الصحراء المغربية دعم أمريكي متجدد وكشف إسباني وشيك    المغرب وجسر الخير نحو غزة: تضامن صامت تهتز له القلوب وتخرس به الألسن    تفكيك عصابة من 4 اشخاص متخصصة في السرقة المقرونة بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض بوجدة وجرسيف    بورصة البيضاء تغلق على وقع خسارة    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    المنتخب المغربي للاعبين المحليين يفتتح «الشان» بالفوز على أنغولا    المغرب يسجل التراجع في البطالة .. وخبراء يحذرون من التفاوتات والهشاشة    نشرة إنذارية جديدة تحذر من موجة حر تصل إلى 47 درجة ابتداء من الإثنين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب باعتباره "شريكا مهما جدا" وتعرب عن "تقديرها العميق" للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً        رابطة الكتبيين: التخفيضات المدرسية على "السوشل ميديا" خدعة تجارية    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    البحرية الملكية تتدخل لإنقاذ مهاجرين    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    بنكيران: نتائج انتخابات 2021 فاجأت حتى من أعدّوها.. ولا نسعى للانتقام لكن لن نصمت على العبث    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    مصرع سيدة في حادثة سير مروعة بطنجة    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    وزير ‬الداخلية ‬يفتح ‬ورش ‬الانتخابات ‬التشريعية ‬بالمشاورات ‬مع ‬الأمناء ‬العامين ‬للأحزاب ‬السياسية ‬الوطنية ‬    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تُصعد لهجتها ضد قانون مجلس الصحافة وتدعو لتعبئة مهنية موحدة دفاعا عن حرية الإعلام والتنظيم الذاتي    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    ‬تجديد ‬الاستعداد ‬لحوار ‬صريح ‬و ‬مسؤول ‬مع ‬الأشقاء ‬في ‬الجزائر ‬ما ‬دلالته ‬؟    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    أوروبا تشدد الرقابة.. نظام إلكتروني جديد يرصد تحركات المسافرين المغاربة بدقة    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة ومليلية المحتلتين خلال 2025    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    وليد الركراكي يحضر لمفاجآت جديدة في معسكر شتنبر بضم لاعبين من أوتريخت وروما    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    عاكف تتوج ببطولة "فريستايل إفريقيا"    أستراليا تتهم مواطنة صينية بالتجسس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    حماس تقول إنها لن تسمح للصليب الأحمر بالوصول إلى الرهائن إلا إذا تم فتح ممرات إنسانية    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    نازهي يسائل وزير الثقافة حول اختلالات مسرح محمد عفيفي بمدينة الجديدة    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحداثة في المغرب بين الواضح والمرموز
نشر في هسبريس يوم 26 - 04 - 2012

أصبح الحديث عن الحداثة أو باسم الحداثة يحتل حيزا كبيراً في جُلّ القضايا المغربية، فهذه الكلمة ما فتِئت تتردّد في إعلامِنا بشكلٍ كبير يستحيل معه تجاهلها أو غضّ الطرف عنها، ممّا جعل من فتح نقاشٍ جديٍّ بين مُناصري الحداثة ومناهضيها ضرورة ملحّة، حتى تتضح الصورة و يتبين الحق من الباطل.
ولعل هذه الكلمة " الحداثة" لا تسبب مشكلا لمن يؤمنون بها، أولا لأنهم يفهمون المقصود منها، و يعرفون ما تخفي من مضامين، ثانيا لأنّها مصطلح هلامي يمكن تكييفه حسب المصلحة و الضرورة، أمّا الإنسان البسيط ذو الثقافة المحدودة فيتعذّر عليه فهم الحداثة على حقيقتها، ليس فقط لأن معناها يختلف حسب الأزمنة و الأمكنة بل لأنها تختلف أيضا من حداثي إلى آخر، و البحث عن معنى دقيق و قارٍّ للحداثة جدير بأن يصيب الباحث بكل أنواع الصداع و الدوخة، لأنها كما قلت مصطلح هلامي أي أنها قابلة للتكيّف مع كل العقليات وفق شروط معينة. و الضرورة العلمية و الدينية و الأخلاقية تفرض علينا أن نكسر حاجز الصمت لإستكشاف الضيف القادم علينا من الغرب و الذي كان و ما زال ينتظر أن نفتح له الباب و نقول له " تفضل البيت بيتك".
فما هي الحداثة؟ و كيف بدأت؟ و هل هي صالحة لكل المجتمعات مهما تباينت الأزمنة و الأمكنة؟ و هل ندرك حقاًّ المعنى الحقيقي و الفعلي للحداثة؟
قبل الشروع في الإجابة، وجب التنبيه على شيء في غاية الأهمية و هو خطأ غالبا ما يقع فيه كثيرون ألا و هو الخلط ما بين مصطلحي "التحديث" و "الحداثة" و الإعتقاد أنهما وجهان لعملة واحدة، و الحقيقة أن التحديث la modernisation هو الأخذ بالتطور العلمي والتقني، و استعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة في الإتصالات و النقل و كل ما من شأنه أن يسهّل حياة الإنسان أو يُرفِهها، أما الحداثة la modernité فهي مذهب و تيار فلسفي و فكري يدعو لتشكيل قطيعة مع الماضي الإنساني العتيق بكل ما يحمله من تقاليد و مقدسات، و يدعو للإنفتاح على الجديد الآتي ممّا يجعل الإنسان مركزا للكون و مَصدرا للقيم الأخلاقية، و قيمة في ذاته ليعتمد على العقل و العقلانية لمواجهة الخرافة و الميتافيزيقا.
و للتمييز أكثر بين المصطلحين سأضرب مثالا بسيطا:
فأنا مثلا عندما أتقن عدة لغات، أو أمتلك أو أستعمل سيارة أو حاسوبا أو هاتفا نقالا أو غيرها من وسائل العصر الحديث، أكون حينها إنسانة حديثة ومعاصرة، و لكني لا أكون حداثية إلا إذا تمكنت من تجاوز سلطة العادات والتقاليد والدين، فأمارس حياتي بحرية ولا أتبنى من الأخلاق والمبادئ إلا ما أراه مفيدا ونافعا لي.
فالحداثة إذن لا تمّس فقط جانب الأدب و الإبداع الفني كما يتصور البعض، و لكنها تتعدى لتشمل الحياة الإنسانية في كل جوانبها لتثور على الماضي الإنساني والتقاليد التي تحكمه و تفتح بابا نحو مستقبل إنساني حداثي أساسه العقل و عقيدته الحرية لا يتعبد إلا إلاها واحدا و هو العلم و العلم فقط، فالحداثة الغربية لا تعترف بالدين بل ترفضه و تعتبره سببا في نكسة الأمم.
وقد ظهرت الحداثة في عصر النهضة الأوروبية الذي تميز بخلق ثورة على الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تناهض كل بحث علمي و تدعم النظام الإقطاعي من أجل تحقيق مآرب سياسية و ممارسة الإستغلال تحت مسمى الدين. و بالرغم من أن التمرد على الأفكار القديمة هو مبدأ من مبادئ الحداثة، إلا أنه يجدر القول بأن هذه الحداثة الغربية نفسها قد نهلت من بحر الحضارات القديمة التي سبقت نهضة الغرب كالحضارة اليونانية و الرومانية و الحضارة العربية و الإسلامية.
ولتحقيق أكبر انتشار للحداثة الغربية كان لا بد من نهج سياسة امبريالية تعتمد على غزو بلدان أخرى والتوسع في مختلف أنحاء المعمور بهدف نشر الأفكار الحداثية الجديدة و إن كانت هذه الغزوات تحمل في طياتها هدفا يتجلى في فرض الثقافة الغربية للقضاء على أي هوية مضادة و من ثم تكريس التبعية الثقافية التي ستؤدي إلى استنزاف الشعوب الأخرى و استغلال ثرواتها.
ولا أنكر أني أشعر بحرج شديد وأنا أتحدث عن "الحداثة" التي نفر منها الغرب أنفسهم واستبدلوها بمبادئ جديدة أطلقوا عليها إسم "ما بعد الحداثة" "le postmodernisme " إلا أنه من سوء حظنا نحن شعوب العالم الثالث أنه قد كُتِب علينا أن نكون مزبلة السلع الأوروبية حتى في مجال الفكر، و الداعي لهذا القول هو أنّه بالرغم من أن الحداثة الغربية لا تؤمن بالمقدسات و على رأسها الخالق القهار الذي يتحكم في الموت و الحياة إلا أن ذلك لم يمنع دعاة الحداثة في البلدان الإسلامية من أن يتخدوها إلاها مقدسا لا يجوز المساس به، فهم يثورون و يشكون في كل شيء إلا في الحداثة كما أخدوها عن الغرب دون أي تمحيص أو تدقيق، و دون محاولة إعادة هيكلتها و صياغتها بما يناسب خاصية و هوية البلدان الإسلامية، وهذا يثير حفيظة التيارات المحافظة و بخاصة التيارات الإسلامية التي ترفض الحداثة الغربية في جزءها المضاد للقيم الأخلاقية و الدينية/
فالحداثة الغربية إذن تعادي كل الأديان بما فيها الدين الإسلامي خصوصا عندما يضع القواعد للحرية الفردية و يُرسّخ قيما أخلاقية تنظم الجماعة في إطار متجانس و متناغم، بينما تهتم الحداثة بالفرد الواحد و حقّه و حريته في أن يكون كما يريد، و مرة أخرى سأضرب مثلا لزيادة التوضيح فالغرب عندما يسمحون مثلا بحرية شرب الكحوليات، فإنهم يفعلون هذا إيمانا منهم بأن هذه الممارسة تدخل في إطار الحرية الشخصية للفرد الواحد و إن كان لها أضرار فهي أضرار على الفرد الواحد لا تمس المجتمع ككُل، وبالتالي لا يحق للمجتمع تجريم هذا الفعل ولا انتقاده على غرار المثل المغربي القائل:" بعد على راسي و شقف".
أما الإسلام عندما يمنع شرب الكحول، فإنه لا يفعل هذا لقمع رغبات الإنسان و تعذيبه و حرمانه من لذة تناول المشروبات الكحولية، و لا ليختبر قدرة الإنسان على الصبر و التحمل، و لكن لأن هذا الإنسان فرد من مجتمع متكامل و للكحول أضرار بليغة على المجتمع ككل منها تعطيل العقل و هو نفس العقل الذي يقدسه الحداثيون، و لتعطيل العقل بالغ التأثير على الفرد ثم الأسرة فالمجتمع، وقد قال عليه الصلاة و السلام:" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" و شبك بين أصابعه، رواه البخاري و مسلم.
وفي المغرب أيضا كانت وما زالت هناك أصوات تزعم الإنتساب إلى الحداثة و تنادي بها، على أساس أنها المُخلّص من داء التخلّف، وأنها المصعد الذي سيرقى بنا إلى مصاف الدول المتقدمة، و يخلصنا من معانات الإنتماء إلى دول العالم الثالث، و لكن إذا أخدنا بعين الإعتبار أن الطابع الإسلامي هو المهيمن الأكبر على الهوية المغربية و الذي لا يشكل فقط أحد أركان هذه الهوية، بل هو أهم هذه الأركان على الإطلاق، باعتبارها ديانة أغلب المغاربة، فإننا يجب أن نطرح نقاشا جديا حول مدى تقبل المغاربة المسلمين للحداثة الغربية، وحتى يتحقق ذلك يجب على الحداثيين المغاربة أن يتحلوا بالجرأة و الذكاء، و أن يتكرموا علينا -نحن معشر البسطاء- و ينزلوا من برج التعقيدات إلى حضيض البساطة، ليخبرونا صراحة و بلغة نفهمها، ماهي الحداثة حسب رأيهم و تقييهم ؟
إذا كانت الحداثة تعني اللجوء إلى العلوم في تبنّي الحقائق، فأهلا و سهلا و مرحبا بها لأنها في هذه الحالة لا تعادي الإسلام بل على العكس من ذلك تخدمه، و من هنا وجب استقبالها بالتمر و الحليب و كل معالم الكرم المغربي، لأن الإسلام لا يعترف بالعلم فقط بل يحُثّ عليه حثاّ، بل أنّ الحضارة الإسلامية حققت في عصرها الذهبي ما جعل الحداثة الغربية تنهل منها وتقتدي بها.
أما إذا كانت الحداثة المقصودة هنا، هي طمس الدين و تصنيفه ضمن خانة الخرافات، فهذه لن تنجح في المغرب و سيكون مصيرها مركزا مرموقا في غياهب النسيان، لا لأن العقلية الدينية مترسخة عند المغاربة فقط، بل لأنّ الإسلام يمثل أيضا الهوية المغربية، و حتى المغربي البسيط يعرف أن إلغاء الإسلام يلغي هويته، و أنا من هنا أدعو كل مغربي يدعي الحداثة أو يفهمها على الأقل، أن يتفضل علينا بتفسير واضح و محدّد للحداثة، ممّا يسمح بفتح نقاشٍ جديٍ و إيجابي، يُمكّن كلّ المغاربة من فهمها و من ثم يقرروا هل يجب أن نفتح الباب؟ أم أن على الوارد الغربي أن يحمل أمتعته و يغادر إلى غير رجعة؟
للحديث بقية.....
آلان تورين" نقد الحداثة"
د أحمد محمد زايد سلسلة "أفكار في مواجهة الإسلام"
د جميل الحمداوي" المغرب و الحداثة" مجلة أقلام
أدونيس" الثابت و المتحول"
عبد الوهاب المسيري " الحداثة المنفصلة عن الإله الخفي" الجزيرة نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.