحال في السياسة الاقتصادية للمغرب". ويرى الخبير البنكي، في تصريح لهسبريس، أن المغربي يضطر إلى أخذ هذا النوع من القروض نظرا لضعف قدرته الشرائية وتخبطه في قروض بنكية متجاوزا الحد القانوني المسموح به، بالإضافة إلى انعدام برامج توعوية تحسيسية تهتم على الخصوص بالجانب القانوني المتعلق بالمعاملات المالية الخارجة عن القانون. المستهلك في خطر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، حذّر من انتشار مثل هذه المعاملات المالية البعيدة عن أعين الدولة وسط المغاربة وخصوصا ضمن فئة التجار، وقال إن "المواطن يتوجه إلى هذا النوع من القرض لكي يخرج من الفقر؛ لكنه يجد نفسه في أزمة جديدة". وشدد الخراطي، في تصريح لهسبريس، أن "هناك حالات عديدة لجأت إلى بيع أثاث منزلها أو الانتحار بعدما عجرت عن تسديد أقساط الديون المتراكمة في أعناقها، خصوصا تلك الخارجة عن المراقبة التي تتم عن طريق التهديد وأسلوب المافيات". ودعا رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك الجهات الوصية على القطاع إلى مراقبة القروض غير القانونية وتشديد العقوبات في حق كل من سولت له أن يستغل هشاشة المواطنين. يشار إلى أن قانون مؤسسات الائتمان بالمغرب ينطوي على عقوبات جنائية في حق الأشخاص الذين يمنحون قروضا بالفوائد خارج الإطار القانوني الجاري به العمل، أو قبول شيكات على سبيل الضمان، وكذا الاستمرار في تحصيل ديون غير قانونية.