في فترات الأوبئة والمجاعات التي حلت بالمغرب في القرن 19، اتخذ السلاطين الذين تعاقبوا على حكم البلاد تدابير للتقليل من حدة انتشارها ومن تأثيرها على المعوزين والفقراء، من خلال مدهم بمجموعة من المساعدات، خاصة سكان المدن، نظرا لصعوبة الوصول إلى سكان الجبال والبوادي بسبب المواصلات التي لم تكن متاحة في ذلك الوقت. فتح الأهراء والمخازن "وأمر السلطان أعزه الله عمال الأمصار وأمناءها أن يرتبوا للناس من الأقوات ما يتعيشون به ففعلوا"؛ يقول الناصري في كتابه "الاستقصا" وهو يتحدث عما لاحظه من تدخل السلطان مولاي الحسن الأول الذي حكم المغرب بين سنتي 1873 و1894 في مجاعة 1878 التي حلت بالمغرب؛ إذ "أمر السلطان بفتح الأهراء المخزنية (الهري) على مصاريعها، بما فيها المخصصة لخيل الجيش". وبحسب كتاب "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب" لصاحبه الأمين البزاز، فقد استجاب المسؤولون في مختلف الربوع لتلك الرسائل التي وجهها السلطان، حيث انخرطوا في تقديم الغوث للجائعين، وكان يتم توزيع خمسين مثقالا في اليوم على مساكين مدينة الصويرة في المجاعة التي امتدت بين 1878 و1883. والأمر نفسه حصل في آسفي والدار البيضاء، وفي فاس اتجهت العناية إلى تأمين غذاء المساكين بدار المارستان؛ إذ أولى الحسن الأول اهتماما خاصا بخبز الصدقة. وكذلك الأمر بالنسبة للشياظمة وحاحا، بحسب ما أورده هذا المصدر من مراسلات يعبر فيها أمناء المنطقة عن تنفيذ الأوامر السلطانية بإطعام مساكينها، وتجهيز الموتى المنقطعين من القبيلتين. منع الاحتكار يلجأ "المخزن المغربي" إلى تدابير الحسبة، بتعين محتسب لمراقبة الأسعار ومنع التدليس والغش وضمان سعر معقول للحبوب في "رحبات الزرع"، وإن كان هناك من المحتسبين أنفسهم من يستغل الوضع للاغتناء واستغلال المآسي كما يحدث في كل زمان. كما أصدر السلطان أوامره لعمال عبدة لمنع الاحتكار بعد أن بلغه أن التجار يشترون الحبوب في الأسواق لتخزنيها وبيعها بثمن مرتفع سنة 1883. بل إن هذا السلطان وبخ عامل آسفي بسبب استغلاله منصبه وتخزينه كميات كبيرة من القمح والشعير بأن كتب له: "فنأمرك أن تقتصر على شراء ما يكفي من ذلك لمؤونتك وتطهر صحيفتك من مرض التجارة فيه ودنسها". ولم يفت مولاي الحسن، المولود سنة 1836، كذلك أن يتخذ إجراءَات لضمان تزويد الأسواق بالحبوب، ومنها قيامه في قحط 1893 بفتح أهرائه وبيع مخزونها من الحبوب دون زيادة في السعر، وهو ما جعل جميع من احتكروا الحبوب يخرجونها للسوق فانخفض الثمن تدريجيا. مولاي عبد العزيز لم يكن السلطان مولاي عبد العزيز، الذي امتد حكمه بين سنتي 1894 و1908، غائبا عن هموم رعاياه أثناء جائحة 1898 عندما اشتدت المجاعة في المغرب الشرقي بالخصوص. وبحسب المصدر سالف الذكر، فإن عامل وجدة تقدم بطلب مساعدة من السلطان مولاي عبد العزيز لمواجهة الجوع في المنطقة التي عين فيها عاملا، وما كان من السلطان المغربي سوى أن يستجيب، وذلك بأن "أمر أمناء طنجة بجلب ألف خنشة من دقيق مرسيليا وتوجيهها في سفينة تركية لقصبة عجرود، ثم حملها نحو وجدة لتوزيعها على المعوزين". في ذلك الوقت، كانت وسائل النقل إحدى عوائق التدخل السريع؛ إذ نقلت المصادر التاريخية أن هذا القمح لم يصل وجدة إلا بعد شهرين من إصدار الأمر السلطاني. فقد أورد البزاز، صاحب كتاب "الأوبئة"، أن السلطان مولاي عبد العزيز أمر بتعيين تاجرين من أهل الصدق والدين بالإضافة إلى أمين الجمارك ليتولوا إحصاء جميع من في المدينة من أهل الفاقة، وتوزيعهم إلى مجموعات وتقديم ما يكفي لكل مجموعة من فطور وخبز كل يوم. وفي 1901، أمر السلطان بتجميع المرضى والمعوزين في ضريح أبي الليوث (منطقة سيدي بليوط حاليا بالدار البيضاء) و"دفع لكل مريض خبزتين أو ثمنهما في كل يوم، ومن يتوفى يقوم بتجهيزه ناظر المواريث". وأورد الباحث أن السلطان اتخذ الإجراء نفسه في طنجة سنوات بعد ذلك، حيث أمر محمد الطريس بطنجة بأن يخصص فندقا لإيواء المتسولين عن طريق "جمعهم في محل ومعاملتهم بما تقوم به بنيتهم من ترتيب الحريرة لهم صباحا والخبز عشية".