لم أجد بدا من مخاطبتكم، بعد سماعي لما تفوهتم به من كلام ناب في حق الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، وفي حق حزبنا الوطني العتيد، إثر سماعكم لكلمته في افتتاح المؤتمر الوطني الثاني عشر، هذه الكلمة التي لم تستوعبوها جيدا لأنكم بعيدون عن الفهم العميق للخطاب السياسي، وعن قراءة ما بين السطور، وما وراءها . هذا على الرغم من أنني كنت قد قطعت العهد على نفسي، ألا أهتم بترهاتكم أبدا، لأنها تدخل في زمرة التفاهات الصبيانية الفاقدة لأي معنى، وهي إحدى صور الشعبوية الرخيصة التي تهدف فقط إلى تخدير العقول وتحريك الانفعالات التي تتلف الحكمة والحكامة معا. نعم، نحن بنات وأبناء الاتحاد، أناس خلوقون، تربينا على قيم النبل وحب الغير ، والتضحية من أجل الوطن، وبالتالي على الوضوح والانكشاف، نحن نمارس قناعاتنا، بكل وضوح وبدون نفاق، عكس ما يحدث في صفوفكم، (بدون الإشارة إلى بعض الأحداث اللاأخلاقية التي سجلت على بعض قياداتكم ) . يا سيد بنكيران، إن الاتحاد الاشتراكي منكم براء، لأنه لا تربطكم به أي رابطة: سياسيا، اقتصاديا، اجتماعا وفكريا أيضا. سياسيا: نحن اليسار وأنتم اليمين الذي خرج بالفعل من جبة الإخوان المسلمين. اقتصاديا واجتماعيا: نحن اشتراكيون ديموقراطيون وأنتم ليبراليون تؤمنون بالحرية المطلقة في الإنتاج، مستبعدين أي دور للدولة في التوجيه لهذا الاقتصاد، خالقين الفوارق الطبقية، رافضين بالتالي فكرة التضامن والتآزر بين أبناء هذا الوطن. أما فكريا: فنحن تقدميون، نؤمن بالتطور والتقدم والسير إلى الأمام، أي نؤمن بالعقلانية، ونخضع كل شيء لمنطق العقل والبرهان. كما نلتزم بدراسة الواقع بكل موضوعية ونخضعه للتحليل العلمي المنطقي، باحثين عن سبل لعلاجه من الداخل. بينما أنتم رجعيون ماضويون تسقطون الماضي على الحاضر نافين لأي تطور بل نافين لمنطق الزمن الذي يجري على أي كائن . كما تدفعنا ديموقراطيتنا إلى التشبث بالمساواة ونبذ التمييز بين الجنسين، ومن جهة أخرى تدفعنا عقلانيتنا أيضا إلى قراءة النصوص الدينية بواسطة العقل وبدون تحريف لمقاصد الشريعة النبيلة، وإلى التشبث بالدولة المدنية، والتي تمارسها الدولة، بشكل واضح، ما دام التشريع يأتي من داخل المؤسسة التشريعية. هكذا، أيها القائد، ترى جيدا أنه لا علاقة لنا بكم، أنتم وجميع رفاقكم، وعلى جميع الجبهات، أي تلك التي تكون عادة محط اهتمام السياسيين، فأنتم بالنسبة لنا خارج السياق السياسي، فتمهلوا ولا تتسرعوا في الانفعال حينما تسمعوا كلاما يمس أيديولوجيتكم السياسية (عفوا إن صح القول أن لديكم إيديولوجية معينة) لأنكم مجرد أتباع فقط، وبدون وعي، وبذلك فأنتم مستلبون، فكريا، من طرف الغير، تبحثون عن موقع في عالم السياسة وأنتم لا موقع لكم . نعم، لقد أبخستم عالم السياسة، ودنستموه بشعبويتكم الرخيصة، والتي لا هدف لها سوى تثبيت أقدامكم في مراكز القرار، واستطعتم تحقيق ذلك بفضل السياق الدولي، الذي رافق أحداث 20 غشت، لكن ماذا حققتم للمغاربة؟ حققتم مصالحكم الخاصة، وفمك شاهد على ذلك، هل تتذكر يوم خاطبتم أصحابكم مهنئي على بحبوحة العيش التي أصبحوا يتمتعون بها . ومن جهة أخرى: هل يمكن أن ينسى المغاربة تلك القوانين الظالمة التي مررتموها داخل البرلمان خلال فترة قيادتكم للحكومة؟ بصراحة، وبكل صدق، أقول لكم إن عالم السياسة بعيد كل البعد عنكم، فأنتم لا تمتلكون المؤهلات الفكرية والأخلاقية الضرورية لممارسة هذا الفعل، إن السياسة في أبسط تعريف لها :» هي تدبير أمور الناس بشكل يرضيهم ويصون كرامتهم « ، لذلك أجد صعوبة كبيرة في مقارنتكم برؤساء الحكومات السابقين الذين تعاقبوا على المغرب، أو على الأقل الذين عرفتهم منذ أن بدأت الاهتمام بعالم السياسة منذ أكثر من خمسين سنة، ومنهم مثلا المعطي بوعبيد، عز الدين العراقي، كريم العمراني، أحمد عصمان، عبد اللطيف الفيلالي، عبد الرحمان اليوسفي ، إدريس جطو عباس الفاسي ثم أخيرا عزيز أخنوش . لا مجال للمقارنة نهائيا، فأنتم قد أبخستم عالم السياسة بحق وحقيق، ولا تمتلكون لا رؤية سياسية، ولا استراتيجية سياسية أيضا. تتكلمون على هواكم وكأن السياسة لعب بالكلمات والألفاظ ونوع من التهريج فقط . ومن جهة ثانية، ما قيمة رجل السياسة إذا لم يعترف به الآخرون، إن هذا الاعتراف هو رمز النجاح، ولقد عاقبكم المغاربة في الانتخابات الأخيرة ، ولم يمنحوكم أصواتهم، لأنهم فطنوا إلى حقيقتكم بعدما انخدعوا بكم في المرات السابقة، لأنكم استعملتم الدين كإطار لنيل أصواتهم، وهل أدركتم الآن أن كل زيف إلى زوال، لذلك ما عليكم سوى أخذ العبرة والتراجع إلى الوراء لأن ساحة السياسة عصية على أمثالكم.