سفير إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العمومية (فيديو)    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا بالمغرب    مزور تستقطب شركة عالمية رائدة للمغرب    اضطرابات في حركة سير القطارات ما بين 12 و26 ماي نتيجة أشغال تأهيل منشآت التشوير بين الدار البيضاء والقنيطرة    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    143 دولة تدعم عضوية فلسطين بالأمم    حماس: إسرائيل تعيد الأمور للمربّع الأول    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائريات    رسميا.. مبابي يعلن الرحيل عن سان جرمان    خبراء يناقشون حكامة منظومات التربية    اعتراض 133 مرشحا للهجرة في طانطان    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    لحجمري ينصب 3 أعضاء جدد في الأكاديمية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    بعد إحداثها لطفرة في إصدارات الAI وطنيا.. الأمانة العامة للحكومة تُناقش آخر إصدارات الدكتورة رومات حول الذكاء الإصطناعي    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    سماء المملكة غائمة وطقس حار بهذه المناطق!    بالصور.. اعتقال خمسة أشخاص بتهمة تنظيم الهجرة غير الشرعية والعثور على زوارق وسيارات وأموال    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    دكار توضح حقيقة وجود مهاجرين سنغاليين عالقين بالصحراء المغربية    الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    بهدف تأهيله لاستقبال 4.4 ملايين مسافر .. هذه تفاصيل مشروع توسيع مطار طنجة    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    هل تحتاج الجزائر إلى المغرب لتطوير اقتصادها؟    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الدراسة الطبوغرافية لأنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تترجم فلسفة إفريقيا للأفارقة    قرار أمريكي يستهدف صادرات المغرب    توقع تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    ثنائية الكعبي تقود أولمبياكوس إلى نهائي "كونفرنس ليغ"    المغرب يعلن حزمة جديدة من مشاريع الترميم والإعمار في المدينة المقدسة    امرأة مسنة تضع حدا لحياتها شنقا بالجديدة    بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"        تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة داخل مَغارَاتٍ وبُحَيْرَاتٍ تحت أرضيّة
نشر في هسبريس يوم 23 - 02 - 2020

على إثر رحلة قمتُ بها مؤخّراً لمدينة سانتو دومينغو، عاصمة جمهورية الدومينيكان بأمريكا الوسطى زرتُ موقعاً جيولوجياً فريداً من نوعه يُسمّى "مغارات العيون الثلاث" Cuevas de los tres ojos توجد داخل هذه المغارات الغريبة أربع بحيرات يبلغ عمق إحداها زهاء 20 متراً تحت سطح الأرض. وتحمل هذه البحيرات تحت الأرضية أسماء غريبة فهي تُسمّى على التوالي: بحيرة السيّدات، وبحيرة مياه الكبريت، وبحيرة الثلاجة (لشدّة برودتها)، وبحيرة Los Zaramagullones (وهو اسم لنوع غريب من البطّ البرّي الذي كان يعيش فيها قديماً). ويتراوح عمق مياه هذه البحيرات بين أربعة وسبعة أمتار، وتعلو حيطان المغارات المحيطة بها رسوم بدائية فطرية، ولوحات صخرية تنتشر على جدران الكهوف والسّقوف للسكان القدامى الذين عاشوا فيها منذ آلاف السنين. كما أنّ اسم البحيرات التي توجد في أسفل هذه المغارات يأتي بما يوحي به منظرُها الخارجي، حيث تبدو للناظر إليها من أعلاها وكأنّها في شكل عيُون، كان يؤمّها، ويأوي إليها، ويختبئ فيها السكاّن الأصليون لهذ الجزيرة الكبرى، تأكّد ذلك بعد أن تمّ العثور بداخلها على رسومات عفوية ساذجة لهم على جدرانها وعلى بقاياهم فيها.
مغارات وبحيرات في باطن الأرض
وحسب علماء الحفريات والجيولوجيا فإنّ هذه المغارات تكوّنت، وانبثقت، وتفتّقت، وقدّت من باطن الأرض في غابر الأزمان السّحيقة نتيجة ظواهر طبيعيّة بعد حدوث طوفان هائل مصحوب بزلزال مدمّر، أو ربّما نتجت هذه المغارات الجوفية الغريبة على إثر سقوط أحد النيازك على هذه البقعة من الأرض (الجزيرة) أو ربّما نجم ذلك على إثر ارتطام أجرام سماوية بالأرض منذ ملايين السنين، ولقد تمّ اكتشافها على سبيل الصّدفة عام 1916 أيّ منذ تاريخ قريب قياسيّاً بالنسبة لتاريخ نشوئها وتكوينها الغابرين في الأزمان السّحيقة.
هذه البحيرات الأربع يدخل إليها الزائر نازلاً إليها بحذر شديد على أدراج حجرية ناتئة، وسلاليم مهترئة ثمّ يجوبها في قارب بدائيّ مصنوع من خشب جدع لحاء الأشجار الباسقة الشامخة المحيطة بها، ويتحرّك هذا القارب بجذب حبال سميكة موثوقة إليه من طرف عامليْن يقومان بهذه المهمّة عند التنقّل من بحيرة إلى أخرى ثم العودة إلى مكان الانطلاق الأوّل، ويُطلب من الزوّار ارتداء طوق النجاة عندئذٍ ينساب القارب على مياهها ببطء شديد.
مقرنصات حجريّة كلسيّة
وتوجد بهذه البحيرات أنواع من الأسماك الغريبة تشبه أسماك الضاري المفترسة التي تسمّى في اللغات الأوربية ب"البيرانيا" الفتّاكة الشهيرة التي توجد عادة في أكبر أنهار القارة الأمريكية والعالم وبشكل خاص في نهر الأمازون العظيم الذي يشقّ الأدغال الاستوائية المُوحشة ويشطرها الى عدّة روافد. وتعلو حيطان وجدران هذه المغارات الناتئة الأربع مقرنصات طبيعية حجرية معدنية كلسية مختلفة الأشكال، والأحجام، والألوان معلّقة فيها منذ ملايين السنين.. ويشعر الزائر فيها طوراً ببرودة مفرطة، وطوراً آخر برطوبة فائقة، ثم بعد حين من الوقت يشعر المرء فيها بحرارة مفرطة وهو يتنقّل بين دهاليزها، أو يجوب تجاويفها المعتمة، أو يصول بين مسالكها المبلّلة الملتوية، ويجول بين تضاريسها الوعرة ومنحنياتها وأدراجها الحجرية الصّلدة.
وتجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى أنه قد أُخْبِرْنا، خلال تجوالنا بداخلها، أنّ مشاهد ولقطات تمّ تصويرها في فوهات وتجاويف ومنحدرات وغابات هذه المغارات في فيلم "طرزان" ذائع الصّيت في نسخته الأولى القديمة مع خطيبته "جين"، والولد "البُوي" الصّغير، والقردة الشّهيرة "شيتا".
غرائب الطبيعة وعجائبها
تُعتبر هذه المغارات حقاً من غرائب وعجائب ما رأيناه ووقع عليه بصرُنا ممّا أبدعته أمّنا الأولى الطبيعة الخلاّبة على امتداد آلاف بل ملايين السنين الغابرة في سديم الزّمن وملكوته في عاصمة جمهورية الدومينيكان الكاريبيّة سانتو دومينغو بأمريكا الوسطى التي تقع في جزيرة مترامية الأطراف تعتبر من أكبر الجزر الكاريبية تأهيلاً وكثافة بالسكّان، حيث يعيش في كنفها ما ينيف على عشرين مليون نسمة، وكان المكتشف والمغامر الإيطالي كريستوفر كولومبوس المعروف المنحدر من مدينة جِنوة الإيطالية قد أطلق على هذه الجزيرة اسم (لا إسبانيولا) ( La Hispaniola) غداة وصوله إليها رفقة بحّارته بعد رحلته الاستكشافية الأولى إلى العالم الجديد عام 1492 موفداً من طرف الملكيْن الكاثولكييْن الإسبانييْن فرناندو وإيزابيلاّ .
غُزاة ومُستعمرون وقراصنة
ويؤكّد المؤرّخون الإسبان وغير الإسبان أنّ جزيرة "لا إسبانيولا" بالذات كانت أوّلَ مستعمرة بأمريكا الجنوبية أقام واستقرّ فيها الأوروبيّون الإسبان بعد وصولهم إلى هذه القارة البكر، ثم استوطنها الفرنسيون فيما بعد، كما أنها تعرّضت لهجومات القراصنة في تواريخ متفاوتة كان من أشهرهم القرصان الإنجليزي المعروف فرانسيس درايك وسواه.. وعليه، فإنّ مدينة سانتو دومينغو (عاصمة جمهورية الدومينيكان) هي أوّل مدينة شيّدها الإسبان عام 1496 غداة وصولهم إلى العالم الجديد.. وتبعاً لذلك يوجد بها أولىَ الشوارع، والبنايات، والحصون، والقصور، والقلاع، والمدن الكولونيالية، والمُستشفيات، والكنائس التي أنشئت في القارة الأمريكية أوائل القرن السادس عشر الميلادي (1512). وتجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى أنّه من أولىَ وأكبر وأشهر وأفخم الكنائس التي أنشئت فيها وهي كاتدرائية ( Santa María de la Encarnación ) شيّدت على غرار هندسة معمار صومعة مسجد إشبيلية الكبير الذي تمّ بناؤه عام 1184، والمعروف اليوم ب (الخيرالدا)، إلاّ أنّ كاتدرائية سانتو دومينغو لا برج ولا صومعة لها، ومعروف أن الخيرالدا بحاضرة إشبيلية هي الأخت التوأم لصومعتيْ "حسّان" بالرباط و"الكتبية" بمراكش بالمغرب، والصّوامع الثلاث من بناء الموحّدين في القرن الثاني عشر الميلادي. ولقد أصبحت "الخيرالدا" في الوقت الحاضر- كما هو معروف- إلى جانب قصر الحمراء بغرناطة من أولى المعالم المعمارية والعمرانية والأثرية جذباً للسيّاح في الأندلس بإسبانيا من مختلف أنحاء المعمور، وظلّت الخيرالدا لقرون طويلة أعلى برج ليس في إسبانيا أو أوربّا وحسب، بل في العالم أجمع.
تضمّ هذه الجزيرة الكاريبية الشاسعة التي تملأها الغابات الاستوائية، والأدغال الموحشة على أديمها كذلك بالإضافة إلى "جمهورية الدومينيكان"، "جمهورية هايتي" التي تُسمّى عاصمتها "ميناء الأمير" (Puerto Principe)، ومثلما فعل البلجيكيّون مع "الكونغو" من تقتيل، وتنكيل، وفتك، وهتك، وتظلّم واستعباد، فضلاً عن استحواذهم على خيراته وثرواته بشكلِ مهول، فقد أنهك الاستعمار الفرنسي هو الآخر هذا البلد إنهاكاً لا حدّ ولا حدود له بشكلٍ سافر، وسلب خيراته، ومعادنه، وطبيعته، وثرواته، وموارده، وغاباته، وأدغاله لعقود وعهود من الأزمان خلت، يُضاف إلى ذلك سوء التدبير والتسيير وتفشّي الفساد الإداري الداخلي المستشري فيه منذ ذلك الإبّان إلى اليوم ،ويُعتبر هذا البلد في الوقت الراهن من أفقر بلدان العالم.
*كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا - (كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.