تشهد العادات الغذائية في فصل الشتاء بمناطق عديدة من المغرب تغيّرات تفرضها الظروف المناخية في هذا الفصل، المتسم بانخفاض درجات الحرارة؛ وهو ما يفرض اختيار وجبات تبعث الدفء في الأبدان، وتمنح الطاقة اللازمة للأجسام، مع ما تستلزمه الفترة، في المناطق الجبلية على الخصوص، من توفير وسائل التدفئة، لا سيما الحطب، وفي عز البرد القارس، تتنوع أيضا الأطباق والأكلات التي تؤثث موائد ساكنة الأرياف والقرى، وإن كان بعضها لا تخلو منه حتى موائد ساكنة المدن، شوربات وأطباق رئيسية وجانبية ومشروبات، كلها تحضر في فصل الشتاء، وتشترك في كونها مفعمة بمكونات تساهم في تدفئة الجسم ومدّه بالطاقة. هي أغذية خاصة بفصل الشتاء، يُقبل عليها السكان في منازلهم وفي المقاهي الشعبية خلال فترة البرد، ولها قيمة غذائية عالية، كما أنها تُحضّر ممزوجة بالتوابل وبعض الأعشاب الطبية والمنسمة، إذ إن المعروف عنها دورها الفعّال في تدفئة الجسم، حيث تختلف طرق التحضير من منطقة إلى أخرى، تبعا للعادات والتقاليد، وللموقع الجغرافي؛ فسوس ومناطقها لم تخرج عن المألوف في الأنماط الغذائية الخاصة بفصل القر، فتسود عادات غذائية متنوعة، وأشكال من المأكولات لا تحضر على موائد سواسة إلا في مثل هذه الفترات من السنة، ويلاحظ أن المناطق الجبلية بسوس ما زالت تحتفظ بإعداد أطباق خاصة، تحضر فيها مواد من صميم البيئة المحلية. الحسين بسموم، رئيس اتحاد دواوير آيت بوطيب للترات المادي واللامادي في إقليم اشتوكة آيت باها، قال، في تصريح لهسبريس، إن "مغربنا الحبيب ينفرد بعادات وتقاليد غذائية متجذرة في القدم، وتختلف من منطقة إلى أخرى، وبتنوع الفصول السنوية، وتعد منطقتنا سوس من المناطق المغربية التي تعرف هذا التنوع الغذائي كمّا وكيفا. وهذا يظهر جليا في فصل الشتاء والبرد القارس، ويعد الإرث والارتباط بالأرض والنمط الفلاحي السائد الخيط الناظم في المنظومة الغذائية السوسية الجبلية منها والسهلية والساحلية". وعن هذا التنوع بمناطق سوس، اعتبر المتحدّث أن المناطق الجبلية "تشهد الإقبال على الوجبات ذات الأصل النباتي والمرتبطة بالأرض والفلاحة البورية المعيشية، ونجد الشعير والزيوت، وخصوصا زيت الأركان وبعض الأعشاب المحلية من قبيل الزعتر (أزوكني) والتوابل المحلية، إذ إن هذه المكونات المحلية تعد العصب في تحضير المأكولات ذات السعرات الحرارية العالية، والتي تقي الإنسان الجبلي قر البرد وزمهرير الشتاء". أصناف المأكولات التي يُداوم أهالي سوس على تناولها في هذه الفترة التي تتسم عادة بانخفاض في درجات الحرارة، لا سيما في المناطق ذات التضاريس المرتفعة، تتنوع كثيرا بحسب الحسين بسموم؛ ومنها "الحريرة أو الحساء (أزكيف باللغة الأمازيغية)، ويُصنع عادة من الشعير، كما يُقدم بزيت الأركان مع الثمر أو التين المجفف، وهناك أيضا العصيدة أو (تكلا)، وتُهيّأ من نفس المكونات، وتقدم عادة هي الأخرى بزيت الأركان أو الزبدة المحلية البلدية أو زيت الزيتون، هذا بالإضافة إلى الشاي بالزعتر أو حليب المعز بالأعشاب المنسمة التي تُنبتها هذه المناطق. كما تعرف بعض المناطق بأكلة (بركوكش)، التي أصبحت تُعد في بعض المناسبات فقط. كما تشهد المناطق الجبلية استهلاكا واسعا لبعض الفواكه والمكسرات المجففة، على سبيل المثال فاكهة الصبار المجففة، تحلليت، اللوز، التين، الثمر... ولا تستقيم الموائد السوسية في فترة البرد إلا بحضور أكلات أخرى، نظير عدد من المناطق المغربية، أبرزها (البيصارة). وفي هذا الصدد، يقول الحسين بسموم: "بعض المناطق تشهد إدخال أطعمة أخرى ذات سعرات حرارية عالية كالبيصارة (تلخشا) ومختلف أنواع القطاني وطواجين لحم المعز والدجاج والبيض البلدي، وبعض المأكولات من أصل نباتي معدة بالأعشاب المحلية أو من دقيق البندق "أزنبو" كالمريس وأركوكو والبسيس. أما فيما يخص الخبز، فنجد أنواعا مختلفة، من قبيل خبز "إنكان، أفرنو، تفرانت أو اغروم نتخبزت، هذا الخبز يستعمل في الصباح أو "وزدويت"، أي بعد العصر، ويدهن بزيت الزيتون أو أركان أو الزبدة البلدية". وإذا كانت سوس تتميز بتنوع تضاريس مناطقها، إذ نجد المناطق الجبلية والسهلية والساحلية، فإن الأنماط الغذائية تتنوع أيضا تبعا لتنوع هذه التضاريس، وإن كان بعضهما مشتركا. وفي هذا السياق، قال الفاعل الجمعوي الحسين بسموم: "نميز بين المناطق السهلية ذات التواجد الفلاحي والمناطق الساحلية المتاخمة للبحر؛ فالمناطق السهلية ذات الإنتاج الفلاحي تعتمد ساكنتها بشكل كبير على الخضر وبعض البقول، والتي تستعمل مع زيت الزيتون في إعداد بعض الشربات التي تزود الجسم بالحرارة، بالإضافة إلى بعض ما ذكر من المأكولات مرتبطة بالشعير والقطاني؛ إلا أن هذه المنطقة تعرف هيمنة الذرة أو (أسنكار) بنوعيها، الأبيض والأحمر، والذي تلعب دورا أساسيا في إعداد بعض الأطباق ككسكس (بدَّاز)، والحريرة والعصيدة. ونطرا للنشاط الفلاحي المسقي، نجد وجود بعض المنتوجات غير المتوفرة في الجبل والتي تعد عصب بعض الوجبات ك"أوساي" واللفت البلدي والجزر الأصفر البلدي، والتي تسعمل في بداز وشربة أوساي". أما في المناطق الساحلية، "فبالإضافة إلى بعض ما ذكر، نجد هيمنة المنتوجات البحرية، من قبيل الفواكه البحرية وخصوص بلح البحر أو ما يسمى "بوزروك" أو وييل بالأمازيغية، هذا المكون البحري يجفف ويخزن إلى حين حلول أيام البرد والشتاء، حيث يعتبر عصب المائدة والركيزة، ويحضر بالثوم والفلفل الحار بالإضافة إلى (تلكنوزت بالأمازيغية)، أو ما يعرف ب(الفلشة) لدى معظم الساكنة السوسية الناطقة بالعربية والمجاورة للمنطقة الساحلية السوسية، كما تشتهر ماسة وبعض مناطقها المجاورة للبحر بأكلة بداز بالذرة المحلية ورأس سمك تسركالت"، يورد المتحدّث ذاته. استعدادات ساكنة سوس لاستقبال فصل الشتاء المقرون بانخفاض درجات الحرارة، خصوصا في المناطق الجبلية، ترافقها عادات متجذرة. وبهذا الخصوص، يرى الناشط الأمازيغي عادل أداسكو أن "لسكان جبال الأطلس الصغير عادات قديمة تتعلق بتدبير اقتصاد الندرة والعيش في ظروف قاسية، وخاصة خلال فصل الشتاء؛ وهي عادات رافقت نمط الحياة المبني على زراعة معاشية محدودة، بسبب نقص المياه وضعف التربة. ومن هذه العادات التي كانت متداولة قبل دخول بنيات التحديث الجديدة، إعداد العدة لمواجهة الصقيع عبر الألبسة الصوفية الثقيلة من جلباب وسلهام، وتحصين البيوت عبر ترميم الأبواب والجدران والأسقف، ثم توفير الحطب الكافي للتدفئة والطبخ حيث يصعب إيجاده في أوقات البرد القارس". وفي جانب النمط الغذائي، "يتم إعداد الوجبات الثقيلة المصنوعة أساسا من دقيق الشعير، ومنها الكسكس والعصائد وأنواع الحريرة والمعجنات، التي يتم خلطها بزيت أركان أو بالسمن المذاب، إضافة إلى أكلات الفول والقطاني بزيت الزيتون. وأما الخبز فهو أنواع كثيرة كلها من دقيق الشعير، وأكثرها تداولا أيام البرد "إنبوران"، التي هي عبارة عن خبز كثيف وثقيل الوزن، يملأ داخله بالسمن المذاب، وكل هذا يطبخ في "أنوال" اعتمادا على الحطب اليابس وفي الأواني الطينية والنحاسية القديمة والثقيلة، وطبعا يتم إعداد الشاي القوي الذي يتلاءم مع تلك الأكلات الثقيلة"، وفقا لعادل أداسكو. وعلى الرغم من إصرار ساكنة سوس، في سهلها وجبلها وساحلها، على الحفاظ على كثير من العادات الغذائية التي تتلاءم وفصل الشتاء؛ فإن تحولات في هذه الأنماط فرضت نفسها، لعوامل عديدة، إذ يقول الناشط الأمازيغي عادل أداسكو إن الأنماط التي تحدّثنا عنها كانت متداولة في ماضي الأيام، أما اليوم "فبعد تعبيد الطرق والربط بالكهرباء والماء وانتشار شبكة الأنترنيت ووسائل الرفاهية المعروفة في المدن، فقد صارت البضائع والمواد المتداولة في الوسط الحضري تنتقل بسهولة بين القرى والمداشر؛ وهو ما غيّر نمط الحياة، وجعل الناس يقبلون في أطعمتهم وألبستهم على ما هو موجود في السوق، على الرغم من أن ساكنة مناطق معيّنة لا تزال تحتفظ بكثير من العادات الغذائية المتوارثة".