لشكر يعقد مؤتمر حزبه بطنجة على بعد سنة من الاستحقاقات التشريعية وسط قلق وتوتر    زخات رعدية محلية قوية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب        بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"        تونس تنفي تعرض أسطول غزة لضربة    بمشاركة مغاربة .. أسطول المساعدات إلى غزة يقرر الإبحار صباح الأربعاء    أكثر من 10 آلاف تظاهرة في المغرب تضامناً مع غزة منذ أكتوبر 2023        أمطار رعدية في عدة أقاليم بالمغرب            "جمعيات التوحد" تواجه شبح الإغلاق        إحداث لجنة لبلورة نموذج اقتصادي جديد للصيدليات.. أبرز ما تم الاتفاق عليه في اجتماع وزير الصحة بالنقابات    غوغل تضيف تحديثات رئيسية لمنتجاتها المدعومة بقدرات نماذج جيمني    في ظل الأزمة المالية .. المختار العروسي يترشح لرئاسة نادي الشباب الأصيلي لكرة القدم    الياميق ينتقد أرضية ملعب "ليفي مواناواسا": "لم تكن صالحة للعب ولعرض إمكانياتنا كاملة"    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء        بسبب 20 وشاية.. القضاء البلجيكي يدين عائلة مغربية بالحبس بسبب احتيال على نظام المعاشات    القمة الإفريقية الثانية حول المناخ تسلط الضوء على البعد القاري للرؤية المغربية بشأن التحديات المناخية    المنتخب المغربي يحافظ على مركزه 12 عالميا ويشدد الخناق على ألمانيا                    السفارة الصينية بالرباط تهنئ الطالبة المغربية ياسمين مزواري على تتويجها الدولي في الصين            بنعلي ووزير الطاقة الموريتاني يبحثان تسريع الشراكات الطاقية بنواكشوط    تسريع التعاون في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة محور مباحثات الوزيرة بنعلي مع نظيرها الموريتاني    إسبانيا تستدعي سفيرتها لدى إسرائيل وتصف اتهامات تل أبيب لها ب "معاداة السامية" ب "الترهيب"    السيتي ينهي النزاع القانوني مع رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    أمين زحزوح يتوج بأفضل لاعب في الشهر بالدوري القطري    المغرب يواجه خيارات حسم نزاع الصحراء بين انتظار مجلس الأمن او التدخل الفوري    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    مداهمة مقاهي تقدم النرجيلة وتوقيف مسيرين ووضعهم رهن تدبير الحراسة النظرية    بطولة اسبانيا: برشلونة يؤكد إصابة دي يونغ    "أسطول الصمود" يعلن تعرض إحدى سفنه لهجوم يشتبه أنه نفذ بمسيرة إسرائيلية    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة        أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        انتشار السمنة بين المغاربة يطلق دعوات إلى إرساء "خطة وطنية متكاملة"        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدي إيفني: ديمقراطية بني أمية!
نشر في هسبريس يوم 20 - 06 - 2008

مرة أخرى تكشف الأحداث عن البون الشاسع بين الشعارات التي تروج الدولة لها من كونها دولة حداثة وديمقراطية وحرية وحقوق إنسان، وبين واقع حالك يشهد كل يوم أنها دولة مخزنية استبدادية عنيفة وعتيقة في تفكيرها وممارستها ومعالجتها للأمور. ""
فأمر طبيعي وعادي جدا أن يخرج الشعب محتجا في مظاهرات سلمية وقد أضناه الجوع وأرهقه غلاء الأسعار وضاقت عليه الدنيا بما رحبت بعد أن سدت في وجهه كل الأبواب، أبواب الشغل والتعليم والصحة، وأبواب الأمل في دولة تعترف كل أجهزتها ومؤسساتها وسياسييها أنها تعيش أزمة اجتماعية خانقة تدعي أنها بسبب إكراهات دولية وظرفية عالمية، ويؤكد الشعب أنها نتيجة تدبير فاشل للملفات الاقتصادية والاجتماعية ونتيجة لظلم فاحش في توزيع الثروات، تراكما عقب الاستقلال واستمرا طوال عقود عرف الشعب خلالها سياسة نهب ممنهج لثرواته وخيراته من طرف طغمة حاكمة وأقليات نافذة.
فماذا ينتظر سياسيونا المحنكون ورعاتنا الكرام؟ أن يجوع الشعب ويعرى ويهان ويمس في قوت يومه ثم لا ينتفض ولا يصرخ ولا يتألم لعمري هذا هو العجب! فقديما قال سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه "عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولا يحمل سيفه". فكيف بمن لا يجد قوت وصحة ومعاش وتعليم شهره وعامه وعقده وقرنه؟
كل الدول غربا وشرقا تعيش الأزمة العالمية بدرجة من الدرجات أو على الأصح بدركة من الدركات، وفي أغلب بلدان الدنيا خرجت الشعوب لتحتج وتعبر عن استيائها، وفي أغلب بلدان الدنيا تجندت الحكومات والسياسيون للبحث عن حلول لتدبير الأزمة والتخفيف من وطأتها بشكل من الأشكال، أما في مغربنا فحكومتنا وتلفزتها العتيدة ولعهود مديدة، وهي متشبثة بسياسة "العام زين" وثابتة عليها كخيار استراتيجي لا محيد عنه، ومع أن جيل الشباب من السياسيين أدرك أنه لا يمكن الاستمرار في هذا الخطاب بعد أن صار مفضوحا ممجوجا مرفوضا من لدن الشعب، فاصطنعوا لغة تعترف بالوقائع لكنها تموه وتناور وتبرر وتكابر، لكن يبدو أن "صحّافنا" الأول عباس الفاسي -غفر الله له- لا زال متمسكا بسياسة جيل الرواد، فسيدي إيفني تعيش في أمن وأمان وطمأنينة ووئام و"العام زين" ولعنة الله على "الجزيرة" وأمثالها من موقظي الفتن والسلام!! سياسة فاشلة ومعالجة أفشل، إذ لا يمكن أن يُعالج الاحتقان الاجتماعي والانسداد السياسي بالإنزالات الأمنية ولا بالقمع والاعتقالات ومحاصرة المدن وفرض حالات الطوارئ ولا بالتعتيم الإعلامي وقلب الحقائق وتزوير الوقائع، ولست أدري للأسف لماذا لم نتعلم الدرس الكبير من عقود الرصاص التي مارست فيها الدولة هذه السياسة وفشلت فشلا ذريعا؟ فقد مضت الحكومات والحاكمين إلى دار الحساب وبقيت الحقائق التي تتكشف يوما بعد يوم شاهدة على خزي ما جنت أيدي الظالمين.
كان على السلطات التي أرسلت تعزيزات أمنية كأنها في حرب أن ترسل وفودا قادرة على الحوار والإقناع وقادرة على حل المشاكل وعلى استيعاب الاختلاف كان عليها أن تفضح الفاسدين المحليين من رجال السلطة وتحاسبهم لا أن تدعمهم، كان عليها عوض أن تحاصر مدينة بأكملها وتستبيح الحرمات وتنتهك ما قدسه الشرع والقانون من أعراض وبيوت وممتلكات وأموال، أن تحاصر الفقر والهشاشة -كما يسمونها- بمشاريع التنمية ومحاربة الفساد ونهب الثروات والمحسوبية والزبونية. وكان عليها أن تحترم عقول المواطنين وتحترم حقهم في الخبر والحقيقة لا أن تستحمرهم وتستبلدهم، فوزيرها الأول ينفي جملة وتفصيلا ووزير داخليتها يقر بوقوع الأحداث تحت قبة البرلمان ،ولجنة لتقصي الحقائق ،وأبواق دعاية لا تفرق بين المخزنية والمهنية أو هي "المهنية المخزنية" بنكهة مغربية، أي تناقض هذا أم أي تلاعب واستخفاف!!! حقا تستعصي على الفهم هذه الأخطاء الصبيانية -التي لا يمكن أن يرتكبها حتى المبتدئون في ممارسة العمل السياسي- لحكومة تمرغ كل يوم سمعة المغاربة في الوحل عالميا، ويستعصي على الفهم هذا الانتحار السياسي الذي يصر عليه المسؤولون مرارا!!!.
لست أدري لماذا قفزت إلى ذهني مشاهد من مخازي بني أمية وأنا أطالع أخبار حصار واستباحة سيدي إيفني، وشهادات سكانها على ما فعلته السلطة بقبائل آيت باعمران المجاهدة لأنها أبت أن ترضى الضيم أو تبيت على الظلم، فقد روى الطبري وابن الأثير والسيوطي في كتب تاريخهم مع اختلافات بسيطة في الرواية، كيف أن يزيد بن معاوية وجه جيشا بقيادة مسلم بن عقبة (1)، بناء على وصية أبيه القائلة: (إن لك من أهل المدينة يوماً، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فإنه رجل قد عرفت نصيحته)، وأوصى يزيد قائد جيشه قائلا:(ادع القوم ثلاثاً، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند(.
وهكذا كان، فقد صارت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرحا لأجلاف وعتاة يزيد يفسدون فيها حتى إن ابن كثير أحصى الخسائر قائلا: "قتل خلق كثير من أشرافها وقرائها، فبلغ عدد القتلى سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف‏. وانتهبت أموال كثيرة منها، وولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج‏ -البداية والنهاية-.
ولأنهم كذلك يفعلون ولأن الاستبداد صناعة عربية بامتياز فليس في قواميسهم إلا القتل والنهب والسلب واستباحة الأعراض، فالتاريخ يعيد نفسه من جديد واليوم أشبه ما يكون بالأمس فمهما تزينت الأنظمة العربية وتجملت فهي لا يمكن أن تتخلص من طبيعتها لأن الطبع يغلب التطبع، لذا على المخزن عندنا بكل مؤسساته أن يكف عن الكذب ويعلنها مجلجلة مقالا بعد أن أعلنها حالا أنه استبداد في استبداد وأن جينات القمع والبطش والفتك والنهب متوطنة في خارطته الوراثية منذ قرون فالاستبداد فينا واحد وإن اختلفت الألقاب والتسميات والعصور والأزمان. فديمقراطيتنا لا تختلف كثيرا عن ديمقراطية بني أمية وبني العباس وبني......!!!
(1) قال بن كثير: "يقول فيه السلف‏:‏ مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.