من يستفيق داخل "برّاكة" وسط "كاريان" ليس كمن يستقبل يوما جديدا داخل شقة أو فيلا تصون كرامة الإنسان؛ الحياة تختلف هنا وهناك في جميع المناحي، حتى الأحلام والآمال تبدو مختلفة والنظرة إلى المستقبل مغايرة. قاعة رياضة.. حلمي الأكبر! شددنا الرحال إلى "كاريان دوار الحاج موسى" على مستوى جماعة تيط مليل، ضواحي مدينة الدارالبيضاء. كل مظاهر البؤس تبدو جلية، ما إن تلج "إليه، حتى تتراءى أمامك علامات الفقر والتهميش والنسيان. مجاري الصرف الصحي تمر من أمام ما يمكن تسميته مجازا بالمنازل. القصدير سيد المكان، وبنايات عشوائية يحار المهندسون في طريقة تشييدها، وأسلاك كهربائية تشكل خطرا على ما تبقى من الحياة. بهذا المكان، تجد نفسك محرجا وأنت تهم بسؤال الشباب والنساء والقاطنين فيه عن أحلامهم! كيف يحلم هؤلاء في هذه الظروف؟ وأية أمان تعلو حلم سكن لائق يصون كرامة الإنسان؟! أحلامهم بسيطة جدا؛ قاعة رياضة لتدريب شباب وأطفال "الكاريان" على بعض رياضات الفنون الحربية وكمال الأجسام حتى لا يسلكوا طريق المخدرات! كانت صدمتي كبيرة، وأنا أسمع كلام الشاب العشريني، الذي حاز عدة بطولات وألقاب محلية ووطنية في رياضة "التايكواندو"، وهو يعبر عن حلمه بتوفير قاعة رياضية. حاولت هسبريس مرات عديدة أن تعيد السؤال خلال دردشة معه، بيد أن حسن التمامي كان يلح على أن الحلم الذي يراوده حتى حدود اليوم يتمثل في التوفر على قاعة للرياضة. "نشأت وسط الكاريان، ومنذ صغري وأنا معجب برياضة التايكواندو. رغم الفقر الذي أعاني منه، إلا أن بعض الأساتذة وغيرهم ساندوني وقدموا لي الدعم الكامل حتى صرت أشارك في الملتقيات الجهوية والوطنية، وحصلت على الرتبة الثالثة في البطولة الوطنية التي تخولني ولوج المنتخب، لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن"؛ هكذا يتحدث حسن عن مساره ونشأته، مؤكدا أن وقوف البعض معه في فترات من مساره حتم عليه اليوم القيام بالأمر نفسه مع الناشئة الجديدة. بحسب هذا الشاب، فإن عددا من أصحاب قاعات الرياضة وسط مركز تيط مليل يرغبون في الاستفادة من تجربته في المجال، لكنه يريد أن يكون بين أبناء "الكاريان" وتقديم المساعدة لهم للخروج من الوضع الذي يعيشونه، خاصة أن الكثيرين منهم، صغارا وكبارا، باتوا يتعاطون للمخدرات و"يقتلون أنفسهم يوما تلو آخر". "رغم الهشاشة التي نعيشها، وكما تم إنقاذي، فأنا أحاول أن أنقذ هؤلاء الشباب الذين يعشون في البطالة وغيرها"، يقول حسن، ثم يضيف، وهو يناشد السلطات المحلية وعامل إقليم مديونة التدخل ومساعدتهم عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تشييد قاعة للرياضات بهذا الدوار الهامشي: "نتمنى من الجهات المسؤولة والعامل أن يقوموا بمساعدتنا، لأن هذا الأمر سيكون إيجابيا للجميع وسيعود بالخير على الكل". نريد العمل الشباب في هذا "الكاريان" يبدون فاقدين للأمل، لا أحد يعيرهم اهتماما، حتى المنتخبين الذين بأصواتهم يصلون إلى المجلس الجماعي سرعان ما يختفون ويتوارون عن الأنظار دون تقديم أي دعم أو مساعدة. يونس، واحد من أبناء "الكاريان"، وهو يتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أكد أنه كان يريد مواصلة الدراسة والحصول على وظيفة كباقي أقرانه، لكن الظروف أبت إلا أن تغير مساره ويغادر جدران المدرسة بسبب عوز أسرته. لم يجد هذا الشاب بدا من ولوج مهنة يحصل منها على مورد مالي يساعد به أسرته، لكن الأقدار شاءت مرة أخرى أن تعصف به ويلج إحدى المؤسسات السجنية؛ ما جعل مساره يتوقف فيما بعد. معاناة هذا الشاب كمعاناة عدد من أبناء الدوار، وحلمه يتمثل في الحصول على عمل لا أقل ولا أكثر. بحسب روايته، فقد حاول البحث لدى عدد من الشركات بالمنطقة، لكن انتماءه إلى هذا "الكاريان" يكون حاجزا أمامه، داعيا الجهات الوصية إلى مساعدته وباقي الشباب العاطلين عن العمل الحالمين بغد أفضل وحياة أجمل. عزيز، بدوره، الذي وجد نفسه في مرحلة من عمره يلج مؤسسة سجنية، لا أمل له ولا أحلام داخل هذا "الكاريان" سوى الحصول على عمل ينقذه من التشرد والضياع. هذا الشاب يؤكد ما ذهب إليه قرينه يونس من أن "الشركات ترفض تشغيلنا بدعوى أننا من كاريان دوار الحاج موسى، فما ذنبنا نحن؟!". ويتابع عزيز قائلا: "ساكنة هذا الكاريان تعاني كثيرا، الوحل أمام المنازل، لا مستوصف، لا طرقات، لا حدائق ولا غيرها، كيف سنعيش وكيف سنحلم هنا؟!"، ثم يضيف: "ما أتمناه هو توفير الصحة والتعليم للساكنة بهذا الدوار، نريد سكنا لائقا والمساواة بيننا وبين أبناء حي المعاريف وغيره". شباب هذا "الكاريان" ضائعون، تائهون، لا يعرفون مستقبلهم. طاقات تستوجب "استغلالها" لتكون فاعلة بالمجتمع. أحلامهم بسيطة، وتحقيقها لا يتطلب سوى تحرك من المنتخبين والمسؤولين بعمالة مديونة لإنقاذ هذه الشريحة من الضياع، قبل أن تسجل أسماؤهم ضمن لائحة المتعاطين للمخدرات والإجرام.