تعتبر الدوائر الحكومية أحد أهم مصادر المعلومات الخاصة بالقضايا العامة و الأحداث السياسية، و يبقى الاقتراب من أبواب المسؤولين الاداريين بحثا عن المعلومة خصوصا المتعلقة بالسياسية سواء المحلية أو الوطنية أو الخارجية من بين الاشكالات التي تبقى مطروحة لقياس درجة الممارسة الديموقراطية و منها درجة تطور المجتمع. وعلى الرغم من أن الصحف الجريئة قد تتمكن من استخلاص الكثير من المعلومات من الدوائر الحكومية، فإن لهذه الأخيرة وسائلها للسيطرة على حجم المعلومات التي ترغب في تمريرها و نشرها و بالطريقة التي تأمل تفسيرها لها، و الأكثر من هذا أنه حتى طبقة النخبة السياسية تعتمد بشكل كبير و إلى حد بعيد على المعلومات التي يحصلوا عليها من مصادر الدوائر الحكومية. وكلما اتجهت الدولة نحو إفراز بنيات سلطوية فإنها تفتقر تلقائيا إلى الكثير من وسائل الرقابة الممأسسة ديموقراطيا ، وبذلك تميل شيئا فشيئا و بشكل خاص إلى عدم كفاءة البيروقراطية و مقاومة التغيير بسبب غياب التنافس الحر، و الذي تتولد عنه البيروقراطية بمعنى عدم الكفاءة و التقاعس كمعضلة حقيقية لأن احتمال إحداث هياكل قادرة على النهوض بالتوعكات الاجتماعية الضخمة يكاد يفتقد بل و يكون مؤشرا على تلاشي مقومات الدولة. قد يكون من الأفيد إسقاط النقاش العمومي المغربي الحالي بتفرعاته المرتبطة بضرورة الكشف عن المعلومة من دونه، و حصره بشكل جدي بين رد فعل الرأي العام من جهة و المعرفة السياسية من جهة أخرى و بينهما رد فعل أهمية الجهل بالواقع المستجد؛ و لعل جرأة بعض وزراء حزب العدالة و التنمية بالحكومة الحالية و اتخاذهم مبادرات بكشف لوائح سواء الخاصة بالمستفيدين من رخص المأذونيات على مستوى وزارة النقل و التجهيز، أو لائحة الجمعيات المستفيدة من الدعم على مستوى وزارة العلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني، أو كما هو الشأن بالنسبة لوزارة الاتصال و المتعلق بالكشف عن الدعم المالي المخصص للصحافة المكتوبة في إطار التهيء لتحديد معايير جديدة و صارمة للإستفادة من أموال الدعم و إخضاع المؤسسات الصحفية لإمكانية ضبط و تحديد المراقبة من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات . جرأة هذه المبادرات غير المعهودة و المحمودة تندرج بلا شك من جانب في سياق محاولة الظهور بمظهر الوفي بعهوده اتجاه ما التزم بتطبيقه إزاء المواطن، و الأكيد أن كل القضايا الجوهرية المطروحة من قضايا السياسات و الهدف منها، هي أدوات و أساليب لتلبية المطالب الجوهرية الكبرى و تنفيذ الأهداف التي لن تكون بأي شكل من الأشكال في منآى عن خلق أنواع من الصراع داخل المجتمع و الذي يمكن أن يتراوح بين الصراع الطبقي و الصراع السياسي، هذا الأخير الذي جسدته و مثلت له قوى مكونة للأغلبية من خلال تبادل الاتهام حول ضرورة أو عدم ضرورة الكشف عن اللوائح المنشورة أو المتوقع نشرها، أو من خلال التلاسن المبطن على صفحات كبريات الجرائد؛ و إن كان هذا النوع من الصراع محدودا في إبراز نوع من التدافع نحو إبراز مقومات كل طرف مكون على حساب الأخر أو ترضية للوبيات أصحاب مصالح و امتيازات قد تتراوح بين و سيلة نقل أو أشياء أخرى و هي بدون شك مرآة تعكس فعل اسمه محاربة الفساد و رد فعل قوامه جيوب مقاومة للحفاظ على الأمر الواقع، فإن أخطر ما يمكن توقعه من مخلفات ووقع هي نتيجة الشعور غير السوي لدى جماعات محبة للوطن بأنها مستضعفة مقابل فئات تشعر بالرقي و الحظوة و تتمكن لها أدوات السيطرة الكافية لتحقيق مصالح معينة من خلال امتيازات جمة تحصل عليها عبر النفوذ سواء الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي و هو الشعور الذي يمكن أن يضرب عرض الحائط جوهر الدستور الذي حظي بموافقة شعبية كبيرة. فلا ينبغي التذكير بالمسلمات التي نتجت عن حراك الشارع و التي أعادت الثقة إلى المغاربة، فعندما ذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع فإن ذلك كان تعبيرا على القيام بأكثر من مجرد اختيار لمن يمثلهم، بل تصويتا على اقتراحات تمس نواحي عديدة من حياتهم اليومية من جهة و من جهة أخرى الوقوف على التطبيق العملي للنظريات الأساسية المدرجة في صلب الدستور و على رأسها الايمان بالمساواة بين جميع الناس و سيادة القانون، لأنه لا يجوز لأي فرد أو مجموعة من الناس مهما بلغوا من الثراء و القوة أو المركز، التعدي على هذه المبادئ أو تجاوزها. لعل الحفاظ على المكتسبات الكبرى التي راهن عليها كل من الملك و الشعب بالمفهوم الصحيح للقفز على التوعك السياسي و الاجتماعي الذي شمل كل المحيط الإقليمي لا تجد لها من سبيل سوي إلا بالاستخدام الأمثل لأساليب إعادة التوزيع التي لا يمكن أن تتراوح عادة إلا بين تحقيق العدالة الاجتماعية المؤمل استكمالها و كذا العدالة الاقتصادية كجزء لا يتجزأ من الصورة الكلية للعدالة الحقوقية.