أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    اليابان تجدد التأكيد للمرة الثالثة، أمام أشغال قمة تيكاد – 9 ، على عدم اعترافها بالكيان الانفصالي    إيران تهدد باستخدام صواريخ جديدة إذا عاودت إسرائيل مهاجمتها    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    أمن طنجة يوقف مواطن دنماركي مبحوثا عنه دوليا    المغرب يسخر طائراته "كنادير" لمساندة إسبانيا في حرائق الغابات    عيد الشباب .. الاحتفاء بالالتزام الملكي الراسخ تجاه الشباب، المحرك الحقيقي لمغرب صاعد    تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش        ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا    ميناء الداخلة .. انخفاض مفرغات الصيد البحري عند متم يوليوز    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    عفو ملكي يشمل 881 شخصا بمناسبة 20 غشت    المغرب يكرس ريادته الإنسانية والدبلوماسية عبر أكبر دعم إغاثي مباشر إلى غزة بقرار ملكي        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    كيوسك الأربعاء | المغرب يحتفظ بالرتبة 22 عالميا في مؤشر أداء الاستثمار الأجنبي المباشر    هذه تفاصيل المسطرة الجديدة لمراقبة الدراجات بمحرك باستعمال أجهزة قياس السرعة القصوى    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة السيطرة على مدينة غزة ويستدعي 60 ألف جندي احتياط    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    الملك محمد السادس يقود مبادرة إنسانية جديدة لفائدة الشعب الفلسطيني    جمعية باقي الخير تستنكر منع شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة من دخول فضاء ألعاب بطنجة بدعوى أنها "قد تُخيف الأطفال"    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    البيت الأبيض يعلن موافقة بوتين وزيلينسكي على الجلوس لطاولة الحوار    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    تيكاد-9 .. وزير الشؤون الخارجية الياباني يجدد التأكيد مرة أخرى على عدم اعتراف طوكيو بالكيان الانفصالي    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختلاف بين البواعث الإيمانية والتدابير العقلية
نشر في هسبريس يوم 22 - 09 - 2012


الاختلاف بين الأمس واليوم
مثالية حالمة أن يتصور المرء تنظيما بشريا، قد رسم لنفسه هدفا و جند له طاقات سعيا في طلبه، قد خلت من صفوف أفراده الاختلافات. مثالية تلك حالمة تنافي سنة الله في الكون و في صنع الإنسان، تنافي طبيعة التجمعات البشرية و ما يحكمها من اختلافات و ما ينبثق عنها من نزاعات و صراعات و أفهام. نستقرأ التاريخ و تطور أحداثه ف : "تلك القرى منها قائم و حصيد" كما أخبرنا الله عز و حل في محكم تنزيله. آيات الله تحثنا، معشر المسلمين، أن نتدبر فنعتبر بالقرى التي حُصِدَت و تلك التي هي قائمة. نستقرأ التاريخ بغية فهمه، فمن لم يقرأ التاريخ بعين متبصرة يوشك أن يعيد التجربة الفاشلة التي مرت منها الأمم الخالية.
ننظر نظرة مقتضبة في التنظيمات الثورية، ثم ننظر بعدها في تاريخ المسلمين فنستخلص العبر من هؤلاء و من أولائك. ننظر في التنظيمات الثورية لتقارب الأشكال التنظيمية و ما يفرضه منطق العصر من احترام لقوانين عامة متعارف عليها، و ننظر في تاريخ المسلمين لقضية البواعث الإيمانية و المرجعية الدينية.
أطرت التنظيمات الثورية الاختلافات داخل منظومتها الفكرية بوضع ميكانزمات الاشتغال في حقل حريات التعبير و النقد ، و ذلك لضمان حق الاعتراض على القيادة، و واجب هذه الأخيرة للانصياع لهذا الحق. فأسست لذلك مبادئ و مناهج و مفاهيم، فكانت النتيجة على مستوى الممارسة – بالرغم بما فيها من إيجابيات- تصدعات و خلافات، باعثها أفهام متفاوتة حينا و أنانيات أحيانا، أدت إلى ظهور تيارات و انقسامات، عنف و كيد و تنافر، تصفيات جسدية و دماء ....... فباسم الثورة في الإتحاد السوفيتي و حماية الثورة تمت تصفية عشرات الآلاف من المعارضين من داخل الحزب، و باسم الثورة الفرنسية أعدم مهندس الثورة ذاتها روبيس بيير ااا، و عند المسلمين ؟ يشهد التاريخ أن زمن سادتنا أبي بكر و عمر ابن الخطاب و عثمان - قبل الفتنة- ، رضي الله عنهم، كان الاختلاف مقدورا عليه و متحكَّما في نتائجه. لا يكاد يجد لنفسه بين المؤمنين موطئ قدم حتى يخبوَ فينمحيَ من الوجود، أو يتطور فيتولد عنه خيرٌ و بركة تزيد الناسَ فهماً و علما و سعة صدر. فما الذي وقع بعدها ؟
نتأمل حديث الخلافة قليلا ليكون لنا منارا في فهم سر الاختلاف غير المقدور عليه و الذي انبثق عنه انحراف نظام الحكم. يقول الحبيب المصطفى، عليه الصلاة و السلام: "تكون فيكم النبوة .... تم تكون خلافة على منهاج النبوة .... ثم تكون ملكا ..." ااا لماذا ؟
لماذا كانت خلافة على النهج و الطريق النبوي ثم أمست ملكا ؟ من عكّر صفوها ؟ ما عكّر صفوها؟
هذا الانتكاس على مستوى نظام الحكم، هذه الدركات التي هوت بالأمة إلى التحت، ثم هوت بعد ذلك إلى تحت التحت، ما هو إلا انعكاس لصورة المسلمين حينها، لصورة ما أمسى عليه أبناء الإسلام لما أقبلت عليهم الدنيا و شهواتها. تكون ملكا لالتفاتهم عن المعين المحمدي، هذا الالتفات منعهم الأهلية كي يحضوا بهذا العطاء العظيم، ألا و هو الخلافة على النمط النبوي بما فيه من رحمة و عدل. أصاب المسلمين الوهن (1)، هذا الداء العضال سبب الأمراض كلها، و منها عدم القدرة على الاختلاف و عدم القدرة على تقبل الآخر.
حال المسلمين يومها يجسده بجلاء بيان سيدنا علي، كرم الله وجهه، حينما سأله أحد الأعراب قائلا فيما معناه:" لم استوى الأمر لأبي بكر و عمر و عثمان و لم يستو لك ؟؟؟"، فأجاب: "لأنهم كانوا أمراء على من هم مثلي، و أنا أمير على من هم مثلك " اااا . كما يجسد سببَه استنكارُ سيدنا عبد الله ابن عمر على فتور إيمان المسلمين حين قال: " نحن أوتينا القرآن قبل الإيمان، و أنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان فأنتم تنثرونه نثر الدقل".
وَهَنٌ أصاب القلوب، تسابقٌ على الدنيا عم السلوك، أنانيات و أحقاد طفت على السطح، تجاوزت الخلافاتُ سقفَ الحكمة، فحسم السيف الخلاف، ثم كان السيف الحكم.
كيف تنأى بنفسها التنظيمات الإسلامية من خطر هاته الاختلافات، خاصة تلك التي تعني علاقة القيادة بالقاعدة؟
كيف تنأى بنفسها بين إكراهات القيادة في إطار تدافعها السياسي و الذي يقتضي، من بين ما يقتضيه، انحناءات خامة الزرع، لينا و مداهنة و خدعة....، في المواقف و بين اعتراض القاعدة مطالَبة بعدم الزيغ على الخط؟
كيف تحافظ القيادة على مركزيتها في اتخاذ القرار مع فتح الأبواب واسعا لانتقادات القاعدة ؟
هل تستطيع التنظيمات الإسلامية أن تتحمل الاختلاف ؟
و هل إلى ذلك من سبيل ؟
أتكون التنظيمات الإسلامية اليوم أكثر حكمة من سلفها ؟
مرتكزات استثمار الاختلاف
نخلص من خلال ما سبق أن العنف و الكيد و التنافر و كذا التصفيات الجسدية كان نتيجة حتمية للاختلافات التي عرفتها معظم التنظيمات الثورية. كما كان الاحتكام إلى السيف نتيجة حتمية لأمة استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير فاتجهت نحو الأسفل تربية و نحو الجور دولةً.
هذا السير نحو الأسفل و الجور و الاقتتال إلى خلافِهِ نحن نتجه. أي نعم. فالأمر فينا نحو البشارة المحمدية يسير متأنيا، نحو الخلافة يزحف ثابت الخطى.
نتأمل تتمة الحديث: " .... ثم تكون ملكا ... ثم تكون خلافة على منهاج النبوي"، معنى هذا بمفهوم المخالفة للشطر الأول للحديث أنه سينجلي بين ظهراني الأمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه و ما بدلوا تبديلا، رجال عزموا القومة لله و لرسوله، طليعة مؤمنة بِسَمْتِها و زُيالها تعطي النموذجَ خُلُقا و سلوكا و تضحية، تمشي في الناس بنور ربها فتحيى الأمة بمبعثها من جديد.
فبم لهؤلاء المؤمنين من رغبة في الله و لقائه، ومن رغبة في خدمة نبيه، صلى الله عليه وسلم، يتحمل التنظيم الإسلامي وعتاء الاختلاف. بآلية المحبة و آلية الطاعة و آلية النصيحة (2) يتحمل التنظيم الإسلامي ما لا تستطيع تحمله الجبال، بله التنظيمات الأرضية. يتحمل التنظيم الإسلامي أهوال الاختلافات لأنها لا تحمل في طياتها رياء و لا تهافتا على مصالح أرضية. كما لا تحمل قلوب أصحابها غلا و لا حقدا. يتحمل التنظيم الإسلامي أوحال الاختلافات لما للشورى من قيمة سماوية تعبدية تجعل من "خطأ الجماعة" فضلا على "صواب الفرد"، كما تجعل من الفرد تسليما قلبيا و رضا و قبولا لنتائج المشاورة. يتحمل التنظيم الإسلامي الاختلافات لتجاوزه الحدود الكونية و ارتباطه بالمصير الأخروي.
لابد للتنظيمات الإسلامية من اختلافات تنشأ في صفوفها، فالاختلاف سنة من سنن الله في خلقه، و فيه من الخير و من تصحيح للمسارات ما من شأنه أن يطوي المسافات لأصحابها. لذا يتوقف نجاح الحركات الإسلامية على مدى استيعاب قيادييها و قاعدتها لضرورة الاختلاف و فلسفة الاختلاف و فن الاختلاف. يتوقف نجاح الحركات الإسلامية على مدى فسحها لآفاق النصيحة بين صفوفها، معتمدين في ذالك لما لهم من مرتكزات روحية تربوية و توجيهات شرعية : "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و رسوله و أولي الأمر منكم".
فبما للاختلافات من ضرورات جزرية لضبط النفس و صبرها، بما لها من تقبل للنصيحة و الرضوخ لنتائج الشورى، بما لها من بعد تعبدي نرى من يرفضون التناصح أو يتخوَّفون من وقوع الاختلافات، و نرى الذين يتصلبون في النصح و لا يرون من غيرهم صوابا، سببا في إحْداث شروخ و تمزيقات في جسم التنظيمات، و إقصاء للعلم و أهله. مزالق ما ينبغي لأولي الألباب لا من هؤلاء و لا من هؤلاء الوقوع في شَرَكه. لذا أعتبر هذا المقال نداءً.
نداء
فبما للاختلافات من بعد تعبدي، أعتبر هذا المقال نداء لجميع قيادات الحركات الإسلامية، نداء للمزيد من ترتيب البيت الداخلي و مزيد من لَمِّ شمل الأسرة الكبرى بإعادة إدماج أبنائها المتخلى عنهم فذلك ضيق في سعة الصدر على احتواء من له رأي مخالف. فالتنظيمات التي يعز عليها احتواء منتقديها من داخل الصف و يصعب، لا محالة ممتنعة عنها شرائح شتى من المجتمع ليس لها نفس المشرب، بل لها من العقليات و النفسيات و الأنانيات و السلوكيات ما يتطلب سعة صدر أكبر و أرحب و أعظم من تلك التي يتطلبها أعضاؤها و إن عَنّفوا.
كما أعتبره نداء لنوابغ التنظيمات و علمائها و مثقفيها الذين ما استطاعوا تفهم قيادييهم فعنفوا في القول أو جانبوا صواب الحكمة في التبليغ. نداء لهم كي يكون لهم السبق في رأب الصدع فيهبّوا لمد يد الأخوة و البناء من جديد.
كان هذا مدخلا رصدنا فيه البواعث التربوية و المرتكزات الروحية التي يمتلكها المؤمن دون غيره لتقبل الاختلاف نفسيا و تربويا فيسهل عليه الأمر لإدارته عقلا. فبأي آلة يتم التدبير ؟
نواظم التنظيمات الإسلامية
(1) و هو:"حب الدنيا و كراهية الموت" كما قال الحبيب المصطفى، عليه الصلاة و السلام.
(2) آلية المحبة. آلية الطاعة. آلية النصيحة: سنتطرق لهاته المفاهيم في تتمة المقال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.