بات "الفاسي الفهري" ماركة مسجلة وجدت لها انتعاشا في سوق المناصب العليا بالمغرب، والعجب أن تلك الأسماء لم تعد لتقنع بمنصب عال واحد، بل إن شغف هواية الجلوس على الكراسي حتى لو لم تكن على قد المقاس، انتشرت بسرعة الضوء بين أصول وفروع هذه الماركة المسجلة. وطالما تسائلت كباقي المغاربة عن العلاقة التي تجمع الماء والكهرباء بكرة القدم، وتسائلت معها حول مصير الموارد البشرية والطاقات الشابة بالمملكة، وهل أصيب رحم الجامعات والمعاهد العليا المغربية بالعقم حتى لا تنجب لنا أطرا متميزة قادرة على تسيير قطاعات حيوية واستراتيجية. هل استنفذ المغرب فعلا مخزونه من الأطر والطاقات؟ لنجد علي الفاسي الفهري، الذي يدير المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء، يشرف على قطاع آخر دوره توزيع الأموال على المدربين مقابل ارتكاب "جرائم" كروية لم تستطع معها الترسانة الحكومية بما فيها رئيس الحكومة ولا وزير الرياضة توقيفها، "جرائم" كروية خلفت كل الأمراض النفسية من اليأس والاكتئاب والتفكير في الانتحار وأمراض الضغط والسكر لدى المواطن المغربي الذي ينتظر من المستديرة أن تؤدي دورها الحقيقي: الترفيه والإمتاع. رغم أن الرياضة في بلدان الغرب والشرق ليست بالمجال الاستراتيجي الذي ترتكز عليه في حياتها وتقدمها، فهي تعد مجالا "معنويا" يرتمي المواطن في أحضانه من أجل الترفيه والاستمتاع والانعزال بعيدا عن تعب المعيشة وتجديد أنفاسه ونسيان همومه ليعود إلى ميدان الحياة من جديد بنفسية منتعشة، وهو ما يفسر ذلك الاحترام الشديد الذي توليه المؤسسات الكروية بتلك الدول في استثمار الملايين من الدولارات لبناء منشئات رياضية محترمة وإسناد المسؤوليات إلى من يستحقها، ولذلك تجد الجمهور يحج كل نهاية أسبوع بكثافة، عائلات وفرادى، ليحضروا حصة من الإمتاع النفسي والإنعاش الروحي الذي يحترم ذوق الإنسان ويربي لديه ثقافة رياضية معتبرة. في المغرب، بلد العجائب والتيه السياسي، لا عجب أن تغيب فيه السياسة الكروية كما غابت فيه مجالات أخرى، الملاعب غير مؤهلة والأندية في غرفة التخدير والإنعاش، والهواية تنخر دواليب أندية تدعي أنها تمارس في بطولة احترافية، أما المنتخب الوطني، فلم تعد تنفع معه كل الحيل التي جرب من خلالها تغيير المدرب واللاعبين وبناء الملاعب والزيادة في الأجور، لأن مسمار جحا مركب بدقة وإحكام في دار الجامعة الملكية لكرة القدم، ولا حيلة معه سوى جرارات وآليات عتيدة لهدم الحيطان والأسوار لإزالة مسمار رئيس الجامعة.. لأنها عقلية التدبير المغربية التي تقول "لن أتنازل عن الكرسي إلا بعد أن أدمر من حولي". ارحل يا رئيس جامعة الكرة، فمكانك في "الضو والما" ولا تترك المغاربة عطشى مرتين، الماء والكرة، وما دمت لا تبالي فإن أحدا آخر لن يبالي، لأن الوالد قدوة لأبنائه، فلا اللاعبون ولا المدرب سيبالون بنتائجهم وعطاءاتهم، ولا حتى البرلمان ولا الحكومة ستبالي بحصيلتك ولن تقدر أصلا على فعل شيء، وتبقى مجموعتك كلها لا تبالي بأفراح المغاربة الذي يرون في كرة القدم تعبيرا عن حبهم ووطنيتهم تجاه بلدهم. اعلم أيها "الرئيس" أن موضة "قرار رحيلي مرهون لدى الملك" لم تعد تجدي نفعاً، وانزع مسمارك الذي علاه الصدأ، ولا تقتل حب الأوطان في القلوب، واقض على طمع الكرسي وحب المناصب في قلبك، وقل للجميع "أنا فهمتكم". [email protected]