في الوقت الّذي يفضّل فيه العديد من الشّباب أن يتقمّصوا دور المنتظر ل"غودو" في مسرحيّة الحياة، اتّجه بعضهم إلى استثمار أفكارهم ومواهبهم لتكسير إيقاع هذا الانتظار الرّتيب الّذي عادة ما يقتل فينا شغف الحياة، ويحيل واقعنا سوادا قاتما لا بياض فيه، خاصّة في ظلّ تفاقم أزمة التّشغيل وارتباطها بنوع آخر من الإشكالات الحياتيّة. ومن ضمن هؤلاء الشّباب الّذين أبوا أن يضيعوا وقتهم الثّمين في انتظار "غودو" الّذي لا يأتي، شابّ مرتيليّ ينحدر من مدينة الحسيمة، يدعى محمّد الطّمبوري، خلق من وسط الفراغ انشغالا دفعه إلى إخراج فكرة نبيلة إلى حيّز الوجود، جعلت اسمه يرتقي في سماء المبدعين، فكان المشعل الّذي رصدته أعين المسافرين عبر "مسافر" الّذي يعتبر أوّل بوّابة إلكترونيّة موجّهة لهذه الفئة، تسهر على توفير كافّة المعطيات والمعلومات المرتبطة بأسماء شركات النّقل، وأوقات دخول وخروج الحافلات من المحطّات الطّرقيّة، إلى جانب خدمات أخرى أصبحت توفّرها من قبيل أوقات الطّائرات وحجز الفنادق. الشّاب محمّد، حاصل على الإجازة في الاقتصاد من جامعة محمّد الأوّل سنة 2009، وحاصل على الماستر في مجال التّسيير المعلوماتيّ للمقاولات من جامعة عبد المالك السّعديّ سنة 2016، وهو مستخدم بالمحطّة الطّرقيّة لتطوان منذ سنة 2010، وهو الفضاء الّذي انطلقت منه حكاية "مسافر"، لتمتدّ متونها إلى باقي التّراب الوطنيّ. الحاجة أمّ الاختراع يقول محمّد، في حديث لهسبريس، إنّ "لقمة العيش حملتني صدفة للعمل كمستخدم بالمحطّة الطّرقيّة بتطوان، وهو عالم جديد بعيد كلّ البعد عن تخصّصي، ومع ذلك سعيت خلال سنوات اشتغالي الأولى، وبعد تلمّس نوعيّة المشاكل الّتي يعانيها المسافرون داخل الفضاء وكثرتها، إلى محاولة الاشتغال على طريقة لتقريب المعلومات إليهم"، خاصّة أنّ "أصل الإشكال يكمن في غياب المعلومة ووجود أزمة تواصل"، يقول محمّد الطّمبوري. ويضيف صاحب فكرة "مسافر" أنّ ميلاد هذه البوّابة الإلكترونيّة مردّه إلى الإشكال الّذي تعرفه جلّ المحطّات الطّرقيّة بالمغرب، من غياب للمعلومة، ووجود أزمة في التّواصل؛ وهو "الأمر الّذي دفعني إلى البحث عن حلّ يستفيد ممّا تتيحه التّكنولوجيا ووسائل العولمة لربط المحطّة الطّرقيّة لتطوان ببوّابة الأنترنيت"، وفق تعبير المتحدّث. وأوضح أنّ الغرض كان خلق فضاء يمكّن المسافر من الاطّلاع على مواعيد الحافلات، "استحضارا للبعد الإنسانيّ أوّلا، بحكم الصّعوبات الّتي كان يواجهها المسافرون للحصول على معطيات حول الرّحلات اليوميّة للحافلات، وثانيا للقطيعة مع كلّ أشكال الفوضى والعشوائيّة الّتي تسود بالمحطّة الطّرقيّة" يقول محمّد. "مسافر"..بداية فكرة ربط الطّمبوري معارفه بمساره المهنيّ، مستثمرا ما راكمه من تجارب خلال سنوات اشتغاله الأولى بالمحطّة الطّرقيّة لتطوان، ليخلق بوابّة على الأنترنيت تضع المسافر نصب أعينها، وتلامس احتياجاته الأساسيّة، مسهّلة له أمور التّواصل للاطّلاع على مواعيد جميع شركات النّقل العاملة بالمحطّة. وحول هذا الجانب، يذكر الشّاب المكافح أنّ "الطّموح كان الارتقاء بالمحطّة الطّرقيّة، خاصّة في ظلّ العبث الّذي كانت تعرفه. وعلى هذا الأساس، ارتأيت أن أفكّر في سبيل لتجاوز هذا الإشكال، ومحاولة تقريب الخدمات الّتي توفّرها المحطّة الطّرقيّة من المسافر، على غرار الشّعار الّذي رفع آنذاك، الرّامي إلى تقريب الإدارة من المواطن"، عبر استثمار وسائل التّكنولوجيّة الحديثة ووسائل التّواصل السّائدة، "رغبة في تحسين وتجويد خدمات المحطّة من جهة، ولتغيير الصّورة النّمطيّة الّتي لدى المسافرين حول هذا المرفق الحيويّ"، يضيف المتحدّث. هكذا بدأت فكرة بوّابة "مسافر" في نسختها التّجريبيّة سنة 2013، ناقلة مديرها من اختصاص الاقتصاد والتّسيير والمعلوماتيّ إلى عالم الأسفار والمحطّات الطّرقيّة بالمغرب، وبدأ مع الفكرة انشغال متواصل للبحث عن تفاصيل ومعلومات تخدم المسافر وتوفّر له احتياجاته التّواصليّة عند ولوجه البوّابة الإلكترونيّة، عاملا بكدّ ونشاط بشكل فرديّ، وبإمكانيّاته المادّية المحدودة، آملا في تطوير الفكرة، حتّى تصبح أداة نفع وإفادة، وهو ما تحقّق في نسخها التّالية التّي وصلت إلى الرّابعة "ونحن بصدد إطلاق النّسخة الخامسة، والّتي تأتي بعد إطلاقنا لتطبيق مسافر على الهواتف الذّكيّة؛ وهو ما لاقى استحسانا كبيرا بين عموم المغاربة"، يضيف الطّمبوري. النّجاح ملموس والمعيقات كثيرة يوضّح صاحب فكرة بوّابة "مسافر" ومديرها أنّ هذه الأخيرة "ولدت لتخدم المسافر، وتقرّبه من المحطّة الطّرقيّة، وتقدّم له ما يحتاجه، على الرغم من الإكراهات الّتي تواجهني وفريق العمل، وهي مرتبطة بالدّرجة الأولى بالجانب المادّي، فإنّ الأمر لم ينعكس بتاتا على جودة خدمات البوّابة الّتي كانت وستظلّ مجّانيّة". ويؤكّد المتحدّث ذاته أنّ أيّة بوّابة أو موقع إلكترونيّ ذي طبيعة خدماتيّة يتطلّب دعما تقنيّا وطاقم عمل وموارد ماديّة، و"كلّ هذه الأمور تفرض عليّ التّضحيّة بتخصيص جزء من مالي الخاصّ لهذا الجانب، باعتبار أنّ علاقتي بمسافر أضحت علاقة الأب بابنه"، يقول محمّد الّذي أشار إلى صعوبة مسايرة البوّابة بنفس النّفس منذ إنشائها وطوال سنوات ستّ من العمل الدّؤوب والمتواصل. وحول تأثير المعيقات على نجاح الفكرة، قال الشّاب المرتيليّ إنّ "عدم استجابة جهات عدّة قصدتها لتبنّي الفكرة؛ من بينها وزارة النّقل الّتي من المفروض أن تكون الجهة السّاهرة عليها، لكونها تخدم بالدّرجة الأولى المسافر، جعلت أفكار التّخلي عنها تساورني"، مشيرا إلى أنّ دعوات المسافرين الصّادقة ربّما هي الّتي منحته النّفس الطّويل لمقاومة الصّعوبات، والتّضحيّة من أجل الاستمرار، رغم كلّ الأبواب الموصدة، "فلا يمكننا التّراجع بعد قطعنا لنصف الطّريق"، حسب قوله. أنا أعمل إذن أنا موجود أصبحت بوّابة "مسافر" تمثّل مرجعا في السّفر على المستوى الوطنيّ، بعد أن اكتسبت قاعدة جماهيريّة واسعة، خاصّة بعد إطلاق تطبيقها بالهواتف الذّكيّة، "ولعلّ مفاتيح نجاح البوّابة طبيعة الخدمات المجّانيّة التّي توفّرها للمسافر و تنوّعها، والبعد الإنسانيّ للفكرة واقتحامها لمجال لم يسبق أن بادر إليه أحد" يقول الطّمبوري الّذي اعتبر الإيمان بالفكرة والتّضحيّة من أجلها، وكذا التّحلّي بالمصداقيّة من بين أهم أسرار نجاحها. وأضاف مدير البوّابة سالفة الذّكر أنّ الأخيرة قد أصبحت "بوّابة شاملة، توفّر معلومات حول مواعيد الحافلات والطّائرات، وكذا دليلا سياحيّا للفنادق، إلى جانب التّعريف بالمدن المغربيّة، وخدمات أخرى موجّهة للمسافر، ونتطلّع مستقبلا إلى أن نصل مستوى حجز التّذاكر على الأنترنيت"، مشيرا إلى أنّ الفكرة موجودة الآن؛ غير أنّ العشوائيّة الّتي ما زالت ترافق عمل القطاع تمنع من التّعجيل بتنفيذها. وكشف الطّمبوري عن ميزات النّسخة الخامسة من "مسافر"، الّتي سترى النّور قريبا؛ "وهي نسخة بمواصفات وجودة عالية، تتضمّن خدمات جديدة، وتساير العصر التّكنولوجيّ"، وفق تعبير المتحدّث ذاته الّذي أكّد ع أنّ الموارد الماليّة المحدودة هي الّتي تمنع تفعيل كلّ هذه المبادرات، خاصّة في ظّل اللامبالاة الّتي تقابل بها من طرف المسؤولين، "فقد جبلنا على أن نهتمّ بالتّافه ونتجاهل الهادف"، يقول المتحدّث.